استمع إلى المقال

تقبل الجسم البشري للتكنولوجيا الحديثة يشكل تحديا غير عادي ومعقد، يعكس هذا التحدي الأمور المتعلقة بالغرسات في الأجزاء البشرية، والتي تتطلب الاندماج السلس للأجهزة الإلكترونية مع أجسامنا، هناك الآن العديد من الأبحاث والتطورات والقصص التي تعد مثالا مشرقا على التقدم الذي تم في هذا المجال، حيث استطاع باحثون ومهندسون وجراح أن يقدموا حلا ثوريا لمشكلة تقبل الجسم للأطراف الاصطناعية.

لعقود عديدة، واجه البشر الذين فقدوا أجزاء من أجسامهم صعوبات كبيرة في تكييف تكنولوجيا الأطراف الاصطناعية مع جسد الإنسان؛ حتى وقت ليس بالبعيد، كانت هذه الأطراف تعتمد بشكل رئيسي على الحركات الميكانيكية بدون تفاعل مباشر مع الجهاز العصبي، إلا أن الأبحاث والتجارب الجديدة تكشف عن طفرة مذهلة في هذا المجال، حيث تم تطوير أطراف اصطناعية متطورة تندمج مباشرة مع الجهاز العصبي والهيكل العظمي للإنسان.

هذا التطور البارز يمثل تحولا في تقنية الأطراف الاصطناعية، حيث أصبح بإمكان المرضى الذين فقدوا أعضاء من أجسامهم استعادة جزء كبير من حياتهم اليومية والقدرة على أداء الأنشطة اليومية بكفاءة تقدر بحوالي 80 بالمئة، هذا الإنجاز يبرهن على القدرة الإنسانية على التكيف مع التكنولوجيا وتحسين نوعية الحياة على نحو استثنائي.

آمال كبيرة

العالم أصبح يقترب أكثر فأكثر من خلق أطراف صناعية متكاملة بشكل كامل، حيث تم تطوير أول مرفق بيونيكي (إلكترونيات حيوية) سريري متصل مباشرة بالجهاز العصبي والهيكل العظمي، بالإضافة إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، حيث تمكن هذا الابتكار من استعادة نحو 80 بالمئة من الحركات اليومية ليد وأصابع المستخدم.

البروفيسور ماكس أورتيز-كاتالان، رئيس بحوث الأطراف الصناعية بمعهد بيونيكس في أستراليا، قاد فريقا ضخما مكونا من مهندسين وجراحين من مختلف أنحاء العالم لتطوير نوع جديد من التكامل بين الأطراف الصناعية والجسم، هذا الابتكار قدم للمريضة السويدية كارين، التي فقدت يدها في حادث زراعي، أطرافا بيونيكية تقريبا مثل يدها الأصلية، وما زاد إعجاب الجميع هو أنها استخدمتها بنجاح في حياتها اليومية لأكثر من ثلاث سنوات متواصلة.

البروفيسور أورتيز-كاتالانأ وضح قائلا، “كانت كارين أول شخص يعاني فقدان للذراع تحت المرفق الذي تلقى هذا المفهوم الجديد لليد البيونيكية المتكاملة بشكل كبير، والتي يمكن استخدامها بشكل مستقل وموثوق في الحياة اليومية، حقيقة أنها استطاعت استخدام نظام الأطراف براحة وفعالية في الأنشطة اليومية لسنوات، تعد شهادة مشجعة على إمكانيات هذه التكنولوجيا الجديدة المحورية في تحويل حياة الأفراد الذين يواجهون فقدان الأطراف”.

التثبيت والتحكم اليدوي في الأطراف الصناعية لا تزالا تمثلان تحديين كبيرين في هذا المجال الطبي، من أجل مواجهة هذه المشكلات الشائعة، قام الباحثون بتطوير واجهة بين الإنسان والجهاز للتثبيت على نحو مريح للهيكل الاصطناعي في عظام المريض من خلال عملية الزراعة في العظم (osseointegration)، ثم يمكن توصيل أقطاب كهربائية مزروعة في الأعصاب والعضلات للاستفادة من الجهاز العصبي للجسم.

عملية الزراعة في العظم تشكل اتصالا هيكليا ووظيفيا مباشرا بين العظم الحي للمريض والزراعة الاصطناعية؛ في هذه الحالة، هيكل الطرف البيونيكي المصنوع من التيتانيوم، كانت عملية معقدة تتطلب توجيه كل من عظام الساعد والزند لتحمل وزنا متساويا، مما يقلل من المساحة المتاحة للعناصر الأخرى اللازمة.

الأطراف الاصطناعية

ريكارد برانيمارك، أستاذ مساعد في جامعة غوتنبرغ ومؤسس شركة الزرع البيوتكنولوجية “Integrum” قال، “التكامل البيولوجي للزرع من التيتانيوم في أنسجة العظم يفتح أبوابا لتطوير رعاية مرضى فاقدي الأطراف بشكل أفضل، من خلال دمج الزراعة في العظم مع الجراحة الترميمية والأقطاب الزرعية والذكاء الاصطناعي، يمكننا استعادة وظيفة الإنسان بطريقة لم تحدث من قبل، فمستوى التحقيق في حالة فاقدي الذراع تحت المرفق يمثل نقطة تحول هامة لمجال إعادة البناء المتقدم للأطراف”، حيث تمكن الفريق من تصميم زرعة عصبية عضلية تمكن الاتصال بالجهاز العصبي في المساحة المحدودة التي كان عليهم العمل فيها حول نقطتي تثبيت العظم.

البروفيسور أورتيز كاتالان أشار إلى أن كارين تستخدم الآن نفس الموارد العصبية تقريبا للتحكم في الأطراف الصناعية مثلما كانت تفعل مع يدها البيولوجية السابقة.

تم تقديم العصبونات والعضلات في يد كارين إلى مواقع جديدة تم التلاعب بها من قبل جراحي مستشفى جامعة ساهلجرينسكا، لتوفير معلومات تحكم حركي أمثل للأطراف الصناعية.

في هذا الصدد قال الدكتور باولو ساسو، الذي قاد العملية الجراحية، “بناء على الظروف السريرية، يمكننا تقديم أفضل حل لمرضانا، وأحيانا يكون الحل الأمثل هو الزرع البيولوجي مع زراعة اليد، وأحيانا هو الحل البيونيكي مع الزراعة العصبية العضلية، نحن نستمر في التحسين في كليهما”.

إضافة إلى مهام الحياة اليومية مثل حمل الأشياء والحركات المتحكم فيها، مثل استخدام الدقيق، فقد ساهم الأطراف الصناعية في تخفيف الألم الظاهري والألم المصاحب الذي كانت تعانيه كارين منذ حادثها الزراعي منذ ما يقرب من عشرين عاما، واستمرار الألم هو أحد الأسباب التي يتخلون عنها العديد من مرضى فاقدي الأطراف فيما يتعلق بالأطراف الصناعية التقليدية.

المريضة كارين قالت، “كان الأمر يشبه دائما أن يدي موجودة باستمرار في آلة فرم اللحم، مما خلق مستوى عالٍ من الإجهاد، واضطررت إلى تناول جرعات عالية من مسكنات الألم المختلفة، بالنسبة لي، هذا البحث يعني الكثير، حيث منحني حياة أفضل”.

هذه الطرف البيونيكي المستقبلي المعروف باسم يد “ميا“، والذي تم تطويره من قبل الشركة الإيطالية للأطراف الصناعية اليدوية الآلية “Prensilia”، يتميز بخمس قبضات، ويعد نتائج دراسة استمرت لثلاث سنوات على تكامل يد “ميا” خطوة هامة إلى الأمام في تطوير الأطراف البديلة التي يمكن استخدامها براحة وبكفاءة في الحياة اليومية.

توسيع الآفاق

باستحسان هذه الابتكارات الرائعة في مجال الأطراف الاصطناعية، نجد أن المستقبل يعد بإمكانيات مذهلة لتحسين حياة الأشخاص الذين يعيشون مع فقدان الأطراف، ومع استمرار التقدم في التكنولوجيا والطب، من الممكن أن نرى تطورات مثيرة تزيد وظائف هذه الأطراف بشكل أكبر، وتزيد مستوى راحة المستخدمين.

الرؤية المستقبلية لهذا القطاع تشمل مزيدا من التكامل مع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتمكين أطراف صناعية أكثر تكاملا وذكاء، والتي تستجيب بشكل أفضل لاحتياجات المستخدم.

من المحتمل أن تتطور الأطراف البيونيكية أكثر بفضل الزراعة في العظم والتكامل العصبي العضلي، مما سيجعلها خيارا شائقا لمزيد من الأشخاص الذين يعيشون مع فقدان الأطراف، تمكن الأبحاث والابتكارات من تقديم حل متكامل لهؤلاء الأفراد، حيث يمكن للأطراف الاصطناعية أن تصبح جزءا من هويتهم وحياتهم اليومية بشكل طبيعي.

هذا التقدم يفتح أيضا الأبواب للعديد من الاستخدامات الأخرى لهذه التقنيات المتقدمة، بما في ذلك تحسين رعاية الجراحات وإعادة بناء الأعضاء البشرية، يمكن أن يكون لهذه الإنجازات تأثير إيجابي على مجتمعنا بأكمله، وتعزيز الجودة وأنماط الحياة للأشخاص الذين يعيشون مع التحديات البدنية، تحقيق مزيد من التقدم والتطور في هذا المجال يمثل إحدى أكبر الآمال والتطلعات للمستقبل، حيث نشهد ثورة حقيقية في تحسين حياة الأفراد وتوسيع آفاق العلاجات والتكنولوجيا الطبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات