استمع إلى المقال

في السنوات القليلة الماضية، أدى دعم “الحزب الشيوعي” الحاكم في الصين، إلى زيادة الطلب على السيارات الكهربائية، لكن مع انحسار مد رأس المال وميل الصناعة إلى التشبع، أصبحت هذه السيارات عبئا، حيث تروي مقابر السيارات الكهربائية في زوايا المدن قصصا حول عصر الاقتصاد التشاركي في بكين.

مع انحسار الدعم الحكومي، بدأت مقابر السيارات الكهربائية – التي تمثل شاهدا على زمن الدعم الحكومي لسيارات الطاقة النظيفة – في الظهور ضمن الصين، حيث استفادت شركات تصنيع السيارات وقوى رأس المال المختلفة من سياسة دعم سيارات الطاقة الجديدة، مما أدى إلى حدوث فوضى في هذا السوق.

هذه الفوضى تشاهدها في ضواحي مدينة هانغتشو الصينية، حيث يرى الناظر مجموعة من مقابر السيارات المتضمنة المئات من السيارات الكهربائية المهملة بين الأعشاب والقمامة، كما انتشرت مجموعات مماثلة من السيارات الكهربائية المهملة في نحو 6 مدن بجميع أنحاء الصين، بالرغم من محاولة إزالة القليل منها. 

في هانغتشو، تُركت بعض السيارات لفترة طويلة لدرجة أن النباتات تنبت من صناديقها. في حين جرى التخلص من مجموعات أخرى من السيارات الكهربائية على عجلة لدرجة أن أغلفة النايلون الشفافة لا تزال موجودة على لوحات القيادة.

هذه المشاهد تُذكر بتداعيات انهيار شركات النقل التشاركي في الصين خلال عام 2018، حيث رميت عشرات الملايين من الدراجات في الأنهار والخنادق ومواقف السيارات المهجورة، بعد صعود وهبوط الشركات الناشئة التي تدعمها شركات التكنولوجيا الكبيرة.

مقابر السيارات الكهربائية المنتشرة، توضح فشل شركات النقل التشاركي التي تملكها، حيث أن 80 بالمئة من الشركات الناشئة لمركبات الطاقة الجديدة، إذا أحصيناها جميعا منذ الإعانات الحكومية الأولية، قد خرجت من السوق.

كما أنها توضح الزيادة الجنونية التي تنتهجها المصانع في طرح المزيد والمزيد من السيارات الكهربائية بميزات أفضل ومدى قيادة أطول.

هذه السيارات المهملة تمثل الفائض والهدر الذي قد يحدث عندما يتدفق رأس المال إلى صناعة مزدهرة.

إعانات حكومية غير منضبطة

منذ نحو عقد من الزمان، وبتشجيع من الإعانات الحكومية، انخرط المئات من صانعي السيارات في جميع أنحاء الصين بصناعة السيارات الكهربائية، حيث أنتجوا أعدادا هائلة من المركبات الكهربائية البدائية التي يمكن لبطارياتها في بعض الحالات السير لمسافة 100 كيلومتر بشحنة واحدة.

هذه السيارات اشترتها في الغالب شركات النقل التشاركي التي قامت بتأجيرها للسائقين، حيث كانت أرقام التسليم في بداية سوق السيارات الكهربائية في الصين مدفوعة بأساطيل شركات النقل التشاركي، بينما رفض عملاء القطاع الخاص شرائها.

الطلب الكبير ساعد على تعزيز الصناعة التي نمت بشكل كبير منذ ذلك الحين، حيث تعد الصين الآن رائدة العالم في مجال السيارات النظيفة، مع إنتاجها نحو 6 ملايين سيارة كهربائية وهجينة في العام الماضي، أو نحو واحدة من كل 3 سيارات جديدة تباع محليا. 

الصين تمثل 60 بالمئة من الأسطول الكهربائي الحالي في العالم، ولديها البنية التحتية الأكثر شمولا لشحن المركبات الكهربائية على وجه الأرض، وقد تم بناؤها أيضا بدعم من الحكومة.

لكن هذا التطور السريع تسبب أيضا في وقوع الكثير من الضحايا، حيث توقفت العديد من شركات النقل التشاركي التي كانت من أوائل الشركات التي تبنت المركبات الكهربائية عن العمل، ويوجد الآن نحو 100 شركة صينية لصناعة السيارات الكهربائية، انخفاضا من نحو 500 شركة في عام 2019.

مقابر السيارات الكهربائية تمثل نتيجة مقلقة لهذا الدعم الحكومي، حيث أن التخلص من المركبات الكهربائية بسرعة كبيرة يقلل من فوائدها المناخية مع الأخذ في الاعتبار أن بنائها أكثر كثافة في الانبعاثات، كما تحتوي كل بطاريات المركبات المستهلكة أيضا على مكونات ثمينة يمكن إعادة تدويرها لجعل صناعة السيارات الكهربائية في الصين أكثر صداقة للبيئة.

وفقا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، تعهدت حكومة هانغتشو في عام 2019 بالتخلص من السيارات التي بدأت تتكدس، لكن حتى أواخر الشهر الماضي، كانت لا تزال العديد من المواقع في المدينة مليئة بالمركبات الكهربائية المهجورة.

مقابر السيارات 

في أحد المواقع، توجد بشكل عشوائي أكثر من 200 سيارة كهربائية تصنعها شركة “Changan”، بينما أظهر الطلاء أن معظم تلك السيارات كانت مشغلة بواسطة شركتي النقل التشاركي Didi Chuxing و”Faststep”.

جميع السيارات كانت تحمل لوحات زرقاء، مما يشير إلى أنها صنعت وسجلت قبل شهر كانون الأول/ديسمبر 2017، عندما تحولت هانغتشو إلى اللوحات الخضراء لمركبات الطاقة الجديدة. 

ملصقات التسجيل أظهرت، أن بعضها كان يعمل عبر الطرق حتى وقت قريب من عام 2021.

في موقع مختلف، بالقرب من نهر وعلى طول مسار ترام مهجور، كان هناك نحو 1000 مركبة كهربائية مهملة. 

بعض السيارات ضمن هذا الموقع حملت ملصقات من “Ledao Chuxing”، وهي شركة نقل تشاركي أغلقت في وقت سابق من هذا العام. 

في حين تضمنت سيارات أخرى العلامات التجارية التي تشير إلى أنهم ينتمون إلى “Caocao Chuxing”، وهي خدمة نقل تشاركي مملوكة لشركة “Youxing”.

السيارات الموجودة في هذا الموقع، جرى إنتاجها بشكل أساسي من قبل “Changan” و”Geely” و”Dongfeng”، شريك مشروع مشترك لشركة نيسان في الصين.

بعض السيارات كانت جديدة نسبيا، مع لوحات خضراء وملصقات على نوافذها لتذكير الركاب بارتداء القناع للحماية من فيروس “كورونا”، مع وجود زجاجات المياه الفارغة على المقاعد الخلفية.

فشل الخيارات المحدودة

قبل وصول شركة “تسلا” إلى الصين وتصنيعها للسيارات من مصنعها في شنغهاي في أوائل عام 2020، كانت معظم المركبات الكهربائية المنتجة في البلاد صغيرة ومنخفضة الجودة، حيث كانت هذه السيارات لا تجذب المستهلكين الذين يشاهدون عددا كبيرا من سيارات محركات الاحتراق الداخلي ذات المظهر الجيد.

لبدء تبني السيارات الكهربائية، بدأت بكين في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بتقديم خصومات تصل إلى 60 ألف يوان (8400 دولار) لكل مركبة، مع تقييد ملكية سيارات الوقود في العديد من المدن الكبرى. 

علاوة على ذلك، دعمت شركات صناعة السيارات أو أسست العديد من الشركات الناشئة التي تقدم خدمات النقل التشاركي، التي بدورها ملأت أساطيلها بالسيارات الكهربائية التي تنتجها شركات صناعة السيارات المالكة لها، حيث حصلت “Geely” على “Caocao Chuxing”، التي لا تزال تعمل. 

لكن خدمة أخرى للنقل التشاركي تسمى Panda، مدعومة من شركة Lifan Auto، أغلقت وقدمت Lifan Auto نفسها طلبا للإفلاس في عام 2020، وقد استحوذت عليها Geely بعد عام.

العديد من السيارات الكهربائية المبكرة جرى بنائها بشكل أساسي من أجل الحصول على الإعانات وتلبية المتطلبات التنظيمية، وغالبا لا تقدم تصميما وأداء عالي الجودة. 

هذه المركبات يطلق عليها اسم سيارات التنظيم ، في إشارة إلى المركبات التي يتم بيعها في الغالب إلى الأساطيل والتي تم تصميمها لتلبية قواعد استهلاك الوقود والحصول على الإعانات.

لكن الطلب على هذه المركبات بدأ في التلاشي بمجرد زيادة المتطلبات وظهور المنافسين وأصبح سوق الأسطول مشبعا.

الشركة المصنعة “Zhidou”، باعت ما مجموعه نحو 100 ألف مركبة مع مدى قيادة لا يتعدى 100 كيلومتر لكل شحنة بين عامي 2015 و2017، لكن سرعان ما فقدت شركة تصنيع السيارات الصغيرة زخمها بعد أن أنهت الصين الدعم للمركبات الكهربائية التي يقل مداها عن 150 كيلومتر للشحنة الواحدة في عام 2018.

بالمثل، بدأت ذراع السيارات الكهربائية لشركة “BAIC” المملوكة للدولة، التي قادت مبيعات السيارات الكهربائية لأكثر من 5 سنوات من خلال استهداف مشغلي الأساطيل بشكل أساسي، في الإبلاغ عن الخسائر بعد انخفاض الدعم.

شركة “Byton” التي أسسها المديرون السابقون لشركة “BMW AG”، اضطرت إلى تعليق الإنتاج قبل تسليم سيارتها الأولى، في حين أن شركة Youxing كانت على وشك الإفلاس في عام 2022.

تفشي الغش

في منتصف عام 2010، عززت الصين من مساعيها لاعتماد المركبات الكهربائية من خلال نظام ائتماني يكافئ شركات صناعة السيارات لإنتاج السيارات الكهربائية ويعاقب على تصنيع السيارات ذات الاستهلاك العالي للوقود. 

خلال عام 2021، أثار تقرير من شركة “Fitch Ratings” احتمال أن تؤسس بعض الشركات خدمات نقل تشاركي كطريقة سهلة لاستيعاب الإنتاج المتزايد من المركبات الكهربائية التي لم يشتريها الجمهور.

كما بدأت بعض الشركات أيضا في الغش في برنامج الدعم عن طريق تزوير سجلات المركبات الكهربائية غير الموجودة، حيث كانت تنتج هيكلا فارغا لا يحتوي على بطارية، أو تصنع سيارات ببطاريات لا تلبي المواصفات الصحيحة.

في عام 2016، استشهدت صحيفة الشعب اليومية الرسمية بتقديرات توضح أن عشرات الشركات كسبت عن طريق الاحتيال أكثر من 9.3 مليار يوان (1.3 مليار دولار) في شكل إعانات.

نتيجة لذلك، بدأت بكين في خفض الإعانات الوطنية لجميع مشتريات السيارات الكهربائية في عام 2019، لكن العديد من خدمات النقل التشاركي لم تكن على استعداد لتغيير السياسة، مما أثر بشدة في عوائدها المادية، واضطرت العديد من الخدمات إلى التوقف عن العمل.

في وقت لاحق من ذلك العام، بدأت مقابر السيارات الكهربائية في جذب انتباه الجمهور، عندما أبلغ مستخدمو الإنترنت ووسائل الإعلام المحلية عن هذه الظاهرة.

بشكل عام، في حين مددت الصين الإعفاء الضريبي للمستهلكين الذين يشترون سيارات الطاقة الجديدة حتى عام 2027، فإن كل الدلائل تشير إلى أن الحكومة لن تستمر في دعم شركات صناعة السيارات المتعثرة.

ختاما، سوق رأس المال في الصين كان صغيرا عندما بدأت البلاد في الانفتاح، لكن التمويل غير المنظم أصبح الآن مثل “تسونامي”، حيث أن مقابر السيارات الكهربائية هي نتيجة للرأسمالية غير المقيدة وإهدار الموارد والضرر الذي يلحق بالبيئة وتلاشي الثروة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات