استمع إلى المقال

لا شك في أن صناعة العملات المشفرة مرت بأوقات صعبة خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن الضربة الجديدة تأتي من لجنة الأوراق المالية والبورصات من خلال دعوى قضائية مثيرة للاهتمام، فهل لهذه الشكوى تأثيرات كبيرة بسوق العملات المشفرة، وهل هي قادرة على إنهاء دور “بينانس” بصفتها المنصة الأكبر في العالم لتداول العملات المشفرة.

الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة رفعت دعوى قضائية ضد “بينانس” ورئيسها التنفيذي بزعم تشغيلهما شبكة خداع، مما زاد الضغط على أكبر منصة عملات مشفرة في العالم وتسبب بهبوط سعر عملة الـ “بيتكوين” إلى أدنى مستوياته في ما يقرب من 3 أشهر.

هذه الشكوى تأتي بعد أن قدمت لجنة تداول السلع الآجلة اتهامات مماثلة ضد منصة العملات المشفرة في شهر آذار/مارس الماضي، زاعمة أنها فشلت في منع العملاء الأميركيين من الوصول إليها مع تشغيلها منصة غير قانونية وبرنامج امتثال زائف. 

إلى جانب ذلك، تخضع “بينانس” للتحقيق من قبل وزارة العدل للاشتباه في غسل الأموال وانتهاكات العقوبات.

اتهامات جديدة

في دعوى قضائية جديدة، قدمت لجنة الأوراق المالية والبورصات 13 اتهاما ضد “بينانس”، أكبر منصة للعملات المشفرة في العالم، ومؤسسها، تشانغ بينغ تشاو، زاعمة أنهما يتحكمان سرا بما قيمته مليارات الدولارات من أصول العملاء.

هذا الأمر يسمح للمنصة وتشاو بخلط أموال المستثمرين في حساب مصرفي لكيان يسيطر عليه تشاو، وتحويل كما يحلو لهما إلى شركة تابعة لجهة خارجية يسيطر عليها تشاو أيضا.

كجزء من مخطط تفصيلي للتّهرب من قوانين الأوراق المالية الفيدرالية الأميركية، أنشأت “بينانس” كيانات أميركية منفصلة كدرع للشركة الرئيسية وتشاو من أجل الكشف عن أهداف تطبيق القانون وتأخيرها وحلها وعزل “بينانس”.

إلى جانب ذلك، فإن تشاو عمل على تخريب الضوابط الخاصة من أجل السماح للمستثمرين والعملاء الأميركيين ذوي الملاءة المالية العالية بمواصلة التداول في منصة “بينانس” الدولية غير المنظمة.

وفقا للجنة الأوراق المالية والبورصات، أعرب اثنان من الرؤساء التنفيذيين المتتاليين في “بينانس أميركا”، كاثرين كولي وبريان بروكس، عن القلق العميق بشأن مستوى سيطرة تشاو، وشهد كلاهما أمام المنظمين الفيدراليين

الرئيس التنفيذي السابق لشركة “بينانس أميركا” أدلى بشهادته أمام اللجنة قائلا، “في الواقع، أنا لست الشخص الذي يدير هذه الشركة، والمهمة التي أعتقد أنني اشتركت فيها ليست كذلك. بمجرد أن أدركت ذلك، غادرت”.

في التفاصيل، قالت الشكوى، “من حزيران/يونيو 2018 حتى تموز/يوليو 2021، حققت بينانس 11.6 مليار دولار من الإيرادات، حيث جاء معظمها من رسوم المعاملات”. 

لجنة الأوراق المالية والبورصات زعمت، أن المنصة عملت منذ إنشائها، في البداية علنا وبعد ذلك بشكل خفي، على جذب عملاء الولايات المتحدة، بتوجيهات وسيطرة مؤسسها تشاو.

نتيجة لذلك، علمت “بينانس” أن عشرات الآلاف من العملاء كانوا في الولايات المتحدة، لكنها اختارت عدم التصرف، بالرغم من القانون الفيدرالي الذي يحظر عرض وبيع الأوراق المالية غير المسجلة. 

تشاو أمر بإنشاء خطة تهرب للعملاء ذوي الملاءة العالية، باستخدام خدمة “VPN” لإخفاء الموقع الجغرافي في الولايات المتحدة وتقديم مستندات الامتثال لإخفاء البلد الأصلي.

من خلال شبكات “VPN”، شجع موظفو المنصة المستخدمين على التهرب من أنظمة “اعرف عميلك”.

في عام 2019، تشاو أخبر فريقه بوجوب إعلام المستخدمين بإمكانية تغيير بيانات “اعرف عميلك” عبر “بينانس” العالمية والاستمرار في استخدامها، لكن الرسالة يجب أن تكون مرسلة بعناية شديدة لأن كل ما يُرسل يكون علنيا، ولا يمكن للمنصة أن تتحمل مسؤولية ذلك.

كما استخدم تشاو شركتا “Merit Peak” و”Sigma Chain” التي يسيطر عليهما من أجل تضخيم أسعار التداول والربح من العملاء، حيث عملتا كصانعي سوق لمنصتي “بينانس”، مما يعني أنهما كانتا متاحتين دائما لملء طلب العميل لشراء أو بيع أصل تشفير. 

الشكوى سلطت الضوء على العديد من القضايا المتعلقة بالدور الذي لعبته الشركتين المملوكتين من قبل تشاو، حيث جمعتا عشرات المليارات من الدولارات من أموال العملاء، وخلطتا أموال العملاء مع أموال “بينانس”، وانخرطتا في التلاعب بالسوق، حيث تتداولان مع أنفسهما لدعم سعر الأصول المشفرة بشكل مصطنع.

وفقا للجنة، فإن شركة “Sigma Chain” جمعت 190 مليون دولار لمالكها تشاو، ومن ثم أنفقت 11 مليون دولار لشراء يخت. إلى جانب ذلك، زعمت اللجنة أن المتهمين أظهروا تجاهلا صارخا للقانون الفيدرالي.

الشكوى تضمنت تفصيلا عالي المستوى لهيكل ملكية “بينانس”، مع سيطرة تشاو وحيازته على 100 بالمئة من كيانات “بينانس” و”بينانس أميركا” المختلفة.

جاري جينسلر، رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، قال في بيان، “من خلال 13 تهمة، فإن كيانات تشاو وبينانس انخرطت في شبكة واسعة من الخداع وتضارب المصالح وعدم الإفصاح والتهرب المحسوب من القانون”.

“بينانس” تدافع عن نفسها

من جانبه، رفض تشاو عبر “تويتر” التُّهم بقوله “4”، وهي لازمة شائعة في مجتمع “بينانس” تحث المستخدمين على تجاهل الخوف وعدم اليقين والشك، مضيفا، أن فريق المنصة على أهبة الاستعداد لضمان استقرار الأنظمة، بما في ذلك عمليات السحب والإيداع.

تشاو قال عبر “تويتر”، “نُصدر ردا بمجرد أن نرى الشكوى. تحصل وسائل الإعلام على المعلومات قبل أن نحصل عليها”.

في إحدى التدوينات التي تلت ذلك، كتبت “بينانس”، “نشعر بخيبة أمل لأن اللجنة اختارت تقديم شكوى ضدنا. منذ البداية، تعاونا بنشاط مع التحقيقات وعملنا بجد للإجابة على الأسئلة ومعالجة المخاوف. في الآونة الأخيرة، انخرطنا في مناقشات واسعة النطاق بنية حسنة للتوصل إلى تسوية تفاوضية لحل التحقيقات، لكن بالرغم من جهودنا، تخلت اللجنة عن هذه العملية واختارت بدلا من ذلك العمل من جانب واحد والتقاضي”.

نتيجة لذلك، أوضحت المنصة أنها تأخذ ادعاءات اللجنة على محمل الجد، لكنها عازمة على الدفاع عن نفسها بقوة، مشيرة إلى أن رفض اللجنة التعامل معها بشكل مثمر هو مجرد مثال آخر على رفضها المضلل والواعي لتوفير الوضوح والإرشادات التي تشتد الحاجة إليها لصناعة الأصول الرقمية.

“بينانس” قالت، “الشكوى تعتبر أحدث إجراء في سلسلة من الأمثلة حيث قررت اللجنة أن تنظم السوق بطرق قديمة بدلا من النهج المدروس والدقيق الذي تتطلبه هذه التكنولوجيا الديناميكية والمعقدة، حيث أن تصنيف بعض الرموز والخدمات من جانب واحد على أنها أوراق مالية – حتى تلك التي أكدت السلطات الأميركية الأخرى سلطتها عليها – يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلات فقط”.

إلى جانب ذلك، أشارت التدوينة إلى أن تصرفات اللجنة تقوض دور أميركا كمركز عالمي للابتكار المالي والقيادة، وقالت، “لا تزال قوانين الأصول الرقمية غير متطورة إلى حد كبير في كثير من أنحاء العالم، والتنظيم من خلال القوة ليس هو أفضل طريق للمضي قدما. المشاركة السياسية والتعاونية والشفافة والمدروسة مطلوبة من أجل الإطار التنظيمي الفعال، وهو مسار تخلت عنه اللجنة”.

كما أوضحت المنصة أن الادعاءات بأن أصول المستخدم عبر منصة “بينانس أميركا” معرضة للخطر هي ادعاءات خطأ، وأن جميع أصول المستخدم عبر منصات “بينانس” و”بينانس أميركا” آمنة ومأمونة.

تأثر سوق العملات المشفرة

في رد الفعل الأول على الاتهامات بانتهاك قوانين الأوراق المالية التي وجهتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية ضد “بينانس”، انخفضت أسعار العملات المشفرة، حيث تراجع سعر عملة “بيتكوين” بنسبة 5.5 بالمئة إلى 25662 دولار، وهو أدنى مستوى للسعر منذ شهر آذار/مارس الفائت.

إلى جانب ذلك، انخفض سعر عملة “الإيثيريوم” بنسبة 5.1 بالمئة إلى 1807 دولارات، وانخفض سعر عملة “بينانس”، وهو رمز مميز يُستخدم لدفع رسوم المعاملات والتداول عبر المنصة، بنسبة 9.5 بالمئة.

“بينانس” هي أكبر منصة للعملات المشفرة من حيث حجم التداول، لذا فليس من المستغرب أن يستجيب السوق بالطريقة التي يتفاعل بها مع الأخبار، حيث أن أي إجراء تنظيمي ضد لاعب رئيسي في مجال العملات المشفرة يخلق حالة من عدم اليقين ويؤدي إلى زيادة تقلبات السوق على المدى القصير.

مع ذلك، فإن مثل هذا التّقلب غالبا ما يكون مؤقتا، وقد تتعافى الأسعار بمجرد استيعاب السوق للأخبار.

على المدى الطويل ، يعتبر هذا الأمر تطورا صحيا للنظام البيئي، حيث يجري التخلص من الجهات الفاعلة السيئة، ويتدفق رأس المال من العملات المشفرة ذات المخاطر التنظيمية الكبيرة إلى عملة “بيتكوين”.

لاعبو السوق قالوا، “مزاعم اللجنة قد تعرقل المنصة، ومن المرجح أن يتردد صدى الدعوى القضائية في صناعة العملات المشفرة”. 

“بينانس”، التي تأسست في شنغهاي خلال عام 2017 من قبل الرئيس التنفيذي تشاو، وهو مواطن كندي ولد ونشأ حتى سن 12 في الصين، يقع مقرها في جزر كايمان، تهيمن على تداول العملات المشفرة، حيث بلغت قيمة صفقات التداول في العام الماضي نحو 65 مليار دولار أميركي يوميا، مع ما يصل إلى 70 بالمئة من السوق.

ختاما، فإن الدعوى تمثل التطور الأحدث في الحملة الجارية هذا العام ضد صناعة التشفير من قبل المنظمين الأميركيين. منذ شهر كانون الثاني/يناير الماضي، وجّهت لجنة الأوراق المالية والبورصات اتهامات ضد شركات التشفير “كراكن” و”جينيسيس” و”جيميني تراست”، بتقديم أوراق مالية غير مسجلة للمستثمرين وحذّرت “كوين بيس” من تُهم محتملة بشأن الأوراق المالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات