استمع إلى المقال

وفقًا لتقريرٍ صدر من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في بداية العام الحالي، فإن العالم في الوقت الراهن ينتج ضعف كمية النفايات البلاستيكية التي كان ينتجها قبل عقدين من الزمن، وينتهي الجزء الأكبر من هذه النفايات في مكبات النفايات أو حرقها أو تسرّبها إلى البيئة سواء البرية أو المحيطات والأنهار والأنواع المختلفة من المسطحات المائية، و9% فقط من النفايات البلاستيكية يتم إعادة تدويرها بنجاح.

وحسب التقرير فإن 50% تقريبًا من هذه النفايات البلاستيكية يتم إنتاجها في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ففي الولايات المتحدة فقط ينتج الفرد الواحد سنويًا 221 كجم تقريبًا، و114 كجم في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأوروبية و69 كجم في المتوسط في اليابان وكوريا.

وأوضح التقرير أن أزمة كوفيد -19 أدت إلى انخفاض بنسبة 2.2٪ في استخدام البلاستيك في عام 2020 وذلك بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي، لكن ارتفاع النفايات الطبية من أقنعة وأكياس السيروم والمعدات الطبية البلاستيكية الأخرى، بالإضافة إلى نفايات المطاعم وتغليف الوجبات الجاهزة أدى إلى انتشار القمامة، ومع استئناف النشاط الاقتصادي في عام 2021، انتعش استهلاك البلاستيك مجدداً.

مخاطر تلوث البلاستيك

كشف تقرير آخر صدر في أواخر عام 2021 عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) الضوء على العواقب الوخيمة للتلوث البلاستيكي على الصحة والاقتصاد والتنوع البيولوجي والمناخ.


حيث يمثّل البلاستيك 85% من مجموع النفايات البحرية حاليًا. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2040، ستتضاعف هذه النسبة ثلاث مرات تقريبًا، مضيفًا 23-37 مليون طن متري من النفايات في المحيط سنويًا. وهذا يعني حوالي 50 كيلوجرامًا من البلاستيك لكل متر من الخط الساحلي.


ناهيك عن مخاطر السموم والاضطراب السلوكي والمجاعة والاختناق التي تهدد الحياة البحرية، من العوالق والمحار والطيور والسلاحف والثدييات.


فهناك مخاطر تهدد الجنس البشري أيضًا. فقد يتم تناول البلاستيك من خلال المأكولات البحرية والمشروبات وحتى الملح البحري. بخلاف ما يتم استنشاقه من جزيئات البلاستيك في الهواء. بالإضافة إلى تلوث مصادر المياه، التي قد تسبب تغيرات هرمونية واضطرابات في النمو وتشوّهات في الإنجاب وحتى بعض حالات السرطان.
أما فيما يخص تأثيرات هذا التلوث على الاقتصاد العالمي، فقد أشار التقرير، “عند حساب التأثيرات على السياحة ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية، مع حساب تكلفة مشاريع عمليات التنظيف، قُدّرت التكاليف بما يتراوح بين 6 إلى 19 مليار دولار سنويًا، خلال عام 2018”.


بعد كل ذلك ،بدأ الكثير من المؤسسات والمنظمات وحتى بعض الحكومات بالعمل بجد للحدّ من التلوث الناجم عن البلاستيك، واتخاذ إجراءات لتقليل إنتاجه، بما في ذلك ابتكار وتصميم أفضل للمنتجات وتطوير بدائل صديقة للبيئة، فضلاً عن الجهود المبذولة عبر دعم الأبحاث وتطويرها من خلال التعليم الآلي والاعتماد على الذكاء الصنعي لاكتشاف طرق جديدة لتحسين سبل الحد من انتشار تلوث البلاستيك وإدارة النفايات وزيادة إعادة التدوير.

الذكاء الصنعي والحرب على النفايات البلاستيكية

أعلن باحثون بجامعة تكساس في أوستن بالولايات المتحدة، في شهر أبريل / نيسان الماضي من هذا العام 2022، استخدامهم الذكاء الصنعي في هندسة نوع من الإنزيم، يسمى هيدروليز، الذي يمكنه تفكيك نفايات البلاستيك البولي إيثيلين تيرفثالات المعروف على نطاق واسع باسم PET إلى جزيئاته الخام، في أقل من 24 ساعة والتي كان يتطلب تفكيكها عقوداً من الزمن. وبالإمكان فيما بعد إعادة تحويل هذه المواد إلى منتجات جديدة.

وفقًا للورقة البحثية التي نشرها فريق UT من نفس الشهر على موقع Nature، إن PET هو بلاستيك شفاف وقوي وخفيف الوزن؛ وهو أيضًا الاسم الكيميائي للبوليستر. تُستخدم مادة البولي إيثيلين تيرفثالات بشكل شائع في تغليف الأطعمة والمشروبات. ويمثل هذا النوع من البلاستيك 12% من مجموع النفايات البلاستيكية في العالم.

كانت المحاولات السابقة لاستخدام الإنزيمات لتحطيم PET مقيدة بمجموعة من العوامل، بدءًا من تعرّض الإنزيمات لدرجات الحرارة ودرجة الحموضة، إلى معدلات تفاعلها البطيئة. لكن الفريق قام بتدريب خوارزمية التعلم الآلي لإنشاء هذا الإنزيم القوي، الذي سيكون قادرًا على التعامل مع التغيرات في درجات الحرارة في الظروف غير المختبرية.

وأطلق الفريق على الإنزيم الناتج اسم FAST-PETase، وهو قادر على تحطيم 51 نوعًا مختلفًا من البلاستيك في درجات حرارة غير محددة، واستغرق التحلل الكامل أقل من ثمانية أيام في جميع التجارب.
جبهات أخرى لحرب الذكاء الصنعي لحماية البيئة.

الذكاء الصنعي والزراعة

تتلخص مشكلة الزراعة في فقدان التنوع البيولوجي وانقراض بعض أنواع النباتات والمحاصيل. بالإضافة إلى فقدان رُقع كبيرة من الغابات بشكل متزايد والذي سبب نقصاً في بيئات العيش للكثير من أصناف الحيوانات، ويلعب الذكاء الصنعي في مراقبة الإنتاج الزراعي ومتابعة المحاصيل وحالة التربة، وجمع البيانات وتحليلها للبحث عن سبل لزيادة إنتاج المحاصيل بأقل تأثير بيئي ممكن.


ويمكن للذكاء الصنعي بالاتصال مع أجهزة ومستشعرات مراقبة العوامل بصورة مستمرة مثل الرطوبة وتغذية النبات والأمراض في الوقت الفعلي. وهذا بدوره قد يقلل من الحاجة إلى مبيدات التي تخلّف الكثير من الآثار السلبية على المدى البعيد.

الذكاء الصنعي في حماية الحيوانات المهددة بالانقراض

يساعد الذكاء الصنعي في تتبّع الأنواع المهددة بالانقراض، وجمع البيانات وتحليلها مثل الهجرة والتزاوج وعادات التغذية لديهم. ومن بين هذه التقنيات التي تساعد في جمع البيانات، هي تقنية تحديد البصمة (FIT). وهو برنامج تم إنشاؤه بواسطة شركة WildTrack، حيث يقوم بجمع البيانات من آثار أقدام الحيوانات مثل معرفة العمر والجنس، دون الحاجة إلى أَسر الحيوان أو تخديره لمعرفة هذه التفاصيل.

هذا ما يخص تتبع الحيوانات ؛ولكن الذكاء الصنعي يساعد أيضًا الكثير من نظم حماية البيئة في الحد من الصيد الجائر، وذلك من خلال مستشعرات الحركة التي يتم من خلالها تعلّم أنماط حركة الصيادين وتتبعهم بسهولة.

الذكاء الصنعي وتوقعات الطقس

من إحدى التجارب المثيرة للاهتمام في محاولة دمج الذكاء الصنعي لتطوير طرق التنبؤات المناخية، جرت في عام 2021 عبر تعاون العلماء في مختبر الذكاء الصنعي DeepMind في لندن المملوك لشركة جوجل وجامعة إكستر في المملكة المتحدة مع مكتب الأرصاد الجوية لبناء ما يسمى بنظام البث الآني.

تستخدم التقنيات التقليدية معادلات معقدة وغالبًا ما تتنبأ فقط قبل ست ساعات وإلى أسبوعين، وتتفاوت مدى دقة هذه التوقعات بسبب كثرة التغييرات المناخية.

يُعد النظام الجديد في بداية عهده، ويحاول العلماء من خلال التعليم الآلي والبيانات وتحليلها، أن يكون النظام أداة قوية، توفر الكثير من الوقت، مما يساعد في تقديم التنبؤات الدقيقة بالطقس مع مهلة أطول تمنح المجتمعات والقطاعات الحيوية مثل الصحة العامة وإدارة المياه والطاقة والزراعة مزيدًا من الوقت للاستعداد للكوارث المحتملة والتخفيف من حدتها.

من إحدى التجارب الأولية على النظام، كان تعليمه كيفية تحديد الأنماط الشائعة لهطول الأمطار، بالرجوع إلى خرائط الرادار في المملكة المتحدة من 2016 إلى 2018، وتم اختباره على خرائط عام 2019، وأكّد 50 خبيراً من الأرصاد الجوية في مكتب الأرصاد الجوية دقيقًا في 89٪ من الحالات.

آفاق الذكاء الصنعي في حماية البيئة

هناك الكثير من المجالات التي لم نقم بذكرها، والتي تتركز بالمُجمل حول دور الذكاء الصنعي في تطوير السُّبل للحد من تدهور البيئة من حولنا، منها كان يتركز حول قياس مصادر الكربون في الجو، أو مراقبة مياه الري أو تعقب استهلاك المياه والطاقة، وذلك عبر دراستها وتحليل الكثير من البيانات الضخمة لتقديم أفضل الحلول لتوفيرها والحلول دون هدر المزيد من المياه والطاقة في كثير من النقاط التي قد لا يعيها العقل البشري بالسرعة والدقة المطلوبة التي يقوم بها الذكاء الصنعي.

هناك أيضًا مجال لتقليل النفايات وإدارتها بشكل كبير عن طريق الذكاء الصنعي، وهذا قد يفيد إلى حد كبير من تقليل هدر الطعام على سبيل المثال، هناك تقرير لخدمة البحوث الاقتصادية الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية بأنه تم تخفيض حوالي 30-40% من نفايات الطعام، أي ما يعادل 161 مليار دولار أمريكي من الطعام في عام 2010 بفضل الذكاء الصنعي وتقنياتها.

جميعنا نعلم أن البشر مَن يساهمون في تدهور بيئة كوكب الأرض، سواء عن طريق انبعاثات المصانع والمعامل أو من عوادم السيارات أو الطاقة التي يتم هدرها واستهلاكها من خلال الكثير من التكنولوجيا التي لا تتوقف عن التطور، ولكن دعونا لا نفقد الأمل، فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة، توجه الكثير من العقول المفكرة والمؤسسات والمنظمات للحد من التلوث البيئي ومواجهة الكثير من التحديات لتقليل النفايات والقضاء عليها في النظام البيئي المعقّد لسلسلة التوريد والمصانع والمعامل. وكل ذلك من خلال الاستفادة من التقنيات المتقدمة للذكاء الصنعي، إلى جانب الذكاء البشري. لحماية الكوكب والحفاظ على بيئته من التلوث

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات