استمع إلى المقال

اليوم 8 آذار/مارس. هو اليوم العالمي للمرأة، وبهذه المناسبة اختارت الأمم المتحدة شعار “إشراك الجميع رقميا: الابتكار والتقنية لتحقيق المساواة بين الجنسين” للاحتفاء بهذا اليوم، ولتسليط الضوء على الفجوة الرقمية بين المرأة والرجل.

الواضح أن الفجوة الرقمية تتسع بين المرأة والرجل، وهذا يبرز أكثر من خلال الإحصاءات التي تتعلق باستخدام المرأة للإنترنت مقارنة بالرجل، فماذا تقول الأرقام، وما أسباب تلك الفجوة، وما هي العقبات.

بحسب المنظمة الأممية، فإن 37 بالمئة من النساء لا يستخدمن الإنترنت. عدد المستخدمات للإنترنت يقل بـ 259 مليون امرأة عن عدد الرجال حول العالم، مع أنهن يمثلن ما يقرب من نصف سكان المعمورة.

الأرقام تقول، إن 63 بالمئة من النساء استخدمن الإنترنت في عام 2022 مقارنة بـ 69 بالمئة من الرجال، ومع حلول عام 2050، ستكون 75 بالمئة من الوظائف في مجالات ذات صلة بالعلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، وفق موقع “الأمم المتحدة” الإلكتروني.

قد يهمك: قتل الحريات عَبَر التّجسس ومراقبة الحقوقيين.. جريمة “بيغاسوس” التي لا تُغتَفر 

الإنترنت غير صديق للمرأة؟

لا تشغل النساء اليوم سوى 22 بالمئة من الوظائف في مجال الذكاء الصنعي، في وقت كشفت دراسة أُجريت في 51 دولة، أن 38 بالمئة من النساء تعرضن للنعف على الإنترنت، ما يدفع بالعديد منهن لتجنب استخدام الإنترنت.

فضاء الإنترنت لم يكن صديقا للفتيات والنساء منذ ظهوره مطلع تسعينيات القرن الماضي، فكلما تعالت أصوات النساء تصاعدت معها وتيرة سوء المعاملة التي يتعرضن لها.

بعض الأبحاث تشير، إلى أن  النساء  أكثر عرضة بنحو 3 مرات لتلقي تعليقات مهينة تتعلق بجنسهن على مواقع التواصل الاجتماعي مقارنة بنظرائهن من الرجال، كما يتم أيضًا استهداف الفتيات بشكل أكبر مقارنة بالأولاد.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ذكر قبل عامين، أن نسبة 2 بالمئة فقط من النساء في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وشرق آسيا والمحيط الهادئ يمتلكن هاتفا محمولا به إمكانية الوصول إلى الإنترنت، أما في جميع أنحاء العالم، فهناك 327 مليون امرأة (أقل من الرجال) يمتلكن هاتفا ذكيا يمكّنهن من الوصول إلى الإنترنت.

بحسب غوتيريش، فإن تمثيل المرأة  في وظائف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإدارة العليا والمهن الأكاديمية في القطاع التكنولوجي تمثيل ضئيل جدا، لافتا إلى أن 90 بالمئة من الشركات الناشئة التي تسعى إلى رأس المال الاستثماري أسّسها رجال.

الأحد الماضي، اُفتتحت أعمال الدورة 67 للجنة وضع المرأة، التي تعد أكبر تجمع سنوي بالأمم المتحدة حول المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، وركزت هذا العام على الابتكار والتغيير التكنولوجي والتعليم في العصر الرقمي لتعزيز العمل، لسد الفجوات بين الجنسين في هذا المجال.

شارك في افتتاح أعمال اللجنة، التي تعقد من السادس وحتى السابع عشر من الشهر الحالي، عدد من كبار مسؤولي الأمم المتحدة، وتعقد في إطارها فعاليات حول أوضاع النساء في مختلف أنحاء العالم.

قد يهمك: كيف يدعم الذكاء الصنعي العمليات التجميلية؟ 

مستقبل منحاز ضد المرأة؟

في رسالة بالفيديو أرسلها للاجتماع، أكد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة تشابا كوروشي، أهمية تعزيز التعليم الجيد في العصر الرقمي للنساء والفتيات، مردفا أن العالم بحاجة إلى خبرات المرأة لمواجهة الأزمات المعقدة والمتشابكة، من تغير المناخ والصراع إلى الفقر والجوع وشح المياه.

فيما يتسارع تطور التكنولوجيا، تُترك النساء والفتيات خلف ركب التقدم، إذ بالنسبة للأمين العام للأمم المتحدة، “يفيد المنطق الحسابي بأن غياب إبداع وبصيرة نصف العالم، لن يتيح للعلم والتكنولوجيا إلا بتحقيق نصف الإمكانات المحتملة”.

غوتيريش قال، إن 3 مليارات شخص ما زالوا غير متصلين بالإنترنت، غالبيتهم من النساء والفتيات في الدول النامية، مردفا أن قرونا من الذكورية والتمييز والصور النمطية الضارة، خلقت فجوة هائلة بين الجنسين في العلوم والتكنولوجيا، مشيرا إلى أن النساء يمثلن 3 بالمئة فقط من الفائزين بجائزة نوبل في المجالات العلمية.

النساء والفتيات تمثلن ثلث طلاب العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وفي قطاع التكنولوجيا، يفوق عدد الرجال، النساء بنسبة 2 إلى 1، وفق غوتيريش، الذي أعرب عن أمله بألا يتم “تشكيل المستقبل بشكل منحاز ضد المرأة”.

بالعودة إلى الإحصاءات، يبلغ معدل وصول الإنترنت للنساء البالغات 41 بالمئة، مقارنة بـ 53 بالمئة للرجال، أي أن الفجوة في الوصول للإنترنت بين البالغبن من الجنسين تصل إلى 12 بالمئة، وفق الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU).

في الدول الأقل نموا، تمكنت 15 بالمئة فقط من النساء من الوصول للإنترنت في عام 2019، مقارنة بنسبة 86 بالمئة في البلدان المتقدمة، وهناك إحصاءات تشير إلى نمط مماثل من صعوبة الوصول واستخدام الإنترنت بالنسبة للفتيات تماما كما هو الحال بالنسبة للنساء.

احتمالية استخدام الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 عاما للإنترنت تقل مقارنة بالذكور من نفس الفئة العمرية، كما قلت احتمالية امتلاكهن لهواتف محمولة.

قد يهمك: كيف تحوّلت “الميمز” من مجرد صور فكاهية إلى محرك سياسي وثقافي؟ 

إحصاءات عن الفجوة الرقمية بين الجنسين

دراسة أجرتها مؤسسة “فودافون”، أفادت بأن الأولاد أكثر احتمالًا بنسبة 1.5 مرة من الفتيات لامتلاك هاتف محمول، وأكثر  احتمالية بنسبة 1.8 مرة  لامتلاك هاتف ذكي. فيما تقوم 52 بالمئة من الفتيات باقتراض الهواتف إذا احتجن للاتصال بالإنترنت مقارنة بـ 28 بالمئة من الأولاد.

بين عامي 2013 و2019، كانت الفجوة بين الجنسين على الإنترنت تؤول إلى صفر في القارتين الأميركتين وتتقلص في رابطة الدول المستقلة وأوروبا. لكنها، ومع ذلك، كانت آخذة في الاتساع في الدول العربية وآسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا، فمعظم مستخدمي الإنترنت الجدد منذ عام 2013 كانوا من الرجال.

تمثل النساء النسبة الأقل من القوى العاملة في أكبر 11 شركة عملاقة في مجال التقنية في الولايات المتحدة، إذ تتذيل “تويتر” و”مايكروسوفت” القائمة، باحتلال النساء في المتوسط ما يقرب من 19 بالمئة فقط من الأدوار التقنية في تلك الشركات. 

تقرير نشره موقع “Hired.com”، قال إنه في عام 2019، تتلقى النساء العاملات في المناصب التقنية أجورا أقل من الرجال بنسبة 8 بالمئة، وأقل بنسبة 4 بالمئة في مناصب إدارة المنتجات، ناهيك عن أن 11 بالمئة فقط من النساء في “وادي السيليكون” يشغلن مناصب قيادية، حسب بيانات شركة المحاماة “Fenwick & West” المنشورة عام 2014.

بحسب “المعهد القومي للنساء وتكنولوجيا المعلومات” (NCWIT)، تصل نسبة النساء اللواتي يتركن وظائفهن في مجال التقنية في منتصف مسيرتهن المهنية إلى 56 بالمئة، بينما تبلغ نسبة النساء اللواتي يملكن براءات اختراع متعلقة بالتقنية 8 بالمئة فقط، مما يؤثر بشكل كبير على عدد الابتكارات التي تقودها النساء ويتم طرحها في السوق.

العقبات التي تواجه النساء في التقنية، تتمثل بصعوبة الوصول إلى خدمات الإنترنت، إذ تُظهر أحدث الإحصاءات أن نحو 40 بالمئة من سكان العالم غير قادرين على الوصول إلى الإنترنت، معظمهم من النساء والفتيات، أما الدول التي  تتمتع بإمكانية الوصول إلى الإنترنت، فغالبا ما تتسم بالتحيز المجتمعي، مما يؤدي إلى ارتفاع عدد مستخدمي الإنترنت من الرجال مقارنة بالنساء.

عدم الوصول إلى الإنترنت يعني بالضرورة بحسب تقرير لموقع “Masaar“، نقص في المعلومات المحدثة، لا سيما تلك المتعلقة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، والمتعة الجنسية، والإجهاض الآمن، والوصول إلى العدالة، وقضايا مجتمع الميم.

قد يهمك: كيف يمكن تجاوز القيود الحكومية على الإنترنت؟ 

أسباب الفجوة الرقمية بين المرأة والرجل

نقص المعلومات يزيد أيضا من صعوبة النقاش حول قضايا المساواة، فقد أظهر بحث منشور على موقع “Web Index”، أنه في غالبية الدول، لا تستطيع النساء الوصول بسهولة إلى معلومات حول حقوقهن القانونية وخدمات الصحة الإنجابية والجنسية، والخدمات المتاحة لضحايا العنف القائم على النوع الاجتماعي على منصات الإنترنت.

الاقتصادات المحلية هي الأخرى، يمكنها أن تكون أحد العوائق التي تحول دون الوصول إلى الإنترنت، ففي العديد من الدول، لا تزال هناك مشكلة تتعلق باحتكار مزودي الإنترنت للخدمة دون وجود منافسة، إذ يقود النظام الرأسمالي قطاع التقنية نحو الربح فقط، متجاهلا الفوائد المجتمعية التي يمكن أن تأتي من تزايد إمكانية الوصول إلى الإنترنت.

من بين العقبات التي تواجه النساء أيضا، ضعف تمثيل المرأة في قطاع التقنية، فعلى الصعيد العالمي، تشكِل النساء ربع الباحثين فقط. وتمثلن 12 بالمئة من المهندسين، بينما في المملكة المتحدة، تمثل النساء 27 بالمئة فقط من “القوة العاملة الرقمية”، وهي نسبة آخذة في الانخفاض.

سبب آخر يؤدي إلى ضعف تمثيل النساء بمجال التقنية، يتمثل بارتفاع معدل انقطاع النساء عن الدراسة الجامعية بسبب الصور النمطية، وهيمنة الرجال على قطاع التقنية والمعلومات، وافتقار الصناعة إلى سياسات لإدماج النساء، ما يسفر عن فجوة رقمية بين الجنسين.

من بين النقاط الأخرى، هي معاناة النساء في جميع العالم من تعرضهن لكراهية وعنف ومضايقات،عن طريق التشهير بنشر مواد تتضمن معلوماتهن الشخصية أو الخاصة، ما يجعل الفضاء الإلكتروني مساحة غير آمنة للنساء ويعيق مشاركتهن الفعالة فيه.

ما يمكن قوله أيضا، إنه تتقاطع الأعراف الاجتماعية والثقافية، والتوقعات المتعلقة بأدوار الفتيات والنساء وعلاقتهن بالتكنولوجيا مع جميع هذه العوامل، إذ قد تحد المخاوف بشأن التكلفة من عدد الهواتف الذكية المستخدمة في الأسرة الواحدة ومدى تقدمها، وعندما يكون المعروض من الهواتف أو أجهزة الكمبيوتر محدودا، فإن حصول النساء والفتيات عليها لا يكون من الأولويات. 

في النهاية، فإنه لا يمكن تحقيق إمكانيات التحول الرقمي عندما يُستبعد نصف سكان العالم -أي النساء- من هذه العملية أو تُقيّد قدرتهن على المشاركة فيها، لذا فإن سد الفجوة الرقمية بين الرجل والمرأة حاجة  ضرورية لضمان تحسين وزيادة قدرة النساء والفتيات للحصول على خدمات الرعاية الصحية والتعليم، والوظائف، والمشاركة المدنية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.