استمع إلى المقال

في ضوء الكشف الأخير عن لائحة اتهام أميركية ضد مواطن إيراني نفذ حملة قرصنة سيبرانية معقّدة، عادت قضية الهجمات السيبرانية إلى صدارة النقاشات الأمنية الدولية. 

يسلّط هذا الحدث الضوء على نمط متزايد من التوترات السيبرانية التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الصراعات الجيوسياسية الحديثة، حيث تستخدم الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية الفضاء السيبراني كساحةٍ للصراع والتجسس والتأثير.

تاريخ واشنطن مع الهجمات السيبرانية 

شهِد العالم تصاعداً في الهجمات السيبرانية التي تركت بصماتها على الأمن القومي والاقتصاد العالمي. واحدة من أكثر الهجمات تعقيداً وتأثيراً، كان هجوم “سولار ويندس” (SolarWinds) في عام 2020، حيث تم استغلال سلسلة التوريد لشركة برمجيات لاختراق الوكالات الحكومية الأميركية والشركات الخاصة، في عملية تُشير التقديرات إلى أن روسيا كانت وراءها. 

كما شهدت الولايات المتحدة خرقاً أمنياً كبيراً في عام 2015، حيث تمت سرقة سجلات شخصية لأكثر من 22 مليون موظف حكومي ومتقدم للحصول على تصريحات أمنية من قِبل المكتب الفيدرالي للإدارة، في هجوم يُعتقد أن الصين تقف خلفه. 

أضف إلى ذلك، الاختراق السيبراني للجنة الوطنية الديمقراطية في عام 2016، الذي سعى إلى التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، والذي أُتهمت به جهات فاعلة روسية.

إيراني يخترق الشركات الأميركية

في ضوء الوثائق القضائية المنشورة بين الأعوام 2016 و2021، تبرز قضية علي رضا شافي نسب، الإيراني البالغ من العمر 39 عاماً، كمثال بارز على التحديات الأمنية السيبرانية التي تواجه الولايات المتحدة. 

كما يُعتبر نسب، ومتآمرين آخرين جزءاً من منظمة قرصنة مسؤولة عن حملة منسّقة ومعقّدة استهدفت اختراق أكثر من 12 شركة أميركية بالإضافة إلى وزارتي الخزانة والخارجية الأميركيتين. وعلى الرغم من جهود الوصول إليه ظل نسب طليقاً حتى اللحظة.

علي رضا شافي نسب، الذي تم التعرّف عليه كعنصر فاعل ضمن شبكة الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة، كذلك يُعتبر مثالاً بارزاً على كيفية استخدام القرصنة الإلكترونية كأداة في الصراعات الدولية. 

في فترة عمله ارتبط نسب بشكل مباشر بشركة “ماهاك ريان أفراز”، التي تقع مقراتها في إيران وتعمل كواجهة لـ”الحرس الثوري” الإيراني، الذي تصنّفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية أجنبية.

خلال هذه الفترة، تورّط نسب في حملة قرصنة معقّدة ومنسّقة، تستهدف بشكل خاص البنية التحتية الحيوية والمعلومات الحساسة لعديد الشركات الأميركية. هذه الأفعال تُعدّ انتهاكاً صارخاً لقانون الاحتيال وإساءة استخدام الكمبيوتر (CFAA)، مما يبرز التهديد الذي تشكّله الهجمات السيبرانية على الأمن القومي للولايات المتحدة.

تحذير من خطر إيران السيبراني

قال مساعد المدعي العام، ماثيو جي أولسن، من قسم الأمن القومي بوزارة العدل الأميركية: “أثناء ادعائه بتقديم خدمات الأمن السيبراني للعملاء في إيران، شارك نسب بشكل فعّال في حملة متواصلة لاختراق القطاع الخاص الأميركي وأنظمة الكمبيوتر الحكومية.” 

كما أضاف أولسن: “تسلّط الاتهامات الموجهة ضده الضوء على النظام البيئي السيبراني الفاسد في إيران، حيث يُسمح للمجرمين بتوجيه تهديداتهم نحو أنظمة الكمبيوتر خارج حدودها، مهدّدين بذلك المعلومات الأميركية الحساسة والبنية التحتية الحيوية”.

من جانبه، أكد المدعي العام الأميركي للمنطقة الجنوبية من نيويورك، داميان ويليامز، على خطورة الأفعال المنسوبة إلى نسب قائلاً: “وفقًا لما ورد، فقد شارك علي رضا شافي نسب في حملة إلكترونية مستخدماً التصيد الاحتيالي وتقنيات القرصنة الأخرى لإصابة أكثر من 200 ألف جهاز، العديد منها يحتوي على معلومات دفاعية حساسة أو مصنفة.” 

وأضاف ويليامز: “مثل هذه العمليات الخبيثة عبر الإنترنت تشكّل تهديداً مباشراً لأمننا القومي، وأنا فخور بجهود شركائنا في الفريق القانوني في هذا المكتب لاستخدامهم تقنيات مبتكرة وإجراءات تحقيق متقدمة لإحباط وتعقب هؤلاء المجرمين الإلكترونيين”.

حروب سيبرانية طويلة

يبرز الاتهام الأميركي ضد علي رضا شافي نسب، كمثال جديد على الحملات السيبرانية المعقّدة التي تخطط لها وتنفّذها جهات فاعلة مرتبطة بدول معينة. 

كما تعتبر الهجمات السيبرانية جزءاً من مفهوم أوسع للحرب الهجينة، حيث تستخدم الدول مزيجاً من الوسائل التقليدية وغير التقليدية لتحقيق أهدافها. ويُظهر تورط إيران وروسيا وكوريا الشمالية وغيرها من الدول في عمليات سيبرانية ضد الغرب كيف أن الحرب السيبرانية أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجيات العسكرية والاستخباراتية.

في مواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة التي تستهدف الأمن القومي والبنية التحتية الحيوية، تعمل الولايات المتحدة بجدٍّ لتعزيز دفاعاتها الإلكترونية وتتّبع الجهات الفاعلة الخبيثة التي تقف وراء هذه الهجمات. من بين هذه الجهود، يبرز السعي الحثيث للوصول إلى المخترقينَ مثل علي نسب، الذي يُعتبر من أخطر القراصنة الإلكترونيينَ في العالم بسبب دوره في حملة قرصنة موسّعة ضد مؤسسات أميركية.

تدرك الولايات المتحدة بأن القرصنة الإلكترونية والهجمات السيبرانية لم تعد مجرد تهديدات ثانوية، بل أصبحت عناصر رئيسية في الصراعات الجيوسياسية، قادرة على تعطيل الحياة اليومية والتأثير على الأمن القومي بطرق جذرية. لهذا السبب، تضع الحكومة الأميركية أولوية كبيرة لتقليل هذه الهجمات والحدّ من الاختراقات التي يمكن أن تهدد البلاد.بالتوازي مع تعزيز الدفاعات السيبرانية وتطوير التقنيات الأمنية، تعتمد الولايات المتحدة أيضاً على استراتيجيات مثل برامج المكافآت لجمع معلومات تؤدي إلى تحديد موقع المخترقينَ وتقديمهم للعدالة. في هذا الإطار، أعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات تؤدي إلى الإيراني علي نسب، في خطوة تؤكد على مدى جدّية الولايات المتحدة في ملاحقة ومحاسبة الفاعلينَ في هذا المجال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات