استمع إلى المقال

من الواضح أن العملات المشفرة – ذات الطبيعة المتقلبة – أصبحت ملاذا آمنا في بعض أنحاء العالم، مثل الأرجنتين وتركيا، حيث أجبر ارتفاع الأسعار وهبوط العملات المحلية، الناس على البحث عن طوق نجاة في العملات الرقمية.

منذ فترات طويلة، يعاني المواطنون الأرجنتينيون والأتراك من الاضطرابات الاقتصادية، وكانوا يحافظون على الأموال من خلال الدولار أو اليورو أو الذهب، لكن ظهور العملات المشفرة في السنوات الأخيرة أدى إلى ظهور مجموعة جديدة من الأدوات لتخزين الثروة، وإن كانت أكثر تقلّبا.

إلى جانب ذلك، فإن السياسات غير المنطقية فيما يتعلق بالمعدلات، وتناقص الثقة في الإحصاءات المنشورة بشأن التضخم والقرارات السياسية جعلت العملات الرقمية ملاذا آمنا، بالرغم من أنها أصول مالية محفوفة بالمخاطر ومتقلبة إلى حد ما.

قد يهمك: شاطئ “البيتكوين”.. كيف ألهمت بلدة في السلفادور تبني البلاد للعملة الرقمية؟

مستويات التضخم المرتفعة

هاتان الدولتان تشتركان في العديد من الأمور، بما في ذلك المراكز المتقدمة في تبنّي العملات الرقمية والتضخم المرتفع، الذي أدى إلى انهيار العملات. 

في الأرجنتين، وصل معدل التضخم السنوي إلى ما يقرب من 50 بالمئة، وفقدت عملة البلاد، البيزو، أكثر من 85 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في السنوات الخمس الماضية. وقد أدى ذلك بالعديد من الأرجنتينيين إلى البحث عن بدائل للعملات المصرفية التقليدية والعملات التي تصدرها الحكومة. 

عملة “البيتكوين” شهدت، على وجه الخصوص، ارتفاعا في شعبيتها، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن ما يصل إلى 30 بالمئة من سكان البلاد قد يمتلكون العملة الرقمية أو يستخدمونها الآن.

بالمثل، ارتفع التضخم في تركيا إلى أكثر من 16 بالمئة، وخسرت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها مقابل الدولار في السنوات الخمس الماضية. نتيجة لذلك، يتجه العديد من الأتراك إلى العملات المشفرة كوسيلة لحماية مدخراتهم من المزيد من انخفاض قيمة العملة.

في شهر آذار/مارس الماضي، بلغ معدل التضخم السنوي في تركيا 50.51 بالمئة، في حين كان التضخم في الأرجنتين أعلى بنسبة 104 بالمئة. الليرة والبيزو تراجعتا وانخفضتا إلى مستويات قياسية.

قد يهمك: العملات المشفرة: حريةٌ للمظلومين وتهديدٌ للمستبدين

تبنّي العملات المشفرة

وفقا لبيانات من شركة الأبحاث “GWI”، فإن 10.2 بالمئة من مستخدمي الإنترنت العالميين الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و 64 عاما يمتلكون العملات المشفرة. 

تركيا احتلت المركز الأول في العالم بنسبة 27.1 بالمئة، تليها الأرجنتين بنسبة 23.5 بالمئة، وهذه الأرقام أعلى بكثير من معدل الملكية العالمية للعملات الرقمية.

بشكل عام، يميل تبنّي العملات المشفرة إلى أن يكون أعلى في البلدان التي تعاني من ارتفاع معدلات التضخم أو التقلبات في قيمة العملات الوطنية أو وجود قيود على رأس المال أو عدم الاستقرار المالي أو عدم الاستقرار السياسي.

نتيجة لذلك، تركزت عمليات الشراء في الغالب على العملات المستقرة، مثل USDC و USDT، وهي عبارة عن عملات مشفرة مرتبطة بأصل تقليدي، مثل الدولار أو الذهب.

العملات المشفرة ملاذ آمن من التضخم

إيهاب زغلول، كبير علماء الأبحاث في “Tribal Credit” (منصة مدفوعات رقمية للشركات الناشئة في الأسواق الناشئة)، قال، “يفكر الناس، سواء كانوا على مستوى الأفراد أو المؤسسات، في كيفية التحوط ضد انخفاض قيمة العملة، ويريدون الاحتفاظ بأصول إضافية، بما في ذلك  USDC أو USDT، مرتبطة بعملة أقوى مثل الدولار”.

مع نهاية الشهر الماضي، وصل حجم التداول لزوج “USDT- TL” إلى أعلى مستوى له في عدة أشهر، مدفوعا بضعف العملة التركية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة.

بالإضافة إلى “البيتكوين”، فإن العملات المشفرة الأخرى، تكتسب أيضا شعبية في الأرجنتين وتركيا. يستخدم بعض الأرجنتينيين أيضا العملات المستقرة كطريقة لتجنب تقلب العملات الرقمية الأخرى.

العديد من الأرجنتينيين والأتراك يرون العملات الرقمية على أنها وسيلة لحماية المدخرات من التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي. 

في بعض الحالات، يستخدم الأشخاص العملات الرقمية لشراء السلع والخدمات أو لإرسال الأموال إلى أفراد الأسرة الذين يعيشون في الخارج.

قد يهمك: لماذا ينتظر مجتمع التشفير “ترقية شنغهاي” بفارغ الصبر؟

حمى العملات المشفرة العالمية

في حين أن عملة “البيتكوين”، أكبر وأشهر العملات المشفرة في العالم، ارتفعت بنسبة 72 بالمئة هذا العام لتصل إلى حدود 30 ألف دولار، وهو أعلى مستوى لها في 10 أشهر، فإن أحجام التداول الإجمالية بعيدة عن المستويات التي شوهدت في الصيف الماضي بعد أن شعر المستثمرون بالفزع بسبب سلسلة من الانهيارات للاعبين المشفرين بلغت ذروتها مع انهيار منصة “FTX”.

البيانات أظهرت أن أحجام التداول الفوري لعملة “البيتكوين” هي الأعلى خلال ساعات العمل في الولايات المتحدة، مع تغير طفيف من عام 2022.

العملات المشفرة ملاذ آمن من التضخم

مع ذلك، فإن المشكلات التنظيمية التي واجهتها منصة تداول العملات المشفرة “بينانس” في الأشهر الأخيرة أدت إلى تحول طفيف في حجم تداول المشتقات نحو ساعات آسيا والمحيط الهادئ من الأميركتين.

قد يهمك: هل تُستخدم الخدمات المالية اللامركزية للتحويلات غير المشروعة؟

تبنّي تقنية “البلوك تشين”

من خلال الاهتمام المتزايد بتكنولوجيا “البلوك تشين”، فإن استخدام العملات المشفرة في الأرجنتين وتركيا تعزز.

في الأرجنتين، هناك العديد من المبادرات القائمة على “البلوك تشين” التي تهدف إلى معالجة بعض التحديات الاقتصادية للبلاد، مثل الافتقار إلى الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية في بعض المناطق. 

بعض الشركات تستخدم “البلوك تشين” لإنشاء أنظمة دفع لامركزية يمكن الوصول إليها بواسطة أي شخص لديه هاتف ذكي، بينما يستكشف البعض الآخر استخدام التقنية للتحويلات وغيرها من المعاملات العابرة للحدود.

العملات المشفرة ملاذ آمن من التضخم

بالمثل، في تركيا، هناك العديد من مشاريع “البلوك تشين” قيد التنفيذ، بما في ذلك مبادرة مدعومة من الحكومة لإنشاء عملة رقمية قائمة على “البلوك تشين”، “الليرة التركية الرقمية”. الهدف من هذا المشروع هو توفير نظام دفع آمن وفعال يمكن استخدامه بواسطة الشركات والمستهلكين على حد سواء.

قد يهمك: كيف ازدهرت جرائم العملات الرقمية في 2022؟

مخاطر العملات المشفرة

بينما تقدم العملات الرقمية بعض المزايا مقارنة بالعملات التقليدية، بما في ذلك انخفاض رسوم المعاملات وزيادة إخفاء الهوية، فإنها تأتي أيضا مع مخاطر، مثل التقلبات والمخاوف الأمنية. 

نتيجة لذلك، يتصارع المنظمون في كلا البلدين بشأن كيفية إدارة الاستخدام المتزايد للعملات المشفرة، حيث اتخذت الحكومات في كلا البلدين خطوات لتنظيم العملات المشفرة. 

في الأرجنتين، شدد “البنك المركزي” القواعد عندما يتعلق الأمر بالتشفير، ولم يعد بإمكان المؤسسات المالية المحلية تقديم خدمات متعلقة بالعملات المشفرة. 

من جانبها، أدخلت الحكومة التركية لوائح تتطلب من منصات العملات الرقمية الحصول على التراخيص والامتثال لمتطلبات إعداد تقارير معينة، كما أصبح ممنوعا استخدام العملات المشفرة كوسيلة للدفع.

مع ذلك، يجادل بعض النقاد بأن هذه الإجراءات ليست كافية لحماية المستهلكين من المخاطر المرتبطة بالعملات المشفرة، وأنه يجب على الحكومات بذل المزيد من الجهد لتثقيف الناس حول المخاطر المحتملة للاستثمار في هذه الأصول. 

قد يهمك: ما وراء فشل السلفادور في تبني “البتكوين” كعملة رسمية؟

بشكل عام، شعبية العملات المشفرة ازدادت في تركيا والأرجنتين وأجزاء من العالم النامي في ظل عدم الثقة بالسياسات الاقتصادية الحكومية، ويعكس استخدامها المتزايد اتجاها أوسع نطاقا لزيادة الاهتمام بالأصول الرقمية وتكنولوجيا “البلوك تشين” حول العالم. 

على سبيل المثال، يستخدم النيجيريون عملة “البيتكوين” للمدفوعات بعد تخفيض قيمة العملة والرقابة المشددة على الوصول إلى العملات الأجنبية، في حين أصبحت السلفادور أول دولة تعترف بعملة “البيتكوين” كعملة قانونية.

في ظل سعي الحكومات والجهات التنظيمية إلى تحقيق التوازن بين فوائد ومخاطر هذه التقنيات الجديدة، فمن المحتمل أن نشهد استمرارا في الابتكار والتجريب في مجال العملات المشفرة و”البلوك تشين” في السنوات القادمة.

ختاما، بالرغم من هذه المخاوف، يواصل استخدام العملات المشفرة النمو في الأرجنتين وتركيا ودول أخرى حيث يمثّل التضخم وعدم الاستقرار الاقتصادي مصدرا كبيرا للقلق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات