استمع إلى المقال

في ظل الزخم الذي تجلبه التقنيات الناشئة، لا تزال الحوسبة الكمومية مجال اهتمام كبير للكثيرين في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن تكتسب المزيد من الاهتمام في عام 2023، وفي حين أن حالات استخدام الحوسبة الكمومية لم تصبح سائدة بعد، فإن الحكومات والمنظمات في جميع أنحاء العالم تتخذ الخطوات اللازمة فعليا لتكييف التكنولوجيا في أسرع وقت ممكن، ومن المتوقع أن يصل سوق الحوسبة الكمومية إلى ما بين مليار دولار و 5 مليارات دولار بحلول عام 2025، وفقا لتقرير “توقعات التكنولوجيا والإعلام والاتصالات 2023” الصادر عن مؤسسة “جلوبال داتا”.

في عام 2022، شهد العالم المزيد من حالات الاستخدام التي يتم اختبار الحوسبة الكمومية بها. على سبيل المثال، نشر باحثو الكم في شركة “فورد” الأميركية لصناعة السيارات دراسة لتصميم مواد بطارية السيارة الكهربائية باستخدام كمبيوتر كمومي، موضحين كيف يمكن استخدام أجهزة الكمبيوتر الكمومية الأكثر قوة لمحاكاة التفاعلات الكيميائية المعقدة بدقة في المستقبل.

من الأمثلة الأخرى الأكثر شيوعا ووعدا بالتقدم، البحث والتطوير في مجالي الأدوية وأشباه الموصلات. تعمل الحوسبة الكمية على تسريع البحث والتطوير في تصميم الأدوية واختبار السمية اعتمادا على التجربة والخطأ، وبالتالي الوصول إلى نتائج أكثر كفاءة. أما في مجال أشباه الموصلات، أعلنت شركة “كوانتينيوم” البريطانية عن تعاون عالمي مع شركة “JSR” اليابانية الرائدة في مجال تكنولوجيا المواد لاستكشاف تطبيق أساليب الحوسبة الكمية في أبحاث أشباه الموصلات.

صراع جيوسياسي

سباق الحوسبة الكمومية

مع تزايد حالات الاستخدام التجارية الموعود بها، تتخذ الحكومات أيضا خطوات كبيرة لضمان بقائها في طليعة أبحاث الحوسبة الكمومية. حاليا، تتنافس كل من الصين والولايات المتحدة مع بعضهما البعض للسيطرة على هذا المجال.

وفقا لقاعدة بيانات تحليلات براءات الاختراع الخاصة بمؤسسة “جلوبال داتا”، فإن المنظمات والشركات التقنية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها تتصدر رقم براءة الاختراع في مجال الحوسبة الكمية. الشركات الثلاث التي سجلت أكبر عدد من براءات الاختراع هي “آي بي إم” (بإجمالي 1885 براءة اختراع مطبوعة و”ألفابِت” (بإجمالي 1000 براءة اختراع مطبوعة) و”نورثروب غرومان” (بإجمالي 623 براءة اختراع مطبوعة). 

قد يهمك: حرب التكنولوجيا الباردة: الجزء الثالث – الحوسبة الكمومية

لكن الحوسبة الكمومية تُعد أحدث ساحة للمنافسة بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث يسعى كلا البلدين إلى تحقيق التفوق التكنولوجي في هذا المجال. تهيمن شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى حاليا على الحوسبة الكمومية، أما في الصين، تتقدم “علي بابا” على شركتي “هواوي” و”بايدو” في طليعة استراتيجية الكم الصينية، حيث استثمرت 15 مليار دولار في “مركز أبحاث العلوم والتكنولوجيا” ودخلت في شراكة مع الأكاديمية الصينية للعلوم.

على الرغم من التقدير أن الصين تتخلف خمس سنوات عن الولايات المتحدة في الحوسبة الكمومية، إلا أن الصين تتفوق في اتصالات الأقمار الصناعية الكمومية. إذ استثمرت الحكومة الصينية 10 مليارات دولار في بناء المختبر الوطني لعلوم المعلومات الكمومية. عند اكتماله، سيكون تركيزه البحثي على التقنيات الكمومية ذات التطبيقات العسكرية المباشرة. وبما أن الصين تستفيد من نموذج اقتصادي استبدادي، يمكنها تجميع الموارد من المؤسسات والشركات والحكومة، والعمل بشكل جماعي لتحقيق هدف واحد يحدده الحزب الحاكم.

في آسيا، بالإضافة إلى الصين، كانت اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة أيضا في طليعة أبحاث الحوسبة الكمومية. ففي اليابان، يخطط معهد أبحاث “فوجيتسو ورايكن” لتقديم أجهزة كمبيوتر كمومية للشركات اعتبارا من نيسان/أبريل 2023. في الوقت نفسه، في سنغافورة، أعلنت الحكومة السنغافورية عن استثماراتها المتزايدة في الصناعة من خلال إطلاق مبادرتين جديدتين لتعزيز تنمية المواهب وتوفير وصول أفضل إلى التكنولوجيا في وقت سابق من العام الماضي.

صراع تجاري

عندما يتعلق الأمر بشركات التكنولوجيا، فإن شركة “آي بي إم” تقود الطليعة في مجال الحوسبة الكمومية. إذ حدّثت الشركة مؤخرا تفاصيل “نظام آي بي إم الكمومي الثاني” الجديد الخاص بها، وهو نظام مصمم ليكون معياريا ومرنا، ويجمع بين معالجات متعددة في نظام واحد مع روابط اتصال فيما بينها.

الشركة تهدف إلى أن يكون هذا النظام متصلا بالإنترنت بحلول نهاية عام 2023، وسيكون لبنة بناء للحوسبة الفائقة التي تتمحور حول الكم؛ الموجة التالية في الحوسبة الكمومية التي تتوسع من خلال استخدام بنية معيارية واتصالات كمومية لزيادة قدرتها الحسابية، والتي تستخدم البرامج الوسيطة السحابية الهجينة لدمج إمكانات العمل الكمومية والكلاسيكية بسلاسة.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، كشفت الشركة النقاب عن أحدث كمبيوتر كمومي خاص بها، “أوسبري” ذو الـ 433 كيوبِت، والذي يُعد حاليا أعلى عدد كيوبتات في كمبيوتر كمومي حول العالم، أكثر من ثلاثة أضعاف سجل “آي بي إم” القياسي السابق البالغ 127 كيلوبت في كمبيوتر “إيغل” الكمومي، معلنةً على لسان جاي غامبيتا، نائب رئيس “آي بي إم كوانتوم” أن عام 2023 سيكون نقطة انعطاف تاريخية في الصناعة. 

شركات التكنولوجيا الكبيرة بدأت في تقديم الكم كخدمة (QaaS)، ولا سيما “أزور كوانتوم” الذراع الكمومية التابعة لـ “مايكروسوفت”، والتي توفر للمستخدمين إمكانية الوصول إلى الأجهزة الكمومية من شركات أخرى مثل “IonQ” و”توشيبا” و”هانيويلز كوانتينيوم”.

بنك “جي بي مورجان” الأميركي وشركة “فولكسفاجن” الألمانية لصناعة السيارات وشركة “لوكهيد مارتن” الأميركية لصناعة الأسلحة يعملون، كلّ على حدة، في تطوير البنية التحتية الكمومية استعدادا لتبني التكنولوجيا على نطاق واسع، إذ سيمكن لهذه الشركات الاستفادة من الحوسبة الكمومية في النمذجة المالية، وتحسين العمليات، والأمن السيبراني، والبحث والتطوير العسكري.

قد يهمك: كيف تمكّن الكمبيوتر الكمّي من إنجاز مهمة كانت ستستغرق 9000 سنة بثوانٍ معدودة

تشفير ما بعد الكم

اليوم كيو

مع زيادة قوة أجهزة الكمبيوتر الكمومية، هناك مخاوف الآن بشأن كيفية استخدامها لأسباب غير أخلاقية. وفقا للمعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا، في غضون بضع سنوات، ستكون أجهزة الكمبيوتر الكمومية الكبيرة قوية بما يكفي لخرق أنظمة المفاتيح العامة المستخدمة في التشفير حاليا. هذا أدى إلى زيادة المخاوف بشأن الاختراق الآن، ومحاولات فك التشفير لاحقا التي يجريها بعض مجرمي الإنترنت.

عليه، من أجل الاستعداد لمثل هذه الحوادث، يجب أن تكون أنظمة أمن تكنولوجيا المعلومات قادرة على مقاومة ذلك. وهنا يأتي دور “تشفير ما بعد الكم”. الهدف من تشفير ما بعد الكم هو تطوير أنظمة تشفير آمنة ضد كل من أجهزة الكمبيوتر الكمومية والكلاسيكية، ويمكنها التعامل مع بروتوكولات وشبكات الاتصالات الحالية.

الرئيس الأميركي جو بايدن وقّع مؤخرا قانون الاستعداد للأمن السيبراني للحوسبة الكمومية، والذي يعني بشكل أساسي أنه بحلول الخامس من تموز/يوليو 2023، يبدأ مكتب الإدارة والميزانية في التحرك نحو تنفيذ خوارزميات التشفير المعتمدة من المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا لحماية الأنظمة.

مشروع القانون يتناول انتقال أنظمة تكنولوجيا المعلومات في الوكالات التنفيذية إلى تشفير ما بعد الكم في موعد لا يتجاوز عام واحد بعد أن أصدر المعهد الوطني الأميركي للمعايير والتكنولوجيا معايير تشفير ما بعد الكم، ويجب أن يبدأ مكتب الإدارة والميزانية في إعطاء الأولوية لترحيل أنظمة تكنولوجيا المعلومات الخاصة بالوكالة إلى تشفير ما بعد الكم.

قد يهمك: “اليوم كيو” قادم.. وعلينا جميعا التأهب

سيقدم مكتب الإدارة والميزانية أيضا إلى الكونغرس تقريرا عن:

  • استراتيجية للتصدي للمخاطر التي تشكلها نقاط ضعف أنظمة تكنولوجيا المعلومات في الوكالة للقدرة المحتملة للحوسبة الكمومية.
  • التمويل اللازم لتأمين أنظمة تكنولوجيا المعلومات هذه من التهديد الذي يشكله الوصول العدائي إلى أجهزة الكمبيوتر الكمومية.
  • وصف وتحليل لجهود التنسيق المستمرة مع المنظمات والاتحادات الدولية لتطوير معايير تشفير ما بعد الكم، بما في ذلك أي معايير فيدرالية لمعالجة المعلومات.

بصرف النظر عن ذلك، بدأت العديد من شركات التكنولوجيا الأخرى أيضا في البحث في مجال “تشفير ما بعد الكم” وكيف يمكنها مساعدة المؤسسات في رحلتها نحو اعتماد هذا النوع من التشفير في حماية بياناتها.

على هذا النحو، ستنظر معظم المؤسسات في كيفية تنفيذ ذلك باستخدام الحوسبة الكمومية في عام 2023 وما بعده. على الرغم من أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن يتم تنفيذ كل شيء مخطط له، وقد تطرأ بعض التأخيرات، إلا أن المؤسسات وشركات التكنولوجيا تعمل معا حول كيفية تحقيق أقصى استفادة من حالات الاستخدام المتاحة لها حاليا، مع الأخذ بعين الاعتبار جهود الجامعات والمراكز البحثية التي تُعنى بالحد من المخاطر المحتملة لهذه التكنولوجيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.