استمع إلى المقال

ما هو الطب إلا فن وعلم يهدف إلى حماية وتعزيز صحة الإنسان والوقاية من الأمراض والشفاء منها؛ وفي هذا الفن والعلم، تتجسد رؤية الإنسان للحياة والموت، وطموحه للتغلب على المعاناة والقيود؛ وفي هذا السياق، تبرز أهمية التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كشركاء أساسيين للطب في مواجهة التحديات الصحية المعقدة والمتغيرة.

بفضل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان الطب أن يتخطى حدود التقليد والروتين، ويدخل في عصر جديد من الابتكار والإبداع، فهذه الأدوات المتطورة تمكن الأطباء والباحثين من اكتشاف وفهم أسرار الجسم والمخ البشري، وتصميم وتطبيق حلول ذكية وفعالة لمعالجة الأمراض المستعصية والنادرة، كما تسهل هذه الأدوات على المرضى الحصول على رعاية صحية متكاملة وشخصية، تناسب احتياجاتهم وظروفهم.

مع هذه الثورة في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، نجد أنفسنا في وسط مستقبل واعد يمكننا فيه تحقيق التغييرات الإيجابية العميقة في مجال الرعاية الصحية والجراحات، إن هذا العصر يمثل دعوة إلى الإبداع والتفكير الابتكاري، ويذكرنا بأن الأمل في إحداث تحسينات طبية ملموسة لا يزال ممكنا ومحتملا.

في هذا السياق، سنروي في هذا التقرير بعض القصص الناجحة عن كيف أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أصبحا عنصرا حاسما في تشكيل مستقبل الرعاية الصحية، وكيف يمكنهما أن يكونا جزءا من الحلول للتحديات الصحية التي نواجهها.

روبوت جديد لإزالة أورام المخ عند الأطفال

واحدة من أكثر العمليات الجراحية تعقيدا وخطورة هي إزالة أورام المخ، خاصة عند الأطفال، لكن فريقا بحثيا بقيادة الدكتور بيير دوبون، رئيس قسم الهندسة الحيوية للقلب الأطفال في مستشفى بوسطن للأطفال، قام بتطوير نظام روبوتي مبتكر يهدف إلى تحسين دقة وثبات هذه العمليات. يستخدم هذا الروبوت أنابيب نيتينول مسبقة التقويس، مما يوفر للجراحين مزيدا من المساحة والمرونة أثناء الإجراء، ويسعى إلى تعزيز الدقة والثبات في عمليات المخ، خاصة في حالات الأطفال.

يرجع اختيار أنابيب نيتينول، إلى أنها تتمتع بخصائص مماثلة للذاكرة، حيث يمكنها استعادة شكلها الأصلي بعد تغيره؛ بسبب التدفئة أو التبريد، وهذا يجعلها قادرة على التكيف مع التشكيلات المعقدة للدماغ والوصول إلى المناطق التي يصعب الوصول إليها بالأدوات التقليدية، كما أنها تقلل من خطر التلف الذي قد يحدث للأنسجة المحيطة بالورم.

فريق الدكتور دوبون يستكشف إمكانية تجارة هذه التقنية، مع تطبيقات محتملة في عمليات البالغين، لكن هذا يتطلب المزيد من التطوير وإجراء تجارب على البشر؛ وقال دوبون، “كان علينا استخدام ذراع مجوفة في الأساس، وهناك بعض التقنيات التي تمنحك ذلك، التحرك بالأوتار مثلا في القثطرات المستديِرة، وهي نفس التقنية المستخدمة في المِنظارِ الروبوتي للشُعب الهوائية، وهناك تقنية أخرى – روبوتات الأنابيب المتحدة المركز، وهي شيء طورته عندما كنت في جامعة بوسطن، وأيضا عمل عليه أشخاص آخرون في الوقت ذاته”.

مجهر ذكي للكشف عن السرطان

شركة “جوجل” تعاونت مع وزارة الدفاع الأميركية لتطوير مجهر يعمل بالذكاء الاصطناعي، يسمى مجهر الواقع المعزز “ARM” لمساعدة الأطباء في تشخيص أورام السرطان، يعتبر “ARM” أداة واعدة للكشف المبكر عن السرطان في المرافق الطبية الصغيرة، حيث يقدر ثمنه بين 90 ألف دولار و100 ألف دولار.

هذا الابتكار يقوم بتحسين خريطة حرارية عند فحص الأنسجة المحتملة للسرطان، مما يوجه الأطباء إلى المناطق التي تستحق الاهتمام، وتتم معالجة الصور الرقمية التي تلتقطها كاميرا المجهر من قبل نظام تعلم آلي مدرب على صور عينات سرطانية، وعلى الرغم من أن “ARM” لا يزال قيد التطوير، إلا أنه يقدم أملا لتحسين تشخيصات السرطان.

شركة “جوجل” ذكرت، أن هدفها هو إنشاء نظام يمكن تعديله وتحديثه ليناسب المجاهر الضوئية الموجودة في المستشفيات والعيادات، ويمكن للمجاهر المجهزة بـ “ARM” تقديم تعليقات مرئية مختلفة، مثل النصوص أو الأسهم أو الخطوط الكنتورية أو الخرائط الحرارية أو الرسوم المتحركة، وكل منها مصمم خصيصا لأهداف تقييم معينة.

كبد اصطناعي يحصل على موافقة للتجارب السريرية

باحثون في جامعة الطب الجنوبية في الصين، أعلنوا أنهم تمكنوا من تطوير كبد اصطناعي مبني على الخلايا الجذعية، وهو ما يمكن أن يساعد ملايين المصابين بفشل الكبد في جميع أنحاء العالم، وقد حصل هذا المشروع على موافقة من هيئة تنظيم الأدوية والأغذية في الصين لإجراء تجارب سريرية لاختبار فعالية هذا الكبد الحيوي الاصطناعي في البشر.

الكبد الحيوي الاصطناعي يستخدم خلايا جذعية لإصلاح نسيج الكبد المتضرر، ويستخدم هذا الجهاز نظاما حيويا متفاعلا يتكون من غشاء ألياف مجوفة يزرع فيه خلايا جذعية من نخاع عظم المرضى، وتضخ هذه الخلايا إلى مجرى دم المرضى بعد تحفيزها لتصبح خلايا كبدية، وتساعد هذه الخلايا على تجديد نسيج الكبد والحد من التلف.

التجارب المخبرية والحيوانية أظهرت أن هذا الكبد الحيوي الاصطناعي قادر على تحسين وظائف الكبد وزيادة فرص بقاء المرضى، وقال رئيس فريق البحث د. شانغ شيلان، إن هذه التقنية تقدم حلا جديدا لفشل الكبد، وأضاف أن التجارب السريرية ستبدأ في وقت قريب، وستشمل 10 مرضى يعانون من فشل الكبد الحاد أو المزمن.

الرحم الاصطناعي

في خطوة علمية مهمة، ستقوم إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بتقييم تقنية الرحم الاصطناعي للأطفال في اجتماع يستمر يومين، هذه التقنية التي طورها فريق في مستشفى أطفال فيلادلفيا، تهدف إلى محاكاة وظائف الرحم للأطفال المولودين قبل 28 أسبوعا من الحمل، وهو ما يزيد فرص نجاتهم وصحتهم.

تقنية الرحم الاصطناعي تستخدم كيسا شفافا مليئا بالسائل يحاكي سائل الأمنيوس، والذي يوفر بيئة مثالية للأجنة المبتسرة، وتستخدم أنابيب لتزويد الجنين بالأكسجين والغذاء وإزالة الفضلات.

لقد أظهرت دراسات حيوانية أن هذه التقنية قادرة على تسهيل النمو والتطور للأجنة المبتسرة، ففي عام 2017، نشر الباحثون نتائج تجارب على أغنام مولودة قبل 28 أسبوعا من الحمل، وأظهروا أنه بعد قضاء أربعة أسابيع في الرحم الاصطناعي، استطاعت هذه الأغنام التكيف مع الحياة خارج الرحم.

إن ولادة الأطفال قبل الأوان تعد من أبرز أسباب وفاة الأطفال دون سن الخامسة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، وكما أنها تزيد خطر حدوث مشكلات صحية طويلة الأجل مثل صعوبات في التنفس والجهاز الهضمي والبصر والسمع والتأخر في التطور وشلل دماغي، لذلك فإن هذه التطورات في تقنية الرحم الاصطناعي تعد حاسمة في تقليل معدلات وفاة الأطفال وتحسين رعاية حديثي الولادة.

البداية فقط

في هذا المقال، تناولنا دور التعاون بين الأطباء والمهندسين وعلماء البيانات في تحقيق تطورات مذهلة في مجال الطب، ورأينا كيف أن هذا التعاون يساهم في إيجاد حلول ذكية ومبتكرة للتحديات الصحية التي تواجه البشرية، مثل تشخيص الأمراض وعلاجها والوقاية منها وتحسين نوعية الحياة، واستعرضنا بعض الأمثلة على التقنيات والتكنولوجيا التي نشأت من هذا التعاون، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأجهزة القابلة للارتداء.

لكن هذه ليست نهاية القصة، بل بداية جديدة، فالتعاون بين الأطباء والمهندسين وعلماء البيانات لا يزال في مرحلة التطور والتحسين، ويمكن أن تتطور هذه التقنيات والتكنولوجيا لتحقيق إنجازات أكبر في مجال الطب، مثل إنشاء أعضاء اصطناعية وزرع شرائح دماغية وإطالة عمر الإنسان، وكما يمكن أن يتوسع نطاق هذا التعاون ليشمل مجالات أخرى، مثل الفضاء والبيئة والتعليم.

في ضوء ما سبق، يمكننا القول إن التعاون بين الأطباء والمهندسين وعلماء البيانات هو مفتاح لفتح أبواب المستقبل، إذ إنه يجمع بين المعرفة والخبرة والإبداع لخدمة الإنسانية، ويثبت أن المجالات المختلفة ليست منفصلة عن بعضها، بل مترابطة ومتكاملة، إنه يدعو إلى رؤية جديدة للطب تستفيد من التقدم العلمي والتكنولوجي في المجالات جميعها، كما أنه يحمل في طياته آمالا وأحلاما لعالم أفضل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات