الشركات التقنية الناشئة بالشرق الأوسط.. ترتيب الأوراق بعد انهيار “سيليكون فالي”؟

<strong>الشركات التقنية الناشئة بالشرق الأوسط.. ترتيب الأوراق بعد انهيار “سيليكون فالي”؟</strong>
استمع إلى المقال

بنك “سيليكون فالي” (SVB) تعرض لثاني أكبر انهيار مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وأصبح الأسبوع الماضي أكبر بنك يتعرض للإفلاس منذ الأزمة المالية لعام 2008 عند إفلاس بنك “واشنطن ميوتشوال”، وأثر هذا الإفلاس على العديد من الصناعات والاقتصادات حول العالم، ولم تكن منطقة الشرق الأوسط بمنأى عن ذلك.

وفقا لبيانات السوق، تراجعت عدة مؤشرات للأسهم في الشرق الأوسط بشكل طفيف بعد يومين من انهيار البنك على خلفية الأخبار، وقارن البعض ما يحصل الآن بالأزمة المالية في لبنان، حيث لا يستطيع المودعون الوصول إلى أموالهم.

على مدى ثلاثة عقود، كان بنك “سيليكون فالي” أحد أكثر الخيارات المصرفية تفضيلا للشركات الناشئة في صناعة التكنولوجيا في وادي السيليكون وفي جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك أساسا إلى فهمه للصناعة والمرونة في العديد من الجوانب التي تناسب النظام البيئي للشركات الناشئة.

لكن انهيار البنك، أدى إلى ترك العديد من شركات التكنولوجيا بالمنطقة في حالة تجمد مالي عميق، وفي ظل التخبطات التي يشهدها قطاع التكنولوجيا من انهيارات في أسعار الأسهم وعمليات تسريح للموظفين، من المرجح أن يؤثر انهيار البنك على قطاع الشركات التقنية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على المديين القريب والبعيد.

قد يهمك: هل تتأثر “فوكسكون” بانتقال “أبل” خارج الصين؟ 

الشركات المصرية المتضررة الأكبر

بحسب نشرة “إنتربرايز”، وهي نشرة بريدية يومية تعنى بالشأن الاقتصادي والاستثماري والإداري في مصر، فإن هناك ما يقرب من 50 شركة محلية مصرية قد تأثرت بالانهيار البنكي، إذ تم تداول قائمة بين المدراء والاقتصاديين المحليين المعنيين تتضمن أسماء 46 شركة ناشئة وشركتين من شركات رأس المال الاستثماري (إحداهما عالمية) تم تمويلها من خلال بنك “وادي السيليكون”، وفقا لمصدر خاص بـ “إنتربرايز” رفض الإفصاح عن هويته.

“ليس لدي طريقة للتكهن بعدد الشركات الناشئة المحلية المتأثرة، لكن يمكنني القول إنها بالتأكيد تقدر بالعشرات”. هذا ما قاله باسل مفتاح لـ “إنتربرايز”، وهو الشريك العام لشركة “Nclude” الاستثمارية المصرية النشطة في قطاع التكنولوجيا المالية، مضيفا أن واحدة من ثماني شركات مصرية في محفظة الشركة قد تأثرت.

علي الشلقاني، الشريك الإداري في شركة “Acasia Ventures” الاستثمارية المصرية، بيّن أن شركتين أو ثلاث من بين 10 شركات في محفظة الشركة -التي تمتد عبر الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا برمتها- تعاملت مع بنك “سيليكون فالي”، مشيرا إلى أن الصندوق الاستثماري للشركة لا يزال في محادثات مع شركاته الناشئة لتقييم مدى تعرضهم للبنك وتأثرهم بانهياره.

في تحديث آخر يوم الجمعة 17 آذار/مارس الجاري، أفادت نشرة “إنتربرايز” أنه تم احتواء الأضرار -حتى الآن على الأقل- إذ علمت أن 5 شركات ناشئة مصرية وإقليمية على الأقل تمكنت من استعادة الوصول إلى ودائعها في البنك المنهار، بينما بقيت ودائع آخرون مجمدة، حيث يواصل منظمو البنوك الأميركية السيطرة على البنك بعد أن تحركوا لضمان جميع الودائع المحتفَظ بها فيه، في محاولة لمنع انتشار العدوى وتفاقم الأزمة في القطاع المصرفي.

النشرة أفادت أن شركات ناشئة أخرى نقلت ودائعها إلى البنوك الجديدة أو البنوك الرقمية فقط من أمثال بنك “ميركوري”، كما أطلق بنك “ترايبال كريديت” الرقمي مبادرة قدم من خلالها حسابات للشركات المتضررة من انهيار بنك “وادي السيليكون” في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والمكسيك والولايات المتحدة.

على

قد يهمك: الدور الذي لعبته الهواتف المحمولة في الحرب على أوكرانيا 

صعوبة سحب الأموال وتأخر في التمويل

مصادر متعددة أكدت لـ “ومضة”، مسرعة الأعمال النشطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن أي شركة قامت بإدراج رواتب موظفيها وأموال عملياتها في بنك “وادي السيليكون” ستتأثر بشدة، لكن نطاق التأثير يعتمد على مقدار النقد المرتبط بالبنك، وما إذا كانت هذه الشركات قادرة على جمع الأموال أو اقتراضها للحفاظ على عملياتها أم لا.

إضافة إلى ذلك، أبلغت بعض الشركات الناشئة في المنطقة عن صعوبات في سحب أموالها من البنك المنهار، ومن أبرز الشركات الإقليمية الناشئة التي التي تعتمد مصرفيا على بنك “سيليكون فالي”، “أنغامي” و”كريم” و”هولو” (Holo) و”كيتوبي” (Kitopi).

أعتقد أننا سنواجه مشكلة أكبر مما سنواجهه على أي حال بسبب نقص الأموال. كان من الممكن أن تفلس تلك الشركات، وهذا يمكن أن يضعف الثقة في المستقبل فيما يتعلق بكيفية تخطيط الشركات الناشئة والمستثمرين للمستقبل. أعتقد أنه من الواضح أننا في حالة ركود لأن الجميع سيكونون أكثر حذرا في الفترة المقبلة، قال مهدي محمادي، المؤسس المشارك لشركة “Freelancy” في الإمارات.

مع تفاقم حالة عدم اليقين المرتبطة بالانهيار البنكي، من المتوقع حدوث تباطؤ في نشاط الشركات الناشئة إجمالا، كما أن الشركات الناشئة ليست وحدها التي تشعر بهذا التأثير فقد تأثر رأس المال المخاطر أيضا بالتداعيات.

عيسى أغابي، مؤسس صندوق “أكسس بريدج فينتشرز” الاستثماري أشار، إلى إن بعض الصناديق لديها أيضا رسوم إدارية متوقفة هناك، مما يفاقم من التأثير السلبي. “من المحتمل أن نكون بحاجة إلى اكتشاف طريقة جديدة لتمويل عملياتنا اليومية، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تأخير تدفق الأموال المخصصة للشركات الناشئة، مما يؤدي إلى ضعف أداء الصندوق بشكل عام وأكثر من ذلك بكثير”.

قد يهمك: تراجع واردات الصين لأشباه الموصلات رغم جهود الإنعاش.. ما الأسباب؟ 

درس للمستقبل

سلمى ريبيكا، الشريكة المؤسسة والشريكة الإدارية لشركة “First Circle Capital” الاستثمارية ومقرها المغرب، قالت لموقع “Rest of World”، إن حادثة بنك “وادي السيليكون” كانت بمثابة تذكير مفيد بأن احتمال حدوث انهيار مماثل في النظام البيئي للشركات الناشئة في إفريقيا “حقيقي للغاية”.

ريبيكا التي يستثمر صندوقها في الشركات بجميع أنحاء إفريقيا، أردفت أن أهم درس من انهيار بنك “سيليكون فالي”، هو تأثيره غير المباشر على النظام البيئي [للشركات الناشئة والصناديق الاستثمارية]، وعلى الرغم من أن إفلاس البنك لم يكن له أي تأثير مباشر على محفظة الشركة، بحسب ريبيكا، فإن الانهيار الداخلي يسلط الضوء على هشاشة البنوك الجديدة ومؤسسات الدفع.

“ما كشفه انهيار بنك وادي السيليكون هما حقيقتان قديمتان، أولا، تركيز رأس المال كله في دلو واحد هو إدارة سيئة للمخاطر، وثانيا، يمكن أن يكون تركيز قاعدة العملاء على شريحة واحدة قاتلا بالقدر نفسه. إذ أن تركيز قاعدة عملاء بنك وادي السيليكون على صناديق رأس المال الاستثماري يعني أن سلوك القطيع لهذه الصناعة هو ما أدى إلى انخفاضها في غضون 24 ساعة”، بحسب سلمى ريبيكا.

ريبيكا قالت إنها سمعت من عدد من البنوك الرقمية ومؤسسات الدفع في أوروبا وإفريقيا، أن صناديق رأس المال المخاطر تنصح شركاتها الناشئة بسحب الودائع من تلك المؤسسات التقنية المالية “بصفتنا مستثمرين مغامرين، يجب أن نعرف ونعمل بشكل أفضل. أما مجرد نشر الذعر، دون تثقيف، هو عمل غير مسؤول”.

محمد فرج، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة التكنولوجيا المالية “SubsBase” المصرية للإدارة المالية وخدمات الفوترة القائمة على السحابة يشارك ريبيكا الرأي، إذ قال لـ “ومضة” إنه عند إنشاء حساب مصرفي، يحتاج مؤسسو الشركات عادة إلى مراعاة عوامل متعددة، مثل سهولة الإنشاء والوصول إلى الأموال. وعند إنشاء شركات في مكان ما في الخارج، يتعين على مؤسسيها اختيار شريك مصرفي يقبل أن تكون تلك الشركات في ذلك المكان، وفي حالة بنك “وادي السليكون”، فإنه كان يقبل الشركات الناشئة المدعومة من رأس المال المخاطر من معظم أنحاء العالم، مع تقديم الكثير من الفوائد الإضافية التي توضح أن إدارته كانت تفهم ما تحتاجه الشركات الناشئة.

بالنسبة لفرج، سيكون أحد الآثار الملموسة هو الافتقار إلى الثقة في البنية التحتية المصرفية العالمية، مما سيجبر الشركات الناشئة على الارتباط بعدة بنوك من مواقع مختلفة لتجنب التهديدات المماثلة في المستقبل، ومع ذلك، يمكن أن يأتي هذا على حساب الصحة والاستدامة المالية العامة للشركة الناشئة.

أما بالنسبة إلى عيسى أغابي، سلط إفلاس بنك “سيليكون فالي” الضوء على الحاجة الماسة لمزيد من العمليات المصرفية الصديقة للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي كان الافتقار إليها بمثابة شوكة في حلق قطاع الشركات الناشئة بأكمله.

“يعد تنوع الحسابات المصرفية الآن أمرا ضروريا، حتى مع المؤسسات الموثوقة. سيكون هذا أمرا سهلا لو كنا في سوق أكثر نضجا، ولكن النظام المصرفي في هذا الجزء من العالم يمثل تحديا ولا يفضي كثيرا إلى الصناديق الاستثمارية والشركات الناشئة. لا يزال الأمر يستغرق وقتا طويلا لفتح وتفعيل الحساب، وحتى عندما يتم ذلك، فإنه يترافق مع تعقيدات تكون غير واقعية في كثير من الحالات”، قال عيسى أغابي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.