استمع إلى المقال

في عالم البرمجة، كانت فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير بعض المجالات شيئا من الخيال العلمي قبل فترة ليست بطويلة؛ ثم، بشكل شبه مفاجئ شهدنا تطورا مذهلا في العديد من المجالات بفضل الذكاء الاصطناعي، وقفزات كبيرة في مجال الطب والتعليم البرمجة والتجارة والتسويق والصناعة.

على سبيل المثال، ظهرت خدمة روبوت الذكاء الاصطناعي “GitHub Copilot“، وهي خدمة “مايكروسوفت” للبرمجة المشتركة بواسطة الذكاء الاصطناعي لمساعدة المطورين ومستخدمي فيجوال ستوديو كود وفيجوال ستوديو وفيم وغيرهم، في صيف عام 2022، ومن ثم، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، ظهر “ChatGPT 3.5″، وأصبح الجميع متحمسينَ للذكاء الاصطناعي.

وفقا لاستطلاع جديد أُجري على فئة المبرمجين في “GitHub”، أن 92 بالمئة من المطورين المتواجدين في الولايات المتحدة يستخدمون حاليا أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي سواء في العمل أو خارجه.

شركة “GitHub” تعاونت مع وكالة “Wakefield Research” لإجراء استطلاع لـ 500 مطور مؤسسي مقيمين في الولايات المتحدة، وجدوا أن 70 بالمئة من المبرمجين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي يوفر فوائد كبيرة لشفرتهم.

هنا، يبرز السؤال المهم، لماذا حدث التطور بهذه السرعة الكبيرة، ما السر الذي يقف خلف تحول 92 بالمئة من المطورين الذين تم ذكرهم أعلاه إلى استخدام والاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تطوير برمجياتهم وآلية عملهم، دعونا نستكشف هذا الأمر سويا.

دور الذكاء الاصطناعي

لكي نستوعب سرعة اندماج الذكاء الاصطناعي في صناعة الأكواد والشفرات البرمجية، لابد لنا أن نعلم ما هي التفاصيل التي يتغلغل فيها الذكاء الاصطناعي في هذه الصناعة، ولماذا، وما أسباب كل هذا التشبث بهذا الذكاء من قبل المطورين والمبرمجين.

تحسين جودة الشفرة

جودة الشفرة تعتبر أحد العوامل الحاسمة في تطوير البرمجة والأكواد، يلعب الذكاء الاصطناعي دورا مهما في تحسين جودة الشفرة من خلال توفير أدوات تحليل الشفرة وتقديم توجيهات قوية للمطورين، تستخدم تقنيات التعلم الآلي والتحليل الثابت لتحليل الشفرة على نحو دقيق وفحصها بحثا عن الأخطاء الشائعة والضعف في الأسلوب وهيكلية الشفرة.

باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، يمكن للمطورين استلام تقييمات واقتراحات محددة لتحسين جودة الشفرة، ويمكن لهذه الأدوات تحديد أخطاء البرمجة المتكررة مثل الإسناد غير المحدد والتحقق من الحدود والعمليات الزائدة، وتقديم توجيهات لتصحيح هذه الأخطاء وتحسين أداء الشفرة، وكما يمكن لهذه الأدوات أن تتعلم من خبرات المطورين والشفرات الموجودة والملاحظات التي يقدمونها، وأن تستخدم هذه المعرفة لتوليد شفرات جديدة أو محسَّنة.

علاوة على ذلك، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تحليل هيكلية الشفرة وتبسيطها لجعلها أكثر فهما وقابلية للصيانة، ويمكن أن توفر هذه الأدوات أيضا توصيات بشأن هيكلية الشفرة وتنظيمها بشكل أفضل وفقا للممارسات الأفضل، هذا يسهم في تحسين قابلية الصيانة وزيادة فهم الشفرة من قبل فريق التطوير.

مع أدوات الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الشفرة، يمكن للمطورين تحقيق مزايا كبيرة مثل تقليل الأخطاء وتحسين استجابة البرنامج وزيادة أمان النظام، إن توجيهات الذكاء الاصطناعي تساعد المطورين على العمل بكفاءة وفعالية، مما يؤدي في النهاية إلى إنتاج برمجي أفضل وأكثر استدامة.

تسريع الإنتاج

تقنيات الذكاء الاصطناعي تلعب دورًا حيويًا في تسريع عملية التطوير وزيادة سرعة الإنتاج في مجال البرمجة والأكواد، إليك بعض الطرق التي يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تحقيق ذلك.

أدوات توليد الشفرة التلقائي وتعلم الآلة

يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي توليد الشفرة تلقائيا استنادا إلى النماذج والأنماط السابقة والمعرفة المكتسبة من مجموعة البيانات، يمكن لهذه الأدوات إنشاء شفرة أساسية وقوالب جاهزة تسهّل وتسرّع عملية التطوير، بدلا من البدء من الصفر في كتابة الشفرة بالكامل، يمكن للمطورين الاعتماد على هذه الأدوات لتوليد جزء من الشفرة بسرعة وكفاءة.

تحليل وتقييم الشفرة

تحليل الشفرة وتقييمها تُعتبر عملية مهمة ومكلفة من حيث الوقت والجهد، باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن تنفيذ هذه العمليات بشكل أسرع وأكثر دقة، تعتمد هذه التقنيات على تحليل وتفسير الشفرة الموجودة وتحديد المشكلات المحتملة والأخطاء والتراكمات الزمنية البطيئة، وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين جودة الشفرة واكتشاف الثغرات بشكل أسرع وتصحيحها قبل الإطلاق النهائي.

مع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة، يمكن للمطورين زيادة سرعة الإنتاج وتقليل وقت التطوير والاكتشاف، يمكن توليد جزء من الشفرة بواسطة أدوات تعلم الآلة وتحليل الشفرة بشكل سريع ودقيق، مما يمنح المطورين وقتا إضافيا للتركيز على جوانب أخرى من التطوير وتحسين أداء البرمجيات؛ وبالتالي، يسهم الذكاء الاصطناعي في زيادة كفاءة الإنتاج وتقليل وقت الإطلاق، مما يعزز تنافسية الشركة ورفع مستوى رضا العملاء.

تقليل حوادث المستوى الإنتاجي

حوادث المستوى الإنتاجي تعتبر من أكبر التحديات التي تواجهها عمليات التطوير والإنتاج في مجال البرمجة والأكواد، فقد تتسبب هذه الحوادث في توقف النظام أو حدوث أعطال تؤثر في الأداء وسلامة المستخدمين، ويأتي دور الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تحقيق الاستقرار وتقليل حوادث المستوى الإنتاجي من خلال الآتي.

• تحليل البيانات وتعلم منها

يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات المتاحة لتحديد أنماط الأخطاء والتحذير من القضايا المحتملة، باستخدام تقنيات التعلم الآلي وتحليل البيانات، يمكن للأنظمة أن تتعلم من الأخطاء الماضية، وتكتسب فهما عميقا للأعطال المحتملة التي يمكن أن تؤثر في الإنتاجية والأداء، وبناء على هذه المعرفة، يمكن اتخاذ التدابير الوقائية واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب حدوث حوادث مماثلة في المستقبل.

• التكنولوجيا الاكتشافية والإصلاح التلقائي

تقنيات الاكتشاف التلقائي والإصلاح التلقائي في مجال الذكاء الاصطناعي تستخدم لتحليل ومراقبة أنظمة البرمجة والأكواد، وتساعد هذه التقنيات على الكشف المبكر عن أي مشاكل أو عيوب في النظام واتخاذ إجراءات تصحيحية فورية لتجنب الفشل التشغيلي وتقليل التوقفات غير المخططة؛ على سبيل المثال، يمكن للنظام أن يتعلم على نحو متواصل، ويتكيف مع التغيرات المستمرة في بيئة البرمجة والأكواد، مما يؤدي إلى زيادة استقرار النظام وتقليل حوادث المستوى الإنتاجي.

باستخدام التحليل الذكي والتكنولوجيا الاكتشافية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في تحقيق أعلى مستويات الاستقرار والسلامة في عمليات التطوير والإنتاج، كما يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين جودة البرمجة وتجنب الأخطاء والأعطال، مما يؤدي إلى زيادة كفاءة الإنتاج وتقليل الأعطال التي يمكن أن تؤثر في سير العمل وسلامة المستخدمين.

استفادة المطورين من أدوات الذكاء الاصطناعي

يمكن للمطورين الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي المتاحة لتحسين جودة الشفرة وزيادة كفاءة عملية التطوير.

إليكم بعض الأمثلة على أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة للمبرمجين

برنامج “PyCharm“، هو من أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة للمبرمجين من “JetBrains” تسمح بإكمال التعليمات البرمجية بالذكاء الاصطناعي؛ إذ تمتلك قدرات مذهلة، كما تدعم مختلف لغات البرمجة، مثل “Java” و”Python” و”JavaScript”، وتمتاز بدقتها وتساعد المطورين على تقليل مقدار الوقت الذي يقضيه في مهام الترميز.

برنامج “AskCodi“، هو من أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة للمبرمجين، ويقدم مجموعة كاملة من أدوات التطوير لمساعدة المطورين على بناء المشاريع بشكل أسرع، مثل تطبيقات الويب والهاتف، كما يساعدهم على كتابة تعليمات برمجية أفضل وكتلات أكواد أقصر، وبنسبة أخطاء أقل.

خدمة “Azure Bot” وحزمة “SDK” لإطار عمل “Bot” وأدوات لتمكين المطورين من إنشاء تجارب محادثة غنية باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن لهذه الأدوات مساعدة المطورين في إضافة قدرات مثل التحدث والفهم والتفكير إلى تطبيقاتهم، والتفاعل مع المستخدمين عبر قنوات مختلفة، مثل الموقع الإلكتروني أو التطبيق أو المسؤول أو “التيليجرام”.

خدمات “Azure Cognitive Services” هي خدمات الذكاء الاصطناعي خاصة بواجهات برمجة التطبيقات، تزيل هذه الخدمات تحديات بناء الذكاء الاصطناعي في التطبيقات وهي مصممة لجعلها منتجة وجاهزة للمؤسسات وموثوق بها، وتجعل من الممكن البناء على أحدث الاختراقات في الذكاء الاصطناعي دون بناء ونشر نماذج معقدة أو إدارة البنية التحتية، وبالإمكان استخدام هذه الخدمات لإضافة قدرات مثل التعرف على الوجوه والصوت والنص والرؤية والبحث والتوصيات إلى التطبيقات بسهولة وسرعة.

التطور المستمر

بشكل موجز، تحدثنا عن أهمية الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجة والأكواد، وكيف يستفيد المطورون من أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي في تحقيق معايير الأداء الحالية، استعرضنا دور الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الشفرة من خلال تحليل البيانات وتعلم الآلة، وكيف يمكن للأدوات الذكاء الاصطناعي تسريع الإنتاج من خلال توليد الشفرة التلقائي وتحليل الشفرة بشكل أسرع وأدق.

بالنظر إلى المستقبل، يُتوقع أن يستمر الذكاء الاصطناعي في أن يلعب دورا أساسيا في تحسين تجربة المطورين وزيادة كفاءة عمليات التطوير والإنتاج، من خلال مواصلة تطوير وتحسين أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي، حيث ستكون هناك إمكانيات أكبر لتحقيق أداء أفضل وتقليل حوادث المستوى الإنتاجي.

باعتقادي الشخصي أن استفادة المطورين من الذكاء الاصطناعي تعد عاملا حاسما في تحقيق معايير الأداء الحالية، باستخدام أدوات برمجة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال، يمكن للمطورين تحسين جودة الشفرة، وزيادة سرعة الإنتاج، وتقليل حوادث المستوى الإنتاجي، مما يؤدي في النهاية إلى تعزيز التنافسية وتحقيق نتائج أفضل.

بالاعتماد على التطور المستمر للذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكل مبتكر وذكي، يمكن للمطورين أن يشقوا طريقا نحو مستقبل البرمجة والأكواد الذي يحقق التحسين المستمر والابتكار المبدع.