استمع إلى المقال

الثورة التي أحدثتها الطباعة ثلاثية الأبعاد امتدت إلى عدة قطاعات مختلفة، وأصبح من المعتاد أن ترى مكونات مطبوعة بشكل ثلاثي الأبعاد في صناعات مثل صناعة الطائرات والسيارات والزوارق إلى جانب الهواتف المحمولة والصناعات البنائية المختلفة، حتى أنها وصلت إلى الطباعة الحيوية وبناء خلايا جسدية عبر استخدام هذه التقنية. 

الامتداد إلى عالم صناعة الذهب وصياغته على شكل مجوهرات كان المحطة التالية في رحلة الطباعة ثلاثية الأبعاد، لذلك ظهرت عدة محاولات لاستخدام هذه التقنية في تشكيل المعدن النفيس، ولكن إلى أين وصلت الطابعة ثلاثية الأبعاد في عالم الذهب، وهل استطاعت تطويع المعدن النفيس. 

جوانب مختلفة 

الطباعة ثلاثية الأبعاد تمتاز بكونها إحدى التقنيات متعددة الاستخدامات، ولا يوجد ما يحد استخداماتها إلا مخيّلة الحرفي الذي يقف وراء الطابعة، وذلك لأن كل ما تحتاج إليه هو المادة المالئة لهيكل الطباعة والتصميم ثلاثي الأبعاد الذي يصمم في الحاسوب حتى تتمكن من الوصول إلى النتيجة التي تحتاجها.

قد يهمك أيضا: الطباعة ثلاثية الأبعاد.. ما دورها في صناعة المستقبل؟

السهولة في استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد جعلت الكثير من الصناعات تتجه إليها، ورغم ذلك فإن استخدامها في صناعة الذهب وصياغته ليس منتشرا مثل بقية الصناعات، وذلك بسبب خواص الذهب الفريدة من نوعها والتي حدت من استخدامات التقنية معه. 

الذهب يتمتع بدرجة انصهار مرتفعة للغاية تصل إلى 1046 درجة سيليزية، وهذا يوفر له مقاومة عالية للحرارة مما يجعله يحتفظ بشكله كما هو لفترات طويلة دون أن يطرأ عليه أي تغيير، ولكن هذه الميزة هي العقبة التي تقف أمام توسع الطباعة ثلاثية الأبعاد في عالم الذهب. 

أنواع الطابعات ثلاثية الأبعاد التي وصل إليها العلم حتى الآن لا تستطيع احتمال درجات الحرارة المرتفعة التي يحتاجها الذهب للانصهار، وبالتالي لا يمكن تزويد الطابعة بمادة الذهب المنصهرة والانتظار حتى تتشكل داخل الطابعة وتصبح مشغولات ذهبية أنيقة، وعوضا عن ذلك وجد صنّاع الذهب طريقة أخرى للاستفادة من الطابعات ثلاثية الأبعاد. 

الالتفاف الذي وجده صنّاع الذهب هو طباعة قوالب معدة مسبقا من مواد مقاومة للحرارة وتشكيلها كما يرغبون، وبعد ذلك تصنع منها قوالب حجرية، وهي التي يتم إضافة الذهب المسال إليها، وهذه الطريقة أتاحت لصناع الذهب إنتاج تصميمات ذهبية كان من الصعب القيام بها بشكل يدوي أو بالاعتماد على المواد المتاحة للمستخدمين حاليا، وتعرف هذه الطريقة باسم “الطباعة الحجرية – Stereolithography” ويشار لها اختصارا بمسمى “SLA”. 

الطباعة ثلاثية الأبعاد عبر طريقة SLA

طريقة أخرى يستخدمها بعض صانعي الذهب هي تشكيل طبقات من مسحوق الذهب معا لتأخذ شكل القطعة المراد تصميمها، إذ يضاف مسحوق الذهب إلى حجرة مادة الطباعة وتتم الطباعة باستخدامه، وبعد ذلك تتعرض هذه القطعة لأشعة ليزر مرتفعة درجة الحرارة حتى تتصلب وتأخذ شكلها، وتعرف هذه الطريقة باسم ” تلبد الليزر المعدني المباشر- Direct metal Laser Sintering” واختصارا “DMLS”. 

قد يهمك أيضا: سيارات خارقة بتقنية الطباعة ثلاثيّة الأبعاد

المشكلة التي تواجه طريقة “DMLS” في استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد هي سعر مسحوق الذهب وطريقة الحصول عليه، إذ لا يتم سحق الذهب بشكل كامل لتحصل على هذا المسحوق، ولكنه يأتي من بقايا عمليات تصنيع الذهب والقطع الذهبية المحطمة، كما أن هذه الطريقة تضع الحرفيين تحت خطر استنشاق مسحوق الذهب، وهو الأمر الذي يتسبب في الكثير من الأضرار الصحية. 

الطباعة ثلاثية الأبعاد عبر طريقة DMLS

بعض مصنعي مواد الطباعة ثلاثية الأبعاد يستخدمون مكونات تشبه الذهب إلى حدّ كبير في موادهم، وذلك لإعطاء المادة اللون الذهبي اللامع أو بعض الخصائص الشكلية مثل الذهب أو يمزجون المكونات مع ذهب رديء يتمتع بدرجة انصهار منخفضة حتى تتمكن الطابعة من التعامل معه، ولكن مثل هذه الطرق لا يمكن تصنيفها ضمن استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في عالم الذهب، لأنها في النهاية لا تعتمد على الذهب في حد ذاته. 

مزايا الطباعة ثلاثية الأبعاد في الذهب 

محاولات إقحام الطباعة ثلاثية الأبعاد في عالم المصوغات الذهبية ما زالت جارية، إذ يحاول المصنعون بناء طابعات ثلاثية الأبعاد قادرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة التي يحتاجها الذهب، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا هذا التصميم على استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في الذهب. 

الإجابة على مثل هذا السؤال تحتاج النظر إلى مزايا الطباعة ثلاثية الأبعاد بشكل عام، ومن أهمها إمكانية تشكيل الذهب كما ترغب وبناء مجسمات وتصميمات خيالية لا يستطيع الحرفي اليدوي الوصول إليها، وبالتالي تقدم قطع ذهبية فريدة من نوعها، كما أن سهولة استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد ستشجع الكثيرين على الدخول في هذا القطاع وتقديم ابتكاراته، وبالتالي تنوع الأشكال المتوفرة من الذهب. 

الطباعة ثلاثية الأبعاد أيضا ستضمن جودة المنتج النهائي، إذ أن جميع القطع التي طبعت باستخدام المادة ذاتها والتصميم ذاته ستكون قريبة للغاية من بعضها البعض، وهو ما يضمن ثبات جودة المنتج النهائي والاستفادة الحقيقية منه. 

البعض يرى أن الطباعة ثلاثية الأبعاد ستمكن الصاغة من الوصول إلى تركيبات ذهبية أخف وزنا، وبالتالي أقل ثمنا من التركيبات مرتفعة الثمن المعتادة، وهو ما سيساعد في زيادة مبيعات المصوغات الذهبية وولادة فئة جديدة فيها. 

قد يهمك أيضا: استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد في جراحة تجميلية للأذن

 انخفاض سعر الذهب وغياب الحرفة 

تحول عملية صياغة الذهب إلى صناعة تقوم بها الآلات بشكل رئيسي دون تدخل من أي حرفيين سيؤدي إلى انخفاض أسعار الذهب بشكل كبير، وذلك إما لخفض وزن المشغولات الذهبية أو لأن عملية تشكيلها ستصبح أسهل ولن تحتاج إلى وجود حرفيين قادرين على تشكيل الذهب بكل سهولة، وبينما قد يكون هذا جيدا على بعض الأصعدة، إلا أن الأمر له توابع سلبية متعددة. 

موت حرفة صياغة الذهب اليدوية هو الجانب الأبرز لانتشار هذه التقنية، ومثل بقية الصناعات التي تدخلت فيها الآلات، سيتحول الذهب المصنوع يدويا إلى سلعة فائقة الرفاهية لا يتحملها إلا بعض الفئات في المجتمع، كما أنه سيفتح الباب لظهور المعادن الذهبية المقلدة، وهي معادن مخلوطة مع مواد أخرى ليست من الذهب في شيء. 

الطباعة ثلاثية الأبعاد ستتطور بشكل يتيح لها الدخول إلى قطاع الذهب بشكل أو بآخر، ولكن السؤال الذي يتبقى هو، هل نرغب حقا في دخول الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى عالم المصوغات الذهبية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات