استمع إلى المقال

من الواضح أن شركة “ميتا” بدأت بالتخفيف تدريجيا من حديثها حول “الميتافيرس” لصالح الذكاء الاصطناعي بعد أن أنفق مارك زوكربيرج مليارات الدولارات على رؤيته لهذا العالم الافتراضي، لكن هل يعني هذا انتهاء رؤية زوكربيرج للـ “الميتافيرس”، وهل تستطيع “أبل” إعادة إحياء تلك الفكرة من خلال دخولها هذا المجال، وهل تستفيد “ميتا” من الزخم الجديد الذي قد تجلبه نظارة “أبل”.

في عام 1992 صاغ نيل ستيفنسون في روايته “Snow Crash” مصطلح “الميتافيرس”، الذي يصف عالما رقميا حقيقيا بالكامل يوجد خارج العالم الذي نعيش فيه. هذا المفهوم اكتسب شعبية خلال فترة وباء “كورونا”. 

اليوم، يشير المصطلح إلى مجموعة متنوعة من الخبرات والبيئات والأصول الموجودة في الفضاء الافتراضي، بما في ذلك ألعاب الفيديو التي يمكن للاعبين فيها بناء العوالم الخاصة.

إذا كنت تمتلك رمزا مميزا غير قابل للاستبدال أو نظارة رأس للواقع الافتراضي أو بعض العملات المشفرة، فأنت أيضا جزء من تجربة “الميتافيرس”.

الكثير من العاملين في مجال التكنولوجيا يعتقدون أن “الميتافيرس” يبشّر بعصر تلعب فيه حياتنا الافتراضية دورا مهما مثل واقعنا المادي.

بداية الحكاية

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بعد شحن 10 ملايين نظارة واقع افتراضي وإعادة تسمية الشركة إلى “ميتا”، راهن مارك زوكربيرج بمستقبل “فيسبوك” على العالم الرقمي المسمى “الميتافيرس”

بعد شهر، أشار بيل جيتس، مؤسس شركة “مايكروسوفت”، إلى أنه يعتقد أن معظم الاجتماعات الافتراضية قد تنتقل من شبكات الفيديو الثنائية الأبعاد إلى “الميتافيرس” في غضون 3 أعوام.

خلال فترة وجيزة، أعلنت “مايكروسوفت” عن نيتها إنفاق 70 مليار دولار لشراء عملاقة ألعاب الفيديو “أكتيفيجن بليزارد”، وقالت، “هذه الصفقة توفر حجر الأساس لتقنية الميتافيرس”.

لكن توقف الاهتمام بـ “الميتافيرس” منذ ذلك الحين، وانتقل مستثمرو التكنولوجيا إلى اتجاهات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي. 

كما تراجع اهتمام المستهلك العادي بنظارات الواقع الافتراضي، حيث توقف استخدام أكثر من نصف نظارات “Quest” بعد 6 أشهر فقط من شرائها.

بالرغم من موجة الحماس، جرى إغلاق بعض المشاريع المتعثرة في شركات مثل “ديزني” و”مايكروسوفت”.

رؤية “ميتا” لعالم “الميتافيرس” مثّلت فشلا ذريعا كلفها خسارة تقدر بنحو 36 مليار دولار، مع مئات الآلاف من النظارات غير المستخدمة. مع ذلك، ليس هذا هو الحال بالنسبة للشركات الأخرى.

في الآونة الأخيرة، تحدثت العديد من التقارير عن انتهاء رؤية مارك زوكربيرج لمشروع “الميتافيرس”. 

هذا المشروع الطموح كان يهدف إلى تطوير نظارة ذكية متقدمة قادرة على تحسين تفاعلنا مع العالم الافتراضي وتجربة الواقع المعزز. مع ذلك، تبدو “أبل” الآن على وشك إحياء فكرة “الميتافيرس” بشكل جديد ومبتكر.

“أبل” تدخل المجال

في مؤتمر المطورين العالميين الذي يبدأ اليوم الاثنين، من المتوقع أن تطلق شركة التكنولوجيا العملاقة منتجا للواقع الافتراضي يتمثل في نظارة عالية التقنية تمزج بين العالمين الرقمي والمادي.

الشركة المصنّعة لهواتف “آيفون” تراهن على إمكانية جذب المستهلكين بشكل أفضل من “ميتا” عبر منتجات الواقع المختلط، كما تتوقع أنها قادرة على إشعال الاهتمام بالواقع الافتراضي بطريقة لم تفعلها الشركات الأخرى. 

لا شك في أن “أبل” فعلت الكثير في السابق، حيث أن النجاحات التي حققتها أجهزة، مثل “آيبود” و”آيفون”، في الأسواق المتخصصة لم تكن متوقعة، لكنها نمت لتصبح نشاطا تجاريا كبيرا.

مع ذلك، كان التنفيذيون في شركة “أبل” متشككين بشأن آفاق الشركة في الواقع الافتراضي، الذي، كما يقولون، “لا يزال غير جاهز للحظة السائدة”.

فكرة وجود عالم عبر الإنترنت غامر وشامل كانت أكثر منطقية للعديد من المستثمرين عندما لم يغادر الأشخاص المنازل أثناء ذروة الوباء. 

نتيجة لذلك، جمعت الشركات الناشئة المرتبطة بـ “الميتافيرس” نحو 664 مليون دولار من رأس المال الاستثماري في الأشهر الـ 5 الأولى من عام 2023، وهو انخفاض حاد بالمقارنة مع أكثر من 2.93 مليار دولار جمعتها في نفس الفترة من عام 2022. 

هذا التراجع يخفّض الاستثمار الأخير في شركات “الميتافيرس” الناشئة إلى نحو الربع بالمقارنة مع الذروة في النصف الأول من عام 2022.

من الواضح أن موضة الاستثمار في “الميتافيرس” انتهت، حيث يركز الناس الآن على الذكاء الاصطناعي.

“ميتا” تحدد الأولويات

في “ميتا”، كانت خطة زوكربيرج لإعادة هيكلة الشركة حول التقنيات التي تركز على “الميتافيرس” مكلفة للغاية. 

كان قسم “مختبرات الواقع” مسؤولا عن جزء كبير من الزيادة الكبيرة الأخيرة في إنفاق الشركة، حيث خسر هذا القسم نحو 4 مليارات دولار في الأشهر الـ 3 الأولى من هذا العام.

زوكربيرج حذّر من أن بناء “الميتافيرس” قد يكون اقتراحا خاسرا للمال مع القليل من الوعود بالعوائد المبكرة. مع ذلك، فقد استغرق الأمر وقتا أطول بكثير مما كان يتوقعه. 

في الأشهر الأخيرة، أمضى زوكربيرج مزيدا من الوقت في التحدث عن خبرة “ميتا” في الذكاء الاصطناعي، بالرغم من أنه شعر بالقلق من فكرة أن “الميتافيرس” لم تعد محور تركيزه.

خلال مكالمة مع المستثمرين في شهر نيسان/أبريل الماضي، كان الرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرج، في موقف دفاعي، وقال، “هناك رواية مفادها أننا نتحرك بطريقة بعيدة عن التركيز على الميتافيرس. لذلك أريد الإشارة إلى أن هذا ليس دقيقا. لقد ركزنا على كلّ من الذكاء الاصطناعي والميتافيرس لسنوات حتى الآن، ونواصل التركيز على كليهما”.

في حين قالت المتحدثة باسم شركة “ميتا”، “كنا دائما واضحين في أن رؤيتنا بخصوص الميتافيرس هي رؤية طويلة المدى، ولم يتغير شيء بخصوص ذلك. نحن ملتزمون برؤيتنا للميتافيرس، ونرى زخما جيدا. بناء الميتافيرس هو مشروع طويل الأجل، لكن الأساس المنطقي له يظل كما هو ونظل ملتزمين به”.

الخطة تسير ببطء 

بالرغم من تراجع شعبية “الميتافيرس” بالنسبة لعالم التكنولوجيا، لكن “ميتا” لم تتخلى عن مشروعها المفضل.

قبل عدة أيام، أعلن زوكربيرغ عن نظارة “Quest 3” القادمة هذا العام. حتى الآن، أنفق المستهلكون أكثر من 1.5 مليار دولار على التطبيقات والألعاب في متجر تطبيقات “Quest”.

بينما من المؤكد أن المليارات التي يتم ضخها في قسم “مختبرات الواقع” تواصل إنتاج المنتجات في المستقبل المنظور، فإن توقيت الإطلاق هو الأكثر إثارة للدهشة.

إعلان “ميتا” عن النظارة الجديدة جاء قبل أيام من إعلان “أبل” عن نظارتها، وهي خطوة قد تكون مؤشرا على يأس “ميتا” في التمسك بالصدارة. 

هذا التوقيت يسمح لشركة “ميتا” بالاستفادة من الموجة الجديدة من الحماس بشأن “الميتافيرس” الذي تجلبه نظارة “أبل” إلى السوق. 

مع ذلك، قد لا يكفي ذلك الحماس لإبقاء حلم زوكربيرج بشأن “الميتافيرس” على قيد الحياة، حيث لا تحتوي نظارة “Quest 3” على ميزات الواقع الممتد الحديثة. علاوة على ذلك، فإن مستشعر العمق يتضاءل مقارنة بما تجلبه “أبل”.

طريق طويل

بالنسبة لشركة “أبل”، قد تكون النظارة الجديدة بداية خطة طويلة الأجل تؤدي في النهاية إلى منتج واقع افتراضي أكثر شهرة.

بشكل مشابهة لما فعلته مع ساعتها الذكية، فإن “أبل” قد تتخذ نهجا تجريبيا، مع قياس كيفية استخدام المستخدمين الأوائل للنظارة، ومن ثم إجراء تغييرات قبل تسويق إصدار مستقبلي لجمهور أوسع.

في البداية، سوّقت “أبل” ساعتها الذكية على أنها جهاز مصاحب لهاتف “آيفون”، ولكن جرى إعادة صياغته لاحقا كأداة لياقة.

بالنظر إلى تاريخ “أبل” في الابتكار والتطور التكنولوجي، فقد تكون قادرة على إحياء فكرة “الميتافيرس” بطريقة جديدة ومبتكرة. 

“أبل” معروفة بتصميماتها وتجربة المستخدم، وهذا يمكن أن يعزز تجربة الواقع المعزز والافتراضي بشكل كبير. 

مع امتلاكها قاعدة كبيرة من المستخدمين والمطورين، فإن “أبل” قد تجد الدعم اللازم لإحياء الفكرة وتحويلها إلى منتج ناجح.

بالتأكيد، قد تواجه الشركة تحديات كبيرة في تحقيق هذا الهدف، مثل تطوير تقنيات العرض والتتبع الدقيقة وتصميم نظارة ذكية تجمع بين الأداء والأناقة. 

مع ذلك، إذا واصلت “أبل” الاستثمار في البحث والتطوير وجذب الكفاءات الفنية والتقنية الموهوبة، فقد تكون لديها القدرة على تحقيق نجاح باهر في إحياء فكرة “الميتافيرس” وتقديمها إلى الجمهور.

“المتيافيرس” لا تزال موجودة

بالرغم من انخفاض الاهتمام، يجادل الكثيرون أنه من السابق لأوانه شطب فكرة “الميتافيرس”، حيث أن الاهتمام السائد بالمفهوم بعد تغيير “فيسبوك” لاسمها أدى إلى ظهور تنبؤات غريبة حول كيفية قضاء الأشخاص للوقت في عوالم الإنترنت الغامرة. 

كما أن التركيز المكثّف على “الميتافيرس” في غضون فترة قصيرة من الزمن أصاب الكثيرين بخيبة آمل.

لكن الشركات التي كانت تدعو إلى “الميتافيرس” قبل فترة طويلة من تبني “ميتا” لهذا العالم الافتراضي، مثل “روبلوكس” و”إيبك غيمز”، لا تزال ملتزمة برؤاها طويلة المدى.

من خلال عشرات الملايين من المشاركين، والمحتوى الذي يصنعه المستخدمون والاقتصادات الرقمية، فإن “روبلوكس” و”إيبك غيمز” توفران رؤية أكثر إقناعا عن “الميتافيرس”.

على سبيل المثال، في الربع الأول من عام 2023، كان لدى منصة “روبلوكس” 66.1 مليون مستخدم يوميا، بزيادة قدرها 22 بالمئة عن العام السابق.

في شهر آذار/مارس الماضي، أصدرت “إيبك غيمز” أدوات جديدة مصممة لمساعدة لاعبي لعبة “فورتنايت” على إنشاء الألعاب وجني الأموال من خلالها عبر منصة الشركة. 

هذا الأمر حفز إنشاء اقتصاد عبر الإنترنت في “فورتنايت”، وهي حجر الزاوية في رؤية “الميتافيرس” التي بشّر بها تيم سويني، الرئيس التنفيذي للشركة.

بشكل عام، الابتكار والتقدم في مجال التكنولوجيا يتطلبان جهودا مستمرة واستفادة من تجارب الآخرين، وقد تكون رؤية زوكربيرج للـ “الميتافيرس” مجرد بداية لرؤى جديدة وأفكار مبتكرة في المستقبل.

باختصار، يبدو أن رؤية زوكربيرج للـ “الميتافيرس” قد واجهت تحديات عديدة وقد تكون توقفت في المرحلة الحالية. لكن مع إعلان “أبل” عن نيتها إحياء فكرة النظارة الذكية وتقديمها بطريقة جديدة، فإن هذا لا يعني بالضرورة انتهاء “الميتافيرس” بل يمكن أن يعزز التنافس والتطور في هذا المجال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات