نهاية عصر منصات التواصل الاجتماعي المجانية.. لماذا الانتقال للنموذج المدفوع؟

نهاية عصر منصات التواصل الاجتماعي المجانية.. لماذا الانتقال للنموذج المدفوع؟
استمع إلى المقال

في نيسان/إبريل 2023، قرر إيلون ماسك المالك الحالي لمنصة “X” أن يحول إحدى خدمات المنصة التي كانت تقدم بشكل مجاني في الماضي إلى خدمة مدفوعة ضمن اشتراك “تويتر بلو” كما كان يدعى وقتها، ورغم معارضة الكثير من المستخدمين والمؤثرين، إلا أن هذه الخطوة زادت عدد المشتركين في المنصة إلى 640 ألف مستخدم بعد أن كانت 385 ألف مشترك في شهر آذار/مارس الذي سبقه. 

بعدها، بدأت المزايا بالتوالي على “تويتر بلو” مما جعل الفارق بين النسخة المجانية والمدفوعة واضحا بشكل كبير، مثل إتاحة تعديل التغريدات وإطالة عدد حروف التغريدة إلى جانب زيادة عدد التغريدات التي يسمح للمستخدمين برؤيتها يوميا. 

الإقبال المتزايد على الدفع من أجل خدمة كانت مجانية في السابق دفع الكثير من منصات التواصل الاجتماعي للتفكير في هذا النموذج، وفورا اتبعت شركة “ميتا” هذا الأمر في منصاتها، إذ أتاحت علامة التوثيق الزرقاء مقابل اشتراك شهري يدفع للمنصة، ولكن في الوقت الحالي تقف مزايا الاشتراك المدفوع عند العلامة الزرقاء فقط. 

رغم أن “ميتا” لم تعلن حتى الآن عن عدد المشتركين الحالي في الخدمة، إلا أنه وفق لبيان نشرته المنصة، فإنها تتوقع وصولهم إلى 12 مليون مستخدم مع مطلع 2024، محققة أرباح تتجاوز 1.7 مليار دولار شهريا بفضل حجم المشتركين، ولكن طموح “ميتا” لم يتوقف هنا، إذ تدرس الشركة إمكانية طرح خدمة اشتراك مدفوعة شهريا من أجل استخدام منصاتها دون إعلانات، وهذا يدفعنا للتساؤل، هل ينتهي عصر منصات التواصل الاجتماعية المجانية. 

فكرة غير جديدة 

فكرة تقديم منصات التواصل الاجتماعي المدفوعة أو الدفع من أجل استخدام المنصة ليست جديدة، إذ أن خدمة “تويتر بلو” في حد ذاتها ظهرت عام 2021، أي قبل استحواذ إيلون ماسك على المنصة بعامين، إلا أن هذه الفكرة أصبحت رائجة وشائعة منذ استحواذ إيلون ماسك على “تويتر” بسبب الضجة الإعلامية التي صاحبتها. 

بعد ذلك، شهدنا توجه “ميتا” إلى هذه الخدمة، وتبعتها “سناب شات” مع خدمة “سناب شات+” وأيضا “تيليجرام” التي قررت طرح نموذج مدفوع أيضا للاستفادة من الخدمات بشكل أفضل وتقديم مزايا جديدة، ولا يجب أن ننسى الاشتراك المدفوع في خدمات “يوتيوب” التي كانت من أوائل خدمات الاشتراك التي ظهرت. 

لكن جميع هذه الخدمات كانت تقدم مزايا إضافية بعيدا عن المزايا الأساسية للمنصة، مثل أن تتمكن من تحميل مقاطع “يوتيوب” أو الحصول على وصول أسرع لبعض الأدوات داخل المنصة وهكذا، ولم نشهد تحول مزايا أساسية في المنصة لتصبح مدفوعة إلا مع التغييرات التي أجراها إيلون ماسك على “تويتر بلو”. 

إقبال عالمي

في دراسة أجراها موقع “Privacy HQ” حول مدى استعداد المستخدمين لدفع قيمة الاشتراكات الشهرية والاستفادة من خدمات إضافية، قال إن 30 بالمئة من إجمالي المشتركين، مستعدون للدفع مقابل التخلص من الإعلانات في منصات التواصل الاجتماعي. 

بالطبع ما زال هناك 70 بالمئة يرفضون هذا الأمر، ولكن الإقبال بنسبة 30 بالمئة على مثل هذه المزايا أمر لم يكن متوقعا، خاصة وأن جزءل كبيرا من مستخدمي هذه المنصات يقعون في مناطق تعاني اقتصاديا وهم يمثلون نسبة كبيرة للغاية من مستخدمي المنصة. 

الدراسة تطرقت أيضا، إلى المزايا التي يرغب المستخدمون في رؤيتها داخل الاشتراك المدفوعة، وفي مقدمة هذه المزايا كانت ميزة استخدام المنصة دون إعلانات ثم يليها الوصول إلى محتويات حصرية وأدوات حصرية للمشتركين في الخدمة المدفوعة. 

هذه الدراسة تظهر بوضوح استعداد المستخدمين للدفع من أجل الاشتراك في الخدمات المدفوعة، وتحويل منصات التواصل الاجتماعي التي كانت مجانية إلى خدمات مدفوعة يستطيعون الوصول إليها في مقابل مادي. 

التخلص من الإعلانات للأبد 

الشرط الرئيسي الذي اتفق عليه جميع المستخدمين الراغبين في الدفع لمنصات التواصل الاجتماعي، أن هذه المنصات يجب أن تتخلص من منظومة الإعلانات الخاصة بها على الأقل لمن قاموا بدفع قيمة الاشتراك الشهري في المنصة. 

هذه الآلية ليست مبتكرة أو وليدة اللحظة، إذ تتبعها منصة “يوتيوب” للمشتركين في الخدمة المدفوعة الخاصة بها، ولكنها تتيح لهم أيضا مزايا أخرى وما زالت تعرض إعلانات بشكل مكثف لمن لا يدفع قيمة الاشتراك الشهري في المنصة، إذ أطلقت المنصة تحديثا جديدا يتيح لها عرض 10 إعلانات لا يمكن تجاوزها قبل أي فيديو. 

في دراسة أجرتها مؤسسة “North Strategic” ونشرها موقع “The Globe And Mail”، وُجد أن الشخص الواحد قد يشاهد ما بين 250 إعلانا إلى 3 آلاف إعلان يوميا في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يمثل مصدر دخل كبير لمنصات التواصل الاجتماعي. 

ماذا تفعل المنصات بعد انتهاء عصر الإعلانات؟ 

قوة منصات التواصل الاجتماعي تعتمد بشكل رئيسي على الخوارزمية المستخدمة في هذه المنصات، لذلك إن كانت الخوارزمية قوية وقادرة على أسر انتباه المستخدمين، وبالتالي القدرة على توجيه الإعلانات بشكل أفضل وإمكانية عرض عدد أكبر من الإعلانات. 

إذا قررت منصات التواصل الاجتماعي جميعا الابتعاد عن منظومة الإعلانات بشكل كامل، فإن هذا يعني أنها لن تهتم بتطوير الخوارزمية التي كانت تساعد هذه الإعلانات، وبالتالي قد نجد نفسنا أمام جيل جديد من منصات التواصل الاجتماعي التي تعتمد على خوارزميات بسيطة وضعيفة. 

بالطبع، هناك احتمالية أن تحاول منصات التواصل الاجتماعي الاهتمام بالمزايا والخوارزمية لجذب المستخدمين وإقناعهم بدفع الاشتراكات في منصاتهم، ولكن هذه الحرب ستكون أشبه بحرب شبكات البث التلفزيوني والمنصات الخاصة بهم مثل “نيتفلكس” و”ديزني”، إذ كلما ضمت المنصة مزايا أكثر وصانعي محتوى أفضل، كلما زاد عدد المشتركين فيها. 

في الحقيقة، توجد بعض المنصات التي تعتمد على هذه الآلية، ولا تقوم بعرض الإعلانات وبالتالي لا تهتم كثيرا بالخوارزميات الخاصة بها، وذلك مثل منصة “Vero” أو “Caffeine”، ولكن كما ترى، فإن وجود هذه المنصات في المنافسة أضعف من غيرها، وربما يكون إطلاق منصة “ثريدز” التي جاءت دون خوارزمية مثالا حيا على هذا الأمر، إذ لن يهتم المستخدمون بأي منصة لا تقدم لهم المحتوى الذي يبحثون عنه. 

هل نحتاج للتخلص من الإعلانات؟ 

تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى نموذج الدفع يقترن بتخليهم عن فكرة الإعلانات على المستخدمين، وهذا يطرح سؤالا جديدا، هل ترغب المنصات في ترك الإعلانات والتخلي عن نموذج العمل هذا. 

الإجابة لن تكون واضحة أو صريحة، إذ تمثل الإعلانات مصدر دخل كبير لمنصات التواصل الاجتماعي وصناع المحتوى الذين يعملون من خلالها، وعند اختفاء هذا المصدر، هل يظل عدد صانعي المحتوى مثلما هو حاليا أم سينخفض بشكل كبير. 

هناك جانب آخر للإعلانات، وهو تجارة المعلومات الشخصية للمستخدمين، إذ تعتمد هذه المنصات على جمع معلومات عن تفضيلات المستخدمين بداخلها ثم تبدأ بعرض الإعلانات بناء على هذه التفضيلات، وهو الأمر الذي سينتهي بالطبع دون وجود خوارزمية أو إعلانات داخل المنصات. 

ورغم كون الإعلانات في منصات التواصل الاجتماعي أمر مزعج، إلا أنه شر لابد منه، إذ تساعدك على الوصول إلى المنتجات التي تحتاجها أو حتى التي لم تكن تعرف أنك تحتاجها، وهي توفر مصدر دخل مستمر للكثيرين عبر العمل في صناعة المحتوى وبرامج دعم منشئي المحتوى مما وفر فرصا كثيرة للحرية المالية.

لا يمكن القول بشكل قاطع إن كان وجود الإعلانات داخل منصات التواصل الاجتماعي أمر سيئ أو مفيد، حتى من الناحية التجارية، إذ بدأت منصات بث المحتوى مثل “نيتفلكس” و”ديزني بلس” في عرض الإعلانات داخل محتواها رغم أنها منصات مدفوعة. 

الأمر الأكيد، هو أن الجميع سيختلف حول جدوى عرض الإعلانات داخل المنصات، ولكنه في النهاية يعود للقدرة المالية للمستخدم إن كان راغبا في التخلي عن بعض بياناته الخاصة ومشاهدة الإعلانات هذه أو الحفاظ عليها ودفع اشتراك شهري. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات