استمع إلى المقال

على يبدو أن التصاعد المستمر للابتكار في عصر الثورة الرقمية الجارفة الحالي وتقدم التكنولوجيا المذهل الذي نعيشه يثير الكثيريين بالحماس، ولكن هناك دولة تعيش خارج إطار الشفافية، حيث تختبئ خلف الأكوان الرقمية لتنفيذ أنشطة مشبوهة، دولة تثير القلق والريبة في آن واحد، وهي الصين.

تمارس هذه الدولة رحلة عبر عوالم مظلمة من الاستيلاء على الأفكار والتجسس على الابتكار بما يجعل العالم ينبش في عمق الحقائق ويسعى للحقيقة، فهناك دائما العديد من الدلائل غير المسبوقة تثيرها دول من بين أقوى الدول في العالم، حيث توجه أصابع الاتهام إلى الصين بسرقة الملكية الفكرية واستخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الاختراق بشكل لم نشهد مثله من قبل.

كيف اتحدت هذه الدول في سعيها للأمن والعدالة في التقنية والابتكار، من خلال تحالف “خمسة أعين” (Five Eyes)، لتسليط الضوء نحو الصين على هذه التحديات الجديدة التي تهدد أمنهم وازدهارهم، فهل هذا الاتهام جرأة تقنية طارئة أم تحقيق في الأمور المستورة منذ فترة طويلة، دعونا نرى.

دلائل جديدة

تمت توجيه اتهامات خطيرة إلى الصين بشأن سرقة الملكية الفكرية على نطاق ضخم، وذلك في إطار التحالف لاستخبارات “خمسة أعين” الذي يضم الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا ونيوزيلندا، يأتي هذا الاتهام بعد اجتماعات أجرتها هذه الدول مع شركات أميركية خاصة في وادي السيليكون، وتشير هذه الاتهامات إلى أن الصين تقوم بسرقة الملكية الفكرية في مجموعة واسعة من القطاعات، بدءا من تقنيات الكم والروبوتات وصولا إلى التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي.

فيما يتعلق بأساليب السرقة المستخدمة، فإن الصين تُشتبه في تنفيذ هذه العمليات من خلال شبكة متشابكة من التقنيات، تشمل هذه الأساليب اختراق الشبكة والعديد من الأساليب الأخرى، وتجمع هذه الجهود المتعددة للصين في ما يشبه “شبكة ويب” مُترابطة، حيث تُكثف كل جانب من هذه الجوانب بشكل متزايد، وتصبح أكثر جرأة وخطورة.

مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، كريستوفر راي، قال إن الصين تشكل تهديدا غير مسبوق وأشار إلى أن “الصين استهدفت الأعمال التجارية لفترة طويلة باستخدام مجموعة متعددة من التقنيات في وقت واحد، بدءا من اختراق الشبكة وصولا إلى عمليات استخراج المعلومات الاستخباراتية والاستثمارات الشركية، كل خيوط هذه الشبكة أصبحت أكثر جرأة وأكثر خطورة”.

مايك بورجيس، مدير عام منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية أضاف، أن “الحكومة الصينية تشارك في سرقة الملكية الفكرية والخبرة بشكل مستدام ومتطور بأبعاد غير مسبوقة في تاريخ البشرية”.

الجدير بالذكر أن هذه هي المرة الأولى التي تُصدر فيها جميع دول التحالف “خمسة أعين” اتهامات علنية جماعية ضد الصين، وتأمل الدول الأعضاء في التحالف أن تساهم الصناعة الخاصة والأوساط الأكاديمية في التصدي لهذه التهديدات، التي وصفها راي بأنها “برنامج اختراق أكبر من برامج الاختراق الخاصة بأي دولة كبرى أخرى مجتمعة”.

التحالف يطلق الإنذار

تحالف “خمسة أعين” إطلاق إنذار حاد حيال الصين يمثل تطورا ملحوظا في العلاقات الدولية واستراتيجية الأمن الدولي، يتكون هذا التحالف من خمس دول قوية هي الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا ونيوزيلندا، وهو مشهور بتقاسم المعلومات الاستخباراتية والتعاون في مجال الأمن.

توجيه أصابع الاتهام من قبل هذا التحالف للصين بسرقة الملكية الفكرية والاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية يظهر أهمية هذا الموقف الموحد، إنها المرة الأولى التي تتحدث فيها جميع دول التحالف بصوت واحد، وتصدر اتهامات علنية ضد الصين، هذا الاتحاد يعكس مدى قلق هذه الدول الخمس من تصاعد الأنشطة الصينية في مجال الاستخبارات والتجسس.

هذا الإعلان العلني عن أعمال الصين بشكل جماعي يجسد توحيد التحالف لمواجهة تلك التحديات، إذ يشير إلى أن هذه الدول الخمس ترى ضرورة التصدي لتلك الأنشطة بشكل جماعي، وأنهم عازمون على التصدي لهذه القضية بكل جدية، هذا يمكن أن يكون له تأثير كبير على العلاقات الدولية والتعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني ومكافحة الجريمة الإلكترونية.

بالنظر إلى قوة وتأثير هذا التحالف، يمكن أن يكون لهذا الإعلان تبعات كبيرة على العلاقات الدولية مع الصين، وربما يدفع الصين إلى إعادة التفكير في سياستها وأنشطتها المشبوهة في هذا السياق.

الفعل، ورد الفعل

ردود الفعل على هذه الاتهامات تمثل موضوعا حساسا يجلب إلى الواجهة العديد من الأصوات والتفاعلات، من جانب حكومة بكين، ومن خلفها “الحزب الشيوعي” الحاكم”، فإنها تنفي بشدة هذه الاتهامات، وتصفها بأنها “غير مُسنَدة” و”مبنية على أساس غير صحيح”، وتدعو الصين الأطراف ذات الصلة إلى التعامل مع تطوراتها وأنشطتها بشكل “موضوعي وعادل”، تظهر هذه الردود التمسك الصيني بعدم تورطها في أنشطة سرقة الملكية الفكرية والتجسس.

وعدونا لا ننسى، في وقت سابق من هذا العام، عندما ضبطت “مايكروسوفت” الصين وهي تتجسس على البنية التحتية الغربية الحيوية، ردت الحكومة الصينية آنذاك بالادعاء بأنها مجرد “«”حملة تضليل جماعية”»” من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

من ناحية تحالف “خمسة أعين”، فإن هذا التحالف يتفق على وحدة الموقف، ويعتبر هذه الاتهامات خطيرة للغاية، ويرى أعضاء التحالف أن هذه التهديدات تشكل تحديا مشتركا يتعين عليهم مواجهته بشكل جماعي؛ لذا، تمثل هذه الاتهامات بداية للتعاون بين الصناعة الخاصة والأوساط الأكاديمية لمواجهة هذه التهديدات.

مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI)، كريستوفر راي، يُظهر خطورة الوضع عندما يصف برنامج الاختراق الصيني بأنه “أكبر من برامج الاختراق في جميع الدول الكبرى الأخرى مجتمعة”، هذا يشير إلى أن الصين تمتلك موارد وإمكانيات هائلة للقيام بأنشطة استخباراتية على نطاق واسع، وهو أمر يتطلب تحالفا دوليا لمواجهتها.

في هذا السياق، يبدو أن هذه الأحداث قد تشكل بداية لجهود دولية مشتركة لتعزيز الأمن السيبراني وحماية الملكية الفكرية، إذا تم التنسيق بشكل فعال بين الحكومات والشركات والأوساط الأكاديمية، يمكن أن يتم التصدي لهذه التهديدات بنجاح وتحسين الأمن السيبراني على الصعيدين الوطني والدولي.

العمل المشترك والتعاون

إن قصة مواجهة التحديات السيبرانية وسرقة الملكية الفكرية بواسطة الصين تشكل فصلا هاما في سجل تاريخ العلاقات الدولية، بينما تحمل هذه الأحداث معها نغمة من التوتر والمخاوف، يجب أن نرى فيها أيضا فرصة للتعاون الدولي والتحفيز للابتكار والتحسين.

تحالف “خمسة أعين” يرسل إشارة واضحة بأهمية توحيد الجهود لمواجهة تلك التهديدات، والدعوة إلى التعاون بين الصناعة الخاصة والأكاديميات تمثل بوابة لإيجاد حل لهذه التحديات، إن هذه الخطوات الجريئة تعزز الأمن السيبراني، وتحمي الابتكار والملكية الفكرية في عالم متصل بشكل لا يمكن تجاهله.

في نهاية المطاف، يتوقف الأمر على كيفية وسبل تجاوز الأمم لتلك التحديات المشتركة وتحويلها إلى فرص، إن تحالف “خمسة أعين” يظهر أن العمل المشترك والتعاون هما مفتاح النجاح في عالم تكنولوجي متقدم، يمكن أن تكون هذه القصة بداية لتحول إيجابي يضع العالم في الطريق الصحيح نحو تعزيز الأمان والازدهار في عصر الرقمنة.

كاتب المقال نيرودا الحسين ينصح بقراءة ...

بكين تفرض سياسة كم الأفواه على منافس “ChatGPT”.. القصة بالتفصيل