هل يعيد الذكاء الصنعي أمجاد “مايكروسوفت” ويمنحها التفوق على “جوجل” مجددا؟

هل يعيد الذكاء الصنعي أمجاد “مايكروسوفت” ويمنحها التفوق على “جوجل” مجددا؟
استمع إلى المقال

بعد سنوات من الأداء الباهت والمنتجات الجيدة لكن غير المبهرة، يبدو أن “مايكروسوفت” على وشك أن تستعيد بريقها الذي فقدته منذ وقت طويل بعد أن نمت سلسلة من الشركات الناشئة الصغيرة لتصبح أكبر منافسي “مايكروسوفت”. “جوجل”، على سبيل المثال، بدأت كشركة ناشئة مبتكرة وذكية، وفي النهاية تفوقت على “مايكروسوفت” في المتصفحات والبريد الإلكتروني وأنظمة تشغيل الأجهزة المحمولة.

الآن قد تكون “مايكروسوفت” الشركة الذكية والمبتكرة التي تتفوق على “جوجل”، لكن في مجال الذكاء الصنعي، وكل ذلك بفضل شركة ناشئة أخرى، “أوبن إيه آي”.

تاريخ متعثر لـ “مايكروسوفت”

“أوبن إيه آي” هو مختبر الذكاء الصنعي الأكثر شهرة في العالم، بفضل واحد من أكثر المنتجات صخبا وإثارة، روبوت “ChatGPT”، و”مايكروسوفت” يمكن اعتبارها الصديق الأقرب لـ “أوبن إيه آي”، ففي يوم الاثنين الماضي، أعلنت الشركتان أن “مايكروسوفت” ستستثمر 10 مليارات دولار في “أوبن إيه آي”  – علاوة على 3 مليارات دولار منحتها “مايكروسوفت” لـ “أوبن إيه آي” منذ عام 2019 – ويُشاع أن “مايكروسوفت” ستضيف “ChatGPT” إلى محرك بحث “بينغ” الخاص بها، وبذلك تجعل الأخير منافسا ندّا لمحرك بحث “جوجل”.

بعد الأخبار عن استثمار “مايكروسوفت” بقيمة 10 مليارات دولار، كتب المحلل في “ويدبوش” دانييل آيفز أن “ChatGPT” هو “مغير محتمل لقواعد اللعبة” بالنسبة لـ “مايكروسوفت”، وأن الشركة “لن تكرر نفس الأخطاء” في فقدان فُرصها في وسائل التواصل الاجتماعي وأنظمة تشغيل الهاتف المحمول كما فعلت قبل عقدين من الزمن. كتب آيفز، “من الواضح أن مايكروسوفت تتعامل بضراوة على هذه الجبهة ولن تتخلف عن الركب”.

هناك أوجه تشابه عديدة بين السياق الحالي وما حدث حينها، على الأقل ظاهريا. إذ كانت “مايكروسوفت” في يوم من الأيام اللاعب المهيمن في تكنولوجيا الكمبيوتر، حيث يتم استخدام نظام التشغيل “ويندوز” من قبل الغالبية العظمى من أجهزة الكمبيوتر الشخصية ومتصفح “إنترنت إكسبلورر” الذي يستخدمه الغالبية العظمى من متصفحي الويب.

بعد ذلك، وقعت الشركة في مشكلة مع حكومة الولايات المتحدة، التي رفعت دعوى قضائية ضد “مايكروسوفت” لاستخدامها مكانتها المهيمنة على السوق لتقويض المنافسة بشكل غير عادل، والاستيلاء على سوق المتصفحات الوليدة آنذاك، من خلال دمج “إنترنت إكسبلورر” في نظام “ويندوز”. كانت الدعوى مقيدة لشركة “مايكروسوفت” لسنوات، وفي تلك البيئة، ظهرت شركات مثل “جوجل”، وطرحت منتجات أفضل يفضلها الناس في سوق ينمو باطراد حينها.

هل انقلبت الطاولة؟

لا تزال “مايكروسوفت” تؤدي عملها ببراعة – فهي لا تزال واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم، ولا تزال أكثر قيمة من “جوجل” بحوالي 600 مليار دولار – لكنها لا تتمتع بنفس الأسلوب السّلِس الذي كانت تتعامل به مع المستهلك كما ذي قبل، فمعظم إيراداتها الآن يحققها عملاؤها المؤسسون – أي الشركات والمنظمات – من خلال منتجات مثل “Microsoft 365” والخدمات السحابية “مايكروسوفت أزور”

على النقيض من ذلك، فإن خدمات ومنتجات “جوجل” كانت، ولا زالت، في متناول الجميع، ويستخدمها المستهلك العام بكثرة، حيث تمتلك كل الأساسيات تقريبا – عدا وسائل التواصل الاجتماعي – من متصفح “كروم” إلى “جيميل” وحتى “يوتيوب”. مصدر الدخل الرئيسي هو الإعلانات الرقمية التي يراها المستهلكون أثناء تنقّلهم عبر الإنترنت، حيث يستخدم معظمهم خدمات “جوجل” لفعل بذلك.

قد يهمك: إلى متى تحتكر “جوجل” الإعلانات على مواقع الويب؟

لكن حان دور “جوجل” الآن، وأصبحت هي الشركة التي تواجه مشكلات تتعلق بمكافحة الاحتكار، وتواجه دعاوى قضائية متعددة من الحكومة الفيدرالية الأميركية، وتقريبا كل ولاية وإقليم في الولايات المتحدة تستهدف الأجزاء الأساسية من أعمالها، آخرها دعوى رفعتها وزارة العدل الأميركية يوم الثلاثاء الماضي.

قد يمهّد ذلك الطريق لـ “مايكروسوفت” لترتاد الطليعة في صناعة تزدهر الآن وتحمل معها الكثير من الإمكانات والتطلعات، ألا وهي الذكاء الصنعي. إذ حققت شركات مثل “أوبن إيه آي” تطورات كبيرة في هذه التقنية وأصبحت تعرضها الآن لعامة الناس، في حين أن منتجات “جوجل” المنافسة لا يمكن العثور عليها  في أي مكان عام على الإنترنت عدا التحديثات على مدوّنة “جوجل” نفسها.

ما يجدر ذكره أن “مايكروسوفت” ليست في وضع جيد كذلك من الناحية القانونية، حيث تحاول لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية حاليا منع استحواذها – الأعلى قيمة في تاريخ الصناعة – مع شركة الألعاب “أكتيفيجن بليزارد”، لكنها رغم ذلك، تبقى في وضع أفضل بكثير من “جوجل”، من حيث قضايا مكافحة الاحتكار.

قد يهمك: ما وراء معارضة صفقة “مايكروسوفت” و”أكتيفيجن”؟

هذا لا يعني أن “جوجل” لا تدرك إمكانات الذكاء الصنعي وأهميته المتزايدة. إذ كانت تعمل على منتجات الذكاء الصنعي لسنوات، ولديها بالفعل بعض من أفضل تلك المنتجات، كما استحوذت على مختبر أبحاث الذكاء الصنعي “ديب مايند” في عام 2014، الذي تصدّر المشهد قبل وجود “أوبن إيه آي”، وقد طورت تقنية “Transformer” التي بُني عليها “ChatGPT”.

لكن “جوجل” امتنعت عن منح تلك المنتجات هذا النوع من الإثبات العام الذي قدمته شركة “أوبن إيه آي”، قائلة إنها تريد ضمان أن تكون منتجاتها مسؤولة وآمنة قبل إطلاقها. لكن لم يكن الأمر مفيدا كما توقعت، ادعى مهندس – سابق – أن تقنية روبوت الدردشة الخاصة بـ “جوجل”، “لامدا”، أصبحت واعية، مثيرا الجدل حولها لدى الكثير من الخبراء والمستخدمين.

العديد من الخبراء أنكروا حقيقة ذلك – كما أنكرتها “جوجل” نفسها – لكنه أكد على أية حال مدى التقدم الذي وصلت إليه هذه التقنية، كما أظهر المخاطر ليس من أن تصبح التكنولوجيا واعية، ولكن لكونها جيدة لدرجة أن يعتقد الناس أنها كانت كذلك، ويبدأون في التعامل معها على هذا النحو.

قد يهمك: بعيدا عن الصخب الإعلامي.. هل روبوت “لامدا” واعٍ حقا؟

تغير قواعد اللعبة

الآن بعد أن أصبح “ChatGPT” متاحا، يتعين على “جوجل” أن تلعب دور اللحاق بالركب وأن تكتشف كيف تريد دمج تقنية الذكاء الصنعي الخاصة بها في منتجاتها الخاصة. حتى أنه، كما ورد، تم استدعاء مؤسسي الشركة لاري بيدج وسيرجي برين، من قبل الرئيس التنفيذي سندار بيتشاي للمساعدة في هذا الصدد، كما نشرت الشركة مؤخرا ورقة بحثية توضح نهجها في الذكاء الصنعي ومدى أهمية أن يكون هذا النهج مسؤولا، بحسب تعريف “جوجل” للمسؤولية، نظرا لغياب اللوائح الحكومية الواضحة في الولايات المتحدة.

ديريك ليبين، الأستاذ في كلية إدارة الأعمال في كارنيجي ميلون الذي يركز على أخلاقيات الذكاء الصنعي قال “أعتقد أن جوجل محقة ولها ما يبررها في أخذ محاولة مايكروسوفت لاستخدام هذه التقنية للتنافس معها بجدية في الإعلانات ومحركات البحث والمنتجات الأخرى على محمل الجد. أعتقد أن هذه خطوة رائعة جدا من ساتيا ناديلا [الرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت”]. هذا شيء من المؤكد أنه سيضع مايكروسوفت في وضع جيد للغاية”.

لكن حذّر ليبيّن من استمرار التساؤل عما إذا كانت فوائد هذه المنتجات تفوق مخاطرها، وما إذا كان الإسراع في زجها بالسوق للمنافسة سيعزز تلك المخاطر. وقال، “هذه بالفعل أشبه بمشكلة سباقات التسلح. حيث تميل هذه السباقات إلى تحفيز الجهات الفاعلة فيها على التحرك بشكل أسرع، وقبول المخاطر التي لم يكونوا ليقبلوها لولا ذلك.”

ربما غيرت تكنولوجيا “أوبن إيه آي” قواعد اللعبة. ربما تكون مجرد فقاعة ولن تحظى بالانتشار والتأثير المتوقع لها، لكن في كلتا الحالتين، حصلت عليها “مايكروسوفت”، ويعتقد الكثير من الناس أن ذلك أمر مذهل، لأنه يجعل “جوجل” الآن في نفس الموقف الذي وضعت فيه “مايكروسوفت” قبل عقدين من الزمن، حيث تأمل أن تبتكر شيئا ما يتفوق على ما تفعله منافستها قبل أن يفوتها الركب وتندثر.

قد يهمك: لماذا لم نستعد بعد لروبوتات المحادثة الآلية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.