استمع إلى المقال

قبل بضعة أشهر، انطلقت البشرية في رحلة استكشاف جديدة ومثيرة عبر عالم الذكاء الاصطناعي، كانت هذه الرحلة تهدف إلى تجاوز حدود العقل البشري وتحقيق طفرة في قدراتنا التكنولوجية.

من بين أدوات هذا العصر الجديد للذكاء الاصطناعي، تبرز أداة مذهلة حملت اسم “ChatGPT”، وهي نتاج شركة “OpenAI”، والتي أضحت رمزا لتلك الثورة الرائدة في عالم الذكاء الاصطناعي، وأصبحت “مفتاحا رئيسيا للتفاعل والتواصل بين الإنسان والآلة”، حيث تمتلك القدرة على التفاعل مع البشر والتواصل بلغة طبيعية، وإبداء آراء وتوليد إجابات فعالة وذكية.

إن بداية إطلاق الذكاء الاصطناعي كانت بمثابة صدمة للعالم، فقد شهدت الصناعات والمؤسسات والحكومات طفرة جديدة لم يكن بالإمكان مجرد تصورها في السابق، ومع طرح “ChatGPT” تحديدا في الأسواق، برزت قوة الذكاء الاصطناعي في تغيير أساليب العمل والتفاعل في المجالات جميعها.

بينما يبدو العالم متحمسا لما يمكن أن يحققه الذكاء الاصطناعي، فإن هناك أيضا توترا وترقبا من قبل البعض، إذ تطرح هذه الطفرة التكنولوجية تحديات جديدة وأسئلة أخلاقية وقانونية تتطلب اهتماما مشتركا وحوارا عالميا، وتتسارع الجهود لتنظيم وتوجيه هذه التكنولوجيا لضمان أن تبقى في خدمة الإنسانية، وتحقق الفوائد المجتمعية.

قوانين تنظيم الذكاء الاصطناعي

الخوف من المجهول هو غريزة لدى الإنسان، وينشأ من عدم الثقة أو الفهم أو عدم القدرة في التحكم بذلك الشيء المجهول، ولكن من المفترض ألاّ يمنعنا هذا الخوف من الترحيب بالابتكارات والاكتشافات الجديدة، بل يجب أن يحفزنا على التعلم والتكيف والتطور.

من هنا، بدأت بعض الجهود تتظافر لإيجاد الثقة بين البشرية والذكاء الاصطناعي، وتوضيح النقاط الغامضة وعدم المفهومة في ثنايا هذه التنقية، لإيجاد آلية قوانين يتم من خلالها تنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي

في 8 حزيران/يونيو الحالي، نشر موقع “إكسڤار” تقريرا بعنوان “قوانين تنظيم الذكاء الاصطناعي.. حماية أم تقييد؟“. التقرير أوضح، بأن مخاوف الكثيرين تزداد يوما بعد يوم بسبب خطورة الكوارث التي يمكن أن يتسبب فيها الذكاء الاصطناعي، ومن الضروري تقييم هذه التقنية بشكل محايد وتحديد درجة خطورتها لكي نتمكن من اتخاذ القرارات المناسبة بشأنها.

في هذا السياق، تحدث التقرير عن الرحلة الطويلة لسام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “Open AI” ومبتكر روبوت الدردشة “ChatGPT”، والذي أدرك تأثير المخاوف المتزايدة على تقنية الذكاء الاصطناعي، مما دفعه بملء إرادته، وذلك بعد إطلاق روبوت الدردشة بأسابيع قليلة، بالانطلاق برحلته المكوكية التي بدأت من واشنطن، حيث قدّم عرضا لـ “ChatGPT” خلال وجبة إفطار مع أكثر من 20 عضوا في “الكونغرس”.

ألتمان دعا إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي في لقاءات خاصة مع قادة جمهوريين وديمقراطيين في “الكونغرس” الأميركي؛ وبشكل عام، ناقش ألتمان هذه التكنولوجيا المتطورة مع ما لا يقل عن 100 عضو في مجلس النواب الأميركي، بالإضافة إلى نائبة الرئيس كامالا هاريس وأعضاء الحكومة في “البيت الأبيض”، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

الصحيفة كتبت بكل وضوح، بأنه عادة ما يتجنب رؤساء الشركات التكنولوجية الظهور أمام المشرعين والمشرعات الحكوميين، وذكرت بعض الأمثلة حيث استغرق إقناع مارك زوكربيرغ من “ميتا”، وجيف بيزوس من “أمازون”، وسوندار بيشاي من “جوجل” بالشهادة أمام “الكونغرس” في السنوات الأخيرة، الكثير من التهديدات بإجراءات الاستدعاء والإذلال العلني.

بينما ألتمان، تجاوز هذا الأمر، وكسر هذه القاعدة، وسعى هو لاجتذاب انتباه القوانين بطريقة أذابت العقبات التي تعترض شركات “وادي السيليكون”، وهو من بادر إلى عقد اجتماعات واستغلال الفرص للشهادة في جلسات “مجلس الشيوخ” الشهر الماضي، وبدلا من الاحتجاج على اللوائح، فهو يدعو النواب بملء إرادته إلى فرض قواعد شاملة لمحاسبة التكنولوجيا، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.

الصيد في الماء العكر

قبل بضعة أيام، نشر أحد المواقع الإخبارية الناطقة بالعربية، مادة تزعم أن مؤسسة “إكسڤار” تستخدم عناوين مضللة لجذب القراء دون تقديم حقائق موثوقة، ولكن يبدو أن الموقع نفسه هو من يلجأ إلى التضليل والمغالطة، بغية تسول النقرات عندما يتحدث عن قضية فرض الإدارة الأميركية على سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “OpenAI”، الالتزام بوضع قوانين تنظيمية للذكاء الاصطناعي. 

هذا يتنافى مع ما ذكرته وسائل الإعلام الأميركية والعالمية المرموقة، مثل “نيويورك تايمز”، التي أشارت إلى أن ألتمان عقد العديد من الاجتماعات بشأن هذا الموضوع بعد إطلاق “ChatGPT” بأسابيع قليلة، وقبل أن يبدي الساسة الأميركيون قلقهم.

سام ألتمان

في 17 أيار/مايو المنصرم نشرت شبكة  “بي بي سي” البريطانية خبرا بعنوان “سام ألتمان.. الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI يدعو الولايات المتحدة إلى تنظيم الذكاء الاصطناعي”، ولم تقل تم دعوته، أو تم إلزامه بالحضور، وغيرها من المواقع والوكالات التي قامت بتغطية جولة سام حول العالم، التي أوضحت مرارا وتكرارا خلال صفحاتها سعي ألتمان بمبادرة شخصية إلى إيجاد ضوابط وقوانين للذكاء الاصطناعي حرصا منه على أن تكون هذه التقنية في خدمة الإنسانية.

رحلة ألتمان العالمية

سام ألتمان هو رجل لديه رؤية، رؤية لجعل العالم مكانا أفضل بفضل الذكاء الاصطناعي، ولكن ليس أي ذكاء اصطناعي، بل ذكاء اصطناعي عام، قادر على ابفهم والتفاعل مع البشر بطريقة طبيعية وودية، وهذا ما يسعى إلى تحقيقه من خلال شركته “OpenAI” ومشروعه “ChatGPT”.

لكن ألتمان لا يرضى بأن يكون مجرد صانع أحلام، بل هو أيضا رائد أعمال ومستثمر ومبرمج، يعرف كيف يحول أفكاره إلى واقع؛ ولهذا السبب، قرر في عام 2023 أن يقوم برحلة حول العالم، ليشارك رؤيته مع المستخدمين والمطورين والساسة والصحفيين والنشطاء والفنانين والمثقفين والمهتمين بالذكاء الاصطناعي.

في رحلته التي استغرقت ثلاثة أشهر، زار سام ألتمان 16 مدينة في 5 قارات، وأجرى العديد من اللقاءات والندوات والورشات والحوارات حول “ChatGPT” والذكاء الاصطناعي العام، كما تفاعل مباشرة مع المستخدمين، وأظهر لهم كيف يمكن لـ “ChatGPT” أن يكون صديقا ومساعدا ومستشارا لهم في حياتهم اليومية.

جولة ألتمان حول العالم هي مثال على شغفه وإصراره على تغيير العالم بواسطة التكنولوجيا. هو يؤمن بأن الذكاء الاصطناعي هو المستقبل، وأنه يجب أن يكون مفتوحا وديمقراطيا وإنسانيا، وهو يدعو إلى تشجيع التعاون والابتكار والتنظيم في مجال الذكاء الاصطناعي، لضمان استخدامه لخير البشرية.

مقتطفات من الرحلة

  • فرنسا

في فرنسا، التقى سام ألتمان بالرئيس إيمانويل ماكرون في “قصر الإليزيه”، وتبادلا وجهات النظر حول تطوير المواهب والتقنيات في فرنسا، والعمل من أجل التنظيم على المستوى الفرنسي والأوروبي والعالمي. كما ناقشا الخطوات التالية في رحلة “OpenAI” والقضايا الرئيسية المقبلة، بما في ذلك التنظيم، والأخلاق، وحماية المستخدمين والديمقراطية.

سام ألتمان مع ماكرون

ألتمان أعرب عن إعجابه بالجهود التي يبذلها “الاتحاد الأوروبي” لوضع قواعد جديدة للذكاء الاصطناعي تهدف إلى حماية الخصوصية والسلامة؛ ومع ذلك، حذر من أن تكون التشريعات المفروضة على الذكاء الاصطناعي مفرطة أو مقيدة للابتكار، كما قال إن “OpenAI” قد تضطر إلى إغلاق مقرها في أوروبا إذا كانت التشريعات غير مناسبة.

  • طوكيو

في محاضرة ألقاها في “جامعة كيو” بطوكيو، تحدث سام ألتمان، عن تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على مجال التعليم، وقال إن هذه التكنولوجيا السريعة التطور ستغير طرق التعلم والتقويم، وستجعل الواجبات المنزلية أمرا من الماضي، وقارن ألتمان الذكاء الاصطناعي بالآلات الحاسبة، مشيرا إلى أنه يمثل أداة جديدة للتعليم.

بشكل عام، وأثناء جولته العالمية للقاء قادة الشركات وصانعي القرار، ناقش ألتمان الفرص والتحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي التوليدي، والضوابط اللازمة لهذه التكنولوجيا، وأعرب عن ثقته بوجود ضمانات كافية لمواكبة تطور هذه التكنولوجيا، لكنه أقر بوجود مخاوف من تأثيرها على المجتمع.

فيما يخص مسألة التوظيف، قال ألتمان، إنه لا يتوقع أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى فقدان كثير من الوظائف، بل سيخلق فئات جديدة من الوظائف، وأضاف، “لا يمكن توقع المستقبل بدقة، فكل التوقعات تقريبا خاطئة”.

قوانين مناسبة وغير مفرطة

ما زال سام ألتمان يسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في عالم الذكاء الاصطناعي، فهو يدرك أن التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي تحمل في طياتها فرصا هائلة وتحديات كبيرة في آن واحد، ويؤمن بأن القوانين واللوائح المناسبة هي الأساس الذي يضمن استخدام هذه التقنية بشكل أخلاقي ومسؤول.

بالتعاون مع الساسة والمشرعين، يسعى ألتمان إلى تشكيل إطار قانوني شامل يحدد المعايير والمسؤوليات والحقوق في مجال الذكاء الاصطناعي، كما يسعى أيضا إلى تعزيز التعاون الدولي وإنشاء هيئة تنظيمية عالمية لضمان التنسيق والتوجيه العالمي لهذه التقنية المتطورة، وذلك من خلال إلهام القادة العالميين وتوعيتهم بأهمية التنظيم السليم والموازنة بين التقدم التكنولوجي وحماية المصالح الإنسانية والأخلاقية.

ألتمان يرفض القوانين المفرطة والتشريعات الجائرة، ولكنه يسعى للعمل مع القوى السياسية لوضع قوانين تنظم الذكاء الاصطناعي بطريقة تعزز الابتكار، وتحمي المجتمعات من المخاطر الناجمة عن سوء استخدامه.

في النهاية، تقف جهود سام ألتمان كمثال قوي على رؤية واضحة والتزام حقيقي بتطوير قوانين واضحة لتنظيم مجال الذكاء الاصطناعي، ويتطلع العالم إلى استمرار تلك الجهود وتحقيق التقدم الملموس نحو تطبيق قواعد توفر بيئة آمنة ومنصفة لتقنية الذكاء الاصطناعي في العالم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات