إمبراطورية “تيترس”.. كيف غيرت لعبة التاريخ؟

إمبراطورية “تيترس”.. كيف غيرت لعبة التاريخ؟
استمع إلى المقال

قائمة الألعاب الشهيرة التي صنعت التاريخ كما نعرفه اليوم كبيرة وتضم الكثير من الألعاب الشهيرة التي قدمت تجارب مختلفة وابتكرت أسلوب لعب جديد أثّر في الألعاب من بعدها، ورغم أن “تيترس” تُعد إحدى أشهر الألعاب في التاريخ، إلا أن البعض لا يرى تأثيرها الكبير في صناعة الألعاب وانتشارها بالشكل الذي نعرفه اليوم.

“تيترس” هي واحدة من تلك الألعاب التي تترك أثرا سياسياً أكبر من أثرها في صناعة الألعاب، لذلك حتى وإن لم تقدم اللعبة تجربة أسلوب لعب جديد بالكامل، إلا أن أثرها في عالم الألعاب وسياسته ما زال ملموسا حتى اليوم، ولكن ما هو هذا الأثر الذي تركته “تيترس”. 

فكرة بسيطة أخاذة 

قد يهمك أيضا: الذكاء الصنعي والألعاب.. مخاوف وآمال

لعبة “تيترس” تعتمد على فكرة بسيطة للغاية في التصميم وفي أسلوب اللعب، وهي فكرة تمكنت من النجاة والظهور في آلاف النسخ المقلدة من اللعبة وآلاف النسخ الأخرى المطورة منها، إذ ورغم بساطة هذه الفكرة، إلا أنها تستطيع حتى يومنا هذا سلب قلوب اللاعبين حول العالم. 

فكرة اللعبة لا تبدو جذابة للوهلة الأولى، ولكنها واحدة من تلك الألعاب التي تحتاج لتجربتها حتى تدرك عظمتها، وتستند اللعبة بكل بساطة على مجموعة من الأشكال الهندسية المكونة من 4 مكعبات تأتي في ترتيب مختلف حتى تصنع شكلا جديدا، وكل ما يجب عليك فعله هو مطابقة هذه الأشكال معا حتى تملأ الشاشة، وعندما يكتمل صف من المكعبات جنبا إلى جنب، فإن هذا الصف يختفي وتحصل على نقاط إضافية، وكعادة هذه الألعاب، فإن الهدف هو الوصول إلى أعلى درجات النقاط. 

تجربة اللعبة لمدة 5 دقائق فقط كفيلة بأن تأسرك طوال العمر، وتجذب انتباهك بشكل غير مسبوق، وهو الأمر الذي حدث مع كل من جرب اللعبة، وهي كما وصفها جيمس نيومان البروفيسور في جامعة باث سبا قائلا أثناء حديثه مع موقع “BBC Culture”: 

“تيترس” تمنح اللاعب شعورا مطمئنا بالسيطرة والتحكم في عالم مليء بالفوضى الظاهرية 

رسوميات اللعبة لا تقترب أبدا من مستوى الرسوم الذي عهدناه في الألعاب الرائدة التي تركت بصمة مثل “Red Dead Redemption 2” أو “GTA V” مثلا، ولكنها رغم ذلك صنعت إمبراطورية ضخمة تقدر قيمتها بأكثر من 140 مليون  دولار. 

قصة “تيترس” الملحمية 

النجاح الذي حققته لعبة “تيترس” لم يكن مثل أي نجاح آخر في عالم الألعاب، لأنها لم تمر بمراحل تطوير سهلة أو حتى صعوبات تقنية تمنع تحقيق حلمها المجنون، بل كانت وليّدة لحظة ملل لأحد المبرمجين، وبينما قد تكون هذه وصفة نجاح في بعض الدول أو الحالات، إلا أن سوء حظ أليكسي باجيتينوف جعله يطور اللعبة في قلب الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة وتحديدا عام 1989. 

قد يهمك أيضا: صناديق “Loot boxes” في الألعاب.. عندما يصبح القمار مشروعاً

أليكسي باجيتينوف لم يطور “تيترس” طمعا في الشهرة أو لأنه كان ينفذ أوامر رؤسائه في وقتها، بل كان الأمر أشبه بهواية جانبية مسلية يمارسها وسط نظام حكم يمنع أي مظهر من مظاهر التسلية والترفيه ما لم ينتج عن أجهزته الأمنية، لذلك لم يكن للعبة أي متطلبات حقيقية من أجل أن تعمل على الحواسيب، بل كان الأمر أشبه ببرنامج صغير للغاية وخفيف الوزن ينتقل كالنار في الهشيم بين جميع العاملين والقاطنين في الإتحاد السوفيتي. 

أليكسي باجينتوف مع إبنه – مصدر الصورة CNN

النمو الذي تمكنت “تيترس” من تحقيقه داخل الاتحاد السوفيتي وخارجه مرّ من تحت أعين إدارة الحزب “الشيوعي” الروسي الحاكم، دون أن يلحظه، وفوجئ الحزب بدخول ثلاثة رجال أعمال مشهورين ومعروفين يتصارعون من أجل الحصول على حقوق نشر اللعبة في جميع دول العالم وعلى مختلف الأجهزة والمنصات في وقتها.

الحزب “الشيوعي” الحاكم،  بالطبع حاول جاهدا الاستفادة من هذا الصراع وتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح دون إعطاء باجينتوف مكافأة مناسبة نتيجة تطويره لهذه اللعبة، ولكن حب باجينتوف لعالم الالعاب واللعبة التي طورها دفعه للتعاون مع ممثليّ “نينتندو” حتى يحصلوا على حقوق نشر اللعبة عالميا على جميع المنصات، لتكون هذه البداية الحقيقية لنجاح اللعبة وتحقيق أسطورتها، ولأن القصة تضم الكثير من التفاصيل والأحداث الهامة، فإن منصة “Apple TV” قررت صناعة فيلم مذهل عن اللعبة، وهو مبني على أحداث حقيقية رواها باجينتوف وروجرز عن رحلتهم لإخراج “تيترس” إلى النور. 

قد يهمك أيضا: أسباب إخفاق هجمات روسيا السيبرانية على أوكرانيا

في النهاية غادر أليكسي باجيتينوف هو وأفراد أسرته روسيا وتوجهوا للعيش في لوس أنجلوس عام 1996، حيث أسس هو وشريكه هينك روجرز شركة “تيترس” المسؤولة عن إدارة العلامة التجارية للعبة، لتصبح لعبة “تيترس” أول لعبة في العالم تخرج من تحت القبضة الحديدية للاتحاد السوفيتي وتصل إلى العالم وتحقق نجاحا غير مسبوق. 

نجاح غير مسبوق 

النجاح الذي تمكنت “تيترس” من تحقيقه لم يكن معهودا في عالم الألعاب والترفيه بشكل عام، إذ استطاعت اللعبة التي تبدو بسيطة من الخارج أن تبيع 520 مليون نسخة حول العالم لتصبح بذلك اللعبة الأكثر مبيعا في التاريخ، ويليها لعبة “ماين كرافت” مع 238 مليون نسخة فقط. 

اللعبة انتقلت إلى جميع المنصات حول العالم، وعندما نقول جميع المنصات، فإن هذا يعني أي جهاز يمتلك شاشة ومعالج يمكنه تشغيل اللعبة، إذ انتشرت اللعبة في أجهزة “Gameboy” ومنصات الألعاب المنزلية والحواسيب المكتبية العتيقة والهواتف المحمولة الحديثة وحتى أجهزة الألعاب غير الأصلية والمقلدة، كل هذه الأجهزة تمتلك نسخة من لعبة “تيترس”، كما حصلت اللعبة على مئات وربما آلاف النسخ المختلفة عبر التاريخ، في كل نسخة كان أسلوب اللعب يصبح معقدا أكثر. 

أحد اللاعبين من بطولة “تيترس” الدولية

نجاح اللعبة لم يقتصر على كونها لعبة ترفيهية معتادة، بل امتد الأمر حتى أصبحت رياضة إلكترونية ناجحة للغاية لها آلاف المتابعين وتقام لها بطولات تصل جوائزها إلى الملايين، وهو الأمر الذي لم تتمكن الكثير من الألعاب المنافسة من الوصول إليه. 

الإرث الذي تتركه “تيترس” وراءها لن يكون أسلوب لعب مبتكر أو حتى النجاح الجماهيري الضخم الذي حققته اللعبة، بل سيكون قصة نجاح ملحمية عن مطوّر تحدى النظام القمعي الذي حاول سرقته وعرض حياته وحياة أسرته للخطر لأنه فقط آمن بأهميّة مشاركة اللعبة مع العالم. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات