استمع إلى المقال

من غير الواضح في الوقت الحالي مدى تأثير “هواوي” في المشهد السياسي الأوروبي عامة، واليوناني خاصة، حيث تنتقل الشركة في هذا المشهد لمحاولة الحفاظ على مكانتها التي تتمتع بها، لكن هل استطاعت التأثير على السياسة اليونانية وفتح الأبواب المغلقة من خلال الهدايا.

جهود “هواوي” السرية

في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2020، تبادل المسؤولون التنفيذيون في شركة “هواوي” رسائل حول عقد اجتماع مع مستشارين للحكومة اليونانية من المقرر أن يزودوا الشركة بوثيقة تحدد العقود الحكومية والمشاريع ذات الأولوية الأولى التي قد ترغب الشركة في العمل عليها في البلاد. 

مديرو “هواوي” ناقشوا منح المستشارين هاتفا ذكيا من طراز “Huawei Mate XS”، وساعة “GT 2” الذكية للشركة، وذلك وفقا للرسائل النصية الداخلية والمستندات الأخرى، حيث كتب أحد مديري “هواوي” في محادثة جماعية تحمل اسم الوزارة الرقمية اليونانية أن الخطط سرية للغاية.

هذا الرسالة تقدم نظرة على كيفية محاولة “هواوي” تنمية العلاقات مع شخصيات رفيعة المستوى في اليونان، وهي دولة صغيرة ولكنها مهمة بالنسبة للشركة، وكيفية تجاوزها للقواعد اليونانية التي تقيد الهدايا إلى موظفي الخدمة المدنية ووزراء الحكومة.

ضمن الرسائل، ناقش موظفو “هواوي” توفير الأدوات لوزير كبير في الحكومة اليونانية وابنه، وإعطاء الأجهزة لمسؤولي الشرطة والهجرة وتنظيم النقل للمنظمين اليونانيين خلال مؤتمر الصناعة في الإمارات العربية المتحدة في عام 2021. 

لكن الرسائل لم توضح إذا كانت الشركة قد سلمت الهدايا أو وقعت صفقات المشاريع ذات الأولوية.

لأكثر من 5 سنوات، ظلت “هواوي” مشتبه بها بسبب مخاوف من أن بكين يمكن أن تستخدم تقنيتها للتجسس أو التخريب، مع أنها نفت هذه الاتهامات.

نتيجة لذلك، قيدت الحكومة الأميركية استخدام معدات “هواوي” في البلاد ومنعت الشركة من الوصول إلى بعض التكنولوجيا الأميركية. 

كما ضغط المسؤولون الأميركيون بقوة على حلفائهم لحظر معدات “هواوي” في أوروبا، وهي أكبر سوق للشركة خارج الصين.

المحادثة الجماعية بعنوان الوزارة الرقمية اليونانية حدثت في الفترة من 2020 إلى 2021، في ذروة الجهود الأميركية لحظر تكنولوجيا “هواوي”.

بافلوس ماريناكيس، المتحدث باسم الحكومة اليونانية، أوضح أن تكنولوجيا “هواوي” لها وجود محدود في شبكات الاتصالات الجديدة في البلاد، لكن لم يكن هناك على الإطلاق أي تأثير مباشر أو غير مباشر من قبل الشركة في قرارات السياسة الحكومية أو الاتفاقيات أو العقود.

“هواوي” راسخة في أوروبا

رين زينجفي، مؤسس “هواوي”، يتمتع بانجذاب كبير نحو أوروبا، حتى أن مقر الشركة في الصين يضم نسخا طبق الأصل من مباني في باريس وهايدلبرج بألمانيا.

منذ أكثر من 20 عاما، تعمل الشركة في أوروبا، حيث تبيع أجهزة التحويل والهوائيات وغيرها من المعدات الخاصة بالشبكات اللاسلكية، بالإضافة إلى الأجهزة الاستهلاكية، مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية.

شركات الاتصالات الأوروبية، بما في ذلك “فودافون” و”دويتشه تيليكوم”، اشترت معدات “هواوي”، التي كانت تميل إلى أن تكون أرخص من المنتجات من المنافسين، مثل “إريكسون” و”نوكيا”. 

في العام الماضي، جاء ما يقرب من 23 بالمئة من إيرادات “هواوي” البالغة 92 مليار دولار من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، بزيادة 13 بالمئة عن العام السابق.

ضمن أوروبا، أسست “هواوي” جماعات ضغط سياسي قوية، حيث عينت شخصيات سياسية وصناعية مؤثرة، فضلا عن التبرع للجمعيات الخيرية والجامعات والمبادرات المحلية الأخرى. 

هذه الجهود ساعدت مكانة الشركة في المنطقة، حيث ترددت العديد من الحكومات الأوروبية في تبني الجهود الأميركية لإحباط المبيعات وإزالة معدات “هواوي” من الشبكات الخلوية القديمة.

بنهاية عام 2022، استحوذت “هواوي” وغيرها من الموردين الصينيين في 32 دولة أوروبية على أكثر من 50 بالمئة من المعدات المتعلقة بشبكات الجيل الخامس العالية السرعة.

بريطانيا والسويد فرضتا قيودا صارمة على استخدام معدات “هواوي” ضمن أحدث شبكاتهما، في حين أشارت ألمانيا إلى أنها قد تشدد قواعدها ضد معدات الشركة، وقالت الشركة إن إيطاليا وإسبانيا من بين الدول التي واصلت الشراء منها.

معضلة اليونان

بدورها، تعد اليونان مثالا واضحا للنجاح المختلط الذي حققته حملة الضغط الأميركية، إذ لم تحظر اليونان منتجات “هواوي” بشكل كامل، وكافحت الشركة للحفاظ على سيطرتها التي اكتسبتها بشق الأنفس في البلاد، حيث تنظر “هواوي” إلى التصرفات الأميركية على أنها تهديد وجودي.

اليونان دافعت بشكل موثوق عن مصالح بكين في الاتحاد الأوروبي، وخاصة بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، عندما قدمت الصين مساعدات مالية لمشاريع، مثل ميناء بيريوس، الذي تمتلكه الآن شركة صينية حكومية. 

في الآونة الأخيرة، أعادت اليونان توجيه نفسها نحو الغرب بشكل أكبر، كما اتخذت الدولة أيضا موقفا متناقضا تجاه الشركة، حيث لم تحظر منتجات “هواوي”، لكن الحكومة والشركات في البلاد حاولت أن تنأى بنفسها عن الشركة الصينية.

خلال عام 2020، انضمت اليونان إلى مبادرة الشبكات النظيفة، وهي اتفاقية طوعية وغير ملزمة لتجنب استخدام التكنولوجيا من الحكومات الاستبدادية، والتي قادتها إدارة ترامب. كما اتجهت أكبر 3 شركات مشغلة للشبكات اللاسلكية في اليونان نحو منافسي “هواوي”، “إريكسون” و”نوكيا”، لبناء شبكات الجيل الخامس الجديدة.

مع ذلك، ارتفعت مبيعات “هواوي” في اليونان بنسبة 56 بالمئة في العام الماضي لتصل إلى 258 مليون يورو (273 مليون دولار)، وفقا للملفات التنظيمية اليونانية. الشركة قدمت التكنولوجي لهيئة الإذاعة اليونانية، وهيئة الإذاعة والتلفزيون المملوكة للدولة، فضلا عن خدمة الرعاية الصحية العامة وميناء بيرايوس.

مع تزايد التدقيق ضد الشركة، أصبحت “هواوي” في موقف دفاعي، وناقش المسؤولون التنفيذيون للشركة في اليونان في عام 2020 رسالة وزعها أعضاء البرلمان الأوروبي دعت إلى حظر منتجات “هواوي”.

جاكي تشين، أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في المنطقة، طلب من ثيو تامفاكديس، مدير في اليونان، التحدث مع إيفا كايلي وماريا سبيراكي، العضوين اليونانيين في البرلمان الأوروبي، لكن من غير الواضح إذا كانت الشركة قد تحدثت مع صانعي السياسة.

في أحيان أخرى، سارعت “هواوي” إلى مساعدة مسؤولي الحكومة اليونانية في التكنولوجيا الشخصية، حيث سارع تامفاكديس في شهر تموز/يوليو 2021 للعثور على جهاز بديل لمسؤول الهجرة الذي انكسرت شاشة هاتفه “Mate X” القابل للطي البالغ سعره أكثر من 2000 يورو، والذي كانت “هواوي” قد قدمته له كهدية، إلى جانب حاسب محمول.

بموجب القانون اليوناني، من غير القانوني للعاملين في القطاع الخاص تقديم هدايا للمسؤولين الحكوميين مقابل خدمات، ولا يمكن لوزراء الحكومة وأعضاء البرلمان وموظفي الخدمة المدنية قبول الهدايا التي يمكن اعتبارها مرتبطة بمسؤولياتهم الرسمية.

بموجب قانون عام 2021، الإعلان عن الهدايا إلزامي للوزراء اليونانيين، ويمكن للمسؤولين رفيعي المستوى قبول بعض الهدايا الاحتفالية التي تقل قيمتها عن 200 يورو، لكن يجب تسليم العناصر الأكثر تكلفة إلى الحكومة.

اليونان لديها على الورق إطار قوي للغاية لمكافحة الفساد والرشوة، لكن الشفافية تكاد تكون معدومة، كما أن تطبيق القوانين يمثل إشكالية كبيرة.

ختاما، في حين أن الشركة تشير إلى أنها لا تقدم الأجهزة مجانا للمسؤولين الحكوميين، لكن الوثائق تكشف عكس ذلك، حيث كانت قادرة على الاستعانة بالعديد من الموظفين الرسميين لفتح الأبواب المغلقة مقابل الهدايا والأجهزة الشخصية والعائلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات