استمع إلى المقال

العملات الرقمية شهدت عاما مليئا بالتحديات في 2022، وذلك بداية من إنهيار قيمة الـ ”بيتكوين“ إلى مستويات قياسية هذا العام بعد أن شهدت ارتفاعا مذهلا وسط أزمة “كوفيد-19″، وذلك قبل أن تظهر فضيحة منصة “FTC“ للتداول مع الربع الأخير للعام الفائت. 

الأحداث التي مرت على عالم العملات الرقمية أخفت جانبا أكثر خطورة من مجرد انهيار قيمة العملة أو هرب مؤسس “FTC”، إذ أن ”رويترز“ كشفت في تقرير نشرته بالأمس حول ارتفاع معدلات جرائم العملات الرقمية في عام 2022 لتصل إجمالي قيمة العمليات إلى أكثر من 20 مليار دولار لتشكل أكثر من 44 بالمئة من إجمالي المعاملات بالعملات الرقمية في عام 2022. 

ماهي جرائم العملات الرقمية؟ 

مفهوم جرائم العملات الرقمية ينطبق على نوعين من العمليات الإجرامية، الأول هي العمليات المخالفة للقانون التي تعتمد على العملات الرقمية كطريقة دفع مباشرة لها، والثاني هي الجرائم التي تنتهي بسرقة العملات الرقمية ذاتها، ويشمل ذلك عمليات الاحتيال والسرقة من أجل الحصول على العملات الرقمية بشكل غير قانوني.

 قد يهمك أيضا: انهيار “FTX”: هل تحكم مركزية التنافس الرأسمالي التقليدي عالم التشفير اللامركزي؟

العملات الرقمية ارتبطت بشكل وثيق مع الجرائم وشبكات ”الإنترنت المظلم“ منذ نشأتها، وذلك بسبب طريقة عمل ”البلوك تشين“ المميزة والتي تجعل تتبع مصدر الأموال والمكان المتجهة إليه أمرا صعبا، كما أن سرعة انتقال الأموال التي تُعدّ لحظيّة في الكثير من الأوقات ساهمت في جعلها الاختيار المفضل بالنسبة للمجرمين في شبكات الإنترنت المظلم. 

الدور الذي اتخذته العملات الرقمية في عالم الجريمة لم يتوقف عند كونها طريقة دفع مفضلة للمجرمين، بل أصبحت هدفا للسرقات بمختلف أنواعها، وذلك بسبب سهولة تخزين العملات الرقمية وبالتالي سهولة نقلها من مكان إلى آخر، إذ أن أبسط عملية اختراق حساب مِحفظة العملات الرقمية الخاصة بك يعني وصول السارق إلى جميع محتويات المِحفظة والقدرة على نقلها إليه بسهولة ويسر.

محتويات المَحافظ الإلكترونية تتنوع بين العملات الرقمية المخزّنة فيها وبعض رموز “NFT” غير قابلة للاسترداد، لذلك فإن عملية اختراق بسيطة للمحفظة الإلكترونية الخاصة بك تعني وصول السارق إلى جميع محتوياتها التي قد تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات في بعض الحالات. 

رمز “NFT”

السرقة في العالم الرقمي أسهل كثيرا من مثيلتها في الواقع، إذ أن كل ما تحتاج إليه هو اختراق حاسوب الهدف الذي ترغب بسرقته، لذلك بدلا من أن تخاطر باختراق منزل الهدف أو اعتراضه في أحد الطرقات لإجباره على تسليم أمواله، فإن كل ما تحتاج إليه هو تطبيق خبيث يصيب حاسوبه أو هاتفه المحمول لتتمكن من الوصول إلى جميع محتوياته وأمواله، وهذا ما حدث مع الممثل سيث جرين الذي تعرض لسرقة أحد رموز ”NFT“ التي كان يمتلكها ضمن مجموعة ”Bored Ape“ الشهيرة، إذ خُدع الممثل من قبل موقع وهمي طلب منه إدخال بيانات المحفظة الخاصة به ثم استحوذ على جميع محتوياتها، وبالطبع طالب جرين الهيئات المنظمة لعمليات العملات الرقمية بتتبع عملية السرقة واعادتها ولكن دون أي جدوى. 

قد يهمك أيضا: متحف NFT يفتتح أبوابه في الولايات المتحدة، ويَعرض الأعمال الفنية ويشرح التكنولوجيا وراءها

برمجيات الفدية الخبيثة التي انتشرت في الآونة الأخيرة هي شكل آخر من أشكال جرائم العملات الرقمية، إذ يقوم المخترق بتثبيت البرمجية الخبيثة في حاسوبك عن بُعد، ثم يقوم بتشفير جميع محتويات الحاسوب من أجل مساومتك على دفع عملات رقمية إليه لإطلاق سراح هذه الملفات وإلا تُحذف الملفات تماما، ومن الجدير بذكره أن برمجيات الفدية الخبيثة أصابت أكثر من 37 بالمئة من الشركات والمؤسسات التجارية خلال عام 2021، وشكلت 10 بالمئة من إجمالي الاختراقات التي حدثت في العام ذاته. 

الشرطة في مواجهة المجرمين الرقميين 

عمليات الاجرام الرقمية التي تعتمد على العملات الرقمية كطريقة دفع لها أو تستهدف سرقة العملات الرقمية لم تمر دون ملاحظة فرق الشرطة القانونية في مختلف البلاد حول العالم، ورغم صعوبة تتبع مثل هذه العمليات إلا أن سجل مواجهة الشرطة والمجرمين حافل بالانتصارات. 

شرطة مانشستر في الولايات المتحدة تمكنت في شباط/فبراير الماضي من الإغارة على مركز لعمليات الاحتيال الرقمية وسرقة العملات الرقمية، وتمكنت في أثناء العملية من استعادة 22 مليون دولار أميركي وإرسالها لملاكها الشرعيين، إذ أن هذا المركز استهدف أكثر من 150 عميل حول العالم.

Embed from Getty Images

اليوروبول بالتعاون مع عدة سلطات محلية تمكّن في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021 من اعتقال مجموعة مخترقين كانت مسؤولة عن أكثر من 1800 هجمة فدية خبيثة استهدفت 71 دولة مختلفة حول العالم، وهي المجموعة المسؤولة عن تطوير مجموعة من تطبيقات الفدية الخبيثة مثل “LockerGoga”و   “MegaCortex” اللذان تسببا في خسارة الملايين في عام 2021. 

قد يهمك أيضا: اعتقال عصابة برامج الفدية REvil في روسيا

الجهود المذهلة التي تبذلها قوات الشرطة الدولية للإيقاع بالتنظيمات الإجرامية الرقمية لا تكلل دائما بالنجاح، إذ تتحطم عادة أمام القوانين الدولية ورقعة السلطة القضائية لكل جهاز منها وذلك لأن الإنترنت يشبه المياه الدولية ويخضع لقوانين كل دولة منفردة، لذلك قد لا تستطيع قوات الشرطة في أوروبا اعتقال مجرم في دولة لا تمتلك معها اتفاقية لتبادل المعتقلين، ورغم وجود هذه العقبة في الجرائم المعتادة، إلا أن المجرم الرقمي يمكن أن يستهدف أي دولة في العالم دون مغادرة مكانه وهو ما يمثل التحدي الأكبر أمام القوانين الدولية. 

اختباء المجرمين في دول ذات قبضة أمنية مرتخية أمر ليس غريب عن عالم الجرائم الرقمية، إذ أن قراصنة المحتوى يستخدمون الطريقة ذاتها ويقيمون في دول لا تطبق قوانين شرسة لمواجهة الجرائم الرقمية مثل روسيا التي لطالما كانت وكرا للقراصنة والمجرمين الرقميين من مختلف دول العالم. 

طريقة آمنة للهرب من العقوبات الدولية 

الثغرة التي جذبت المجرمين الرقميين إلى استخدام الـ ”بيتكوين“ وأمثاله كانت صعوبة تتبعه، ولكنها ليست حكرا على المجرمين فقط، إذ أنها جذبت حكومات الدول المحظورة دوليا والمجموعات المشبوهة لتمويل عملياتها المختلفة. 

كيم جونغ أون، يعتمد بشكل كبير على العملات المشفرة من أجل تمويل مشاريعه النووية، وذلك إما عبر القرصة الغير شرعية للعملات الرقمية أو التداول المعتاد فيها، إذ يمكن بسهولة نقل الأموال من داخل كوريا الشمالية وإلى أي دولة حول العالم عبر تبادل العملات الرقمية فقط. 

Embed from Getty Images

تقرير ”رويترز“ يشير إلى ذلك أيضا، إذ ذكر أن محفظة ”Garantex“ الروسية كان لها النصيب الأكبر من عمليات 2022 المشبوهة، وهي محفظة حظرت الولايات المتحدة التعامل معها في نيسان/إبريل الماضي. 

قد يهمك أيضا: البيتكوين تنخفض إلى أدنى مستوى منذ أشهر .. ولكن ما علاقة احتجاجات كازاخستان؟

حظر المحفظة الروسية لا يعني إيقاف التعامل بالعملات الرقمية بين روسيا والدول المختلفة، إذ أن الكثير من محافظ العملات الرقمية تتيح التعامل بين روسيا وبقية دول العالم دون وجود صعوبات مختلفة، وربما كانت منصة ”بينانس“ المثال الأوضح لذلك، وهي المنصة التي يعتمد عليها الكثير من الروس في إخراج أموالهم أو إدخالها إلى البلاد كونها تتيح التعامل معها.

السيطرة على عالم الجريمة الرقمي ليس أمرا سهلا، ولا يمكن القيام به دون تظافر الجهود الدولية حول العالم على الأقل في توحيد القوانين التي تطبق على هذه الجرائم، وبينما يشهد عالم العملات الرقمية ابتعادا عالميا عنه بسبب الأزمات الأخيرة، فإن تعاملات المجرمين عليه ستنتعش كثيرا لغياب الرقابة عليه. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.