استمع إلى المقال

تبرز برامج التجسس، بما في ذلك البرمجية المعروفة بإسم “بيغاسوس”، كتهديد كبير في عالم اليوم حيث يشكّل الأمن السيبراني تحدّياً رئيسياً. تتيح هذه البرمجيات التسلل والتجسس على الأنظمة الإلكترونية بدون إذن، مما يثير قضايا معقّدة حول الخصوصية والمراقبة. تُستخدم هذه التقنيات في سياقات متعددة، من مكافحة الإرهاب إلى التجسس على مواطنين ونشطاء، ما يطرح تساؤلات حول الأخلاق وحماية البيانات الشخصية.

تكمن خطورة برامج التجسس في قدراتها على سرقة المعلومات الحساسة وتعطيل الأنظمة، وتهديد الأمن القومي. تزيد التكنولوجيا والاتصالات الرقمية من قدرة هذه البرمجيات على الانتشار، مما يصعب على الأفراد والمؤسسات الدفاع عن نفسها بفعالية.

الحاجةُ تدعو إلى تحقيق توازن بين حماية الأمن والحفاظ على الحريات الشخصية إلى تطوير إطار تنظيمي يحترم القوانين الدولية وحقوق الإنسان. تستلزم هذه القضية أيضاً إنشاء آليات رصدٍ ومحاسبة فعّالة لمنع الإفراط في استخدام هذه التكنولوجيات أو سوء استخدامها.

واشنطن تواجه برمجية شركة التجسس “انتليكسا”

أعلنت الحكومة الأميركية يوم الثلاثاء 5 آذار/ مارس، عن فرض حزمة عقوبات موسّعة ضد شركة “انتليكسا” (Intellexa)- شركة تجسس تجارية مقرّها اليونان، يرأسها ضابط عسكري إسرائيلي سابق قام بتطوير وتشغيل وتوزيع التكنولوجيا المستخدمة لاستهداف مسؤولي الحكومة الأميركية-، إلى جانب فردَين وخمسة كيانات مرتبطة بالشركة، وذلك على خلفية تورّطهم في تطوير وتوزيع تكنولوجيا لبرامج التجسس استُخدمت ضد صحفيينَ، معارضينَ، خبراء سياسة، وبشكل خاص، مسؤولين في الحكومة الأميركية. 

هذه العقوبات تجمّد بشكل فعّال أيّة أصول أميركية للمستهدفينَ وتحظر على الأميركيين التعامل معهم، مما يمثل تحرّكاً جريئاً في مواجهة الاستخدام المتزايد والمثير للقلق لتكنولوجيا المراقبة.

تجسس عابر للحدود من شركة “انتليكسا”

“انتليكسا”(Intellexa)، التي تُعرف بكونها شركة استخبارات إلكترونية، اكتسبت اهتماماً إعلامياً في السنوات الأخيرة بفضل منصّتها البرمجية “Predator”، القادرة على مراقبة الهواتف المحمولة والإنترنت، والتي تم استخدامها ضد أهداف في الشرق الأوسط، إفريقيا، أوروبا، وحتى داخل الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، عملت “انتليكسا” على توسيع نطاق نشاطها من خلال تملّك واستثمار وتعاون مع شركات برامج تجسس أخرى ضمن نموذج “الكونسورتيوم”، مما زاد من تعقيد ونطاق عملياتها.

تال ديليان، مؤسّس “Intellexa” وضابط المخابرات الحكومية الإسرائيلية السابق، الذي أطلق الشركة في إسرائيل قبل أن ينقل عملياتها إلى قبرص واليونان، لم يستجب بعد لطلبات التعليق على هذه العقوبات. السنوات الأخيرة شهدت اتهامات للشركة بخدمة حكومات مثل مصر وفيتنام، مع التقارير الصحفية التي ظهرت في 2023، والتي تفيد بمحاولات الحكومة الفيتنامية استخدام برامج التجسس على هواتف أعضاء “الكونغرس” الأميركي، في سياق التفاوض على اتفاقيات لمواجهة النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا.

الإجراءات التي اتّخذتها الحكومة الأميركية تأتي في أعقاب سنوات من الدعوات لتنظيم استخدام أدوات القرصنة التجارية، وتمثّل أول تحرّك جدّي لمعالجة هذه القضية على مستوى السياسة العامة. الأمر التنفيذي الصادر في 2023 بتوجيهٍ من مجلس الأمن القومي التابع لإدارة بايدن يسعى لإدخال ضوابط جديدة على هذه التقنيات، مع التأكيد على أهمية حماية حقوق الإنسان والحريات المدنية. وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، براين نيلسون، أكد على التزام الولايات المتحدة بإنشاء حواجز حماية للتطوير والاستخدام المسؤول لتكنولوجيا المراقبة، مشدّداً على أهمية ضمان الحماية الشاملة للأفراد حول العالم.

واشنطن تستثمر لردع برمجيات التجسس

يبقى واضحاً أن الولايات المتحدة تقف في الخطوط الأمامية لهذا الصراع، مستثمرةً مواردها وخبراتها لكبح جماح انتشار هذه البرمجيات، وبخاصة تلك التي تستهدف المواطنين الأميركيين. تزداد أهمية هذه الجهود في ضوء الارتباط الوثيق بين استخدام تكنولوجيا التجسس والمنافسات الجيوسياسية التي تعكس تنافس القوى العالمية على الساحة الدولية.

العمل على إحكام الضوابط وتطوير الأدوات الدفاعية ضد هذه البرمجيات لا يقتصر على حماية البنية التحتية الوطنية والأمن القومي فحسب، بل يمتد لضمان سلامة المعلومات الشخصية والخصوصية لكل مواطن. هذا يتطلب تعاوناً دولياً مكثّفاً وتبادل الخبرات والمعلومات بين الدول لمواجهة هذا التحدي العالمي.

في هذا السياق، تلعب الحروب الجيوسياسية دوراً محورياً، حيث تصبح برمجيات التجسس أدوات في يد الدول لتحقيق مكاسب استراتيجية أو للتأثير على سياسات الدول المنافسة. الولايات المتحدة، وهي في طليعة التكنولوجيا والابتكار، تواجه تحديات فريدة في هذا المجال، مما يحتّم عليها اعتماد استراتيجيات دفاعية وهجومية متطورة للتعامل مع هذه الظاهرة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات