استمع إلى المقال

خلال الشهر الماضي، أعلنت شركة “أبل” أن منتجاتها صديقة للبيئة، ووصفت بعض نماذج ساعتها الذكية بأنها أول منتجات محايدة للكربون، لكن هل هذه الادعاءات صحيحة أم أنها مجرد تضليل للمستهلكين.

“أبل” تواجه انتقادات حادة

تواجه شركة “أبل” تدقيقا من جماعات البيئة والمستهلكين الأوروبية بسبب مزاعمها بأن أحدث أجهزتها محايدة للكربون، وهو مصطلح تقترح بروكسل حظره في تسويق الشركات لأنه مضلل.

كان جزء من ذلك هو الانتقال من المنتجات الجلدية إلى منسوجات “FineWoven” الخاصة بالشركة والمعتمدة على مواد معاد تدويرها، بالرغم من أن الجزء الأكبر من مطالبات الشركة الخضراء كان يتعلق بكيفية انتقال مورديها وشركات الشحن إلى الطاقة المتجددة.

الشركة روجت لبعض نماذج “Apple Watch Series 9” بأنها محايدة للكربون، وهي جزء من حملة لتوسيع التصنيف ليشمل جميع أجهزتها بحلول نهاية العقد.

لكن قرار شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة بالاعتماد على الائتمانات لإلغاء ما يتراوح بين 7 إلى 12 كيلوجراما من انبعاثات الغازات الدفيئة وراء كل ساعة جديدة، أثار رد فعل حادا من مجموعات المستهلكين في أعقاب الحملة التي طال أمدها من قبل الاتحاد الأوروبي بشأن “الغسل الأخضر”.

“الغسل الأخضر” هو شكل من أشكال الإعلان أو التسويق حيث يتم استخدام التسويق الأخضر بشكل خادع لإقناع الجمهور بأن منتجات المنظمة وأهدافها وسياساتها صديقة للبيئة، كما أنه عملية تقديم بيانات كاذبة أو مضللة حول الفوائد البيئية لمنتج أو ممارسة ما.

بحسب مونيك جوينز، المديرة العامة لمنظمة المستهلك الأوروبية، فإن الادعاءات المتعلقة بالحياد الكربوني غير دقيقة من الناحية العلمية وتضلل المستهلكين، مضيفة أن قرار الاتحاد الأوروبي الأخير بحظر الادعاءات المحايدة للكربون يؤدي إلى تطهير السوق من مثل هذه الرسائل الزائفة، ولا ينبغي أن تكون ساعات “أبل” استثناء.

منظمة المستهلك الأوروبية تعتبر مجموعة شاملة في بروكسل تضم 45 منظمة استهلاكية مستقلة، ويتمثل دورها الرئيسي في تمثيلهم لدى مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدفاع عن مصالح المستهلكين الأوروبيين.

السياسات السليمة بيئيا

المناقشة الدائرة حول مزاعم شركة “أبل” تسلط الضوء على المشاكل التي تواجه الشركات التي تحاول اتباع سياسات سليمة بيئيا، في حين تسعى إلى الإدلاء ببيانات تسويقية للترويج لكونها صديقة للبيئة.

“أبل” أوضحت أن خطوتها كانت نقطة دليل على أحد أكثر الالتزامات المناخية جرأة في الصناعة اليوم، حيث قالت، “لتحقيق أهداف المناخ العالمي، نحتاج إلى اتخاذ إجراءات فورية لخفض الانبعاثات بشكل كبير إلى جانب الاستثمارات في الحفاظ على البيئة وإزالة الكربون على نطاق واسع”.

جهود الشركة الأميركية وكذلك التقدم الذي أحرزته في أهداف إعادة التدوير وخفض الانبعاثات تتناقض بشكل حاد مع منافستها الرئيسية “سامسونج”، التي تتجاهل تفاصيل الانبعاثات الرئيسية في هدفها المتمثل في صافي الانبعاثات بحلول عام 2050.

في الأيام التي أعقبت إطلاق “Apple Watch Series 9″، أوضحت بروكسل أنها تحظر بحلول عام 2026 ادعاءات الحياد التي تعتمد على شراء أرصدة الكربون، والتي تعوض عن إطلاق الانبعاثات عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

البرلمان الأوروبي والمجلس الأوروبي، وهما هيئتان لصنع القرار، توصلا إلى اتفاق سياسي بعد فترة وجيزة من حدث منتجات شركة “أبل” لحظر التسويق باستخدام كلمات مثل صديقة للبيئة ومحايدة مناخيا.

كما يحظر الإعلانات المضللة، بما في ذلك الادعاءات المستندة إلى خطط تعويض الانبعاثات بأن المنتج له تأثير محايد أو منخفض أو إيجابي على البيئة، لكن لم يتم بعد اعتماد هذا الاتفاق رسميا.

الناشطون في مجال المناخ تسائلوا عما إذا كان تتبع انبعاثات الكربون يوفر تقييما شاملا للأثر البيئي للأجهزة الإلكترونية الصغيرة، مثل الساعات الذكية وسماعات الأذن اللاسلكية، التي قد يكون من الصعب إصلاحها وغالبا ما ينتهي بها الأمر كنفايات إلكترونية.

من المضلل للمستهلكين إعطاء الانطباع بأن شراء الساعة ليس له أي تأثير على المناخ على الإطلاق، وهذه حيل محاسبية، وذلك وفقا لتصريحات جيل دوفراسن، مسؤول السياسات في منظمة “Carbon Market Watch” غير الربحية الممولة جزئيا من قبل الاتحاد الأوروبي.

أسئلة الكربون

المنظمات المستقلة غير الربحية المعنية بتغير المناخ تتساءل عما إذا كانت أرصدة الكربون التي تشتريها شركة “أبل” في نهاية كل سنة مالية ذات جودة عالية بما يكفي لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بشكل دائم.

بدورها، توضح “أبل” أن الاعتمادات تعوض الانبعاثات المرتبطة بتصنيع الساعة وبيعها وشحنها طوال عمرها الافتراضي، وذلك بفضل الكربون الذي تمتصه مزارع الأخشاب ومشاريع إعادة التشجير عبر الأراضي التي سبق أن أزيلت غاباتها لتربية الماشية في باراجواي والبرازيل، أو مشاريع مماثلة.

“أبل” توضح أن هذه المخططات تساعد في استعادة الغابات الأصلية وخلق فرص اقتصادية للمجتمعات المحلية، لكن المنتقدين شككوا في هذه الخطط.

من هؤلاء المشككين، نيكلاس كاسكيالا، رئيس مجلس إدارة مؤسسة “Compensate” الاستشارية غير الربحية للمشترين المحتملين لأرصدة الكربون، الذي أوضح أن التعويضات المستندة إلى مزارع الأخشاب مثل هذه تمثل عيوبا نظامية.

كاسكيلا قال، “يتم تحويل الأشجار إلى لب وورق مقوى أو ورق تواليت”، مشيرا إلى أن الكربون المخزن في هذه المنتجات يتم إطلاقه مرة أخرى إلى الغلاف الجوي بسرعة كبيرة.

الوثائق التي توضح بالتفصيل أحد المخططات التي دعمتها شركة “أبل” من خلال صندوق الحفاظ على البيئة تظهر أن غالبية الأشجار المزروعة حديثا يتم تقطيعها لبيعها كأخشاب في ما يزيد قليلا عن عقد من الزمن.

هذا المشروع المسمى “Forestal Apepu” يعيد استخدام الأراضي في باراجواي التي كانت تستخدم سابقا لإنتاج الصويا والذرة ولحم البقر من خلال زراعة الأشجار، معظمها من أشجار الكينا، مع ترك ما يصل إلى 25 بالمئة منها كغابة طبيعية.

الوثائق وصفت شجرة الكينا، التي كثيرا ما تتعرض للانتقاد عندما تتم زراعتها في زراعات أحادية، بأنها مناسبة لإنتاج الأخشاب العالية الجودة، حيث يتم تخصيص نحو 1 بالمئة من الأراضي لإعادة زراعة الأنواع المحلية.

“أبل” أوضحت أن نهجها في إزالة الكربون من المنتجات يقدم مخططا صارما لكيفية قيام الشركات بدورها، مع إعطاء الأولوية لتخفيضات كبيرة في الانبعاثات عبر سلسلة القيمة لديها قبل تطبيق أرصدة الكربون العالية الجودة.

الشركة الأميركية قالت، “نحن ملتزمون بقيادة ابتكارات جديدة لخفض الانبعاثات وتوسيع نطاق إزالة الكربون القائم على الطبيعة بينما نعمل على تسريع التقدم نحو عام 2030”.

مقارنة بالطرق المعتمدة على النباتات، فإن تقنيات إزالة الكربون الأخرى، مثل حقن ثاني أكسيد الكربون في الصخور، تكون بشكل عام أكثر فعالية في حبس غازات الدفيئة على المدى الطويل، بحسب العلماء في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة.

السباق إلى الصفر

مع ذلك، تظهر ساعة “أبل” الذكية تقدما في أهداف إعادة تدوير المواد، حيث يستخدم الإصدار الأخير على سبيل المثال الكوبالت المعاد تدويره في البطارية والألمنيوم المعاد تدويره في الغلاف.

الشركة خفضت ما يصل إلى 81 بالمئة من الانبعاثات المرتبطة بالساعة مقارنة بالخط الأساسي لعام 2015، ووعدت بخفض 90 بالمئة من الانبعاثات على مستوى المجموعة من الخط الأساسي هذا بحلول عام 2050.

في المقابل، فإن منافستها الرئيسية “سامسونج” لا تدرج الانبعاثات الناتجة عن التصنيع واستخدام المنتجات الاستهلاكية – الجزء الأكبر بكثير من بصمتها الكربونية – في هدفها المتمثل في صافي الصفر بحلول عام 2050.

“سامسونج” أوضحت أنها تقوم بتقييم مستويات الكربون لديها وتقوم بتطوير نهجها لتعكس الإجراءات اللازمة لتحقيق صافي الصفر.

شركة “أبل” تدعي أن عملية تصنيع ساعتها تعمل بالكهرباء النظيفة بنسبة 100 بالمئة، وتماثل الشركة أي استخدام للكهرباء من قبل مورديها من شبكات الطاقة التي يتم توليدها من الوقود الأحفوري، من خلال الاستثمار في ما تصفه بمشاريع الطاقة النظيفة.

مع ذلك، فإن معهد NewClimate، وهو منظمة غير ربحية، يشير إلى أن تأكيدات “أبل” بأنها تستخدم الكهرباء النظيفة فقط في التصنيع كان مثيرا للجدل للغاية، حيث أن الموردين الرئيسيين للشركة لا يزال لديهم حصص منخفضة للغاية من الكهرباء المتجددة.

ختاما، فإن محاولة تحقيق صافي انبعاثات صفرية حقيقية هي في الواقع حلم بعيد المنال، وتستمر التقارير الروتينية في إثبات أن الشركات ليست مستعدة حقا لخفض الانبعاثات بشكل كامل طالما أنها تؤدي إلى تحقيق أرباح.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات