لماذا تسارع شركات التكنولوجيا إلى الامتثال للقيود الأوروبية؟

لماذا تسارع شركات التكنولوجيا إلى الامتثال للقيود الأوروبية؟
استمع إلى المقال

خلال الأشهر المقبلة، تدخل قوانين الأسواق والخدمات الرقمية حيذ التنفيذ في الاتحاد الأوروبي، مع وعود بإحداثها تغييرات جذرية، لكن لماذا تسابق شركات التكنولوجيا الزمن من أجل الامتثال للقوانين، وما هي تبعات عدم الامتثال.

شركات التكنولوجيا الكبرى في العالم على وشك مواجهة أكبر توسع في التنظيم الرقمي في الغرب، حيث تبدأ شركات “ميتا” و”أبل” و”جوجل” وغيرها من شركات التكنولوجيا بحلول الأسبوع المقبل بمواجهة القوانين الجديدة للاتحاد الأوروبي، التي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ خلال الأشهر المقبلة.

تأثير بروكسل

هذه القوانين الأوروبية الجديدة، تهدف إلى دفع شركات التكنولوجيا الكبرى لمراقبة المحتوى بشكل أفضل وزيادة المنافسة مع إشراف منتظم من الجهات التنظيمية المخولة بإصدار الغرامات.

العديد من بنود تلك القوانين تشبه تفاصيل وشمولية القوانين التي فرضتها الولايات المتحدة على القطاع المالي منذ ما يقرب من قرن من الزمان.

في حين أن القوانين الجديدة لا تنطبق إلا في أوروبا، فإن تأثيرها ينتشر على مستوى العالم، حيث غالبا ما تكون لوائح بروكسل بمثابة نماذج للآخرين، وهو ما يدفع عادة منصات التكنولوجيا إلى تنفيذ بعض التغييرات في جميع أنحاء العالم. 

اتساع نطاق القواعد يعمل على تغذية التحول نحو ثقافة الامتثال داخل بعض الشركات التي نشأت في كنف التحرر التكنولوجي في وادي السيليكون، لكن التغيير الرئيسي يتمثل في فقدان شركات التكنولوجيا الكبرى احتكارها بشأن كيفية تصميم الخدمات وتفسير القواعد التي تضعها للمستخدمين.

هذه القوانين تمثل خطوة فارقة بالنسبة لشركات التكنولوجيا الكبرى، حيث تنتقل من عدم التنظيم إلى التنظيم الصارم، لذا قد يحدث بعض التأثير على الفور، مما يؤدي إلى تغيير كيفية قيام المستخدمين بالتمرير والبحث والتسوق عبر الإنترنت. 

لكن التغييرات الأخرى قد تستغرق سنوات قبل أن تترسخ، مع إعادة تشكيل الأسواق حول قوانين أوسع نطاقا للشركات لتحديد وتقليل المخاطر المنهجية التي تفرضها خدماتها على مجالات من العملية الانتخابية إلى السلامة العقلية للمستخدمين.

شركات التكنولوجيا تتوافق مع القوانين

من أجل التوافق مع القوانين، أشارت الشركات الكبرى، بما في ذلك “جوجل” و”ميتا”، إلى أن لديها آلاف الموظفين الذين يعملون على الامتثال، وكشفت “مايكروسوفت” عن الإنفاق الضخم على الجهود الهندسية للامتثال.

بدورها، تطور شركة “جوجل” شاشة اختيار لمتصفحات الإنترنت للهواتف الذكية، وهو مطلب يأمل الاتحاد الأوروبي أن يفتح المنافسة ضد متصفح “كروم” المستخدم على نطاق واسع.

في حين تطور شركة “أبل” طريقة للمستخدمين لتثبيت تطبيقات “آيفون” من خارج متجرها للتطبيقات، وذلك للامتثال لشرط يهدف إلى فتح نموذجها لأعمال الهاتف المحمول.

بينما تبني شركة “ميتا” أدوات لإخطار المستخدمين، والسماح لهم بالاستئناف في بعض الحالات، عندما يصبح محتواهم أقل وضوحا للمستخدمين الآخرين ولكن لا يتم حذفه.

هذه التحركات تأتي بموجب قاعدة الشفافية الجديدة التي يشير الخبراء إلى أنها قد تؤدي إلى تغييرات في كيفية وتوقيت تدخل الشركات في منصاتها.

بالإضافة إلى ذلك، أنشأت شركة “أمازون” قناة جديدة للعملاء للإبلاغ عن المنتجات والمحتوى الذي يحتمل أن يكون غير قانوني، وتنشر المزيد من المعلومات حول البائعين الخارجيين.

في حين توفر شركة “تيك توك” للمستخدمين خلاصة تعرض مقاطع الفيديو بناء على شعبيتها المحلية، بدلا من تخصيصها بناء على بيانات حول المستخدم. هذا الشرط لتقديم توصيات غير مخصصة يمكن أن يجعل خدمات مثل “تيك توك” و”إنستغرام” أقل إدمانا.

الاتحاد الأوروبي يفرض قوانينه

الجدول الزمني قصير، حيث يجري تطبيق المجموعة الأولى من القواعد الجديدة، بموجب قانون تعديل المحتوى المسمى قانون الخدمات الرقمية، على أكبر شركات التواصل الاجتماعي وشركات البحث ابتداءً من أواخر شهر آب/أغسطس. 

في أوائل شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وبعد أشهر من الضغط من وراء الكواليس من قبل شركات التكنولوجيا، أبلغ الاتحاد الأوروبي الشركات بالخدمات التي تندرج تحت مجموعة منفصلة من قواعد المنافسة، بموجب ما يسمى قانون الأسواق الرقمية.

بحسب “جوجل”، فإن لديها العشرات من مسارات العمل للاستعداد، حيث يتطلب كل حكم مختلف من هذه القوانين تغييرا في العملية، أو تغييرا في البنية التحتية، أو كليهما، ويركز كبار الأشخاص في الشركة على هذا الأمر.

القوانين الجديدة تدخل حيز التنفيذ في الوقت الذي يكمل فيه المشرعون في الاتحاد الأوروبي مشاريع قوانين أخرى تنظم مجالات مثل البيانات الصناعية والذكاء الاصطناعي.

من خلال قانون الخصوصية الذي بدأ تنفيذه في عام 2018، حققت الكتلة أول خطوة كبيرة لها في كبح جماح عمالقة التكنولوجيا.

هذا القانون، الذي يسمى اللائحة العامة لحماية البيانات، حفز على إجراء تغييرات في الطريقة التي تتعامل بها العديد من الشركات مع المعلومات الشخصية وألهم تشريعات مماثلة في أماكن أخرى، بما في ذلك بعض الولايات الأميركية.

القوانين الجديدة تختلف لأنها تركز على أكبر منصات التكنولوجيا، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن اللائحة العامة لحماية البيانات فرضت تكاليف امتثال باهظة على العديد من الشركات الصغيرة، مما جعلها في وضع غير مؤات مقارنة بمنافسيها ذوي الموارد الأفضل.

هذه المرة، ترى بعض شركات التكنولوجيا الصغيرة فرصا في القوانين الجديدة، اعتمادا على كيفية تنفيذها.

مخاطر عدم الالتزام

يريد المسؤولون الأوروبيون أن تصبح الأسواق الرقمية أكثر عدالة وانفتاحا على المدى القصير والمتوسط، ويأملون أيضا أن تسهل القواعد الجديدة ظهور الأفكار التحويلية وربما تحدي الشركات القائمة. 

من الممكن أن تصل غرامات انتهاك قواعد المحتوى عبر الإنترنت إلى 6 بالمئة من الإيرادات العالمية للشركة، وقد تصل إلى 20 بالمئة في حالة انتهاك قواعد المنافسة الرقمية بشكل متكرر. 

بموجب قانون المنافسة الرقمية، يتمتع الاتحاد الأوروبي أيضا بالسلطة لإجبار الشركات على تفكيك نفسها إذا انتهكت القواعد بشكل متكرر.

بغض النظر عن الغرامات، فإن المسؤولين الأوروبيين يعترفون بأن التنفيذ قد يكون صعبا، حيث يتوقع الاتحاد الأوروبي أنه بحاجة إلى نحو 230 موظفا لتطبيق قوانين المحتوى والمنافسة عبر الإنترنت، وهو جزء صغير من حجم الفرق القانونية لبعض شركات التكنولوجيا الكبرى. 

من أجل تطبيق القواعد بمجرد دخولها حيز التنفيذ، أنشأ الاتحاد الأوروبي مركزا في إشبيلية بإسبانيا، وذلك للمساعدة في تحليل البيانات التقنية التي تقدمها الشركات، بما في ذلك تفاصيل خوارزميات اختيار المحتوى.

تحديد اختصاصات القوانين

المسؤولون التنفيذيون في الشركات يستعدون للطريقة التي يقرر بها مسؤولو الاتحاد الأوروبي في أوائل شهر أيلول/سبتمبر تحديد المنصات والخدمات الواقعة تحت سلطة قانون المنافسة الرقمية، حيث تعتمد عدة عناصر في القانون على تلك التعريفات.

أحد الأحكام، على سبيل المثال، يتطلب مما يسمى الشركات أن تبقي بيانات المستخدم بين المنصات منفصلة ما لم تحصل على موافقة صريحة من المستخدم. 

هذا الأمر أدى إلى قيام شركة “ميتا” بالإشارة في اجتماعات مع الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي إلى أنه ينبغي التعامل مع خدمتها للمراسلة “ماسنجر” على أنها متكاملة مع منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

المناقشات المستمرة مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي حول كيفية تفسير تلك العناصر وغيرها من القوانين تجعل الشركات تتدافع للاستعداد، حيث تتساءل بعض الشركات عما إذا كان ينبغي تطبيق بعض القواعد عليها. من المرجح أن تستمر المعارك حول كيفية تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي وعلى من تنطبق لسنوات.

ختاما، قد تواجه الشركات ضغوطا لتطبيق بعض التغييرات على المستهلكين الأميركيين، حتى لو لم تسن الولايات المتحدة قوانين مشابهة لقوانين الاتحاد الأوروبي، ولن تستطيع تلك الشركات الدفاع عن ممارساتها عندما يكون هناك معيار يوضح أنها تتصرف بشكل مختلف في مكان آخر، حيث يتطلع العديد من الأمريكيين إلى أن تكون التغييرات في الاتحاد الأوروبي محسوسة في الولايات المتحدة أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات