هل يتعافى قطاع الهواتف المحمولة في مصر؟

هل يتعافى قطاع الهواتف المحمولة في مصر؟
استمع إلى المقال

قطاع الهواتف المحمولة وأسواقها كان أحد القطاعات التي تأثرت بسبب الأزمات الاقتصادية المتتالية التي شهدتها مصر وعلى رأسها انخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل بقية العملات لأكثر من مرة خلال عام 2022، ورغم أن جميع قطاعات الأعمال في مصر تأثرت، إلا أن قطاع الهواتف المحمولة والسيارات تحديدا كانا الأكثر تأثّرا وانخفاضا مع هذه الأزمات. 

النظرة الأولى على الانخفاض في قطاع الهواتف المحمولة ومبيعاتها داخل مصر توحي بأن الأزمة نابعة من تغير سعر الصرف أمام الدولار ووصوله لمستويات غير مسبوقة، ولكن هذه النظرة خادعة لأنها تُخفي حقيقة أكثر تأزما من مجرد سعر الصرف فقط، وبينما يرى البعض بأن الحديث عن الإنفاق في الهواتف المحمولة هو رفاهية لا تحتمل مصر النظر إليها الآن، إلا أن موت هذا القطاع يجر وراءه ركودا اقتصاديا عارما يؤثر بشكل ملحوظ على مختلف القطاعات الأخرى وذلك بسبب حجم العاملينَ في قطاع الهواتف المحمولة سواء كان في البيع بالتجزئة أو حتى البيع المباشر والوكلاء. 

قد يهمك أيضا: متصفح “ARC”.. التجربة الأكثر تفردا بين متصفحات الإنترنت؟

بداية الأزمة 

بوادر الأزمة في قطاع الهواتف المحمولة ظهرت في آذار/ مارس من عام 2022 بعد إعلان الحكومة المصرية عن استخدام “سندات الإعتماد” للتجار العاملين في مجال الاستيراد بدلا من أوامر الدفع المباشرة، وذلك ضمن خطة الحكومة للإصلاح الاقتصادي ومحاربة نزيف العملة الأجنبية داخل مصر، وبالطبع كانت الهواتف المحمولة أقل القطاعات التي حصلت على السندات مما أدى إلى خفض مخزون الشركات داخل مصر من الهواتف المحمولة. 

الأثر الذي تركه التحول إلى “سندات الإعتماد” على قطاع الهواتف المحمولة كان واضحا في الدراسة التي نشرها مركز “IDC” للاحصائيات العالمية، إذ كشفت الدراسة عن انخفاض الهواتف المباعة في الربع الثاني من عام 2022 إلى 0.8 مليون وحدة بعد أن كانت وصلت إلى 2.1 مليون وحدة في الربع الأول من العام ذاته، وذلك تزامنا مع بدء الاعتماد على منظومة السندات.

Embed from Getty Images

الانخفاض الذي حدث في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري في مطلع نيسان/ إبريل الماضي ساهم في خفض مبيعات الهواتف المحمولة في الفترة ذاتها وهو الانخفاض الذي استمر حتى الربع الرابع من عام 2022، الذي شهد تعافيا جزئيا وارتفاعا في المبيعات حتى وصلت إلى 1.5 مليون وحدة وفق دراسة المركز. 

أبعد من مجرد سعر الصرف 

قوانين الاستيراد المصرية فيما يتعلق بالهواتف المحمولة تجسد عقبة كبيرة أمام كل العاملينَ في هذا القطاع إلى جانب المهتمينَ بالهواتف المحمولة بشكل عام، وكان لها الدور الأكبر في تزايد الأزمة الأخيرة في قطاع الهواتف المحمولة. 

قد يهمك أيضا: معالج “M2 Max” أضعف مما تروج له “أبل”

الجمارك المصرية قررت فرض ضريبة اضافية على الهواتف المحمولة المستوردة من الخارج تصل إلى 10 بالمئة من قيمة الهاتف، وذلك إلى جانب ضريبة القيمة المضافة التي تدفع على سعر الهاتف وتشكل 14 بالمئة من إجمالي سعر الهاتف دون ذكر قيمة شحن المنتج إلى داخل مصر. 

التاجر المصري الذي يرغب في استيراد هواتف محمولة بطريقة رسمية إلى داخل مصر يحتاج إلى دفع 24 بالمئة من قيمة الهاتف دون احتساب تكلفة شحن المنتج داخل المصر وتكاليف عملية البيع الإضافية إلى جانب فائدته بالطبع، وهي القيمة ذاتها التي يحتاج المواطن المعتاد لدفعها إذا ما رغب في استيراد هاتفه الشخصي من الخارج أو حتى طلبه عبر أحد مواقع البيع الإلكتروني مثل “أمازون أميركا”. 

التكلفة المضافة على سعر الهاتف الأصلي جعلت الكثير من المستخدمين والتجار الصغار يعزفون عن إدخال الهواتف المحمولة رسميا أو يتجهون إلى حلول أقل تكلفة من أجل إستيراد الهواتف للبيع أو للاستخدام الشخصي، وهو ما ألقى بالمستهلك المصري بين فكيّ تجار السوق السوداء وتهريب الهواتف المحمولة. 

مافيا تهريب الهواتف في مصر 

القوانين والاشتراطات التي تفرضها الجمارك المصرية على من يرغب في إدخال هواتف محمولة رسميا إلى مصر صعّبت عملية استيراد الهواتف رسميا، ورفعت ثمن الهواتف المستوردة رسميا أمام تلك التي تدخل مصر عبر قنوات التهريب المختلفة، وهو السبب ذاته الذي جعل وكلاء “أبل” الرسميين في مصر متمثلين في “Tradeline” و “iSwitch” يعزفون عن تقديم جيل “آيفون 14” بجميع أحجامه، وحتى لا تخسر هذه الشركات قاعدة العملاء الراغبين في شراء هواتف “أبل” منهم، فإنهم استمروا في عرض هواتف “آيفون 13” على أنها أحدث هواتف الشركة بسعر يصل إلى 50 ألف جنيه (1632 دولار) لهاتف “آيفون 13 برو ماكس” في حين أنك تستطيع الحصول على هاتف “آيفون 14 برو ماكس” بسعر أقل من هذا في السوق الموازية. 

جمارك مطار القاهرة بعد إحباط محاولة تهريب هواتف “أيفون” إلى مصر

الفرق بين السوق الموازية والرسمية للهواتف المحمولة يظهر بوضوح في منتجات “أبل” المختلفة، إذ يصل الفارق في بعض الهواتف لأكثر من 15 ألف جنيه تقريبا (500 دولار) ويزداد في المنتجات الأخرى مثل حواسيب “ماك بوك برو” أو أجهزة “آيباد” اللوحية، وهو السبب الذي دفع المستهلكين للتوجه إلى السوق السوداء بدلا من الأسواق والمنافذ الرسمية راضيين بخسارة ضمان الهاتف الأصلي الذي تقدمه منافذ البيع الرسمية من “أبل”. 

تجارة تهريب هواتف “أيفون” تحديدا انتعشت في الآونة الأخيرة لأن كل مَن يستطيع السفر إلى خارج البلاد قرر الدخول إلى هذا المجال والتجارة فيه أملا في تحقيق أرباح سهلة وسريعة، ويظهر هذا التوجه بوضوح في عمليات القبض على مهربي الهواتف في المطارات المختلفة، إذ قبضت السلطات على شخص حاول إدخال 12 هاتف “آيفون 14 برو ماكس” عبر وضعهم حول جسده في مطار القاهرة، وهو ليس الوحيد الذي حاول القيام بذلك في الآونة الأخيرة بفضل المكاسب التي يمكن أن يحققها من بيع الهواتف والتي تصل إلى أكثر من 10 آلاف جنيه في الهاتف الواحد، مما يعني أن رحلة واحدة استغرقت ثلاثة ساعات في الطائرة أكسبته أكثر من 120 ألف جنيه. 

قد يهمك أيضا: لماذا تسعى “أبل” إلى تصنيع شاشات منتجاتها بنفسها؟

بارقة أمل 

النظرة الأولى على الاقتصاد المصري وقطاع الهواتف المحمولة تحديدا تنذر بنهاية هذا القطاع على الأقل في صورته الرسمية، ولكن بيانات بيع الهواتف المحمولة تخبرنا بعكس ذلك، إذ انتعش القطاع مع بداية عام 2023 واستقرار سعر صرف الدولار وتسهيل عملية الاستيراد وكان ذلك واضحا في توقعات مركز “IDC” الذي يرى بأن قطاع الهواتف سيحقق مبيعات تصل إلى 2.3 مليون وحدة مع نهاية عام 2023. 

الاحصائيات من مركز “IDC”

دراسة مركز “IDC” لا تتحدث عن أنواع الهواتف المباعة في السوق المصري، ولكن هناك إحصائية أخرى من موقع “Statcounter” الشهير حول تكوين قطاع الهواتف المحمولة من ناحية أنواع الهواتف. 

هواتف “سامسونج” تأتي في الصدارة مشكّلة 25.74 بالمئة من إجمالي الهواتف في السوق المصري، وتليها الشركات الصينية مجتمعة مع 53 بالمئة من إجمالي السوق ثم “أبل” مع 10.92 بالمئة، وهناك 10 بالمئة تستحوذ عليها شركات غير معروفة أو صغيرة مثل “ACE” أو “Lava”. 

“سامسونج” تمكنت من إيجاد منفذ من قوانين الجمارك المصرية، وهو الاعتماد على تجميع الهواتف داخل حدود مصر، وتحديدا في هواتف الفئة المنخفضة، لذلك النسبة التي تشكلها هواتف الشركة تبدو منطقية وقد ترتفع في الشهور القادمة مع زيادة الاعتماد على مصانع تجميع الهواتف في مصر، ولكن هذا الانتعاش في المبيعات لم يكن من نصيب الشركات الأخرى التي أعلنت عن بدء عملية تصنيع هواتفها في السوق المصري، وبشكل ما، فإن “سامسونج” تمكنت من إيجاد حلول أخرى عبر وكيلها شركة “الصافي” لحلول التكنولوجيا في مصر من أجل إدخال هواتفها الرائدة بسعر يقترب من السعر العالمي وبصورة رسمية. 

سوق مليء بالفرص 

سوق الهواتف المحمولة في مصر يُعد أحد أكبر الأسواق عالميا ويوفر الكثير من الفرص التجارية للشركات إذا ما تمكنت من استغلاله بشكل جيد، وذلك لأن أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة في مصر تزداد كل عام. 

آخر دراسة أجراها موقع “statista” عن عدد مستخدمي الهواتف في مصر كانت لعام 2019، وأظهرت وصول عددهم إلى 95 مليون مستخدم، وهذا قبل الانفجار التكنولوجي الذي حدث في مصر مؤخرا واهتمام الكثير من المواطنين باقتناء الهواتف الذكية ومحاولات التحول الرقمي التي تعتمد على هذه الهواتف، كما أعلنت وزارة الاتصالات في مصر عام 2020 أن أكثر من 98 بالمئة من العائلات المصرية تمتلك هواتف محمولة وأكثر من 99 بالمئة من المواطنين والأفراد يمتلكون أيضا هواتف محمولة، وإذا ما أردنا ترجمة هذه النسب إلى أرقام واقعية، فإنك تجد أكثر من 106 مليون مواطن مصري يمتلكون هاتفا محمولا وفق تعداد سكان مصر للعام ذاته، وهذا الرقم يعبّر عن حجم الشريحة المستهدفة لشركات الهواتف المحمولة بمختلف إصداراتها ونماذجها. 

نجاح شركات الهواتف المحمولة في مصر لم يعد يعتمد على استيراد الهواتف من الخارج أو الادعاءات الكاذبة بصناعة الهواتف المحمولة داخل مصر، بل أصبح يعتمد على بناء هذه الهواتف واستيراد قطعها مفككة داخل مصر، وهي فرصة ذهبية يمكنها أن تدر الكثير من الأرباح على الشركات التي تهتم بها حقا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.