استمع إلى المقال

استغرق الكمبيوتر الكمومي الضوئي الجديد 36 ميكروثانية فقط لأداء مهمة كانت ستستغرق أكثر من 9000 عام لإكمالها. الجهاز الجديد، المسمى “بورياليس” (Borealis)، هو أول كمبيوتر كمّي من شركة كندية ناشئة تدعى “زانادو” (Xanadu) يحقق “التفوق الكمّي” على أجهزة الكمبيوتر العادية. كما أن بورياليس يعدّ أول آلة قادرة على تحقيق التفوق الكمي متاحة للجمهور عبر السحابة.

ويقصد بـ “التفوق الكمّي” قدرة أجهزة الكمبيوتر الكمومية على العثور على إجابات للمشكلات التي لا تستطيع أقوى أجهزة الكمبيوتر التقليدية حلها على الإطلاق. وكلما زاد عدد المكونات المعروفة باسم “الكيوبِتات” الموجودة في الكمبيوتر الكمومي، زادت قوته الحسابية بشكل أسي.

خارج “الصندوق” الكمّي

تعتمد العديد من الشركات، بما في ذلك الشركات العملاقة مثل جوجل وأمازون و IBM وكذلك الشركات الناشئة مثل IonQ، على الكيوبِتات القائمة على الدوائر فائقة التوصيل أو الأيونات المحاصرة. لكن أحد العوائق في هذه الأساليب هو أن كلاهما يتطلب درجات حرارة أكثر برودة من تلك الموجودة في الفضاء السحيق؛ لأن الحرارة يمكن أن تعطّل الكيوبتات. ويمكن للأنظمة المبردة الضخمة والمكلفة للاحتفاظ بالكيوبتات في درجات الحرارة شديدة البرودة أن تجعل من التحدي الرئيسي توسيع نطاق هذه المنصات إلى أعداد كبيرة من الكيوبِتات، أو إلى عوامل شكل أصغر وأكثر قابلية للحمل.

في المقابل، يمكن لأجهزة الكمبيوتر الكمومية التي تعتمد على كيوبِتات تعتمد على الفوتونات، من حيث المبدأ، أن تعمل في درجة حرارة الغرفة. ويمكنها أيضًا الاندماج بسهولة في أنظمة الاتصالات القائمة على الألياف الضوئية، مما قد يساعد في توصيل أجهزة الكمبيوتر الكمومية بشبكات قوية وحتى في الإنترنت الكمي.

طور العلماء حواسيب كمومية تحقق “التفوق الكمي” باستخدام كل من المقاربات المبردة والفوتونية. ففي عام 2019، ادّعت جوجل أن معالجها “Sycamore” ذو الموصلية الفائقة البالغ 53 كيوبت يمكنه إجراء عملية حسابية في 200 ثانية قدّرت الشركة أنها ستستغرق “ساميت”، أقوى كمبيوتر عملاق في العالم حينها، 10 آلاف عام. بعد ذلك، في العام الماضي، أكد باحثون في الصين أن الكمبيوتر الكمومي الفوتوني “Jiuzhang 2.0” يمكن أن يحل مشكلة معيارية أسرع بـ (10 قوة 24) مرة من الحواسيب الفائقة الكلاسيكية.

لكن كان العيب الرئيسي في Jiuzhang 2.0 هو اعتماده على شبكة من المرايا والعدسات الثابتة. لذلك، لم يكن قابلاً للبرمجة، مما حد من فائدته الإجمالية.

قد يهمّك أيضًا: حرب التكنولوجيا الباردة: الجزء الثالث – الحوسبة الكمومية

“بورياليس” يحقق التفوق الكمي أمام أعيننا

الآن، في دراسةٍ جديدةٍ نُشرت في دورية “نيتشر”، كشفت شركة الحوسبة الكمومية “زانادو” ومقرها تورنتو الكندية، أن جهازها، المسمى بوياليس، قد يكون أول كمبيوتر كمومي ضوئي قابل للبرمجة بالكامل ليظهر “التفوق الكمي”. ويقول جوناثان لافوي، كبير مؤلفي الدراسة، رئيس فريق تكامل الأنظمة في “زانادو”: “بورياليس هي أول آلة قادرة على الاستفادة من ميزة الحوسبة الكمية المتاحة للجمهور لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت”.

التفوق الكمي

في بورياليس، تتكون الكيوبِتات مما يسمى “حالات الضغط” التي تتكون من تراكبات فوتونات متعددة في نبضة ضوئية. في حين أن الكيوبِتات التقليدية يمكن أن توجد، بسبب الطبيعة السريالية لفيزياء الكم، في حالة تُعرف باسم “التراكب الكمي” حيث يمكن أن ترمز إلى كل من 0 و 1 من البيانات، ويمكن أن توجد الحالات المضغوطة في حالات 0 أو 1 أو 2 أو 3 أو أكثر.

يمكن لبورياليس أن يولّد حزمًا تصل إلى 216 نبضة من الضوء المضغوط. يقول لافوي: “من المهم أن ندرك أن بورياليس لا يعادل جهازًا تقليديًا بسعة 216 كيلوبِت. ونظرًا لأنه يستخدم كيوبِتات ذات حالة مضغوطة، فإنه يعالج فئة مختلفة من المهام الكمومية، على سبيل المثال، جهاز يعتمد على كيوبتات دارة فائقة التوصيل أو أيونات محاصرة.”

في تجاربهم، اختبر الباحثون بورياليس في مهمة تُعرف باسم “أخذ عينات البوزون الغاوسي” (GBS)، حيث تقوم الآلة بتحليل بقع عشوائية من البيانات. قد يكون لأخذ عينات البوزون الغاوسي العديد من التطبيقات العملية، مثل تحديد أزواج الجزيئات الأكثر ملاءمة لبعضها البعض.

في التجارب السابقة، اكتشف كمبيوتر “Jiuzhang 2.0” ما يصل إلى 113 فوتونًا من 144 نبضة من الضوء المضغوط. أما في الدراسة الجديدة، اكتشف بورياليس ما يصل إلى 219 فوتونًا في حزم نبضات الضوء المضغوط، بمعدل 125 فوتونًا. وبشكلٍ عام، قدّر العلماء أن بورياليس يمكن أن يقوم بأخذ عينات بوزون غاوسي بأكثر من 7.8 كوادريليون (ألف مليار) مرة أسرع من “فوجاكو“، أسرع كمبيوتر عملاق تقليدي في العالم في عام 2021.

كان أحد التطورات الرئيسية التي شوهدت في بورياليس هو استخدام كاشفات “حل رقم الفوتون”. إذ استخدمت الآلات السابقة كواشف عتبة مصممة للتمييز فقط بين حالتي “لم يتم اكتشاف فوتونات” و “اكتشاف فوتون واحد على الأقل”. لكن يقول لافوي إن حجم المشكلات الحسابية التي قد يعالجها الكمبيوتر الكمومي الضوئي يتزايد بشكل كبير مع عدد الفوتونات التي يمكنه اكتشافها، لذلك ساعدت أجهزة الكشف عن رقم الفوتون بورياليس في أداء أسرع من أجهزة الكمبيوتر الكمومية الضوئية السابقة بأكثر من 50 مليون مرة.

“التفوق الكمي” للجميع

جعلت شركة زانادو بورياليس متاحًا للجميع عبر السحابة (يمكن الوصول إليه من هنا). إذ يقول لافوي: “نعمل أيضًا مع شركاء لجعله متاحًا على نطاقٍ أوسع. ونأمل أن يؤدي توفره للجمهور إلى تحفيز المزيد من البحث حول التفوق الكمي” وأخذ عينات بوزون غاوسي بشكل عام.”

يقول لافوي إن أبحاث زانادو المستقبلية “ستركز بشكلٍ مباشر على تحقيق تصحيح الأخطاء والتسامح في النهاية مع الخطأ، للكشف عن المشكلات الأكثر قيمة في الحوسبة الكمومية. كما سيتم دمج العديد من التقنيات والدروس المستفادة في بناء بورياليس في هندستنا للنماذج المستقبلية.”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات