استمع إلى المقال

في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، أعلنت شركة “أوبن إيه آي” إطلاقها روبوت الدردشة القائم على الذكاء الصنعي “ChatGPT”، الذي يستطيع الإجابة عن تساؤلات الناس وإنشاء مختلف أشكال النصوص، ليجمع ما يزيد عن 100 مليون مستخدم في أقل من شهر، ليطرح لدى الناس تساؤلات عن الطريقة التي يبحثون بها عن المعلومات على الإنترنت، ومنذ ذلك الحين، أظهرت “جوجل”، التي تربّعت على عرش محركات البحث لعقدين، قلقا استثنائيا تجاه الأمر، داعية مؤسّسيها للتدخل في أعمالها مجددا، بينما انتهزت “مايكروسوفت” الأمر طامحة في استعادة أمجادها، وضخّت المليارات خلال الأشهر القليلة الماضية في شركة “أوبن إيه آي”، معلنة، بكل صراحة، نشوب حرب الذكاء الصنعي بين عملاقي التكنولوجيا.

“مايكروسوفت” اتخذت زمام المبادرة رسميا في السباق لبناء محرك بحث مدعوم بالذكاء الصنعي التوليدي، إذ أعلنت، أمس الثلاثاء، إطلاقها الإصدارات الأولية من محرك بحثها “Bing” ومتصفحها “إيدج” المدعومين بتقنيات “أوبن إيه آي” القائمة على الذكاء الصنعي، معلنة بداية المرحلة الجديدة من الإنترنت، وهو تطور يبدو أنه حتى الآن من صنع “مايكروسوفت”، وليس “جوجل”، كما جرت العادة خلال العقدَين الماضيَين.

رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “مايكروسوفت”، ساتيا ناديلا، قال في بيان، “سيغير الذكاء الصنعي بشكل أساسي كل فئة من فئات هذه البرامج، بدءا من أكبر فئة على الإطلاق، وهي البحث”.

“مايكروسوفت” تطلق على النسخ الجديد من “Bing” و”إيدج” المدعومة بالذكاء الصنعي اسم “المساعدين” (Copilots) على الإنترنت. فباستخدام محرك “Bing” القائم على الذكاء الصنعي، يمكن للأشخاص طرح الأسئلة الخاصة بهم والحصول على إجابات تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الصنعي من المصادر عبر الإنترنت، كما سيسمح للمستخدمين أيضا بالدردشة مع محرك البحث لتحسين البحث أو تفصيله.

“مايكروسوفت” تقول إنه يمكنك حتى “إنشاء مسار رحلة إلى هاواي أو الاستعداد لمقابلة عمل قادمة”، كل ذلك في محرك البحث الخاص بك، وتشير إلى أنّه حتى نتائج البحث التقليدية القديمة ستكون أفضل أيضا، وذلك بفضل تعزيز الذكاء الصنعي لخوارزمية البحث التي من المفترض أن تعرُض نتائج أكثر دقة وذات صلة.

مصدر الصورة: “مايكروسوفت”

في الوقت نفسه، سيحتوي متصفح “إيدج” الجديد أيضا، القائم على الذكاء الصنعي، بما في ذلك الشريط الجانبي الذي يمكن أن يمنحك ملخّصا لما تبحث عنه أو يساعدك في كتابة منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، واستشهدت “مايكروسوفت” بمثال لذلك عبر منشور على “لينكد إن”، المملوك لشركة “مايكروسوفت”. 

“جوجل” حاولت التفوق على “مايكروسوفت” في هذا السباق قبل مبادرة الأخيرة بإعلان خاص بها في اليوم السابق، ففي تدوينة كتبها الرئيس التنفيذي سوندار بيتشاي، كشفت الشركة عن روبوت الدردشة الخاص بها، والمنافس المباشر لـ “ChatGPT”، والذي أطلقت عليه اسم “Bard”، مشيرة إلى أنه سيتم طرحه للجمهور في الأسابيع المقبلة، وقالت “جوجل” أيضا إنها ستدمج أدوات الذكاء الصنعي الخاصة بها في نتائج البحث قريبا.

قد يهمك: “جوجل” تطلق المنافس المباشر لـ “ChatGPT”.. ما المتوقع؟

اختلاف واضح في الثقة

“Bard” والنسخة الجديدة من محرك “Bing” يبدوان متشابهين إلى حد كبير ظاهريا، ولكن من الصعب تحديد ذلك دون تجربتهما، ولا يتوفر أي منهما لعامة الناس حتى الآن، إذ سيتم طرح كلاهما في الأسابيع القليلة المقبلة. لكن في حين أن “Bard” مبني على نسخة “خفيفة” من روبوت المحادثة الأساسي الخاص بـ “جوجل” في الوقت الحالي “لامدا”، تقول “مايكروسوفت” إن نسخة “Bing” الجديدة ستستخدم إصدارا أكثر قوة من “ChatGPT” تم تصميمه خصيصا للبحث.

إضافة إلى ذلك، بينما تم الإعلان عن “Bard” في منشور قصير على المدونة الخاصة بالشركة، دعت “مايكروسوفت” عددا كبيرا من الصحفيين إلى حدث مباشر مبهج في مقر الشركة في ريدموند، واشنطن، لإظهار نسخ “إيدج” و”Bing” الجديدة التي تعمل بالذكاء الصنعي.

كل هذا يشير إلى أن إحدى الشركتين تعتقد أن مساعيها للتفوق في مجال الذكاء الصنعي جاهزة ومستعدة، بينما تحاول الأخرى ألا يتم استبعادها من المشهد فقط.

لم تنتهِ المهمة

لدى “مايكروسوفت” مهمة ضخمة يتعين عليها إتمامها عندما يتعلق الأمر بجعل “Bing” منافسا جادا لـ “جوجل”، وهو محرك البحث الأكثر استخداما في العالم، إذ تُعد كلمة “جوجل” مرادفا لعملية البحث على الويب بحسب قاموس “أكسفورد”، ومن الصعب كسر هذه العادات.

على نسخة “Bing” الجديدة أن تقدم شيئا خاصا لكسب مستخدمي “جوجل” كذلك، وينطبق الأمر نفسه على نسخة متصفح “إيدج” الجديدة، وذلك نظرا للحصة السوقية الهائلة التي يتمتع بها متصفح “كروم”، وهو العرش الذي كان يعتليه في السابق متصفح “إنترنت إكسبلورر” من “مايكروسوفت”.

مصدر الصورة: “مايكروسوفت”

قد يهمك: في اليوم الأخير لـ “إنترنت إكسبلورر”: لماذا خسر حرب المتصفحات منذ بدايتها؟ وهل يحفظ “إيدج” ماء وجه مايكروسوفت؟

لم يكن من المستغرب أن يكون سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة “أوبن إيه آي”، على خشبة المسرح أيضا عندما أعلنت “مايكروسوفت” عن نسخة “Bing” الجديدة، إذ دخلت “مايكروسوفت” في شراكة مع “أوبن إيه آي” واستثمرت 13 مليار دولار في الشركة.

عليه، فإن محرك “Bing” ومتصفّح “إيدج” بنُسخهما الجديدة ما هما إلا مجرد بضع نتائج لهذا الاستثمار، لكنهما أكثرها مواجهة للمستهلكين حتى الآن، وعلى الرغم من أن شركة “أوبن إيه آي” ليست الشركة الأولى أو الوحيدة التي تنشئ روبوت محادثة نموذجي قائم على نماذج اللغات الكبيرة، إلا أن قرارها بإصدار “ChatGPT” للجمهور، في الوقت الذي احتفظت فيه “جوجل” و “ميتا” ببرامج الدردشة الخاصة بها لنفسها، جعل “أوبن إيه آي” تبدو وكأنها رائدة المجال، والآن على الجميع اللحاق بالركب، وعليه، سوف يتعين عليهم اللحاق بـ “مايكروسوفت” التي تصدرت الطليعة بفضل هذه الاستثمارات.

“مايكروسوفت” على علم بهذه الحقيقة، ويبدو أنها تستمتع بها كثيرا، ففي حدث أمس الثلاثاء، تم تمرير العديد من الرسائل المبطنة لـ “جوجل”، حيث أعلن المسؤولون التنفيذيون في “مايكروسوفت” أن البحث لم يتغير أو يتقدم الكثير في السنوات العشرين الماضية – رغم أن هذا ليس صحيحا تماما، إذ أن صفحة نتائج بحث “جوجل”، التي غالبا ما تكون مكتظة بالأشرطة الجانبية والإجابات والتصنيفات والخرائط والصور، تبدو مختلفة تماما عن قائمة الروابط البسيطة التي كانت موجودة قبل عقدين من الزمن – وأضاف مسؤولو “مايكروسوفت” أن صفحات البحث لم تعد تعمل كما ينبغي لمعظم الناس “لقد حان الوقت لإعادة الابتكار إلى البحث”.

قد يهمك: هل يعيد الذكاء الصنعي أمجاد “مايكروسوفت” ويمنحها التفوق على جوجل مجددا؟

إذا كنت ترغب في تجربة نسخة “Bing” الجديدة بنفسك، فإن “مايكروسوفت” تتيح معاينة على موقع المتصفح، ويمكنك الانضمام إلى قائمة الانتظار لتكون من أوائل الأشخاص الذين سيجرّبوها بشكل حقيقي، وتقول “مايكروسوفت” إنها ستطرحه بشكلٍ عام في الأسابيع المقبلة لـ “الملايين” من مستخدمي أجهزة الكمبيوتر، وسيصدر إصدار الهاتف المحمول “قريبا”.

أما بالنسبة إلى أيّ من عملاقي التقنية سيكون محرك البحث الخاص بها المدعوم بالذكاء الصنعي أفضل، فهذا ما تحدده تجربة المستخدمين واختبارهم مزايا كل منهما، كل من “مايكروسوفت” و “جوجل” تعملان بالتأكيد على تسريع إصدار منتجاتهما في أقرب وقت ممكن، وفي نهاية المطاف، لست بحاجة إلى روبوت محادثة معقّد ومتطور يعمل بالذكاء الصنعي ليُخبرك بمدى أهمية أن تكون السبّاق في طرح هكذا تقنية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.