تطبيق “HoggPool” الاحتيالي في مصر.. هل كان مكشوفا منذ لحظته الأولى؟

تطبيق “HoggPool” الاحتيالي في مصر.. هل كان مكشوفا منذ لحظته الأولى؟
استمع إلى المقال

السلطات المصرية أعلنت، أمس الأحد، اعتقالها 29 شخصا، بينهم 13 أجنبيا – غير مصري – بتهمة إدارة عملية احتيالية عبر الإنترنت اتخذت من التّعدين السحابي للعملات المشفرة غطاءً لها لتحتال على آلاف المستثمرين، حسبما أفادت وسائل إعلام رسمية.

التقارير الصحفية ذكرت أن الشبكة الاحتيالية حصلت على حوالي 620 مليون دولار على حساب ضحاياها في البلاد، التي تعاني الآن من أزمة اقتصادية خانقة وتضخّم اقتصادي سريع. وذكر بيان صدر عن النيابة العامة في وقت متأخر من يوم السبت أن المجموعة أدارت المنصة الإلكترونية “HoggPool”، التي وعدت عملاءها “بمكاسب مالية بعد إغرائهم بوسائل احتيالية”.

تطبيق “HoggPool” وعد المستخدمين بأرباح كبيرة من خدمات تعدين وتداول العملات المشفرة، مقابل رسوم يتم تحصيلها بسعر صرف أجنبي جذاب، إذ كانت المنصة تقبل الدفع أو التسجيل بالجنيه المصري – ما يشكل العلامة الأولى على استهداف المصريين من خلالها، رغم ادعائها أنها عالمية – ومن ثم تحوّل المبلغ المدفوع بالجنيه إلى ما يساويه بالدولار الأميركي عند سعر صرف 20 جنيه للدولار الواحد، علما أن سعر الدولار الواحد يبلغ 30 جنيه تقريبا لحظة إعداد هذا التقرير، وهو ما يشكل نقطة إغراء لدى المستخدمين، وبوعود أرباح تصل إلى 4 أو 5 أضعاف المبلغ الأول المودَع.

صحيفة “الأهرام” اليومية التي تديرها الدولة، قالت إن “HoggPool”، الذي تم إطلاقه في آب/أغسطس 2022، أوقف عملياته فجأة في نهاية شباط/فبراير الماضي، واختفى مع الأموال التي جمعها مَن احتالت عليهم، وقالت السلطات إن الشبكة كانت تخطط لإطلاق منصة جديدة تسمى “Riot” عندما تم القبض على أفرادها.

وزارة الداخلية المصرية قالت إنه تم اعتقال 16 مصريا و13 أجنبيا من نفس البلد، ولم تحدد هويتهم، وأضافت أن المسؤولين صادروا أيضا 95 هاتفا محمولا و3367 شريحة “SIM” و41 بطاقة مصرفية أجنبية.

وزارة الداخلية المصرية أكدت كذلك أن المتّهمين المقبوض عليهم اعترفوا بتكوينهم تشكيل عصابي للاحتيال على عدد من الأشخاص في مصر والاستيلاء على أموالهم، عن طريق عدد من المَحافِظ الإلكترونية، بلغ عددها 88 مِحفظة، والتي يتم توزيعها عقب ذلك على العديد من المحافظ الإلكترونية الأخرى بإجمالي 9965 محفظة؛ تجنّبا للرصد الأمني وتمهيدًا لتحويلها للخارج لصالحهم، عبر بعض برامج تحويل العملات المشفرة وتعدينها.

المتهمون اعترفوا بأنهم أغلقوا التطبيق بعد الاستيلاء على تلك الأموال، كما أوضحت وزارة الداخلية المصرية، أنها اتخذت الإجراءات اللازمة من أجل التحفظ على المحافظ الإلكترونية، قائلة إنها تحاول تتبع الأموال المحوّلة للخارج عبر مباحث الإنتربول، لمحاولة استعادة الأموال.

محط شك منذ البداية

رغم انكشاف أمر تطبيق “HoggPool” وإغلاق موقعه الرسمي، إلا أنه، ومنذ لحظة الإعلان عنه منذ حوالي الخمسة أشهر، كان يحمل كافة السمات التي تدل على أنه لا يعدو كونه تطبيقا احتيالي، وفي السطور القادمة، سيتم إيضاح كافة تلك التفاصيل التي يمكن أن تنطبق على كافة التطبيقات الاحتيالية الأخرى، إذ يمكن للمستخدم العادي – غير الخبير تقنيا – التحقق من صحة ما تعرضه مواقع وصفحات تلك المنصات من خلال وسائل التحقق مفتوحة المصدر.

الصفحة على فيسبوك

البداية من الصفحة الخاصة بالتطبيق على “فيسبوك”، والتي أنشأها المحتالون تحت عنوان “منصة Hoggpool للاستثمار والأرباح“، فالصفحة لا تحتوي على أية معلومات عامة سوى رقم هاتف محمول وعنوان بريد إلكتروني شخصي ذو اسم عشوائي ومسجل على نطاق “Gmail”، وليس على نطاق الشركة الخاص، كما يجب أن تفعل أي شركة تدير نشاطا تجاريا إلكترونيا، مع الإشارة إلى أن المنصة كانت تمتلك موقعا خاصا على الإنترنت يمكنها تسجيل عناوين البريد الإلكترونية الخاصة بفريقها على النطاق نفسه.

في وصف الصفحة، كتب الفريق القائم عليها عبارة “أسس Hoggpool شركة blockchain في عام 2019. تنتج الشركة بشكل أساسي آل” هكذا فقط دون تتمة، وبغض النظر عن العبارة غير المفهومة، فإن الشركة كانت تدّعي في صورة نشرتها على موقعها قبل إغلاقه (صورة الشهادات أعلاه) أنها تأسست عام 2013.

أما بالنسبة لمنشورات الصفحة، فبلغ عددها 8 منشورات فقط خلال مدّة خمسة أشهر، وهو عدد أدنى بكثير من الحد الأدنى لصفحة تتبع لنشاط تجاري. ومن بين هذه المنشورات كان هناك منشورا بعنوان “شهادة Hoggpool المهنية لتعدين البيتكوين وتقديم خدمات التعدين السحابي” وفيه ادعى القائمون على الصفحة أن الصورة المرفقة تعود لشهادات معتمدة تثبت جدارة التطبيق في خدمات التعدين السحابي في الولايات المتحدة وكندا وإستونيا، لكن عند التّحقق من الصور، يتضح أنها مجرد قوالب لشهادات يمكن إيجادها على “كانفا” أو أي منصة تصميم أخرى.

منشور آخر ظهرت فيه صور توثّق تحويل الأموال من المنصة إلى مستخدمين عبر خدمة دفع إلكتروني محلية شائعة وذات موثوقية عالية، وهي “فودافون كاش”، لكن لا يوجد أي دليل في الصور على أن تلك اللقطات أو رسائل الاستلام تعود إلى مستخدمين استلموا أموالهم بعد استثمارهم بـ “HoggPool”.

المنشور الإشكالي الآخر هو منشور يدعو إلى الانضمام إلى شركة “HoggPool”، واستخدام منتجاتها يوميا للحصول على 150-2000 جنيه مصري في اليوم، بالإضافة إلى دعوة توظيف براتب 3000-5000 جنيه شهريا، مرفقا بصورتين فقط زُعم أنهما تعودان لمقر الشركة، لكن عند التحقق من تلك الصور باستخدام آلية البحث العكسي التي يتيحها محرك البحث “جوجل” يتضح أن الصور زائفة، وسبق أن استخدمتها شركة احتيالية أخرى، قائمة على وعود العملات المشفرة كذلك، تدعى “PMPMINE”.

صفحة التطبيق على “جوجل بلاي”

بحسب صفحة التطبيق على متجر “جوجل بلاي”، فإن التطبيق لديه أكثر من 100 ألف عملية تحميل، وحوالي 1900 عملية تقييم، وهذه أرقام لا يمكن لأحد تزييفها، لأن “جوجل” نفسها هي من توفرها، لكن عند النظر إلى التقييم، فإن للتطبيق تقييم 3.5، وهو المقدار المتوسط الذي حصل عليه من التقييمات التي يجب أن تتراوح بين 0 و5.

لكن مع البحث في تلك المراجعات، يتضح أن جميع التقييمات هي إما 1 (لمستخدمين يقولون إنه تطبيق احتيالي) أو 5 (وهي عبارة عن مجموعة حسابات وهمية تدّعي أنه تطبيق ممتاز يحقق لهم دخلا عاليا ويتمتع بسهولة الاستخدام) مع الإشارة إلى أن العديد من خبراء تجربة المستخدم الذين تحدث إليهم “إكسڤار” أوضحوا أن واجهة التطبيق لم تكن سهلة أو بسيطة.

أما في خانة معلومات المطور، فيوجد عنوان بريد إلكتروني – شخصي كذلك، على نطاق “Gmail” – لشخص يدعى “محمد”، بالإضافة إلى رابط صفحة “البروتوكول” على موقع التطبيق الذي تم إغلاقه.

ما يجدر ذكره أن كلا عنواني البريد الإلكتروني، الموجودين على صفحة “فيسبوك” وعلى صفحة التطبيق على متجر “بلاي” لم يستجيبا لطلبات “إكسڤار” للتعليق.

في قسم وصف التطبيق، يذكر أنه من تطوير “مجموعة زيك العالمية” في أميركا الشمالية، وهي، بحسب الادعاء، شركة تأسست على يد كبرى المؤسسات الاستثمارية في الولايات المتحدة وكندا. لكن عند التحقق من الاسم، يتضح أنه يعود إلى شركة صورية مسجلة في هونغ كونغ، كما استخدم اسم الشركة على أنها المطورة لتطبيق “Csp-mine.com”، الذي ثبت أنه تطبيق احتيالي آخر.

عند البحث كذلك عن اسم المجموعة على “جوجل”، يظهر حساب على “لينكد إن” لمسؤولة الموارد البشرية في شركة أخرى تدعى “OATcoiller”، وهي شركة تدعى أنها الشركة الرائدة عالميا لتقديم المنصات السحابية القائمة على “البلوك تشين”. بحسب حساب “لينكد إن” فإن “مجموعة زيك العالمية” هي الشركة الأم لـ “OATcoiller”، لكن مع البحث عن الأخيرة عبر محرك بحث “جوجل” أو “يوتيوب”، تظهر عشرات النتائج التي تفضح، أنها، هي الأخرى، مجرد احتيال.

الفيديو الترويجي

نشرت قناة تطبيق “HoggPool” على “يوتيوب” فيديو ترويجي لشخص اسمه “محمد” ادّعى أنه المدير الإداري لأعمال الشركة في مصر، وذكر في بدايته أن الشركة هي من أكثر الشركات تطورا على مستوى العالم من الناحية التقنية، وأنها تعمل في مجال “تكنولوجيا الحياة”، مع الأخذ بالعلم أنه لا يوجد ما يُطلق عليه هذا الاسم.

المدعو “محمد” يتابع أن الشركة تُدار من قبل كبرى المؤسسات الاستثمارية في الولايات المتحدة، مثل بنوك “مورجان ستانلي” و”جولدمان ساشيز” بحسب لفظه، في إشارة منه إلى “جولدمان ساكس” (Goldman Sachs)، ما يَشي بعدم معرفته بالاسم الصحيح للبنك العالمي، الذي يدعي أنه من مؤسسي شركته.

في الفيديو الترويجي، يقول المدعو “محمد” أنه دُعي إلى مقر شركة “Hogg” في الولايات المتحدة وحضر اجتماعا هناك غيّر انطباعه عن الشركة، ووعد المشاهدين بأنه ستتم دعوة عدد من المستخدمين المصريين إلى مقر الشركة الأساسي للمشاركة في أنشطتها، مبيّنا أن الهدف النهائي للشركة هو توفير خدمات تعدين العملات المشفرة السحابي وجعلها في متناول “جميع الناس”، بالإضافة إلى إقحام العديد من المصطلحات التقنية الحديثة كـ “الميتافيرس” والـ “VR” و”البلوك تشين” دون وجود سياق لها.

قد يهمك: ما وراء فشل السلفادور في تبني “البتكوين” كعملة رسمية؟

حيلة حديثة بأسلوب قديم

رغم أن هذه العملية الاحتيالية اعتمدت في التسويق لنفسها على التقنيات الناشئة، مثل “البلوك تشين” والعملات المشفرة – التي ما زال يحوم حولها وحول تنظيمها الكثير من الجدل – إلا أنها انطلت على حيلة يتجاوز عمرها القرن من الزمن، وهي “مخطط بونزي” (أو ما يعرف باسم “التسويق الهرمي”)، وهي خدعة تقوم في البداية على عدد قليل جدا من المستثمرين، يحققون الأرباح فعلا، ومن ثم يدعون المقرّبين منهم ليكونوا أول الضحايا، والذين يحصلوا على بعض الأرباح كذلك، ويستمر الهرم بالنمو، ويستمر المستثمرون بسرقة أموال مَن هم تحتهم على ذلك الهرم، إلى أن تصل الخدعة إلى درجة التشبع، أو يتوقف تدفق الأموال إليها لسببٍ ما، حيث تعلن إغلاقها وهروب مؤسسها، وإغلاق الموقع أو التطبيق في الحالات الحديثة.

قد يكون من المفهوم وقوع عشرات الآلاف من المصريين ضحية لهذه العملية الاحتيالية في ظل الظروف الحالية، إذ تشهد مصر أزمة سكانية كبرى، حيث يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 105 ملايين نسمة، بالتزامن مع واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية على الإطلاق، ففي عام واحد فقط، فقد الجنيه المصري نصف قيمته مقابل الدولار.

بحسب الدكتور شادي عبد الحافظ، محرر قسم العلوم في موقع “ميدان”، التابع لـ “الجزيرة.نت” فإن المغذّي الأول للطمع، الذي يقف وراء هذه العملية، هو العوز والاضطراب الاقتصادي، لأن الاضطرابات الاقتصادية تُضعف بطبيعتها من قدرة الناس على التفكير السليم.

هذا ما يفسر تكرار هذه الظواهر الاحتيالية في مصر تحديدا خلال السنوات الأخيرة، مثل احتيال تطبيق “WhiteSands” واحتيال “Pi Networks”، التي تشابهت مع فضيحة “HoggPool” في مضمونها على اختلاف الظاهر.

في النهاية، فإن العلامات أعلاه التي كشفت زيف تطبيق “HoggPool” منذ بدايته يمكن إيجاد نظيراتها في كافة العمليات الاحتيالية المشابهة، ولا يتطلب كشفها سوى القليل من الحذر والتّحري عبر الأدوات المفتوحة المصدر للجميع، لأنه، في نهاية المطاف، بجانب أنه لا يوجد ما يُروّج له على أنه “دخل سهل وسريع”، فإن الشركات أصبحت تدفع آلاف الدولارات للمختصين لتحسين ظهورها الرقمي، وعليه، وإن لم تكن الشركة التي تظهر رقميا بهذا المظهر المثير للريبة تقود نشاط احتيالي، فإنها تبقى غير جديرة بالاحترام أو الثقة على أية حال. 

قد يهمك: كيف استغل مجرمو الإنترنت كارثة سوريا وتركيا لصالح أنشتطهم الاحتيالية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.