خوارزمية “تيك توك” المزيفة.. كيف تتحكم المنصة بانتشار المقاطع؟

خوارزمية “تيك توك” المزيفة.. كيف تتحكم المنصة بانتشار المقاطع؟
استمع إلى المقال

الخوارزميات هي عقل وجوهر منصات التواصل الاجتماعي باختلاف أنواعها، ويُفترض بهذه الخوارزميات أن تكون الطريقة التي تؤكد بها منصات التواصل حياديتها وعدم انحيازها إلى علامة تجارية أو صانع محتوى بعينه أو حتى قضية ما، ولكن “تيك توك” ترى هذه الخوارزمية كطريقة إضافية لكسب المزيد من الأموال ومحاباة شخص أو قضية على حساب الآخرين. 

“تيك توك” والشركة المالكة لها “بايت دانس” أكدت مرارا وتكرارا أنها محايدة ولا تعمل خلف أجندات سياسية أو اقتصادية بعينها، ولكن المعلومات الأخيرة التي وصلت إلى صحيفة “فوربس” تؤكد عكس ذلك، وهو الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول نوايا “بايت دانس” وغايتها من هذه المنصة.

قد يهمك أيضا: هل تتجه الولايات المتحدة نحو حظر “تيك توك“؟

زر للتحكم في انتشار المقاطع 

 “تيك توك” تفتخر كثيرا بالصفحة الرئيسية في واجهتها أو ما تطلق عليها “For You Page”، إذ تقول بأن هذه الصفحة تجمع كل الأمور التي تهتم بها من مختلف الحسابات والمقاطع وتقوم بإظهارها لك بناء على تفضيلاتك الشخصية، لتكون التجربة الأكثر تخصيصا بين جميع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. 

المعلومات الأخيرة تثبت كذب هذا الإدعاء، إذ وصلت بعض المستندات إلى صحيفة “فوربس” إلى جانب شهادات من ستة عاملين بالمنصة، وجميعها تؤكد الأمر ذاته، موظفوا “تيك توك” قادرون على التحكم في انتشار مقاطع الفيديو عبر الضغط على زر واحد لديهم يدعى زر “التسخين”، ويقوم هذا الزّر بنشر المقاطع بشكل فيروسي ليصل إلى جميع الحسابات المشتركة في المنصة مما يجعل المقطع يحقق مشاهدات أسطورية لن يستطيع تحقيقها دون استخدام هذا الزر. 

المستندات التي وصلت إلى “فوربس” تؤكد أن إدارة “تيك توك” تستخدم هذا الزّر لنشر مقاطع بعينها لمؤثرين تتعاون معهم الشركة أو حتى علامات تجارية ترغب الشركة في التعاون معها مستقبلا في شراكات إعلانية. 

منصات التواصل الاجتماعي يُفترض بها أن تكون منابر محايدة تترك فرصة متساوية لكل المستخدمين في نشر ما يرغبون به دون التأثير على مقدار هذا الانتشار، لذلك يكون العامل الوحيد في تحقيق الانتشار الكبير عبر هذه المنصات هو مقدار محبة الجمهور لهذا المؤثّر أو حتى جودة المحتوى التي تجذب المشاهدين، وكلما زاد معدل جذبك للمشاهدين زاد معدل الانتشار بشكل يشبه كرة الثلج. 

الخوارزميات المختلفة في جميع المنصات تخضع لسيطرة الذكاء الصنعي لهذه المنصة، وهي عملية تلقائية لا يتدخل فيها أي مستخدم أو حتى موظف لدى الشركة الأم، وهو الأمر الذي عهدناه مع “فيسبوك” و “إنستغرام” أو حتى “جوجل” ومحرك بحثها أو “يوتيوب”، وإذا قررت الشركة التدخل في معدل الانتشار هذا وجعله يصل إلى عدد أكبر من المستخدمين بشكل غير طبيعي، فإنها تفصح عن ذلك عبر الترويج المدفوع أو حتى دعمها لبعض القضايا من أجل نشر معلومات تهم الجميع، وذلك ما حدث أثناء أزمة “كوفيد-19” حيث كانت المنشورات المتعلقة بهذا الأمر تحصل على معدل انتشار أكبر من المعتاد، ولكن في جميع الحالات، فإن المنصة تُفصح عن هذا الترويج سواء كان مدفوعا أم لا. 

الإفصاح عن سبب الترويج أحد أهم ضمانات حيادية المحتوى وهو من أبسط حقوق المشاهدين ومستخدمي هذه المنصات، ولكن أسلوب “بايت دانس” يسلب المستخدمين من هذا الحق ويجبرهم على مشاهدة المحتوى الذي ترغب فيه الشركة وتراه مناسبا في أسلوب رقابي ديكتاتوري يليق بالحزب “الشيوعي” الصيني. 

قد يهمك أيضا: خوارزمية “تيك توك“.. نحو تجهيل المستخدمين؟

إساءة استخدام السلطة 

القوة التي يحصل عليها الموظفون في “تيك توك” عبر وجود مثل هذا الزّر لا يجب أن تكون في يد أي شخص مهما كان منصبه أو الشركة التي يعمل بها، وذلك لأن الشركة قد تؤكد مرارا وتكرارا أن مثل هذه القوة لا تستخدم في شيء خاطئ، إلا أنها لن تستطيع السيطرة على كل من يمتلك وصولا لهذا الزّر. 

“تيك توك” تتيح الوصول لهذه القوة لأي شخص يعمل لديها أو حتى يعمل معها، لذلك فإن جميع العاملين في “تيك توك” و شركتها الأم “بايت دانس” ولهم علاقة بالمنصة أو حتى المتعاقدين الخارجيين مع المنصة يستطيعون الوصول إلى هذا الزّر ونشر المقاطع كما يرغبون. 

الشهود الذين تواصلوا مع “فوربس” أكدوا أن بعض الموظفين استخدموا هذا الزّر لنشر مقاطع زوجاتهم وأقاربهم بمقابل مادي في أحيان كثيرة، وفي أحد الحالات نشر موظف مقطع زوجته عبر هذا الزّر وجعله يصل إلى أكثر من 3 ملايين مستخدم في ليلة وضحاها، مما ساعده على تحقيق مكاسب مادية والوصول إلى فُرص ليست متاحة لغيره. 

“تيك توك” وضعت سياسة داخلية تُعاقب مثل هذه التصرفات، ولكن حتى هذه السياسة الداخلية تضم جوانب سيئة وتثير الشكوك، إذ كشف المستند الذي يدعى “سياسة تيك توك لتسخين المقاطع” أن الشركة لا تمانع استخدام هذا الزّر لضمان تنوع المحتوى المنتشر عبر المنصة إلى جانب جذب المؤثرين وترويج “سياسات ومعلومات هامة متعلقة ببعض القضايا”، وذلك دون تحديد نوعية القضايا التي ترغب المنصة في ترويجها، وهو ما يتركها لتأويل العاملين في المنصة.

“فوربس” تواصلت مع “تيك توك” مباشرة لتأكيد هذه الإدعاءات، وهو ما لم تنكره المنصة، وقالت بأن المحتوى الذي يتم ترويجه عبر هذا الزّر لا يشكل أكثر من 0.001 بالمئة من إجمالي المقاطع المنشورة في المنصة، وهو ما يتعارض مع تصريحات شهود “فوربس”، كما أضافت المنصة بأن هذه القدرة خاصة بالمكتب الرئيسي للشركة في الصين، ولا يتمتع موظفو الولايات المتحدة بمثل هذه السلطة. 

قد يهمك أيضا: كيف يعمل “تيك توك” على تعزيز الجريمة والتطبيع معها؟

أداة إذاعة سياسية 

“بايت دانس” سلمت خوارزميتها إلى حكومة الحزب “الشيوعي” في الصين ضمن مبادرة قامت بها الأخيرة لإحكام السيطرة على منصاتها التكنولوجية، وإذا قامت المنصة بتسليم الخوارزمية بأكملها إلى الحكومة، من يضمن أن مثل هذا الزّر لا يتوفر لأفراد الحكومة.

“الحزب الشيوعي” الحاكم في الصين يستطيع التحكم في المقاطع التي تنتشر عبر المنصة، وقد تنشر مقاطع تخدم خططها الدولية والعالمية، خاصة وأن “تيك توك” منتشرة في جميع الدول حول العالم، وهو ما يهدد الأمن القومي لمختلف الدول.

التهديد الذي يمثله زر التسخين في “تيك توك” يؤكد على أهمية المطالبات بحظر المنصة في مختلف الدول، وهو ما طالب به الكثير من أعضاء “مجلس الشيوخ” في أميركا وقامت به الهند سابقا، ومن المتوقع أن تسرّع هذه المستندات في إجراءات الحظر العالمية للمنصة. 

وجود مثل هذا الزّر يمثل اختراقا واضحا لخصوصية المستخدمين ودليل قاطع على محاولات المنصة لتوجيه الرأي العالمي لما ترغب به الشركة و”الحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين، فهل آن الأوان لحظر هذه المنصة حول العالم والقضاء عليها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.