استمع إلى المقال

منذ تأسيسها في عام 1998، أطلقت “جوجل” العديد من التطبيقات والخدمات التي تهدف إلى تحسين تجربة المستخدمين على الإنترنت وتوفير حلول مبتكرة لمختلف المشاكل. ومن بين هذه التطبيقات، هناك بعض النجاحات الباهرة مثل محرك البحث “جوجل” وخدمة البريد الإلكتروني “جيميل” والمتصفح “كروم” و”الخرائط جوجل” و”المساعد الشخصي جوجل”، ولكن هناك أيضا بعض النكسات المؤسفة مثل “جوجل بلاس” و”جوجل ريدر” و”جوجل ويف” وغيرها من التطبيقات التي تم إغلاقها بعد فترة قصيرة أو طويلة من إطلاقها.

“جوجل” هي شركة عملاقة في مجال التكنولوجيا والإنترنت، لكنها ليست كاملة النجاح، فقد قامت “جوجل” على مدى السنوات بإطلاق العديد من التطبيقات والخدمات التي لم تحظَ بالقبول أو الاستخدام الكافي من قبل المستخدمين، مما دفعها إلى إغلاقها أو إيقافها.

لذا دعونا سنستعرض معا في هذه الفقرات القادمة بعض أبرز هذه التطبيقات وأسباب إغلاقها وتأثيرات عمليات الإغلاق.

تاريخ “جوجل” في قتل التطبيقات

“جوجل بلاس”

تطبيق شبكة اجتماعية أطلقته “جوجل” في عام 2011 لمنافسة “فيسبوك” و”تويتر”، ولكن هذا التطبيق لم يستطع جذب المستخدمين بالشكل المطلوب، وتعرض لانتقادات بشأن تصميمه وخصوصيته وأمانه، كما أن “جوجل” فرضت استخدام “جوجل بلاس” على مستخدمي خدماتها الأخرى مثل “يوتيوب” و”جيميل”، مما أثار استياءهم، في عام 2018، كشفت “جوجل” عن وجود خلل أمني في التطبيق أثّر في بيانات نحو 500 ألف مستخدم، مما دفعها إلى قرار إغلاق التطبيق نهائيا في عام 2019.

“جوجل ريدر”

هو تطبيق قارئ خلاصات “RSS” أطلقته “جوجل” في عام 2005 لتمكين المستخدمين من تتبع آخر التحديثات من المواقع والمدونات المفضلة لديهم. وكان هذا التطبيق من التطبيقات الشعبية والمحببة لدى العديد من المستخدمين، لكن “جوجل” قررت إغلاقه في عام 2013 بحجة انخفاض استخدامه ورغبتها في التركيز على خدمات أخرى، وأثار قرار إغلاق التطبيق غضب وحزن المستخدمين الذين اضطروا إلى البحث عن بدائل أخرى.

“جوجل ألو” (Google Allo)

هو تطبيق مراسلة فورية أطلقته “جوجل” في عام 2016 لمنافسة “واتساب” و”تليجرام”وغيرها، وكان “جوجل ألو” يتميز ببعض المزايا مثل الذكاء الاصطناعي والردود الذكية والملصقات والرسائل المشفرة. لكن هذا التطبيق لم يحصل على شعبية كبيرة بين المستخدمين، خصوصا أن “جوجل” كانت تمتلك تطبيقات مراسلة أخرى مثل “Google Hangouts” و”Google Duo”، وفي عام 2018، قررت “جوجل” إيقاف تطوير “جوجل ألو” والتركيز على تطبيق “جوجل ماسنجر”، وفي عام 2019، أوقفت “جوجل” التطبيق نهائيا.

“نظارات جوجل” (Google Glass)

هو مشروع نظارة ذكية أطلقته “جوجل” في عام 2013 كجزء من مشروع “Google X”، وكان الهدف من هذا المشروع هو توفير تجربة حوسبة مستندة إلى الواقع المعزز، حيث يمكن للمستخدم رؤية المعلومات والإشعارات والصور على شاشة صغيرة في زاوية العين، كما يمكن للمستخدم التحكم في “نظارات جوجل” بالصوت أو الإيماءات. 

المشروع كان موجها في البداية للاستخدام الشخصي، لكنه واجه مشاكل عديدة مثل ارتفاع سعره (1500 دولار) وضعف بطاريته وانتهاك خصوصية الآخرين، وفي عام 2015، قامت “جوجل” بإيقاف برنامج “Google Glass Explorer Edition” والذي كان يسمح للمطورين والمستهلكين بتجربة المشروع، وفي عام 2017، أعادت “جوجل” إطلاق “نظارات جوجل” كنسخة مخصصة للاستخدام المهني في بعض القطاعات مثل الصحة والتصنيع والتعليم، وفي عام 2019، أطلقت “جوجل” نسخة جديدة من “نظارات جوجل” تسمى”Google Glass Enterprise Edition 2″.

“أباتشي ويف” (Google Wave)

هو تطبيق تعاوني أطلقته “جوجل” في عام 2009 لتمكين المستخدمين من التواصل والعمل معا على مشاريع مختلفة، وكان هذا التطبيق يجمع بين مزايا البريد الإلكتروني والمراسلة الفورية والشبكات الاجتماعية والوثائق المشتركة في منصة واحدة، وكان “أباتشي ويف” يستخدم مفهوم الموجات (waves)، وهي محادثات ديناميكية تضم رسائل (blips) يمكن تحريرها أو إضافتها أو حذفها أو إرسالها على نحو متزامن، ولكن طريقة استخدام التطبيق لم تلقَ استحسانا لدى المستخدمين، وكونه تطبيق بطيء وغير مستقر في أدائه، وفي عام 2010، أعلنت “جوجل” عن توقف تطوير “أباتشي ويف” وإغلاقه في عام 2012.

قاتل التطبيقات

“نطاقات جوجل” (Google Domains)

هو تطبيق خدمة تسجيل نطاقات أطلقته “جوجل” في عام 2014 كبرنامج تجريبي في الولايات المتحدة فقط، وكان التطبيق يهدف إلى تسهيل عملية شراء وإدارة نطاقات الإنترنت للأفراد والشركات الصغيرة، بالإضافة إلى توفير خدمات مثل البريد الإلكتروني والإعادة التوجيه والحماية من البريد المزعج

في عام 2022، أصبح “نطاقات جوجل” متاحا رسميا في 14 دولة، لكن بعد سنة واحدة فقط، قررت “جوجل” إغلاقه نظرا لانخفاض الطلب على هذه الخدمة ووجود منافسة قوية من شركات أخرى مثل “GoDaddy و”Namecheap”، وأعلنت “جوجل” أنها ستسمح للمستخدمين الحاليين بالاستمرار في استخدام نطاقاتهم حتى انتهاء صلاحيتها، ولكنها لن تقبل تسجيلات جديدة أو تجديدات.

بإغلاق “نطاقات جوجل” تكون شركة “جوجل” قد أطلقت آخر رصاصة لديها حتى الآن على آخر تطبيق ومشروع لها ضمن قائمة التطبيقات المغلقة من قبل الشركة.

قاتل التطبيقات

أسباب إغلاق التطبيقات

هناك عدة أسباب قد تفسّر ظاهرة قتل “جوجل” لتطبيقاتها، ومن أبرزها.

  • عدم تحقيق التطبيقات لأهداف “جوجل” أو متطلبات المستخدمين

بعض التطبيقات قد تكون غير متوافقة مع رؤية “جوجل” أو استراتيجيتها، أو قد تفشل في جذب اهتمام المستخدمين أو تلبية احتياجاتهم أو تقديم قيمة مضافة لهم، وفي هذه الحالة، قد تقرر “جوجل” إنهاء التطبيق أو دمجه مع تطبيق آخر أو استبداله بتطبيق جديد.

  • المنافسة الشديدة في سوق التكنولوجيا

“جوجل” تواجه منافسة قوية من شركات أخرى مثل “فيسبوك” و”أمازون” و”أبل” و”مايكروسوفت”، التي تطور أيضا تطبيقات وخدمات متعددة ومتنوعة، وفي بعض الأحيان، قد تكون هذه التطبيقات أكثر شعبية أو كفاءة أو ابتكارا من تطبيقات “جوجل”، مما يؤدي إلى خسارة جزء من حصتها في السوق، وفي هذه الحالة، قد تقرر “جوجل” التخلص من التطبيقات التي لا تستطيع منافسة التطبيقات الأخرى أو التعاون معها.

  • التغيرات في سلوك المستخدمين والتقنية

الإنترنت هو مجال دائم التغير والتطور، وكذلك احتياجات وتفضيلات المستخدمين، فقد يظهر تطبيق جديد يغير طريقة استخدام المستخدم للإنترنت، أو قد يحصل على اختراع تكنولوجي يفتح آفاقا جديدة للإبداع والتواصل والتعلم، وفي هذه الحالة، قد تصبح بعض تطبيقات “جوجل” القديمة أو الحالية غير ملائمة أو محدودة أو متخلفة عن التطورات الجديدة؛ وهنا قد تقرر “جوجل” تحديث أو تطوير أو إعادة إطلاق تطبيقاتها لمواكبة التغيرات، أو قد تقرر إلغاء أو إهمال تطبيقاتها التي لم تعد ذات صلة أو قيمة.

تأثيرات إغلاق التطبيقات

 قد تكون ظاهرة قتل “جوجل” لتطبيقاتها ذات تأثيرات مختلفة على الشركة نفسها، وعلى المستخدمين وعلى السوق، ومن أبرز هذه التأثيرات.

  • تضييع الوقت والموارد

إن عملية إطلاق وإغلاق التطبيقات على نحو متكرر يعني إهدار الجهد والمال والطاقة التي تستثمرها “جوجل” في تطوير وتسويق وصيانة هذه التطبيقات، كما يعني ذلك إضاعة الفرص التي كانت قد تحققت لو استمرت “جوجل” في دعم وتحسين هذه التطبيقات.

  • خسارة الثقة والولاء

خطوات إغلاق “جوجل” لتطبيقاتها قد تؤدي إلى إحباط وغضب المستخدمين الذين كانوا يستخدمونها أو يحبونها أو يعتمدون عليها، كما قد يؤدي إلى خسارة الثقة بجودة واستمرارية تطبيقات “جوجل” الأخرى، وبالتالي إلى انخفاض مستوى الولاء للشركة.

  • فقدان الابتكار والتنوع

تكرار إغلاق “جوجل” لتطبيقاتها قد يؤدي إلى تقليل مستوى الابتكار والإبداع في سوق التكنولوجيا، حيث قد تفقد بعض التطبيقات الفرصة للنمو والتطور والمنافسة، كما قد يؤدي إلى تقليل التنوع والخيارات المتاحة للمستخدمين، حيث قد يضطرون إلى استخدام تطبيقات أخرى لا ترضي احتياجاتهم أو تفضيلاتهم.

  • من ناحية المنافسة

يمكن أن يفتح قتل التطبيقات فرصة للشركات الأخرى التي تقدم خدمات مشابهة أو بديلة لتطبيقات “جوجل” الموقوفة؛ فعلى سبيل المثال، عندما أوقفت “جوجل” خدمة “جوجل بلس” كشبكة اجتماعية، استفاد من ذلك منصات أخرى مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”إنستغرام”، وكما يمكن للشركات الصغيرة والناشئة أن تستغل هذه الفجوة لإطلاق تطبيقات جديدة تلبي حاجات المستخدمين، وتحقق نجاحا في السوق.

  • من ناحية الاستثمار

يمكن أن يؤثر قتل التطبيقات سلبا على ثقة المستثمرين والمطورين في “جوجل” كشركة رائدة في مجال التكنولوجيا؛ فعلى سبيل المثال، عندما أوقفت “جوجل” تطبيق “Measure” الذي يسمح بإجراء قياسات باستخدام كاميرا الهاتف، خسرت “جوجل” فرصة للاستفادة من تقنية الواقع المعزز التي تعد من أحدث الابتكارات في هذا المجال، كما يمكن أن يشعر المستثمرون والمطورون بالإحباط من عدم استمرارية خدمات “جوجل” وعدم وضوح رؤيتها المستقبلية.

سياسة قتل التطبيقات

لا شك في أن “جوجل” هي واحدة من أكبر الشركات التكنولوجية في العالم، وقدمت وما زالت تقدم مجموعة واسعة من الخدمات والمنتجات لملايين المستخدمين؛ ومع ذلك، فإن “جوجل” لديها سمعة سيئة في قتل التطبيقات التي تطورها أو تستحوذ عليها، سواء كان ذلك بسبب انخفاض الطلب، أو التغيرات السوقية، أو المشاكل الأمنية، أو السبب الذي تراه “جوجل” مناسبا من وجهة نظرها، فوفقا لموقع “KilledByGoogle“، فإن “جوجل” أوقفت 288 تطبيقا وخدمة منذ عام 2006 حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

هذه السياسة أثارت استياء المستخدمين الذين يثقون في تطبيقات “جوجل” ويعتمدون عليها في حياتهم الشخصية والمهنية، فعندما تقرر “جوجل” إغلاق تطبيق ما، فإن المستخدم يفقد بياناته وإعداداته وروابطه مع الآخرين، وقد يضطر إلى البحث عن بديل آخر أو التخلي عن الخدمة نهائيا، كما قد تؤثر هذه السياسة على ثقة المستخدمين في جودة واستقرار تطبيقات “جوجل”، وتجعلهم يتساءلون عن مصير التطبيقات التي يستخدمونها حاليا.

ليس المستخدمون فقط هم الضحايا لسياسة “جوجل” في قتل التطبيقات، بل أيضا المطورون والشركاء الذين يعملون مع “جوجل” أو يستخدمون منصاتها، فعندما تغير “جوجل” سياساتها، أو تحذف خصائصها، أو تغلق خدماتها، فإن ذلك يؤثر في عمل المطورين وإيراداتهم وابتكاراتهم، كما قد يؤدي ذلك إلى خسارة فرص النمو والتعاون مع “جوجل” في المشاريع المستقبلية.

فمثلا، عندما أغلقت “جوجل” تطبيق “Inbox” في عام 2019، فقد الكثير من المطورين الذين كانوا يستخدمونه كمنصة لتطبيقاتهم البريدية الخاصة من بياناتهم الشخصية، وعندما أعلنت “جوجل” عن إيقاف خدمة “Google Cloud Print” في عام 2020، فقد الكثير أيضا من المطابع والشركات الصغيرة التي كانت تعتمد على هذه الخدمة لطباعة المستندات عن بُعد من فرص العمل والمشاريع؛ وهكذا، فإن سياسة “جوجل” في قتل التطبيقات تضر بالصناعة التكنولوجية بشكل عام، وتخلق جوا من عدم الثقة والحذر بين “جوجل” وشركائها.

لذلك، فإن “جوجل” تحتاج إلى إعادة النظر في سياسة قتل التطبيقات وتحسين استراتيجيتها في تطوير وإدارة المنتجات، فبدلا من إطلاق تطبيقات جديدة على نحو متواصل دون دراسة السوق أو الاستماع إلى ردود فعل المستخدمين، يمكن لـ “جوجل” أن تركز على تحسين التطبيقات القائمة وإضافة قيمة لها، وكما يمكن لـ “جوجل” أن تتبع مبدأ “الفشل السريع”، وهو أن تختبر التطبيقات بشكل مبكر، وتقيم أداءها وإمكانية نجاحها قبل أن تستثمر فيها بشكل كبير، وإذا قررت “جوجل” إغلاق تطبيق ما، فيجب أن تقدم للمستخدمين والمطورين خيارات لنقل بياناتهم وخدماتهم إلى منصات أخرى.

في الختام، نعتقد أن “جوجل” لديها دائما الفرصة لتبقى رائدة في الابتكار والتكنولوجيا، إذا استطاعت أن تحافظ على رضا وولاء مستخدميها وشركائها؛ ولذلك، نأمل أن تعمل “جوجل” على تطوير سياسة أكثر شفافية ومسؤولية في قتل التطبيقات، وأن تضع في اعتبارها مصالح جميع المعنيين؛ فبهذه الطريقة، يمكن لـ “جوجل” أن تبقى سبّاقة في عالم التكنولوجيا والإبداع.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات