استمع إلى المقال

تعد العمارة من أقدم فنون الإنسان، فقد بدأ الإنسان في بناء مساكنه منذ آلاف السنين، وتطورت هذه الفنون عبر الزمن لتصل إلى ما نعرفه اليوم من العمارة الحديثة التي تعتمد على التكنولوجيا في تصميمها وإنشائها، وتترجم هذه العلاقة التكاملية إلى تصاميم عمرانية مبتكرة وفعالة، فالهدف الرئيسي لتلك العلاقة هو إيجاد توازن بين متطلبات التصميم الجمالي والوظيفي للمباني، وتحسين الكفاءة والأداء والمرونة في عملية الإنشاء والتصميم.

التكنولوجيا الحديثة تمثّل مصدرا هاما لتحسين الهندسة المعمارية، وتطوير الإبداع في مجال العمارة، فبفضل التكنولوجيا، يمكن تحسين مراحل التصميم والتنفيذ للمشاريع العمرانية، بما يساعد على الحصول على تصاميم فعالة وبأقل تكلفة وزمن، وكما يمكن استخدام التكنولوجيا في تحليل البيانات والتنبؤ بالأداء والتكامل بين النّظم المختلفة، مما يؤدي إلى تحقيق توازن مثالي في تصميم المباني.

لذا، سنسعى إلى استكشاف أهمية التكنولوجيا في هندسة العمارة من خلال هذا التقرير، وكيفية استخدامها في تحسين الممارسات الهندسية، وزيادة كفاءة العمليات الإنشائية، سنناقش أيضا أحدث التقنيات والأدوات التي يمكن استخدامها في مجال هندسة العمارة.

قد يهمك: التكنولوجيا والإعلام.. شراكة استراتيجية أم صراع مصالح؟

تقنيات التصميم الرقمي في العمارة

هناك العديد من التقنيات الرقمية الحديثة التي تستخدم في العمارة، سواء في مرحلة التصميم أو التنفيذ أو الإدارة، بعض هذه التقنيات هي.

الطباعة ثلاثية الأبعاد

هي عملية تصنيع إضافية تتكون من تراكم طبقات من المواد لإنشاء كائنات ثلاثية الأبعاد، يمكن استخدام هذه التقنية لطباعة نماذج معمارية أو عناصر بناء أو حتى مباني كاملة.

رابط الطباعة ثلاثية الأبعاد 

بعض المشاريع المثيرة التي تستخدم هذه التقنية هي، أول منزل مطبوع ثلاثي الأبعاد في أوروبا في فرنسا، وأول جسر مطبوع ثلاثي الأبعاد من الفولاذ في هولندا، وأول مسجد مطبوع ثلاثي الأبعاد في الإمارات.

التصنيع بالروبوتات

استخدام الروبوتات لتنفيذ مهام مختلفة في عملية البناء، مثل القطع أو الحفر أو الثني أو التجميع، يمكن لهذه التقنية تحسين دقة وسرعة وكفاءة وسلامة عملية البناء، وكذلك إتاحة المجال لإنشاء أشكال وهياكل جديدة ومعقدة.

بعض المشاريع المثيرة التي تستخدم هذه التقنية هي، مشروع فايبر بوتس من “MIT”، والذي يستخدم روبوتات تتعاون لإنشاء عناصر إنشائية كبيرة باستخدام طباعة حرة، ومشروع روك برينت بافيليون من “ETH” زيورخ، سويسرا، والذي يستخدم روبوتات لإنشاء برج من حصى وسلاسل داخل قالب قابل للإزالة.

الواقع المعزز

تقنية تضيف طبقات رقمية من المعلومات أو الصور على الواقع المادي باستخدام كاميرات أو نظارات أو شاشات، يمكن استخدام هذه التقنية لتحسين عملية التصميم والتشغيل والصيانة للمشاريع المعمارية، وكذلك لتحسين التفاعل والتواصل بين المصممين والمقاولين والزبائن.

بعض المشاريع المثيرة التي تستخدم هذه التقنية هي، مشروع سكايديو من شركة “سكايديو”، والذي يستخدم طائرات بدون طيار ذاتية القيادة لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد مفصلة للبيئات الحقيقية في الوقت الحقيقي، هذه التقنية يمكن أن تساعد على تحسين عملية المسح والتفتيش والتوثيق للمشاريع المعمارية.

مشروع دا كود من شركة “دا كود”، والذي يستخدم نظارات الواقع المعزز لإظهار تصاميم معمارية رقمية على مواقع البناء الفعلية، هذه التقنية يمكن أن تساعد على تحسين عملية التخطيط والتنسيق والتغذية الراجعة للمشاريع المعمارية.

مشروع إيرباص من شركة “إيرباص”، والذي يستخدم نظارات الواقع المعزز لإظهار تصاميم هندسية رقمية على هياكل الطائرات الحقيقية. هذه التقنية يمكن أن تساعد على تحسين عملية التصنيع والصيانة والإصلاح للطائرات.

النمذجة ثلاثية الأبعاد

هي عملية إنشاء كائنات ثلاثية الأبعاد باستخدام برامج خاصة، مثل “سكتش أب” أو “ريفيت” أو “رينو”، يمكن لهذه التقنية مساعدة المصممين في تصور وتحليل وتحسين تصاميمهم، وكذلك في إنشاء نماذج معمارية رقمية أو مادية.

هندسة العمارة

الذكاء الصنعي في كل المجالات

الذكاء الصنعي يمكن استخدامه في البناء، والترميم والتجديد، وتحليل البيانات وتحسين عمليات البناء بطرق مختلفة، مثل.

  • البناء

الذكاء الصنعي يمكن استخدامه لتحسين عملية التصميم والتنفيذ والإدارة للمشاريع البنائية، بحيث يزيد من كفاءة وجودة وسلامة واستدامة البناء، بعض التطبيقات الممكنة مثل، استخدام طائرات بدون طيار أو روبوتات لإجراء المسح والتفتيش والتوثيق للمواقع البنائية، استخدام نظارات الواقع المعزز لإظهار التصاميم الرقمية على المواقع الفعلية، استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتحسين جدولة وتخصيص الموارد والتكاليف للمشاريع.

  • الترميم والتجديد

الذكاء الصنعي يُستخدم لتحسين عملية تقييم وإصلاح وتحديث المباني القديمة أو التالفة، بحيث يزيد من قيمة وجاذبية وأداء المباني، على سبيل المثال، استخدام طائرات بدون طيار أو روبوتات لإجراء تشخيص دقيق لحالة المباني، استخدام خوارزميات التعلم الآلي لتوليد خطط ترميم أو تجديد مخصصة بناء على احتياجات ورغبات المُلّاك أو المستأجرين، وكذلك استخدام نظارات الواقع المعزز لإظهار التغييرات المقترحة على المباني.

  • تحليل البيانات

باستخدام الذكاء الصنعي يمكن تحليل كمية هائلة من البيانات المتعلقة بالبناء، مثل بيانات التصميم والإنشاء والتشغيل والصيانة، بحيث يزود صانعو القرار برؤى وأفكار قابلة للاستخدام، على سبيل المثال، استخدام خوارزميات التعلم الآلي لاستخراج أنماط واتجاهات وعلاقات من البيانات، استخدام خوارزميات التعلم العميق لتصنيف أو تجزئة أو تسمية الصور أو الفيديوهات المتعلقة بالبناء، استخدام خوارزميات التعلم التعزيزي لتحسين عملية اتخاذ القرار في ظروف متغيرة أو غير مؤكدة.

التصميم المعماري وعصر التكنولوجيا

في هذا الجزء من التقرير، نستضيف كاتيا عبد الوهاب، مهندسة معمارية تعمل في الإمارات العربية المتحدة، لتشاركنا تجربتها ورؤيتها حول دور التكنولوجيا في تطوير هندسة العمارة بحوار خاص مع مؤسسة ” إكسڤار”.

إن إحدى التحديات التي نواجهها كمهندسين معماريين هي متابعة كل ما يصدر من تطبيقات وبرامج هندسية جديدة، فالتكنولوجيا تتغير بسرعة كبيرة، وتطلب منا تحديث مهاراتنا باستمرار لمواكبة متطلبات سوق العمل المتسارعة، على حد قول كاتيا.

كاتيا أضافت قائلة “أتذكر عندما تخرجت في بداية الألفية، كانت البرامج المستخدمة في التصميم معدودة وأبرزها “Autocad” و”3D Max” و”Photoshop”، وكان من يجيد استخدام هذه البرامج يعتبر مهندسا متميزا، وتزداد فرص العمل أمامه، أما حاليا، فقد تنوعت البرامج لتصل إلى حدٍّ يستحيل لشخص واحد أن يلمّ بها كلها، وشهدنا ظهور برامج جديدة ثورية في عالم التصميم، مثل “Revit”.

هو برنامج تصميم ثلاثي الأبعاد يساعد فرق العمارة والهندسة والبناء على إنشاء مباني وبنية تحتية عالية الجودة، يوفر هذا البرنامج إمكانية الرسم ثلاثي الأبعاد على نحو مباشر، وتستطيع مجموعة من المهندسين ذوي الاختصاصات المختلفة العمل على الملف نفسه للوصول إلى المخططات النهائية المناسبة بدون أي تضارب.

حول التطورات التكنولوجية في مجال التصميم المعماري، تواصل كاتيا عبد الوهاب حديثها، موضحة، بأنه ليس فقط برامج الرسم ثلاثي الأبعاد التي شهدت تغيرات كبيرة، بل أيضا برامج إظهار الهندسي، وهي التي تساعد على تحويل التصميم إلى صورة واقعية تعبّر عن فكرة المهندس لتنال إعجاب العميل.

فقد ظهرت برامج عديدة في هذا المجال، مثل “Lumion” و”SketchUp”، وهي توفر إصدار لقطات ثلاثية الأبعاد بجودة عالية وبأقل جهد مطلوب، كما أصبح من الممكن إدخال تقنية الواقع الافتراضي (Virtual Reality) لعالم التصميم، فأصبح بإمكان العميل أن يتجول افتراضيا ضمن منزله أو مشروعه عبر ارتداء النظارات الخاصة، وهذا يتطلب أيضا برامج خاصة لتحويل التصميم إلى عالم افتراضي.

الإمارات وسباق التطور

أما فيما يخص تجربة العمل في دولة الإمارات، فقد أكدت كاتيا عبد الوهاب وجود تحولات كبيرة طرأت في الأعوام الماضية على العمل، فدولة الإمارات تسير بخطى واثقة نحو المستقبل، وتستخدم التكنولوجيا لتسهيل حياة المواطنين والمقيمين، منها التحول إلى الحكومة الذكية في مجال ترخيص المباني، فلم يعد هناك حاجة للذهاب إلى المكاتب الحكومية أو تقديم أوراق ورقية، بل يتم كل شيء عبر الإنترنت.

كمهندسين معماريين، نستخدم برامج هندسية متطورة لإعداد المخططات الكاملة للمشاريع، سواء كانت معمارية أو إنشائية أو كهربائية أو غيرها، ثم نحوّلها إلى صيغة “DWF”، وهي صيغة رقمية تحافظ على جودة ودقة التصاميم، ثم نقدم معاملات ترخيص المباني عبر بوابة إلكترونية لجميع الدوائر المعنية، مثل البلدية والكهرباء والصرف الصحي والدفاع المدني.

عبر هذه البوابة، يتم دراسة المشروع وإبداء الملاحظات والموافقات بسرعة وسهولة، وفي حال كانت هناك حاجة للنقاش أو التوضيح، يتم تحديد موعد للاجتماع صوتيًا عبر البوابة نفسها، مع إمكانية مشاركة المخططات لسهولة التواصل، وفقا لما ذكرته كاتيا.

هندسة العمارة

التحديات والعراقيل

هذه ليست التحديات الوحيدة التي تواجه المصمم في عصر التكنولوجيا، فقد أضاف عالم التواصل الاجتماعي أيضا عبئا جديدا على المصمم، بسبب كثرة العرض والأفكار التي يمكن لأي شخص الاطلاع عليها في أي وقت، تقول كاتيا “إن التواصل الاجتماعي هو سلاح ذو حدين، فهو يساعدنا على مشاركة أعمالنا وأفكارنا مع الآخرين، والحصول على ردود فعل وتقييمات، لكنه أيضا يزيد الضغوط علينا، فقد أصبح العميل مطّلعا على العديد من الأفكار والتصاميم المختلفة، وأصبح إرضاؤه أمرا صعبا”.

لكن هناك جانب إيجابي للتكنولوجيا في مجال التصميم المعماري، وتتمثل في السهولة التي حملتها هذه التقنيات في تعديل التصاميم وإبرازها بشكل جميل وأحيانا تصل دقة الصور المشغولة باستخدام البرامج الحديثة لدرجة أنها تطابق الواقع تقريبا. في برنامج “Revit” مثلا، عندما يقوم المهندس بتعديل في التصميم ينعكس هذا التعديل على كافة المخططات المتعلقة بهذا المخطط، بينما في برنامج “Autocad” كان يتعين على المهندس تعديل كل مخطط على حدة، مما يزيد فرصة الأخطاء والسهو.

مع ظهور مواقع الذكاء الصنعي التي تنذر بثورة عملاقة في عالم التصميم، برزت العديد من المواقع التي تساعد المصمم في إيجاد الأفكار ومقارنة تقريبا كل ما يوجد على شبكة الإنترنت واقتراح التصاميم على المصمم خلال فترة زمنية قياسية، ما يوفر وقت البحث والتنقيب بين المواقع العديدة.

في ختام حديثها، تتحدث كاتيا عبد الوهاب عن أهمية التواصل في مجال التصميم المعماري، فالتواصل هو عامل أساسي في نجاح أي مشروع هندسي، فلا بدّ من تبادل المعلومات والآراء والملاحظات بشكل دوري وفعال؛ لذلك، نحن نستخدم التطبيقات العامة عادة، مثل البريد الإلكتروني وتطبيق “الواتساب”، والتي تعتبر كتوثيق رسمي معتمد به حتى في المحكمة، حيث يتم توثيق المراسلات كلها عبر البريد الإلكتروني الخاص بالشركة، وطبعا لا بد من موقع رسمي للشركة بالإضافة لصفحة “إنستجرام”، التي تعتبر أمرا أساسيا في التسويق للشركات الهندسية وبخاصة شركات التصميم الهندسي والتصميم الداخلي.

في فترة الحجر الصحي أثناء انتشار وباء “كورونا”، تزايد استخدام منصة “زووم”، وأصبح العديد من المكاتب يفضل حاليا اعتماد الاجتماعات عبر التطبيق لتسهيل التواصل، من الممكن مشاركة سطح المكتب بين الأطراف المتصلة عبر التطبيق ومناقشة التصميم؛ مما سهّل كثيرا التواصل مع العملاء وبخاصة المتواجدين خارج الدولة.

قد يهمك: دور التكنولوجيا في تشخيص ومحاربة السرطان

فن وعلم متّحدان بفضل التكنولوجيا

في هذا التقرير، استعرضنا بعض الجوانب المهمة التي تربط التكنولوجيا والهندسة العمارة، وكيف تساهم هذه الشراكة في تطوير وتحسين مجال التصميم المعماري، ومن خلال حوارنا مع المهندسة المعمارية كاتيا عبد الوهاب، تعرفنا على بعض التحديات والفرص التي تواجهها في عملها، وكيف تستخدم البرامج والتطبيقات والمواقع الإلكترونية لإنشاء وتعديل وتقديم وتسويق تصاميمها.

كما تحدثنا عن آخر التطورات في عالم التصميم، وهي مواقع الذكاء الصنعي التي تستطيع إنشاء صور وفن من وصف باللغة الطبيعية.

التكنولوجيا هي أداة قوية وفعّالة للمهندس المعماري، إذا استخدمها بحكمة وإبداع، فهي تساعده على تحقيق رؤيته الفنية والوظيفية بشكل أسرع وأدق وأجمل، ولكن هذه الأداة لا تغني عن الموهبة والخبرة والذوق الجمالي للمهندس، فهي لا تستطيع أن تحل محل الإلهام والابتكار والتفرد، بل هي تزيد من قدرات المهندس، وتفتح له آفاقا جديدة للتعبير عن نفسه.

لذلك، نستطيع أن نقول إن العلاقة بين التكنولوجيا والهندسة العمارة هي شراكة تكاملية، تتبادلان المنفعة والتأثير، فالتكنولوجيا تسهّل على المهندس إظهار ما في خاطره، أما الهندسة فتضفي على التكنولوجيا روحا فنية وإنسانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات