لماذا تعاني مصر من ضعف الإنترنت رغم مرور 17% من كابلات الإنترنت البحرية خلالها؟

لماذا تعاني مصر من ضعف الإنترنت رغم مرور 17% من كابلات الإنترنت البحرية خلالها؟
استمع إلى المقال

أصدرت شركة Ookla المالكة لخدمة Speedtest، التي تعد الأشهر في العالم في مجال اختبار سرعة الاتصال بالإنترنت وأدائه، تقريرها الشهري الخاص بسرعات الإنترنت للدول من جميع أنحاء العالم، مؤخّراً.

وبحسب تقرير شهر آب/ أغسطس 2022، فإن المركز الأول لسرعة اتصالات النطاق العريض الثابت Fixed Broadband كان من نصيب سنغافورة، وذلك بمتوسط سرعة قدره 219.01 ميغابت في الثانية، ثم جاءت تشيلي في المركز الثاني بسرعة 211.43 ميغابت في الثانية، ثم المركز الثالث لتايلند بسرعة 188.75 ميغابت في الثانية.

وبحسب تقرير Speedtest – التي تقول شركة Ookla إن أكثر من 10 ملايين مستخدم يختبرون يوميًا سرعة اتصالهم بالإنترنت بواسطة خدمتها، فإن دولًا، مثل: هونغ كونغ، والصين، والولايات المتحدة، والدنمارك، ونيوزيلندا، كانت من بين الدول العشرة الأوائل في التصنيف.

ترتيب مصر عالميًا

من منطقتنا العربية، حلّت دولة الإمارات العربية المتحدة في المقدمة، وذلك بعد أن جاءت في المركز الثاني عشر عالمياً وفق تقرير Speedtest، بسرعة قدرها 127.16 ميغابت في الثانية، ثم جاءت الكويت في المركز السابع عشر بسرعة 114.17 ميغابت في الثانية، ثم قطر، فالمملكة العربية السعودية.

الملاحظ في التقرير أن مصر تراجعت إلى المركز الثالث والثمانين مع معدل سرعة قدره 45.46 ميغابت في الثانية، وهو ما يقودنا إلى الحديث عن الأسباب الكامنة وراء ضعف الإنترنت في دولة يمر نحو 17 في المئة من كابلات الإنترنت البحرية في مياهها الإقليمية.

سخط مستخدمي الإنترنت

قبل الحديث عن أسباب ضعف الإنترنت في مصر دعونا نستذكر كيف أن مستخدمي الإنترنت في مصر ثاروا أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية على شركات الاتصالات، فكانت البداية مع وسم #إنترنت_غير_محدود_في_مصر الذي تصدر موقع تويتر مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي.

قد يهمك أيضًا: #إنترنت_غير_محدود_في_مصر يتصدر تويتر محليًّا

نظّمت الحملة دعوة لمقاطعة الشركات المزودة للإنترنت في مصر، وهي: الشركة المصرية للاتصالات WE، وشركة (فودافون)، وشركة (أورانج)، وشركة (اتصالات)، وتضمنت المقاطعة التوقف عن استخدام الإنترنت أو الامتناع عن دفع الفواتير ليوم واحد.

طالب المعترضون بإلغاء الباقات الشهرية في الإنترنت المنزلي، وتوفير الخدمة بلا حدود، واعتماد الأسعار تبعاً للسرعة فقط. وذلك في ظل شكاوى عديدة من ارتفاع التكلفة، وانتهاء الباقات قبل موعدها بأيام، فضلًا عن انخفاض سرعة الإنترنت إلى مستوى متدنٍ.

يبدو أن تلك الدعوات لم تجد آذانًا صاغية لدى المسؤولين، لتنطلق أواخر شهر آب/ أغسطس الماضي دعوة جديدة تحت وسم #امسك_حرامي_النت_في_مصر، حيث تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع الوسم، مُعبِّرين عن غضبهم من شركات الاتصالات التي تقدم خدمة الإنترنت.

اشتكى المشاركون في الوسم من سوء الخدمة المقدمة، ومخالفتها ما تعلن عنه الشركات من خدمة الإنترنت غير المحدود، فمع أن المستخدمين يُوعَدون بإنترنت “غير محدود” مقابل مبالغ مالية معينة، إلا أن سعة الإنترنت تُحدَّد وفقًا لما تُعرف  بسياسة الاستخدام العادل. كما استغرب المشاركون في الحملة من سوء الخدمة المقدمة من بعض الشركات المخدّمة، في حين أن مصر هي من أكبر دول العالم تمر عبرها الكابلات البحرية الموصلة للإنترنت.

موقع مصر الفريد

تعد مصر مركزًا لمرور الكابلات البحرية الخاصة بنقل الإنترنت، حيث يمر من خلالها 24 كابلًا، وذلك وفقًا لخريطة الكابلات البحرية، وهو ما يجعلها في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث عدد الكابلات التي تمر بها، بما يمثل 17 في المئة من جميع الكابلات البحرية حول العالم.

مع أن مصر تتميز بالموقع الجغرافي الفريد الذي يربط بين أوروبا وآسيا، وهو ما يجعلها نقطة التلاقي المثالية في مجال كابلات الإنترنت البحرية على مستوى العالم، إلا أنها ما زالت تفتقر إلى الاستثمارات اللازمة لتحسين سرعات الإنترنت والخدمات التي توفرها لمواطنيها.

خلال السنوات الماضية، أُعلن عن أن الشركة المصرية للاتصالات استحوذت على حصص إضافية في مجال الكابلات البحرية، كما شرعت في مد كابلات جديدة. حيث تعتبر الشركة شريكًا في العديد من الكابلات التي تمر عبر مصر، وتمتلك عددًا من الكابلات الأخرى.

في عام 2018، أعلنت الشركة عن استحواذها بشكل كامل على شركة (مينا للكوابل)، ووقعت في العام نفسه اتفاقية لخدمة دول جنوب إفريقيا، وذلك قبل أن توقع مذكرة تفاهم للتوسع في مجال تقديم خدمات الكابلات البحرية في المنطقة.

في عام 2020، أصبحت الشركة المصرية للاتصالات شريكة بمشروع الكابل البحري 2Africa، إذ عقدت شراكة مع تحالف يضم 8 من مقدمي خدمات الاتصالات العالمية، ومن بينها شركتا (أورانج) و(فودافون) اللتان تعملان في مصر، وذلك بهدف إنشاء الكابل البحري 2Africa الذي يعد واحدًا من أكبر مشاريع الكابلات البحرية في العالم.

أُعلن في البداية عن أن الكابل سيربط 23 دولةً في إفريقيا وآسيا وأوروبا، وذلك بطول 37,000 كيلومتر، ولكن في شهري آب/ أغسطس، وأيلول/ سبتمبر 2021، وُسِّع المشروع ليشمل 33 دولةً، وليصبح طوله 45,000 كيلومتر. ويمتاز مشروع كابل 2Africa بأنه يستخدم التقنية الجديدة SDM1 من ASN، التي تسمح بنشر ما يصل إلى 16 زوجًا من الألياف الضوئية، كما زِيد عمق دفن الكابلات بنسبة 50% لتجنب الاضطرابات التي تحدث عادةً تحت سطح البحر.

وبمجرد بدء عمل الكابل خلال العامين المقبلين، فإنه سيكون قادرًا على نقل ما يصل إلى 180 تيرابت في الثانية، أضف إلى ذلك أن مصر أحد أعضاء تحالفات لكابلات بحرية أخرى تعمل منذ سنين، مثل:SEA-ME-WE 5  الذي يوفر سعة 38 تيرابت في الثانية، وكابل: Asia-Africa Europe 1 الذي يوفر سعة 40 تيرابت في الثانية، ولكن هل سيستفيد المصريون من كل ذلك؟

استفادة الحكومة من موقع مصر

مما لا شك فيه أن الحكومة المصرية تستفيد حقًا من مرور كل هذه الكابلات عبر أراضيها، إذ حققت الشركة المصرية للاتصالات إيرادات تزيد عن 2.9 مليار جنيه من رسوم مرور الكابلات في العام المالي 2019، وذلك بحسب البيان الذي أرسلته الشركة لإدارة البورصة المصرية. ومثلت هذه الإيرادات 10 في المئة من أرباح الشركة في الربع الأول من عام 2020. وقد ساهمت رسوم مرور الكابلات بنسبة تتراوح ما بين 6.62 في المئة و17.39 في المئة من الإيرادات بين عامي 2008 و2019، حسب دراسة أجرتها شبكة الكابلات البحرية.

ولكن ماذا عن المواطن العادي؟ الذي يبدو أنه حتى الآن محروم من الرفاهية التي يتمتع بها العديد من مستخدمي الإنترنت في الشرق الأوسط، والسبب أن البنية التحتية في مصر لا ترقى إلى التعامل مع القدرة التي توفرها تلك الكابلات البحرية، وذلك على الرغم من سعي الشركة المصرية للاتصالات إلى إحلال كابلات الألياف الضوئية محل الكابلات النحاسية التقليدية، حتى أن الحكومة ممثلة في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية اشترطت في العام الماضي للحصول على موافقة البناء، تنفيذ شبكات الألياف الضوئية في المباني والمنشآت.

من الأمور التي قد تكون سبباً في ضعف البنية التحتية في مصر، هي أن الشركة المصرية للاتصالات تملك الحق الحصري في تأسيس البنية التحتية للاتصالات في مصر، حيث تقوم بتأجير سعات الإنترنت لشركات خدمات الاتصالات الأخرى. ما يعني أن تحسين الاتصال بالإنترنت يتوقف على الشركة المصرية للاتصالات فقط. ومن المعروف في مصر أن المسؤولين في الحكومة يمنعون الشركات الخاصة من تنفيذ مشاريع البنية التحتية الخاصة بها، لكي لا يؤدي ذلك إلى حرمان الشركة العامة من الأرباح الهائلة التي تجنيها، سواء من المستخدمين أو من رسوم تأجير سعات الإنترنت لتلك الشركات.

بناء على ما سبق، وعلى الرغم من الوعود التي تطلقها الحكومة المصرية حول التحول الرقمي. يبدو أن المستخدم المصري سيضطر إلى الانتظار طويلًا قبل أن ينعم بخدمات إنترنت تكافئ مستوى الموقع الجغرافي الذي تنعم به مصر، والذي يوفّر لها عدداً هائلاً من الكابلات البحرية التي تمرّ منها، إنما لا تؤدي إلى تحسين خدمات الإنترنت فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
2 3 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات