مصير طلبة التقنية بعد حملات الإقالة الموسعة في “وادي السيليكون”

مصير طلبة التقنية بعد حملات الإقالة الموسعة في “وادي السيليكون”
استمع إلى المقال

العمل في إحدى الشركات التقنية العملاقة أو كما تعرف شركات “وادي السيليكون” أصبح حلم يراود الجميع وخاصة أبناء “الجيل زد”، الذين أبصروا العالم في ضوء نجاح هذه الشركات، إذ عُرف عن هذه الشركات دفع المرتبات الأكبر بين جميع الوظائف التقنية إلى جانب توفير بيئة عمل مثالية تساعد الموظفين بها على الإبداع وابتكار.

لكن التغيرات الاقتصادية الأخيرة كانت كفيلة بإيقاظ العاملين في الشركات التقنية العملاقة والباحثين عن وظائف بها على كابوس جديد، حيث شهدنا موجات متتالية من الإقالات في جميع شركات الصف الأول مثل “ميتا” و “أمازون” و “جوجل” ناهيك عن حملة الإقالة الجماعية التي قادها إيلون ماسك في “تويتر” وأنتجت عن تقليص قوة العمل إلى أكثر من النصف.

قد يهمك أيضًا:شركة “ميتا” والتضليل… كيف يتم التلاعب بالمستخدم؟

الاستعداد منذ الصغر

Photo by cottonbro studio:/

العقد الأخير منذ عام 2013 وحتى اليوم كان عصر الشركات التقنية الذهبي، إذ ارتفعت لتغطي على جميع الأعمال والشركات الأخرى عبر تحقيقها لأرباح تكاد تكون خيالية في بعض السنوات، ورغم أن ميلاد بعض الشركات التقنية يعود إلى ما قبل 2013، إلا أنها لم تكن بهذه السطوة والقوة، وعندما وصلت إلى قوتها كان أبناء جيل الألفية بدأوا حياتهم العملية بالفعل ولم يستطع البعض اللحاق بركب الوظائف في هذه الشركات.

ولكن أبناء “الجيل زد” نشأوا وسط نجاح هذه الشركات التقنية، لذلك تمكنوا من الاستعداد منذ الصغر للعمل بها عبر الاهتمام الكبير بعلوم الحاسوب المختلفة، وبالتالي فإن الغالبية العظمى من العاملين في هذه الشركات، هم من أبناء “الجيل زد” الذين لا يستطيعون العمل إلا في مجالات علوم الحاسب التي تحتاجها الشركات التقنية العملاقة.

مسيرة أناليس لي، التي تبلغ من العمر اثنين وعشرين ربيعا تؤكد على ذلك، إذ قالت في مقابلتها مع موقع “نيويورك تايمز” إنها توجهت لدراسة علوم الحاسوب منذ أن كانت في الصف العاشر، وأمضت جلّ حياتها منذ ذاك الوقت في الاستعداد للعمل بإحدى الشركات التقنية العملاقة عبر تدريب صيفي في “مايكروسوفت” ثم التخصص في علوم الحاسب بجامعة واشنطن قبل أن تنتقل إلى “ميتا” للعمل فيها كأحد مهندسي البرمجيات هناك، ورغم صغر سنها، إلا أنها كانت تحصل على 160 ألف دولار سنويا مقابل هذا العمل، وهو متوسط راتب مهندسيّ البرمجيات في “ميتا“.

“ميتا” التي أمضت أناليس لي، مسيرتها التعليمية في الاستعداد للعمل معها تخلت عن خدماتها في الشهر الماضي إلى جانب 11 ألف موظف آخرين في موجة لخفض التكاليف عبر تقليل العاملين بها في جميع المنصات التي تمتلكها “ميتا” مثل “فيسبوك” و “واتساب” و “إنستجرام“.

قصة أناليس لي، لن تكون فريدة من نوعها أو مختلفة عن قصة آلاف المهندسين الذين خسروا وظائفهم في الآونة الأخيرة، وهي قصة تكررت في جميع الشركات التقنية بمختلف أحجامها وفي مختلف أنواع الوظائف داخل الشركة، وبينما يزداد عدد الباحثين عن الوظائف الجديدة بسبب عمليات التسريح المستمرة، إلا أن عدد الوظائف المعروض يتقلص باستمرار نتيجة تجميد عمليات التوظيف الجديدة في مختلف الشركات.

أثرُ عمليات التقليص امتد لأبعد من الموظفين الدائمين لدى الشركة، إذ كشفت “أمازون” عن خفض عدد المتدربين بها عام 2023 لأكثر من النصف دون التضحية ببرنامج التدريب بحسب تقرير “نيويورك تايمز“، وذلك إلى جانب تسريح 10 آلاف شخص في الشهر الماضي.

ازدياد عدد المتقدمين إلى الوظائف أو التدريب لدى الشركات كان ملموسا في الشركات الصغيرة أكثر، إذ كشفت “روبلوكس” رغبتها في توظيف ثلاثمئة متدرب هذا العام وتوقعها بالحصول على أكثر من 50 ألف سيرة ذاتية لهذه الأماكن القليلة.

كيف وصلت شركات “وادي السيليكون” إلى هذه المرحلة؟

الأسباب التي وصلت بالشركات التقنية إلى هذه المرحلة مختلفة للغاية، ولا يمكن القول بأن اللوم بمفرده يقع على الشركات التقنية أو حتى الأزمة الاقتصادية العالمية ولكنها كشفت عن سلوك سيء ساد في عالم الوظائف التقنية ذات الراتب المرتفع، إذ كانت الشركات تتسابق للفوز بأفضل الموظفين وتهيئة البيئة الأفضل لهم دون النظر إلى حاجة الشركات لهذه الوظائف أو حتى التوقعات المستقبلية لنمو الشركات، وربما كانت “ميتا” هي المثال الأوضح لذلك، إذ زادت عدد العاملين بها بأكثر من 16 ألف موظف في الفترة من كانون الثاني/ يناير 2022 حتى أيلول/ سبتمبر في العام ذاته، وذلك قبل أن يتم تسريح 11 ألف موظف في تشرين الثاني/ نوفمبر أي بعد أقل من عام واحد من زيادة عدد الموظفين.

رسالة مارك زوكربيرج التي أُرسلت إلى الموظفين المسرحين قالت،” قررت أن أزيد من استثماراتنا بشكل كبير، ولكنها مع الأسف لم تكن كما توقعت“، وبينما يبدو أن مارك زوكربيرج ضخ الكثير من الجهود والأموال في محاولة بناء “الميتافيرس” وإطلاقه، إلا أن الحقيقة أعمق من ذلك، إذ انتعشت أرباح “فيسبوك” لأكثر من 48٪ في عام 2021 بفضل أزمة “كوفيد-19” ورغم محاولة “أبل” تقويض أرباحها عبر سياساتها الجديدة.

قد يهمك أيضًا: بعد معارك المزايا وجذب المستخدمين.. هل خسرت ميتا معركة الموظفين لصالح تيك توك؟

أثّر الانتعاش الناتج عن تبعات “كوفيد-19” امتد لجميع الشركات التقنية التي تعمل في مجال الاعلانات مثل “جوجل” إلى جانب الشركات العاملة في التجارة الإلكترونية وخدمات الويب مثل “أمازون” وهو ما دفع هذه الشركات لزيادة عدد الموظفين من أجل مواكبة الطلب المتزايد والتوسع الذي كانت ترغب به جميع الشركات، ولكن تبعات الحرب الروسية- الأوكرانية كان لها رأي آخر، إذ تركت أثر سلبي على اقتصاد جميع القطاعات مما أدى إلى انخفاض أرباح الكثير من الشركات مثل “ميتا” التي خسرت أكثر من 600 مليار دولار في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي و“مايكروسوفت” التي وصلت خسائرها إلى 700 مليار دولار في الوقت ذاته، وقد خسرت المستثمرون في بورصة “ناسداك” بشكل عام ما يصل إلى 7.4 تريليون دولار بسبب تبعات الحرب الروسية- الأوكرانية.قزد

الخسائر الكبيرة التي عانتها الشركات التقنية في البورصة تسببت بشكل مباشر في سعيهم لتقليل الإنفاق وبالتالي تقليل الوظائف إلى جانب التوسع الغير مبرر في عمليات التوظيف ومحاولة التسابق للحصول على أفضل الموظفين دون النظر إلى عائدهم.

مستقبل مشرق

credit ThisIsEngineering- pexels

حياة العاملين في مجال التقنية تعثرت بتعثر الشركات التي يعملون بها، ورغم ذلك إلا أن المستقبل مازال مشرقا أمام أصحاب المهارات الحقيقية والطلبة الذين يبحثون عن الوظائف ذات الدخل المرتفع، وربما لا تعود دخولهم كما كانت قبل الأزمة، ولكن الأمر الأكيد هو أنهم يستمرون بالعمل وأن الحاجة إليهم لن تنتهي.

الذكاء الصنعي أصبح أحد المجالات التي تستثمر الشركات بها دون هوادة، وهو ما ظهر بكل وضوح مع خروج “ChatGPT” للنور إلى جانب كوكبة تطبيقات توليد وتعديل الصور عبر الذكاء الصنعي، كما أن مركز صناعة الشرائح وأشباه الموصلات ينتقل إلى قلب الولايات المتحدة، وهو ما سيتسبب في ولادة آلاف الوظائف التقنية الجديدة التي تحتاج إليها هذه المصانع، إذ يتوقع أن يحتاج مجال صناعة أشباه الموصلات أكثر من 90 ألف موظف في السنوات القادمة بفضل جذب الاستثمارات، لذلك فإن المستقبل ما زال يحمل الكثير من المفاجآت لكل العاملين في مجال التقنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.