استمع إلى المقال

التكنولوجيا هي مجموعة من الأساليب والأدوات والمعارف التي تستخدم لتحقيق أهداف معينة في مجالات مختلفة من الحياة، ومن بين هذه المجالات، يبرز علم التاريخ، الذي يهتم بدراسة الماضي وفهم تطور الحضارات والثقافات والأحداث على مر الزمان، وعلى مر العصور، كانت التكنولوجيا تلعب دورا حيويا في تطوير هذا المجال المثير، إذ أتاحت للباحثين فرصًا هائلة للكشف عن أسرار الماضي وتوثيقها بطرق مبتكرة ودقيقة.

تطور التكنولوجيا وظهور الوسائط الرقمية والمصادر الإلكترونية، من أبرز الثورات التي أحدثت تغييرً جذريًطا في مجال الأبحاث التاريخية. فقد أصبحت المكتبات الرقمية وقواعد البيانات المتاحة عبر الإنترنت همزة الوصل بين الباحثين والمصادر التاريخية، حيث يمكن الوصول إلى آلاف الكتب والمقالات والوثائق بسهولة وسرعة مذهلتين. وبفضل تقنيات التصوير الرقمي، أصبح من الممكن رؤية ودراسة المخطوطات والوثائق النادرة التي كانت في السابق محجوبة على العامة.

علاوة على ذلك، تساهم التكنولوجيا في تحسين طرق التحليل والتفسير التاريخي، فباستخدام برامج متقدمة لتحليل البيانات والتنقيب عن المعلومات، يمكن للباحثين تحليل مجموعات ضخمة من البيانات بشكل أكثر دقة وفعالية؛ وبالتالي، يتمكنون من اكتشاف الأنماط والعلاقات المخفية في الماضي، مما يسهم في رفع مستوى جودة الأبحاث التاريخية وتوفير رؤى جديدة ومفيدة.

ترجمة اللغة المسمارية إلى الإنجليزية

الذكاء الاصطناعي مؤخرا تمكن من مساعدة علماء الآثار في فهم الكتابة اللغة المسمارية القديمة، وهي واحدة من أقدم أنواع الكتابة، إذ تعتبر الكتابة المسمارية صعبة جدا في القراءة، ويمكن لعدد قليل جدا من الأشخاص حول العالم فك شفرة هذه الرموز التي تم تسجيلها على اللوحات الطينية ومعرفة معناها.

علماء الآثار وعلماء الكمبيوتر في إسرائيل قاموا بتطوير ترجمة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لترجمة الكتابة المسمارية الأكدية القديمة، وباستخدام هذه الأداة، يمكن ترجمة آلاف من تلك اللوحات الطينية بسرعة إلى اللغة الإنجليزية.

كيفية الترجمة

ترجمة النصوص الأكدية تُعد أمرا صعبا للغاية، نظرا لأن اللغة لم يتم التحدث بها أو كتابتها منذ أكثر من 2000 عام، ونتيجة لهذه الفجوة الزمنية، تم ترجمة نسبة ضئيلة جدا من تلك اللوحات الطينية، ووفقا لتقرير من صحيفة “تايمز أوف إسرائيل“، يوجد نحو نصف مليون لوحة طينية مسمارية موجودة في المتاحف حول العالم.

مع وجود برنامج جديد يعمل بأسلوب مشابه برامج الترجمة المعروفة، أصبح فهم هذه النصوص القديمة أسهل؛ ووفقا لجاي جوتيرز، عالم الكمبيوتر المشارك في إنشاء هذه الأداة، فإن المستخدم لا يحتاج إلى فهم اللغة الأكدية لترجمة هذه اللوحات الطينية إلى اللغة الإنجليزية.

المشروع انطلق من رسالة دكتوراه للعالم جوتيرز في جامعة “تل أبيب”، وقد نشر الفريق ورقة علمية عن نتائج دراستهم في مجلة “PNAS Nexus”.

اللغة المسمارية

هذه الأداة تستند إلى تقنية الترجمة العصبية الآلية، وهي التقنية ذاتها التي تستخدمها ترجمة “جوجل” وغيرها من الأدوات التي توفر ترجمة سريعة، تعمل هذه الأدوات على تحويل الكلمات إلى سلاسل من الأرقام التي يتم معالجتها بواسطة صيغة رياضية (أو شبكة عصبية) لإنتاج جملة بلغة أخرى.

كانت الأكدية لغة مكتوبة ومحكية في بلاد ما بين النهرين والشرق الأوسط بين عامي 3000 ق.م و100 م، وفي حوالي عام 600 ق.م، تم استبدالها باللغة الآرامية من حيث الانتشار والاستعمال.

الكتابة المسمارية الأكدية تعد أحد أولى لغات العالم المكتوبة التي تم اكتشافها، وينشر فريق البحث وراء هذه الأداة أيضا أبحاثهم مفتوحة المصدر على الإنترنت، آملين في تطوير برامج ترجمة للغات القديمة الأخرى.

هذه الأداة تظهر كفاءة عالية أيضا، يذكر مخترعوها أنه قد تحدث حالات من الهلوسة (إعطاء معلومات خاطئة) عند ترجمة النصوص الأدبية والشعرية، لكنها تقدم نتائج أدق عند ترجمة النصوص العامة.

مستقبل الذكاء الاصطناعي وعلم الآثار

اكتشاف قدرة الذكاء الاصطناعي على ترجمة الكتابات القديمة مثل ترجمة اللغة المسمارية وفهمها بفضل الأداة الجديدة في مجال علم الآثار يُعد خطوة هامة ومثيرة للإعجاب، هذا التقدم يفتح آفاقا جديدة لفهم تراثنا الثقافي وترجمة النصوص القديمة التي كانت غامضة وصعبة المعرفة.

من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع علم الآثار، يمكن تسهيل وتسريع عمليات الترجمة والفهم للغات القديمة والنصوص التاريخية، وبالتالي توفير نظرة أوسع على الماضي وتعزيز البحث العلمي في هذا المجال.

في المستقبل، يُتوقع أن يستمر دمج الذكاء الاصطناعي مع علم الآثار في التطور والتحسن، حيث ستظهر أدوات أكثر تطورا وذكاء الترجمة وتحليل النصوص القديمة، وتحديد معانيها وسياقها بشكل أدق، قد يساهم هذا التطور في الكشف عن معلومات جديدة وإلقاء الضوء على جوانب مجهولة من التاريخ البشري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات