استمع إلى المقال

استخدام الهواتف المحمولة هو سمّة العصر الأهم، وربما كان الاختلاف الأكبر بين الأجيال الحالية وسابقاتها، إذ أصبح أمرا افتراضيا أن يوجد أكثر من هاتف محمول في المنزل، وربما أن يمتلك بعض الأطفال وصولا لهذه الهواتف المحمولة. 

الحديث عن أضرار وفوائد الهواتف كان حديث الساعة منذ ظهور الهواتف المحمولة وحتى يومنا هذا، ورغم أنها أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، إلا أن الحديث عن أضرارها لم يتوقف وظهرت طرق جديدة للتحكم في استخدام الهواتف المحمولة وجعله مفيدا عبر تقليل مدة الاستخدام، ولكن هذه الطرق والأحاديث جميعا كانت موجهة لكبار السن. 

استخدام الهواتف المحمولة للأطفال كان قصة مختلفة تماما، إذ منذ ظهور هذه التقنية وانتشارها في المنازل، أصبح الجميع يؤمنون بشكل كامل أنها شيء ضار لا يحمل في داخله أي نفع مهما كان، ورغم ذلك، لم يكونوا قادرين على منع أطفالهم من استخدامها بشكل كامل، والسؤال الذي يطرح ذاته هنا، هل يمكن أن يكون للهواتف المحمولة استخدام جيد ومناسب مع الأطفال، أم أنها ضارة للغاية ولا تحمل بداخلها أي نفع. 

مفهوم “الوقت المسموح أمام الشاشات” 

الخبراء عندما يتحدثون عن استخدام الهواتف المحمولة مع الأطفال والرضع لا يشيرون إلى هذه الأجهزة بأسمائها المعتادة، بل ينظرون إلى جميع الأجهزة الإلكترونية التي تمتلك شاشات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، وبالتالي يقيمون مدة استخدام هذه الأجهزة بمفهوم “الوقت المسموح أمام الشاشات”. 

مفهوم الوقت المسموح أمام الشاشات يستطيع مساعدة الأهل في السيطرة على إدمان الهواتف المحمولة وتعليم الطفل مهارة ترك الهاتف في الوقت المناسب، ورغم أن هذا في حد ذاته يمثل تحديا كبيرا يتطلب التزاما كبيرا ودقة في التنفيذ من الأهل، إلا أنه المفتاح الحقيقي لتحويل الأجهزة الإلكترونية من مصادر للضرر إلى مصادر نفع. 

بعض المصادر والهيئات العلمية تعمل على تقسيم الوقت المسموح أمام الشاشة إلى وقت مفيد أو تعليمي وآخر غير تعليمي، وتضع حدا لكل واحد من هذه الأوقات بشكل مختلف، ومن هذا المنطلق قامت “الأكاديمية الأمريكية للطب النفسي للأطفال والمراهقين” بتحديد الوقت المناسب لكل مرحلة عمرية للطفل كالتالي: 

  • حتى 18 شهرا من عمر الطفل: ينصح بعدم ترك الطفل مع الهاتف واستخدامه فقط في محادثات الفيديو مع الأهل.
  • بين 18 شهرا و24 شهرا: ينصح بأن يشاهد الطفل محتوى تعليمي فقط تحت إشراف الأهل. 
  • بين عمر عامين و5 أعوام: يجب أن يقتصر وقت الشاشة الترفيهي على ساعة واحدة في أيام الأسبوع و3 ساعات في أيام العطل. 
  • للأطفال أكبر من 6 أعوام، يجب أن يبدأ الطفل بترك الهاتف والشاشة والانخراط في الأنشطة الصحية خارج المنزل وفي الهواء الطلق. 

مخاطر جمّة للزيادة 

في دراسة حديثة نشرتها “مجلة الجمعية الطبية الأمريكية لطب الأطفال”، وُجد أن الأطفال الذين يتعرضون للهواتف المحمولة أو الشاشات بشكل عام خلال عامهم الأول لمدة تزيد عن 4 ساعات يوميا يعانون من مشاكل في التواصل ويتأخرون في الحديث بشكل عام، وتستمر هذه المشاكل معهم حتى 4 أعوام حيث يعانون من ضعف قدرات حل المشاكل الخاصة بهم. 

التأخر في التطور لحق هؤلاء الأطفال حتى بعد ذلك، إذ أصبحوا يعانون من مشاكل في الحركات اليدوية الدقيقة والمهارات الإجتماعية المختلفة، وذلك بسبب ارتفاع معدل استخدام الهواتف المحمولة في عمر صغير. 

بالطبع هناك مشاكل أخرى قد لا تظهر بنسبة كبيرة ولكنها موجودة، مثل مشاكل النظر وتعلم المهارات السيئة والمزعجة بسبب مشاهدة المقاطع غير المناسبة في الهواتف دون رقيب، وذلك إلى جانب الارتباط المبالغ به بالهواتف والحاجة لاستخدامها باستمرار كمهدئ ووسيلة للهروب من الإزعاج المحيط بالطفل. 

فوائد لا يمكن تحقيقها دون الهواتف 

جامعة كونكورديا” في ولاية نبراسكا، نشرت دراسة تمت على مجموعة من الأطفال في أميركا، وهذه الدراسة كانت تهدف لمقارنة الفوائد الناتجة عن استخدام الهواتف المحمولة والأجهزة التكنولوجية بشكل عام أمام المخاطر التي تمثلها هذه التقنيات. 

 من ضمن الفوائد التي وجدتها الدراسة، كانت تطوير المهارات الذاتية للأطفال، وتحديدا مهارات التفكير النقدي الذاتي، وهذا بالتعاون مع مراقبة الأهل والمدرسين للأطفال وتحديد الوقت المناسب لاستخدامهم للهواتف، إذ يتعلم الطفل في سن صغير أن يراقب ذاته ويعرف إن كان استخدامه للهاتف أكثر من المدة المسموح بها أم لا. 

إحدى المهارات التي وجدتها الدراسة في الأطفال الذين يستخدمون الهواتف كانت المهارات الرقمية المتنوعة أو كما أشارت إليها الدراسة “محو الأمية الرقمية”، إذ كان الأطفال الذي يستخدمون الهواتف والأجهزة التقنية المختلفة قادرين على تعلم المهارات الرقمية بشكل أسرع واستخدام الأجهزة المختلفة بسهولة ويسر. 

الأطفال الذين يتعرضون لمحتوى من لغة مختلفة يطورون مهارات أكبر في هذه اللغة، ورغم أن هذا الأمر ليس مضمونا في جميع الحالات، إلا أن الكثير من الدراسات تحدثت عن هذا الأمر، إذ يصبح الأمر أشبه بالعيش في منزل يتحدث بلغتين أم، ورغم أن هذه ميزة هامة، إلا أنها في بعض الأحيان تحمل جوانب سيئة وسلبية بسبب التقاط المهارات وأساليب الحياة غير المناسبة للمنطقة أو التي تختلف مع معتقدات أسرة الطفل. 

سلاح ذو حدين 

الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية بشكل عام هي سلاح ذو حدين، يمكنك الاستفادة منها وتحقيق فوائد كثيرة تعود بالنفع على مستقبل الطفل، ويمكنك أيضا أن تؤذي الطفل وتدمر مستقبله تماما، ولكن الحل الوحيد للتحكم في هذا التأثير هو محاولة السيطرة والموازنة على تجربة استخدام الأجهزة الرقمية. 

الكثير من التطبيقات الحديثة توفر هذه القدرة، وتتيح للأهل التحكم فيما يشاهده أطفالهم ويستخدمون الهواتف فيه، وهذا الأمر هام للغاية ومفيد، لذلك يجب على الأهل دوما الاهتمام به ومحاولة السيطرة عليه قدر الإمكان. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات