“ميتا” تلاحق حملات التلاعب على منصاتها حول العالم.. ما علاقة روسيا؟

“ميتا” تلاحق حملات التلاعب على منصاتها حول العالم.. ما علاقة روسيا؟
استمع إلى المقال

بعد 6 سنوات من فضيحة التدخل الروسي خلال الانتخابات الأميركية الرئاسية لعام 2016 من خلال حملات التلاعب عبر “فيسبوك”، وفي مواجهة ضغوط سياسية كبيرة على شركات التواصل الاجتماعي للكشف عن الأنشطة المماثلة، تقول “ميتا” إنها وصلت الآن إلى علامة فارقة في هذه المساعي تتمثل في القضاء على 200 عملية من هذا القبيل.

في تقرير نُشر أمس الخميس، تشرح “ميتا” الإجراءات التي اتخذتها ضد حملات التأثير السرية هذه، إذ قالت الشركة إن المشكلة أصبحت عالمية تماما، ولم تعد محصورة في بلدان معينة، مع استهداف “أكثر من 100 دولة مختلفة، من أفغانستان إلى زيمبابوي”، لكن رغم ذلك، بقيت الولايات المتحدة وأوكرانيا والمملكة المتحدة، على الترتيب، الأهداف الأكثر شيوعا.

خريطة توضح تركيز الحملات عالميا. مصدر الصورة: “ميتا”

هذا يشير على الأرجح إلى تأثير الولايات المتحدة على السياسة العالمية، في حين أنه يمكن أن يرتبط أيضا بشعبية الشبكات الاجتماعية المرتفعة في هذه البلدان، ما يجعلها ناقلا أكبر للتأثير.

في بيان للصحفيين، قال رئيس السياسة الأمنية للشركة ناثانيال جليشر، “بينما يركز الخطاب العام الذي يصف هذه الحملات على التدخل الأجنبي”، فإن غالبية عمليات “السلوك غير الأصيل المنسقة” (تعرف اختصارا بـ “CIB”) التي اكتشفتها “ميتا” كانت تستهدف نفس البلد الذي تعمل منه الجهات الفاعلة لهذه العمليات.

ثلثا الشبكات التي يزيد عددها عن 200 شبكة، والتي أزلناها، تركز إما كليا أو جزئيا على جمهورها المحلي، وعلى الرغم من أن الجناة الأكثر شيوعا -روسيا وإيران- كانوا يعملون على المستوى الدولي، فإن الجاني الأكثر شيوعا الذي يليهم من حيث عدد تلك الحملات -المكسيك- استهدف الأشخاص داخل البلاد، مع التركيز بشكل خاص على الجماهير المحلية للغاية داخل دولة واحدة أو حتى مدينة واحدة.

ناثانيال جليشر

روسيا تستغل كل الطرق لنشر دعايتها

مصدر الصورة: “ميتا”

“ميتا” قالت، إن تحقيقاتها أدت إلى إزالة شبكات عمليات السلوك غير الأصيل المنسقة من 68 دولة مختلفة تستخدم 42 لغة على الأقل، من الأمهرية إلى الأردية إلى الروسية والصينية، وحتى العربية.

بحسسب الشركة، فإنها لاحظت مجموعة واسعة جدا من التكتيكات والشبكات التي نشأت في روسيا بلغ عددها 34، سواء كانت تدار من قبل أشخاص تربطهم صلة بالجيش الروسي، أو الاستخبارات، أو من خلال شركات التسويق، أو الكيانات المرتبطة بممول روس معاقبين، في إشارة إلى الأوليغارشية “يفغيني بريغوزين” المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين.

الشركة أشادت في هذا الصدد، بعمل شركة “جرافيكا” لتحليلات وسائل التواصل الاجتماعي، ومرصد “ستانفورد” للإنترنت، واللذين كشفا في وقت سابق من هذا الأسبوع، أن المشغلين المرتبطين ببريغوزين كانوا يتلاعبون بالجماهير على منصات التواصل الاجتماعي اليمينية البديلة، بما في ذلك منصة “تروث سوشال” التي يملكها دونالد ترامب.

تراوحت التكتيكات الروسية التي استهدفتها “ميتا” من “التعليقات غير المرغوب فيها” على المقالات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى “تشغيل الكيانات الإعلامية الوهمية عبر منصات التواصل الاجتماعي التي استأجرت صحفيين حقيقيين للكتابة لهم”، وفي الحالة الأخيرة، لم يعرف الصحفيون أنفسهم أنهم يعملون لدى منظمات تقف ورائها روسيا.

أبرز مثالٍ على ذلك كان موقع “Peace Data” الذي اعتُبر مركزا لحملة نفوذ سياسي روسي استهدفت الناخبين اليساريين في الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى عام 2020، والذي دفع مبالغ تصل إلى 250 دولار أميركي للمقال الواحد للمُستكتبين المستقلين، بحسب “رويترز”.

على الرغم من أن التدخل الروسي الذي استهدف الولايات المتحدة كان له التأثير الأكبر على قطاع وسائل التواصل الاجتماعي، قالت “ميتا” إن تحقيقاتها وجدت أن المزيد من العمليات التي نشأت من روسيا كانت في الواقع تستهدف أوكرانيا وأفريقيا أكثر مما كانت تستهدف أميركا.

إن أول وآخر عملية إزالة لشبكات عمليات السلوك غير الأصيل المنسقة، كانتا لشبكات نشأت من روسيا. إذ استهدفت عملية الإزالة الأخيرة أوكرانيا ودولا أخرى في أوروبا، وتمكنا من نسبتها إلى شركتين في روسيا: شركة “Structura National Technology” وشركة “Social Design Agency.

شركة “ميتا”

إلى جانب التقرير الصادر هذا الخميس، يذكر أن فريق “ميتا” عزا شبكة روسية تعامل معها في وقت سابق من هذا العام إلى هاتين الشركتين. كانت حملات الشبكة تستهدف ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأوكرانيا والمملكة المتحدة وتنشر روايات تدعم وجهة النظر الروسية حول الحرب في أوكرانيا.

في تلك الحملة، التي استمرت من أيار/مايو إلى أيلول/سبتمبر، أدار المشغلون الروس شبكة مترامية الأطراف من الحسابات المزيفة على “فيسبوك” و”إنستجرام” و”يوتيوب” و”تيليجرام” و”تويتر”، وكذلك على خدمة الشبكات الاجتماعية المملوكة لروسيا “لايف جورنال” ومنصات توقيع العرائض الشهيرة مثل “Avaaz” و “Change.org”.

تركيزات محلية أو إقليمية

“ميتا” كشفت عن تباينات إقليمية فيما يتعلق بمن كان يستهدف من، حيث كانت العمليات التي اتخذت إجراءات ضدها، المتمركزة في آسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا جنوب الصحراء وأميركا اللاتينية تستهدف دائما الجمهور المحلي، بنسبة 90 بالمئة منها ركزت كليا أو جزئيا داخل بلدانها.

في المقابل، من بين الشبكات التي اتخذت “ميتا” إجراءات ضدها، والتي كانت موجودة في أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان ثلثاها يستهدف الجماهير الأجنبية بشكل كلي أو جزئي.

الشركة وجدت، أن منطقة الخليج كانت متفردة من حيث استهداف عمليات التأثير السرية من العديد من دول المنطقة المختلفة بعضها البعض، ما يشير إلى أن محاولات التأثير هذه ما هي إلا امتداد للتوترات الجيوسياسية على الأرض إلى أوساط أخرى.

كمثال على ذلك، أزالت “ميتا” شبكة إيرانية تنتقد السعودية والولايات المتحدة، وشبكة من السعودية تنتقد إيران وقطر وتركيا. كما أزالت شبكة من مصر وتركيا والمغرب تدعم قطر وتركيا وتنتقد السعودية والإمارات والحكومة المصرية، وشبكة من مصر تدعم الإمارات وتنتقد قطر وتركيا.

قد يهمّك: شركة ميتا والتضليل.. كيف يتم التلاعب بالمستخدم؟

كيف يمكن للمستخدم العادي كشف الحملات؟

على الرغم من تنوع الأساليب التي تتبعها الجهات الفاعلة وراء هذا النوع من الحملات، توجد بعض السلوكيات أو الدلائل التي قد تفضحها، وقد يمكن للمستخدم العادي كشف هذه الحملات عند إدراكه هذه السلوكيات.

مدير إعلانات “فيسبوك”، على سبيل المثال، يوفر نفس أدوات التسويق للجميع بدون تفرقة، سواء للشركات الكبيرة أو المشاريع الصغيرة أو حتى على مستوى الصفحات التجارية الشخصية، بحسب كرم محمد، مسؤول التسويق الإلكتروني في “إكسڤار”.

بالتالي يتم استهداف الجمهور بنفس الأدوات، حيث يتم التركيز على الاهتمامات في المقام الأول، والموقع الجغرافي وغيره من العوامل في المقام الثاني.

محمد يقول، إنه من هذا المنطلق، يمكن للمستخدم العادي الكشف عن حملات التأثير تلك من خلال مقارنة نوعية ونصوص الإعلانات التي تظهر له مقارنة مع اهتماماته، خاصة السياسية منها أو التي تتعلق بالشأن العام.

من غير المنطقي أن يتم إرسال حملة إعلانية تتعارض مع اهتماماتك وآرائك حول بعض القضايا إلا إذا كان وراء هذا السلوك جهة معينة، وليس من المنطق أيضا أن تنفق شركة أمولا فقط لمجرد أن تعكر صفو الجمهور المعارض!.

كرم محمد – مسؤول التسويق في “إكسڤار”

قد يهمّك: ميتا تتجه للخدمات المدفوعة.. ما هي التبعات؟

شخصيات مولّدة بالذكاء الصنعي

مخطط بياني يوضح الارتفاع في نسبة صور الحسابات الزائفة المولدة بواسطة الذكاء الصنعي عبر السنوات الأربع الأخيرة. مصدر الصورة: “ميتا”

“ميتا” قالت في تقريرها، إنها شهدت منذ عام 2019، “ارتفاعا سريعا” في شبكات الحسابات المزيفة التي تستخدم صورا شخصية تم إنشاؤها باستخدام “الشبكات الخصومية التوليدية”، والتي يمكن إنتاجها بسهولة على مواقع الويب المتخصصة مثل “thispersondoesnotexist.com“، حيث لاحظت الشركة أن أكثر من ثلثي الحملات التي عالجتها تعرض صور حسابات شخصية تم إنشاؤها بواسطة تلك الشبكات.

“ميتا” أردفت، أن “الجهات المسؤولة عن تلك الهجمات  قد تعتبرها وسيلة لجعل حساباتها المزيفة تبدو أكثر أصالة”، ولكن نظرا لأن إجراءات الإنفاذ التي اتخذتها الشركة ركزت على السلوك بدلا من المحتوى الذي تنشره هذه الجهات، فإن استخدام هذه الصور لم يساعدها في تجنب الاكتشاف.

 ذلك يؤكد وجوب تنظيم هذه التقنيات والسيطرة عليها، لا سيما عند ملاحظة الارتفاع المطرد لتقنيات التوليد بواسطة الذكاء الصنعي، والتي تمتد من الصور الثابتة إلى الفيديوهات وحتى النصوص. في حين أن هذه الأنظمة لها استخدامات قيّمة، إلا أن هناك أيضا مخاطر وأضرار محتملة، ومن المثير للاهتمام كيفية استخدام هذه التقنيات لإخفاء نشاطات غير قانونية.

كيف يمكن معالجة الأمر؟

تقرير “ميتا” يسلط الضوء على حجم المشكلة، وكيفية تعامل الشركة باستمرار مع التكتيكات المتطورة للمحتالين والمديرين لعمليات التلاعب عبر الإنترنت، ومن أجل ذلك، دعت “ميتا” صناع القرار إلى زيادة التنظيم وفرض قوانين ذات صلة أكثر صرامة، وكذلك شركائها في الصناعة إلى الاستمرار في اتخاذ هكذا إجراءات.

“ميتا” تحدث سياساتها وعملياتها بما يتماشى مع هذه الاحتياجات أيضا، بما في ذلك ميزات الأمان وتوسيع خيارات الدعم، والتي ستشمل الدردشة المباشرة مع مسؤولي خدمة الزبائن والمستخدمين في الشركة.

هذا العام، طورت الشركة اختبارا صغيرا لميزة الدعم عبر الدردشة المباشرة على “فيسبوك”، لأكثر من مليون شخص في تسعة بلدان، وتخطط لتوسيع هذا الاختبار ليشمل أكثر من 30 دولة حول العالم. لكن هذه لن تكون مهمة سهلة، لا سيما عند خدمة ما يقرب من 3 مليارات مستخدم على منصات “ميتا”.

كرم محمد، يشير إلى ازدياد صعوبة استخدام الفلاتر ومراقبة جودة الإعلانات على منصات “ميتا” بالطريقة التقليدية، للكشف عن هكذا حملات يمكنها تجاوز هذه الفلاتر بكل سهولة في ظل التطور الرهيب الذي يمر به العالم الرقمي.

في النهاية، على “ميتا” أن تطور نظام مراقبة للإعلانات بنفس الطريقة التي يتم فيها تطوير هذا النوع من الحملات، مع الاعتماد على الذكاء الصنعي، وتحليل البيانات والسلوكيات المتراكمة للمؤسسات التي تقف خلف تلك الحملات، وربط مختلف الأحداث مع بعضها للوصول إلى أفضل طريقة لمراقبة هذا السلوك، بحسب كرم محمد.

قد يهمّك: وثائق فيسبوك: الشركة متّهمة بالمساهمة في استغلال خادمات المنازل في الشرق الأوسط

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.