استمع إلى المقال

في عالم تتشابك فيه أوتار التكنولوجيا والإنسانية، تنطلق قصتان متناقضتان في طياتها، ترويان حكاية اندماج الروبوتات في المجتمع البشري بأبعاد متناقضة تتراوح بين البطولة النبيلة والكوارث غير المتوقعة، على طرف الحدث الأول، نجد كلبا روبوتيا ينضم إلى صفوف قوات الشرطة في قلب هوليوود، يُشغل برامجه الذكية لإنقاذ الأبرياء والقبض على المجرمين، في الطرف الآخر، روبوت في كوريا الجنوبية، والذي قام بفعل الأمر المأساوي من خلال سحقه لرجل، معتقدا أنه صندوق خضروات.

هل هذا الاندماج هو سيف ذو حدين، يُعد محطة تقنية تحمل في جعبتها إمكانيات لا حصر لها لتحسين حياة الإنسان، أم أنه يشكل خطرا غير متناه يتسلل إلى أعماق حياتنا اليومية؟ دعونا نستكشف هذه الروايتين المتنافرتين، لنسلط الضوء على تأثيرات هذا الاندماج على السلامة العامة والأمان الشخصي، ولننقب في أغوار هذا العالم الجديد الذي يشكل تحديات أخلاقية وتقنية بلا حدود.

كلب روبوت يساعد على إنهاء موقف مسلح

شرطة لوس أنجلوس تمكنت من حل موقف خطير في هوليوود قبل بضعة أيام، بمساعدة كلب روبوت جديد يسمى “سبوت”، كان الرجل المسلح نائما على حافلة مترو، ولم يستجب لمحاولات الشرطة للتواصل معه، تمكن الكلب الروبوت، الذي يتم التحكم فيه عن بعد، من الاقتراب من الرجل وإرسال مقاطع فيديو مباشرة إلى الضباط، كما استخدم مكبر الصوت الخاص به للتحدث إلى الرجل وإقناعه بالاستسلام، بعد حوالي ساعتين، خرج الرجل من الحافلة، حيث تم اعتقاله من قبل الشرطة دون حدوث أي حوادث.

الكلب الروبوت “سبوت” هو روبوت رباعي الأرجل يمكنه المشي والتسلق والركض، وهو من إنتاج شركة “بوسطن ديناميكس”، تم التبرع به إلى شرطة لوس أنجلوس من قبل الشركة، وتبلغ قيمته 278 ألف دولار، يهدف الكلب الروبوت تأمين سلامة الضباط والجمهور في المواقف الخطرة مثل حوادث الإرهاب والمفاوضات مع الرهائن؛ ومع ذلك، فقد واجه الكلب الروبوت انتقادات من قبل بعض النشطاء والسياسيين الذين يعتبرونه أداة للمراقبة والعسكرة من قبل الشرطة.

هذا الحادث يعتبر أول استخدام عملي للكلب الروبوت في موقف حقيقي من قبل شرطة لوس أنجلوس، وقد أثار الكثير من الاهتمام والجدل في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بعض الناس يرون الكلب الروبوت على أنه تقنية مبتكرة ومفيدة، بينما يرونه آخرون على أنه تهديد للخصوصية وحقوق الإنسان.

روبوت صناعي يقتل موظفا في كوريا الجنوبية

في حادثة مأساوية، لقي موظف في شركة لتركيب الروبوتات الصناعية حتفه عندما اعترضه روبوت في مركز توزيع للمنتجات الزراعية في كوريا الجنوبية، واعتبره صندوقا من الفلفل؛ الروبوت الذي كان ينقل الصناديق إلى منصات نقالة، أمسك بالرجل ودفعه إلى حزام ناقل، مما أدى إلى سحق وجهه وصدره، نُقل الرجل إلى المستشفى، لكنه توفي لاحقا.

الحادث وقع في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في مقاطعة جوسونغ بكوريا الجنوبية، الضحية كان موظفا في شركة “روبوتيكس كوريا” وكان يفحص حساسات الروبوت عندما حدث الخطأ؛ وفقا للشرطة، فإن الروبوت لم يكن مبرمجا للتمييز بين الأشياء المختلفة، وكان يعتمد على الوزن والحجم للتعرف على الصناديق.

وفقا لخبير في الروبوتات، فإن الروبوتات الصناعية لا تمتلك قدرات استشعار متطورة، وقد تخطئ في التمييز بين الأشياء المختلفة، وأكد ضرورة وجود أنظمة دقيقة وآمنة في مثل هذه البيئات، وأضاف أن هذه الحادثة تبرز المخاطر المحتملة لاستخدام الروبوتات في الصناعات الزراعية والغذائية.

هذه ليست المرة الأولى التي تقتل فيها روبوتات صناعية البشر، ففي عام 2015، قتل روبوت في مصنع لشركة “فولكس فاجن” في ألمانيا عاملا بعد أن انهار عليه، وفي عام 2016، قتل روبوت في مصنع لشركة “تيسلا” في الولايات المتحدة عاملا بعد أن اصطدم به، وفي عام 2019، قتل روبوت في مصنع لشركة “فوكسكون” في الصين عاملا بعد أن سحقه.

سيف ذو حدين

في ختام هذه الجولة المليء بالتناقضات، نتأمل سويا في لحظة تاريخية حاسمة، حيث يتصارع الإبداع والتكنولوجيا في مشاهد حياتنا اليومية، إن مستقبل اندماج الروبوتات في المجتمع البشري لا يتسم بالألوان الزاهية فقط، بل يمتلئ بظلال مظلمة تتناثر بين بقع النجاح والكوارث.

تأخذنا قصتنا الأولى في جولة بين شوارع هوليوود، حيث يتجلى الروبوت بصورة الحارس الوفي، المنقذ الذي يفتح الأفق للتحسين المذهل في الحياة اليومية؛ ومع ذلك، تظهر القصة الثانية كتذكير قاس بأن الحدود بين الذكاء الاصطناعي والفهم البشري لا تزال غامضة، وقد تكون مدمرة.

هل يتجه مستقبلنا نحو عصر ذهبي حيث تحقق الروبوتات الأحلام الإنسانية، أم سنجد أنفسنا أمام باب مظلم يفتح على عالم مليء بالمفاجآت الخطيرة؟، إن مستقبل اندماج الروبوتات هو لغز لا يزال الإنسان يسعى لفك تشفيره، ورغم التحديات، إلا أن الإمكانيات الجديدة تتنوع رغم الخطر المحدق.

في هذا الزمان الفارق، تظهر التكنولوجيا كسيف ذو حدين، وعلى الإنسان أن يعبر بحذر عبر أروقة هذا المتاهة الرقمية، فربما سيكون مستقبل الروبوتات في خدمة الإنسانية، ولكن يجب علينا دائما أن نتذكر؛ أننا، بصفتنا الإنسانية، نحمل المسؤولية لاستخدام هذا السيف في مصلحتنا، لنجعله يلمع في سماء تطورنا بدلا من أن يظل خطرا محدق في أفق المستقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات