استمع إلى المقال

رغم النجاح الذي حققته منصة “تيك توك” ووصولها إلى ملايين المستخدمين في وقت قصير، إلا أنها تواجه مخاطر بالحظر العالمي بسبب المخاطر الأمنية التي تمثلها المنصة، وذلك بعد أن وصلت المنصة في وقت قصير إلى أكثر من 700 مليون مستخدم في عام 2022 ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 950 مليون مستخدم بحلول عام 2025 بحسب احصائيات موقع “Statista”.

خوارزمية “تيك توك” مع طريقة عرض المحتوى فيه كانت السبب الأول وراء هذا النجاح، ولكنها أيضا تمثل الخطر الأكبر في المنصة كونها مملوكة لإحدى الشركات الصينية وهي “بايت دانس” التي تُعد أحد أكبر شركات البرمجيات في الصين، وبينما يفشل أبناء “الجيل زد” في رؤية الخطر النابع من هذه الخوارزمية، إلا أن التهديدات التي تمثلها المنصة أصبحت أمرا واقعا نعيشه وتحاول الكثير من الدول – وعلى رأسها أميركاـ السيطرة عليه.

قد يهمك أيضا: الخوارزمية القاتلة.. تيك توك يخنق الأطفال

خوارزمية صممت حتى تسجنك داخلها

ولادة “تيك توك” كانت مختلفة عن أي منصة تواصل اجتماعي أخرى، وبدلا من أن تبدأ المنصة بين عدة أصدقاء في غرفة صغيرة بمنزل أحدهم مثل “فيسبوك” أو “جوجل“، فإن “تيك توك” ولدت عملاقا يجسد ملايين الاستثمارات منذ لحظة ولادته.

الفكرة السائدة أن بداية “تيك توك” كانت عند استحواذ الشركة الأم “بايت دانس” على منصة “ميوزك لي” التي كانت رائجة في أميركا وقتها ومن ثم إعادة تسميتها لتصبح “تيك توك“، وتضم هذه القصة جزءا من الحقيقة، إذ خرجت “ميوزك لي” للنور كشركة صينية تمتلك مكتبا إداريا في الولايات المتحدة عام 2014 وذلك للحفاظ على العلاقات الطبية للشركة مع شركائها في أميركا.

النجاح الذي حققته “ميوزك لي” في ذلك الوقت جذب عملاق البرمجيات الصينية “بايت دانس” ودفعه إلى إطلاق نسخة صينية بالكامل من التطبيق عام 2016 تحت اسم ” Douyi، وقد لاقت هذه النسخة نجاحا في الصين وتايلاند إذ وصل عدد مستخدميها إلى 100 مليون مستخدم في أقل من عام واحد، ولكن هذا النجاح أغرى الشركة بالمزيد ودفعها للاستحواذ على “ميوزك لي” عام 2018 لتعيد إطلاقها في العام ذاته تحت اسم “تيك توك” مستخدمة قواعد البيانات التي حصل عليها “ميوزك لي” سابقا.

كلتا المنصتين اعتمدتا على الأسلوب ذاته في تقديم المحتوى وذلك عبر توفير مكتبة من المقاطع الموسيقية التي حصلت الشركة على ترخيصها ثم إتاحتها مجانا للمستخدمين حتى يتمكنوا من تقديم نوع واحد من المحتوى وهو “Lip Sync” أو تحريك الشفاه على صوت الأغنية التي تعمل في الخلفية مع تقديم رقصات مختلفة أو تمثيل مشاهد تناسب المقطع الذي يعمل في الخلفية.

نوع المحتوى الذي تقدمه هذه المنصات جذب المستخدمين حول العالم، إذ تمكنت “تيك توك” من الوصول إلى 693 مليون مستخدم عام 2019 فور انطلاقها رسميا في الولايات المتحدة، وعندما تضع هذا المحتوى سهل الانتشار مع الميزانية المهولة التي تمتلكها “بايت دانس“، فإنك تحصل على تطبيق ذو دعاية غير مسبوقة لجذب المستخدمين من مختلف المنصات الأخرى.

خوارزمية “تيك توك” أو “ميوزك لي” سابقا ساهمت بشكل كبير في نجاح المنصة إلى جانب العوامل السابقة، إذ تعمل هذه الخوارزمية بشكل يجبرك على البقاء داخل المنصة وتصفح المزيد من المقاطع التي تظهر أمامك بطريقة سهلة.

منصة “تيك توك” تتعرف على أنواع المحتوى الذي تفضل مشاهدته ثم تبدأ بإرسال المزيد من المقاطع التي تدور في فلك هذا المحتوى، ويشمل ذلك أي عدد من أنواع المحتوى الموجود على المنصة، لذلك إن كنت تفضل متابعة مقاطع كرة القدم ومقاطع الأغاني والطبخ السريعة، فإن المنصة ستبدأ بترشيح هذه المقاطع وإظهارها لك باستمرار في الواجهة والتي تعرف باسم “For You Page”، وهي تضم تشكيلة واسعة من المحتوى المنتقى لك خصيصا بناء على تفضيلاتك.

خوارزمية “تيك توك” تتعرف على أنواع المحتوى المختلفة التي تفضلها عبر مجموعة من المؤشرات المختلفة مثل مدة بقائك داخل المقطع والمدة التي انتظرتها قبل الانتقال إلى المقطع التالي، وإن كنت تصفحت المزيد من المقاطع لصانع المحتوى هذا أو حتى تصفحت المقاطع التي استخدم فيها هذا التأثير أو هذه الأغنية، ثم تجمع كل هذه العوامل معا من أجل تقديم مجموعة منتقاة من المقاطع تكرر هذا السيناريو مجددا، وذلك حتى تظل داخل المنصة لأطول فترة ممكنة وتجد نفسك مجذوبا للبقاء بداخلها.

تطبيق للصين وآخر عالمي

“Doyuin” هو النسخة الصينية لتطبيق “تيك توك” المحظور داخل الصين، ورغم كون كلا التطبيقين تابعين للشركة ذاتها، إلا أن هناك اختلاف كبير بينهما، وهو اختلاف يظهر بوضوح في خوارزمية التطبيق داخل الصين وخارجها.

“بايت دانس” المالكة للتطبيقين قدمت نسخة من خوارزمية التطبيق التي يعتمد عليها تطبيقا “Doyuin” و“تيك توك” إلى الحكومة الصينية من أجل مراجعتها والتأكد من أمنها وكونها متفقة مع المعايير التي تضعها حكومة الحزب “الشيوعي” الحاكم، ونتج عن هذه الخطوة تقييد الأطفال الذين يحاولون استخدام التطبيق في الصين وإجبارهم على استخدامه لمدة 40 دقيقة فقط يوميا، مع حظره تماما أثناء وقت الدراسة مع تقديم أنواع جديدة من المحتوى مثل المحتوى العلمي أو التاريخي من أجل تثقيف الأطفال والمراهقين.

قد يهمك أيضا : كيف يعمل “تيك توك” على تعزيز الجريمة والتطبيع معها؟

الجدار الناري العظيم الذي تطبقه الصين على شبكات الإنترنت بداخلها يجعل من شبه المستحيل تحميل التطبيق من خارج الصين مهما حاولت، ورغم وجود طرق للتغلب على حظر “تويتر” و “فيسبوك“، إلا أن هذه الطرق تفشل أمام “تيك توك”.

حكومة الحزب “الشيوعي” الحاكم تستطيع التحكم في نوعية المحتوى المعروض في منصة “تيك توك” الصينية، لذلك لا يمكن الجزم بنوعية المحتوى الذي يتم ترويجه ومساعدته على الانتشار داخل حدود الصين أو خارجها.

مخاوف أمنية جمة

سياسات الشركات التقنية الصينية ومن ضمنها “تيك توك” أثارت حفيظة الكثير من خبراء الأمن حول العالم، مما دفع الكثير من الدول إلى محاولة حظره تماما مثلما حدث في الهند عامي 2019 و2020، أو محاولة تنظيم مرور البيانات عبر المنصة والسيطرة على بيانات المواطنين خارج حدود الصين، وذلك ما تحاول أميركا القيام به عبر شركة “أوراكل” التي أصبحت تراقب خوارزمية “تيك توك” وبيانات المستخدمين الأميركيين منذ آب/أغسطس الماضي.

مراقبة الخوارزميات وبيانات المستخدمين من قبل “أوراكل” لم يكن كافيا لبعض صنّاع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، إذ قدم ثلاثة نواب من “مجلس الشيوخ” مشروع قانون لحظر المنصة تماما داخل الولايات المتحدة.

القانون الجديد يطالب بحظر أي منصة تواصل اجتماعي تمتلك أكثر من مليون مستخدم شهريا وتعود ملكيتها إلى إحدى الدول المعادية مثل روسيا أو كوريا الشمالية وبالطبع الصين، كما لم يكتفي القانون بالإشارة إلى منصات التواصل الاجتماعي الصينية عن بُعد، بل أشار إلى “تيك توك” وشركته الأم مباشرة.

قد يهمك أيضا: سرقة بيانات 2 مليار مستخدم من تيك توك

قانون الحظر الجديد يأتي بعد حظر استخدام “تيك توك” تحديدا عبر الهواتف المحمولة ذات الطابع الحكومي، والتي يحصل عليها الموظفون في المنشآت الحكومية، كما حُظر استخدام التطبيق حتى من الهواتف الشخصية داخل المنصات الحكومية خوفا من الاختراقات الأمنية التي يمثلها التطبيق.

المخاوف من التطبيقات الصينية ازدادت بعد إقرار قانون ” أمن البيانات” الصيني الجديد، إذ يجبر القانون الشركات التقنية على تسليم بياناتها إلى الحكومة الصينية للاطلاع عليها في أي وقت تطلبه الحكومة، وذلك إلى جانب سيطرة الحكومة على خوارزمية المنصة العالمية والمحلية.

شركة “بايت دانس” تحاول جاهدة الالتزام بالقوانين الأميركية خوفا من العقوبات والحظر مثل “هواوي“، ولكن هل يمكن أن نثق في خوارزمية “تيك توك” بعد معرفتنا بأنها في يد الحكومة الصينية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.