المنصات الاجتماعية تستسلم للتضليل.. على خطى إيلون ماسك؟

المنصات الاجتماعية تستسلم للتضليل.. على خطى إيلون ماسك؟
استمع إلى المقال

في اتجاه من المتوقع أن يؤثر بشكل عميق، تتراجع المنصات الاجتماعية عن دورها كهيئات رقابية ضد المعلومات السياسية المضللة، وتتخلى عن جهودها لمراقبة الأكاذيب عبر الإنترنت.

هذه التغييرات تتعلق بمجموعة من الظروف، حيث أدت عمليات التسريح الجماعي للموظفين في شركة “ميتا” وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى إلى تدمير الفرق المخصصة لتعزيز المعلومات الدقيقة عبر الإنترنت. 

كما أن تحركات إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة “تويتر”، تسببت بحدوث تغييرات كبيرة، حيث ألغى القواعد الصارمة ضد المعلومات الخطأ. 

في علامة على تأثير ماسك، درست “ميتا” خطة في العام الماضي لحظر جميع الإعلانات السياسية عبر “فيسبوك”، لكن أوقفتها الشركة بعد أن أعلن ماسك عن خطط لتحويل “تويتر” إلى ملاذ لحرية التعبير.

المنصات الاجتماعية تتراجع

هذا التراجع يأتي قبل أشهر قليلة من الانتخابات التمهيدية لعام 2024، حيث يواصل المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، حشد المؤيدين بادعاءات كاذبة بشأن تزوير انتخابات عام 2020. 

التحقيقات لم تكشف عن أي دليل على حدوث تزوير. مع ذلك، توقفت “يوتيوب” و”تويتر” و”ميتا” عن تصنيف أو إزالة المنشورات التي تكرر ادعاءات ترامب، حتى مع حصول الناخبين على أخبارهم بشكل متزايد عبر منصات التواصل الاجتماعي.

ترامب استفاد من تلك المعايير المتساهلة، ونشر عبر “تويتر” للمرة الأولى منذ طرده من الموقع في عام 2021، حيث أعاد ماسك حسابه إلى وضعه السابق في شهر تشرين الثاني/نوفمبر.

النهج الجديد يمثل تحولا حادا عن انتخابات 2020، عندما وسعت المنصات الاجتماعية جهودها لمراقبة المعلومات المضللة، حيث كانت تخشى تكرار ما حدث في عام 2016، عندما حاول المتصيدون الروس التدخل في الحملة الرئاسية الأميركية، وتحويل المنصات إلى أدوات للتلاعب السياسي والانقسام.

هذه الالتزامات المخففة تظهر مع تزايد عدوانية حملات التأثير السرية من روسيا والصين، كما أدى التقدم في الذكاء الاصطناعي إلى خلق أدوات جديدة لتضليل الناخبين.

بدورها، تشير منصات التواصل الاجتماعي إلى أنها لا تزال لديها أدوات لمنع انتشار المعلومات الخطأ.

في بيان، قالت المتحدثة باسم “يوتيوب”، “نزيل المحتوى الذي يضلل الناخبين بشأن كيفية التصويت أو يشجع على التدخل في العملية الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، نربط الأشخاص بأخبار ومعلومات الانتخابات الموثوقة من خلال التوصيات ولوحات المعلومات”.

بينما قالت المتحدثة باسم “ميتا”، إن “حماية الانتخابات الأميركية 2024 هي إحدى أهم أولوياتنا، وتستمر جهود النزاهة لدينا في قيادة الصناعة”.

المنصات الاجتماعية تغّير قواعدها الصارمة 

في وقت سابق من هذا الشهر، نشر أحد المستخدمين لقطة شاشة عبر “فيسبوك” تظهر حاكم ولاية إلينوي، جيه بي بريتزكر، وهو يوقع زورا على مشروع قانون يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بأن يصبحوا ضباط شرطة ونواب الشريف. 

المنشور الذي تمت مشاركته أكثر من 26 مرة جاء فيه، “في إلينوي، يتم القبض على المواطنين الأميركيين من قبل المهاجرين غير الشرعيين”.

مدققو الحقائق، وهي مؤسسات إعلامية تدفع لها “ميتا” الأموال لفضح المؤامرات، اعتبروا المنشور كاذبا، ووصفته الشركة عبر “فيسبوك” بأنه معلومات كاذبة. 

لكن “ميتا” بدأت تقدم للمستخدمين ضوابط جديدة لإلغاء الاشتراك في برنامج التحقق من الحقائق، مما يسمح للمشاركات المزيفة بالانتشار في خلاصة أخبار المشاركين مع علامة تحذير. 

“ميتا” وصفت القدرة على إلغاء الاشتراك بأنها تمثل اتجاها جديدا لصالح منح المستخدمين سيطرة أكبر حتى على المحتوى الحساس المثير للجدل ويسهل التدقيق على الشركة.

بحسب الشركة، فإن سياسة التحقق من الحقائق الجديدة تأتي ردا على المستخدمين الذين يريدون قدرة أكبر على تقرير ما يرونه.

كما تراجعت “يوتيوب” أيضا عن مراقبة الادعاءات المضللة، وأعلنت في شهر حزيران/يونيو أنها لن تزيل بعد الآن مقاطع الفيديو الكاذبة التي تروج إلى تزوير الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

وفقا للشركة، فإن الاستمرار في فرض الحظر من شأنه أن يحد من الخطاب السياسي دون الحد بشكل ملموس من خطر العنف أو أي ضرر آخر في العالم الحقيقي.

هذه التحولات تمثل رد فعل من المديرين التنفيذيين لمنصات التواصل الاجتماعي على التعرض لمعارك مثيرة للجدل حول المحتوى والتوصل إلى نتيجة مفادها أنه لا فائدة منها.

بالنسبة للطرف الأول، فإن المنصات لم تكن تقمع بطريقة كافية، بينما كانت المنصات تقمع أكثر من اللازم بالنسبة للطرف الثاني. 

نتيجة لذلك، فإن هناك إحساسا عاما بأن الأمر لا يستحق كل هذا العناء لأن الاعتراضات لا تزال قائمة من كل طرف.

اختبار الكذبة الكبرى

لسنوات عديدة، شجعت “ميتا” العديد من فرقها للثقة والسلامة على البحث عن المشاكل الشائكة عبر المنصة وتطوير أنظمة للمساعدة.

لكن خلال العامين الماضيين، حدثت تحولات بشأن هذا الموقف الاستباقي، حيث تطلب الشركة الآن من الموظفين قضاء المزيد من الوقت في معرفة كيفية الالتزام بالحد الأدنى من القائمة المتزايدة من اللوائح العالمية.

هذا الأمر يعد خروجا عن النهج الذي اتبعته شركات التكنولوجيا بعد أن تلاعبت روسيا بوسائل التواصل الاجتماعي لمحاولة ترجيح كفة انتخابات عام 2016 لصالح ترامب، حيث حول مارك زوكربيرج الحادث إلى رمز لتهور الشركات، وتعهد بالقيام بعمل أفضل.

زوكربيرج تعهد بتخصيص موارد الشركة غير محدودة لحماية الديمقراطية. وأوضح زوكربيرج في عام 2018 أن أولوياته تتمثل في التأكد من عدم تدخل أحد في الانتخابات المختلفة حول العالم.

في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2020، عززت منصات التواصل الاجتماعي فرق التحقيق لقمع حملات التأثير الأجنبي ودفعت للآلاف من المشرفين على المحتوى لفضح المؤامرات. 

قبل الانتخابات النصفية لعام 2018، نظمت شركة “ميتا” جولات للصحفيين في ما يسمى بغرفة الحرب، حيث يراقب الموظفون التهديدات العنيفة في الوقت الفعلي.

كما تعهدت الشركة بجميع أنواع الالتزامات بشأن الإشراف على المحتوى والعدالة العرقية والحقوق المدنية بشكل عام، ووضعت قواعد صارمة ضد المنشورات التي قد تؤدي إلى قمع الناخبين. 

بينما شكك ترامب في صحة بطاقات الاقتراع عبر البريد في عام 2020، اتخذت “فيسبوك” خطوة غير مسبوقة تتمثل في ربط ملصقات معلومات مثل “هذا الادعاء بشأن تزوير الانتخابات محل نزاع” بعشرات التعليقات المضللة. 

“تويتر” فعلت الشيء نفسه، كما قيدت “جوجل” الإعلانات المتعلقة بالانتخابات وروجت لعملها مع الوكالات الحكومية لمنع حملات التدخل في الانتخابات.

في أوائل عام 2021، هاجم مثيرو الشغب بتحريض من ترامب مبنى الكابيتول الأميركي بعد تنظيم أنفسهم عبر “فيسبوك” و”تويتر”. 

ردا على ذلك، علقت شركات “ميتا” و”تويتر” و”جوجل” وغيرها من شركات التكنولوجيا حسابات ترامب، مما أدى إلى إزالة الرئيس بالقوة من منصاتها.

تلك اللحظة مثلت ذروة مواجهة منصات التواصل الاجتماعي للمعلومات السياسية المضللة.

تلاشي الموقف الاستباقي

بينما كان عمالقة التكنولوجيا يكافحون مع تراجع الأرباح، بدأ هذا الموقف الاستباقي في التلاشي.

في صيف عام 2021، شرع نيك كليج، رئيس الشؤون العالمية في “فيسبوك”، في حملة لإقناع زوكربيرج وأعضاء مجلس إدارة الشركة بإنهاء جميع الإعلانات السياسية عبر شبكاتها للتواصل الاجتماعي. 

قرار “ميتا” بعدم التحقق من صحة خطاب السياسيين أثار سنوات من الجدل، حيث اتهم النشطاء الشركة بالتربح من المعلومات المضللة الواردة في بعض إعلانات الحملات الانتخابية، بينما أوضح كليج أن الإعلانات تسببت في مشاكل سياسية للشركة أكثر مما تستحق.

بينما كان زوكربيرج متشكك، إلا أنه تقبل الفكرة لدرجة أن “ميتا” خططت للإعلان عن السياسة الجديدة.

بحلول شهر تموز/يوليو 2022، كان الاقتراح قد تأجل إلى أجل غير مسمى. يبدو أن الزخم الداخلي لفرض السياسة الجديدة قد انخفض بعد أن تفاخر ماسك بخططه لتحويل “تويتر” إلى ملاذ آمن لحرية التعبير.

بعد استحواذ ماسك رسميا على الشركة في وقت لاحق من ذلك الخريف، ألغت “تويتر” الحظر الذي فرضته على الإعلانات السياسية.

من المؤكد أن موقف ماسك من هذه الأمور قد غير الطريقة التي يفكر بها زوكربيرج والصناعة بشأن السياسة، حيث غير ماسك كل شيء نوعا ما.

تأثير ماسك

عهد ماسك في “تويتر” أجبر الآخرين على إعادة التفكير في معايير الصناعة الأخرى.

في ليلته الأولى كمالك، طرد ماسك رئيسة الثقة والسلامة فيجايا جادي، التي كانت وظيفتها تتمثل في حماية مستخدمي الشركات من الاحتيال والمضايقة والمحتوى المسيء. 

بعد فترة وجيزة، وقبل أيام فقط من الانتخابات النصفية، سرحت الشركة أكثر من نصف موظفيها البالغ عددهم 7500 موظف، مما أدى إلى شل الفرق المسؤولة عن اتخاذ قرارات عالية المخاطر حول ما يجب فعله بشأن الأكاذيب.

التسريحات والنهج المتطور للتخفيف من الإشراف على المحتوى السام أدى إلى فرار المعلنين. 

لكن بينما كان المعلنون يغادرون الشركة، كانت شركات التكنولوجيا الأخرى تولي اهتماما وثيقا بتحركات ماسك.

في مقابلة أجريت في شهر حزيران/يونيو، أشار زوكربيرج إلى أن قرار ماسك بإجراء تسريحات جذرية في القوى العاملة في “تويتر” شجع قادة التكنولوجيا الآخرين مثله على التفكير في إجراء تغييرات مماثلة.

منذ ذلك الحين، سرحت “ميتا” أكثر من 20 ألف موظف، وهو جزء من الاتجاه السائد على مستوى الصناعة.

كما أعاد ماسك الحسابات المحظورة سابقا، بما في ذلك ترامب، الذين حظروا بسبب انتهاك سياسات المنصة الخاصة بالمعلومات الخطأ. في الوقت نفسه، علق حسابات الصحفيين الذين نشروا تقارير عن ماسك. في أعقاب ذلك، حدث ارتفاع حاد في خطاب الكراهية عبر الموقع. 

بعد فترة وجيزة من استحواذ ماسك على “تويتر”، اختبر العشرات من السياسيين نية “ميتا” و”تويتر” ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى في مكافحة المعلومات المضللة عن الانتخابات عبر نشر المعلومات المضللة دون رادع تقريبا.

في العام الماضي، ألغت “ميتا” فريق الابتكار المسؤول، وهو مجموعة صغيرة قامت بتقييم المخاطر المحتملة لبعض منتجات الشركة، وأغلقت في الوقت نفسه مشروع صحافة “فيسبوك” الذي روجت له كثيرا، والذي صممته لتعزيز جودة المعلومات عبر المنصة.

الآن، تتطلع “ميتا” إلى طرق لتقليل الاضطرار إلى تحكيم المحتوى السياسي المثير للجدل عبر تطبيقها الجديد للتواصل الاجتماعي “ثريدز”، حيث أشار آدم موسيري، رئيس “إنستغرام”، الذي قاد الجهود لبناء “ثريدز”، في وقت سابق من هذا العام إلى أن المنصة لن تشجع السياسة والأخبار بنشاط، لأن التفاعل الإضافي للمستخدم لا يستحق التدقيق.

بعد فترة وجيزة من إطلاق الشركة لتطبيق “ثريدز”، بدأت “ميتا” بتحذير المستخدمين الذين حاولوا متابعة دونالد ترامب جونيور من أن حسابه قد نشر بشكل متكرر معلومات كاذبة تمت مراجعتها من قبل مدققي حقائق مستقلين. 

بدوره نشر ترامب جونيور لقطة شاشة للرسالة عبر موقع “تويتر” المنافس، متذمرا من “ثريدز”، ورد متحدث باسم “ميتا” بالقول، “لقد كان هذا خطأ ولم يكن من المفترض أن يحدث. لقد تم إصلاحه”.

ختاما، بالرغم من أن “ميتا” تحاول الابتعاد عن الحروب السياسية وتأمل في المستقبل اختفاء المناقشات المشحونة سياسيا، لكن لا يوجد مفر من ذلك، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات