أميركا تسعى لتقييد الذكاء الاصطناعي الصيني.. عبر العقوبات؟

أميركا تسعى لتقييد الذكاء الاصطناعي الصيني.. عبر العقوبات؟
استمع إلى المقال

لا شك في أن قيود الولايات المتحدة تمثل واحدة من أكثر الإجراءات شمولا في جهود استمرت لسنوات لإعاقة صناعة الرقائق في الصين، لكن هل تساعد العقوبات في ذلك، وهل تعاني الطموحات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي بسببها.

منذ فترة طويلة، سعت الولايات المتحدة إلى الحد من تطوير صناعة أشباه الموصلات في الصين من خلال وضع الشركات على قائمة الكيانات، بما في ذلك شركة الاتصالات “هواوي” وشركة تصنيع الرقائق “SMIC”. 

هذه الحملة بشأن أشباه الموصلات اشتدت وسط الحروب التجارية لإدارة ترامب، وقد اختارت إدارة بايدن إلى حد كبير العمل من حيث توقف سلفها.

تحت قيادة بايدن تصاعدت هذه الإجراءات، حيث تتطلع واشنطن إلى تقويض جهود بكين لبناء صناعة التكنولوجيا الفائقة.

نتيجة لذلك، فرضت الإدارات الأميركية المتعاقبة المزيد من الضوابط على العناصر التي يمكن أن تستخدمها الصين لتطوير صناعة معدات التصنيع، كما تعمل الولايات المتحدة على إقناع الحلفاء بالقيود وسن قوانين مماثلة.

أميركا تستهدف قطاع الذكاء الاصطناعي الصيني

بشكل متزايد، تعتبر الرقائق المتقدمة أحد أعمدة القوة الجيوسياسية، نتيجة لذلك تدرس إدارة بايدن قيودا جديدة على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين.

القيود الجديدة تهدف إلى الحد من صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي مثل تلك التي تصنعها “إنفيديا” إلى الصين.

في أقرب وقت في أوائل الشهر المقبل، قد تتحرك وزارة التجارة لوقف شحنات الرقائق التي تصنعها شركات تصنيع الرقائق للعملاء في الصين دون الحصول على ترخيص أولا.

القيود الجديدة المتوقعة قد تشمل رقائق (A800) من “إنفيديا”، حيث أنها مصممة لزيادة تأثير جولة سابقة من ضوابط التصدير التي تم وضعها في شهر آب/أغسطس الماضي.

رقائق (A800) تتمتع بنفس قوة الحوسبة التي تتمتع بها رقائق (A100)، التي تستخدم على نطاق واسع في حسابات الذكاء الاصطناعي، لكنها تتمتع بنطاق ترددي أقل للتواصل مع الشرائح الأخرى.

كما قد تقيد القواعد الجديدة توفير الخدمات السحابية أيضا، حيث قد تستأجر بعض شركات الذكاء الاصطناعي الصينية شرائح عالية الجودة من خلال هذه الخدمات للتحايل على ضوابط التصدير.

القيود الجديدة تهدف جزئيا إلى إرسال إشارة إلى الشركات الأميركية لإيقاف محاولة التحايل على قيود التصدير التي تفرضها واشنطن.

أميركا تريد إبطاء التقدم العسكري للصين

الإجراء الجديد قد يأتي كجزء من القواعد النهائية لتقنين وتوسيع إجراءات الرقابة على الصادرات التي تم الإعلان عنها في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

في ذلك التاريخ، فرضت الولايات المتحدة قيودا على الصادرات من أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات تصنيع الرقائق الجمعة في محاولة لمنع وصول التكنولوجيا الأميركية إلى الصين.

القواعد المعنية تتطلب من صانعي الرقائق الأميركيين الحصول على ترخيص من وزارة التجارة لتصدير شرائح معينة مستخدمة في حسابات الذكاء الاصطناعي المتقدمة والحوسبة الفائقة.

الولايات المتحدة تطلب تراخيص لبيع معظم رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة، مثل (A100) و(H100) من “إنفيديا”، إلى الكيانات الصينية التي يُعتقد أنها تعمل ضد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، حيث تُستخدم هذه الرقائق في مراكز البيانات الضخمة لإجراء حسابات الذكاء الاصطناعي. 

لكن التحرك الأخير وسع ذلك ليشمل صادرات الرقائق والمعدات المتطورة التي لا يمكن الحصول عليها في أي مكان آخر، حيث تحدد القواعد عتبة أداء على الرقائق التي تتعامل مع حسابات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي أصبحت ذات أهمية متزايدة للشركات والحكومات.

علاوة على ذلك، تسمح القواعد أيضا للولايات المتحدة بحظر الرقائق الأجنبية الصنع التي يتم تصنيعها باستخدام التكنولوجيا الأميركية.

من جانبها، تعتقد الولايات المتحدة أنه يجب الحد من وصول بعض قدرات الحوسبة المتقدمة التي تعتمد على الرقائق والبرامج والأدوات والتكنولوجيا الأميركية إلى الصين.

القواعد تشمل أيضا قيودا على آلات صنع الرقائق القادرة على صنع بعض الرقائق الأكثر تقدما بالإضافة إلى ذاكرة الحاسب ورقائق تخزين البيانات.

توسيع الإجراءات ضد الذكاء الاصطناعي الصيني

الخطوات الأميركية الجديدة تؤدي إلى إعاقة قدرة الصين على بناء قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأتي بعد القيود التي فرضت في العام الماضي، التي منعت أكثر شرائح الذكاء الاصطناعي تقدما من إنتاج “إنفيديا” و”AMD”.

بدورها، استجابت “إنفيديا” لهذه الخطوة من خلال صنع نسخة من رقائق الذكاء الاصطناعي للسوق الصينية، تسمى (A800)، تقل عن حد الأداء الذي حددته وزارة التجارة. 

هذه الشريحة حلت محل شريحة (A100)، التي تستخدم على نطاق واسع في مراكز البيانات لإجراء حسابات الذكاء الاصطناعي.

لكن القيود الجديدة التي تفكر فيها الإدارة الأميركية تحظر بيع حتى رقائق (A800) دون ترخيص.

إلى جانب ذلك، تدرس الإدارة أيضا تقييد تأجير الخدمات السحابية لشركات الذكاء الاصطناعي الصينية، التي استخدمت مثل هذه الطرق للالتفاف حول حظر التصدير على الرقائق المتقدمة.

الموازنة الصعبة

لا يزال توقيت طرح القاعدة غير مؤكد، حيث يواصل صانعو الرقائق دفع الإدارة للتخلي عن القيود الجديدة أو تخفيفها. 

من المرجح أن تنتظر الإدارة إلى ما بعد زيارة وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى الصين في أوائل شهر تموز/يوليو القادم.

المناقشات تأتي في أعقاب ظهور ما يسمى بأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل “ChatGPT”، التي أصبحت ظاهرة ثقافية بعد أن دخلت المجموعة الأولى من القيود حيز التنفيذ في العام الماضي.

المسؤولون وصناع السياسة الأميركيون ينظرون بشكل متزايد إلى الذكاء الاصطناعي من منظور الأمن القومي، حيث يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لإنشاء أسلحة كيميائية أو إنتاج تعليمات برمجية ضارة.

مع ذلك، فإن حماية التقنيات الحيوية مع تقليل التأثير بعمليات الشركات من الولايات المتحدة والدول الحليفة يمثل تحديا كبيرا للإدارة.

في شهر نيسان/أبريل الماضي، قال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، “نحن نحمي تقنياتنا التأسيسية ضمن ساحة صغيرة وسياج مرتفع”.

خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، نفذت وزارة التجارة مجموعة من الإجراءات الصارمة لمراقبة الصادرات على أشباه الموصلات المتقدمة وآلات تصنيع الرقائق، لكنها لم تصدر لوائح رسمية لتقنين القواعد.

منذ الخريف الماضي، جمعت الإدارة تعليقات من الشركات المتضررة وتفاوضت مع حكومات الدول الحليفة لوضع القواعد النهائية.

من المتوقع أيضا أن تسمح الولايات المتحدة لصانعي الرقائق من كوريا الجنوبية وتايوان بمواصلة تشغيل وتوسيع مصانعهم الحالية في الصين لتصنيع رقائق أقل تقدما أو قديمة.

إلى جانب ذلك، تدرس إدارة بايدن أيضا أمرا تنفيذيا من شأنه تقييد الاستثمار الأميركي في الصين والمنافسين الجيوسياسيين الآخرين.

الخطة المشتركة

الولايات المتحدة أقنعت هولندا بالانضمام إلى سياستها، وتعمل معها لتوحيد قائمة العناصر الخاضعة للرقابة.

من المقرر أن تخطو الولايات المتحدة وهولندا خطوة موحدة ضد صانعي الرقائق في الصين هذا الصيف من خلال فرض مزيد من القيود على مبيعات معدات صناعة الرقائق، كجزء من جهود البلدين المستمرة لمنع استخدام تقنيتهما لتعزيز الجيش الصيني.

بينما يخطط الهولنديون للحد من معدات معينة من شركة “ASML”، وشركات أخرى، من المتوقع أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لحجب المزيد من المعدات الهولندية من منتجات صينية معينة.

الحكومة الهولندية تعتزم الإعلان عن لوائح جديدة مع شرط الترخيص لمعدات أشباه الموصلات فوق البنفسجية العميقة، حيث أن أكثر أجهزة “ASML” تطورا – آلات الطباعة الحجرية فوق البنفسجية الشديدة – مقيدة، ولم يتم شحنها مطلقا إلى الصين.

في شهر آذار/مارس الماضي، أوضحت “ASML” أنها تتوقع أن تؤثر اللوائح الهولندية بأجهزة (TWINSCAN NXT: 2000i) ونماذجها الأكثر تطورا.

لكن قد تسمح الولايات المتحدة لـ 6 مصانع صينية بالاحتفاظ بنماذج الشركة الأقدم، مثل الطراز المسمى (TWINSCAN NXT: 1980Di).

من المتوقع أن يتم تحديد المنشآت في قاعدة جديدة تسمح للولايات المتحدة بتقييد المعدات الأجنبية حتى مع وجود نسبة صغيرة من الأجزاء الأميركية في تلك المواقع.

لن تدخل اللوائح الهولندية الجديدة حيز التنفيذ على الفور، حيث يتوقع أن يكون التاريخ الفعلي هو شهر أيلول/سبتمبر القادم، بعد شهرين من النشر.

القانون الأميركي المخطط، الذي قد يتم نشره بحلول أواخر شهر تموز/يوليو القادم، يتطلب تراخيص لتصدير المعدات إلى نحو 6 منشآت صينية، بما في ذلك مصنع تشغله “SMIC”.

من المتوقع أن تنطبق القاعدة الأميركية على الشركة الرائدة في العالم لتصنيع معدات الرقائق وأكبر شركة هولندية “ASML”، لأن أنظمتها تحتوي على أجزاء ومكونات أميركية.

بشكل عام، تفرض وزارة التجارة الأميركية قيود التصدير من أجل حماية الأمن القومي للولايات المتحدة ومنع الصين من الحصول على التكنولوجيا الأميركية لتطوير جيشها والانخراط في أنشطة أخرى تعارضها الولايات المتحدة.

في الختام، مع تصاعد التوترات بين البلدين، أصبحت القيود المفروضة على تعاملات الولايات المتحدة مع الصين وشركات صناعة الرقائق الصينية شائعة في السنوات الأخيرة، حيث حاولت أميركا أيضا وقف صادرات معدات تصنيع الرقائق إلى الصين لإحباط طموح البلاد في الهيمنة على تصنيع الرقائق. 

كما أدت الحدود التي فرضتها أميركا إلى الحد من توسع صانعي الرقائق الصينيين الرئيسيين، وجعلت من الصعب على الصين الحصول على رقائق متقدمة من الشركات المصنعة التعاقدية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات