صناعة الهواتف المحمولة في مصر.. حقيقة أم سراب؟

صناعة الهواتف المحمولة في مصر.. حقيقة أم سراب؟
استمع إلى المقال

أعلنت مؤخراً شركات في مقدّمتها أوبو الصينية إلى جانب شركة “HMD” المسؤولة عن علامة نوكيا التجارية حول العالم، عن تدشينها لمصانعها في مصر مؤذنةً بذلك ببداية التصنيع المحلي لهواتفها داخل حدود الدولة.

وعلى الرغم من أن هذه الإعلانات تُبشر بدخول عصر مشرق للهواتف المحمولة في مصر وتطور صناعتها، إلا أنها إعلانات تسويقية في المقام الأول وفق مطّلعين، كون هذه الإعلانات تُخفي حقيقة أن عمليّة تصنيع تلك “وهميّة” وليست الأولى من نوعها في الدولة.

الوضع الراهن

يتم تصنيع أجهزة الهواتف بالتعاون مع الحكومة المصريّة وفق المصادر الرسمية، إذ أوضح الدكتور عمرو طلعت – وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأن “مصنع أوبو” داخل مصر سيوفّر أكثر من 900 فرصة عمل، إلى جانب العمالة الموجودة حاليًا داخل الشركة وذلك بهدف إنتاج 4.5 هاتف سنويًا.

تهدف نوكيا لإنتاج أكثر من مليون هاتف محمول بحلول نهاية 2022 بهدف بيعها داخل الدولة وتصديرها إلى الخارج، ولكن نوكيا لم تُنشئ مصنعًا خاصًا بها، بل تعاونت مع أحد المصانع الموجودة بالفعل، وهو مصنع شركة “اتصال” للأجهزة الإلكترونية.

قد يهمك أيضًا :أين تصنع هواتف سامسونج، وهل يختلف معيار جودة تصنيع الهواتف من بلد لآخر؟

لن تقف قافلة الشركات الصينية والعالميّة عن القدوم إلى مصر، إذ تحتاج هذه الشركات إلى مصانع خارج حدود الصين حتى تتمكن من تصدير هواتفها حول العالم دون قيود، وتعد مصر خياراً مثاليًا لهذه الشركات بسبب انخفاض تكاليف العمالة والمعيشة داخلها بشكل عام، وذلك بدلًا من الاعتماد على الهند التي بدأت في تضييق الخناق على الشركات الصينية، وفق ما قاله أحد مُديري هذه الشركات إلى موقع غلوبال تايمز الصيني.

وقال المصدر الصيني “شعرت الإدارة في الشركات الصينية بتضيق الخناق عليها داخل الهند، سواءَ كان من مضايقات الحكومة أو الموالين لها عبر المظاهرات المختلفة، وذلك بهدف تحسين فرصة الشركات الهنديّة داخل البلاد، لذلك لن تكون أوبو الشركة الوحيدة التي تتجه إلى مصر”.

في حديث موقع إكسفار مع مصدر يعمل في فريق المبيعات لإحدى الشركات- رفض التصريح عن اسمه، أكد المعلومات السابقة مضيفاً “هناك شركات أوروبية تفكر في صناعة هواتفها في مصر وسوف يعلن عنها قريبًا”، وعندما توجه الموقع إلى أحمد قويدر وهو محلل تقنيّ معروف في مصر، علق قائلًا: “تفكر سامسونج أيضًا في إنشاء مصنع للهواتف المحمولة داخل مصر بعد نجاح تجربة مصنع الشاشات الخاصة بها “.

ولكن هل ستعمل هذه المصانع فعلًا في صناعة الهواتف المحمولة في مصر؟!

“السراب” الذي بنته الشركات

توضح جميع البيانات الرسميّة من الشركات المختلفة بأن ما ستقوم به بهذه المصانع هو “تصنيع الهواتف المحمولة”، ولكن التجارب السابقة تُثبت عكس ذلك، وقد تكون تجربة مصنع سامسونج للشاشات الذي تم افتتاحه عام 2014 خير دليل على ذلك.

يعمل المصنع بشكل رئيسي على “تجميع قطع الشاشات” الخاصة بسامسونج بدلًا من تصنيعها بشكل كامل بمفرده، وهذا ما أكده مصدرنا الذي رفض التصريح عن اسمه إذ قال “تصلنا الهواتف المحمولة مفككة بالكامل على شكل قطع غيار، ثم تُجمع في المصنع، وتُغلَّف بشكل كامل دون تصنيع أي دوائر الكترونية مما يجعل تصنيع الهواتف المحمولة في مصر سرابًا تبنيه الشركات”. وأوضح المصدر أن ذلك يشمل اللوحة الأم للهاتف إلى جانب الشاشة والبطاريّة وغيرها من الأمور، وهو ما أكده أحمد قويدر أيضًا قائلًا: “تعمل المصانع حتى الآن على التجميع بدلًا من التصنيع”.  

حاول إكسڤار التواصل مع نوكيا سابقًا لسؤالها عن هذا الأمر، إلا أن الشركة لم تعطِ ردًا حتى الآن، كما لم تُجب عن استفسار حول الوقت المتوقع لإنتاج أول هاتف لها في مصر، أو حتى قدرة مصنع “اتصال” الذي تعاونت معه على إنتاج الهواتف المحمولة.


“تعد هذه الخطوة بدايةً قوية لمستقبل الهواتف المحمولة في مصر إذا تم استغلالها بشكل جيد.”

— أحمد قويدر،خبير في الهواتف المحمولة بمصر

المزايا الملموسة لهذا “السراب”

تضع قوانين الاستيراد المصرية سوق الهواتف المحمولة في مأزق خاص، وذلك لأنها تمنع استيرادها في صورتها النهائية بشكل رسمي، ويجبر ذلك الوكلاء على إدخال الهواتف عبر طرق غير رسمية وفق تصريح محمد طلعت رئيس شعبة الاتصالات بالغرفة التجارية في مصر.

وعلى الصعيد الآخر فإن استيراد قطع الغيار الخاصة بالهواتف المحمولة متاح، لذلك فإن هذا التجميع المحلي يتيح للكثير من الوكلاء والشركات إدخال تشكيلة أكبر من الهواتف بأسعار أفضل نظرًا لانخفاض تكلفة نقل قطع الغيار والضرائب المفروضة عليها داخل الدولة، ولكن هل حدث ذلك فعلًا؟

قد يهمك أيضًا : لماذا تعاني مصر من ضعف الإنترنت رغم مرور 17% من كابلات الإنترنت البحرية خلالها؟

تمتلك شركة فيفو Vivo التابعة لمجموعة BBK المالكة لشركة أوبو أيضًا مصنعًا يعمل في مصر منذ فترة ليست بالقصيرة، وقد أنتج هذا المصنع حتى الآن هاتفين وهما Y21A/Y33A، ولكن وفقًا لتصريح الخبير أحمد قويدر فإن هذه الهواتف لم تنافس من ناحية السعر، لذلك “لم يشعر المستهلك بفارق في التسعير”، وأضاف قائلًا: “في حالة تميز سعر الهواتف المحمولة المصرية، فإن المستخدم المصري سيقوم بتشجيع المنتج المحلي وسترى الشركات إقبالًا كبيرًا عليه”.

يُباع هاتف فيفو Y21A المصنوع داخل مصر بسعر 4400 جنيهًا/225.84 دولار، ويصل سعره في الهند إلى ₹12,839 أو 160.50 دولار، وذلك رغم أنه مصنوع محليًا في الهند مثل مصر. لذلك فإن الميزة الوحيدة التي قد تعود على المستخدم المصري من مصانع “التجميع” هذه، هو توفير الهواتف المحمولة في السوق بدلًا من حالة الجفاف التي يعيشها.

خلقت شركات الهواتف المحمولة “سرابًا” يدعى “التصنيع في مصر”، وجعلت المستخدم يركض خلفه ليكتشف أن هذا التصنيع لن يعود عليه بالنفع، وأن الميزة الوحيدة هي بضع وظائف جديدة تخدم القاطنين حول المصنع، ليقع فرسيةً سهلة للمهربين الذين يدخلون الهواتف بشكل غير قانوني إلى البلاد وفق ما هو معروف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات