مراكز البيانات تحت مياه البحر تعد بإنترنت أكثر كفاءة.. ولكن؟

مراكز البيانات تحت مياه البحر تعد بإنترنت أكثر كفاءة.. ولكن؟
استمع إلى المقال

موجة الطقس الحار التي حطمت الأرقام القياسية في أوروبا الصيف الماضي جعلت أنظمة تبريد مراكز البيانات تعمل بطاقتها القصوى من أجل التعامل مع الحرارة الشديدة، ما دفع موقع “آي جي إن” الأميركي إلى كتابة العنوان الدرامي “مراكز بيانات جوجل تُقلى وسط موجة الحر الأوروبية”. الأمر الذي أثار التساؤل عما إذا كانت البنية التحتية التقنية في أوروبا، وفي بقية أنحاء العالم الأكثر حرارة، قادرة على التعامل مع عالم يحترّ يوما بعد يوم.

كما هو الحال بالنسبة للبشر، الذين يستطيعون الذهاب إلى المسابح أو البحر لتخفيف وطأة حرارة الصيف، يقترح البعض بأخذ مراكز البيانات إلى البحر أيضا. قبل عامين، جمعت شركة “مايكروسوفت” أكثر من 800 خادم كمبيوتر في أنبوب بحجم حاوية شحن، ثم أغرقته في قاع بحر الشمال، شمال أوروبا.

هدف الشركة كان معرفة ما إذا كان مركز البيانات تحت الماء يمكن أن يتغلب على قيود نظرائه فوق سطح الأرض. استعادت “مايكروسوفت” الآن بياناتها الغارقة، وتشير نتائج التجربة إلى أن البحر يمكن أن يكون موطنا أفضل للبيانات.

لم تُصمم كالبشر

مراكز البيانات عبارة عن مقرات ضخمة تحتوي على خوادم ومعدات أخرى تعتمد عليها الشركات لتخزين وتوزيع بياناتها الرقمية، على سبيل المثال، تحتاج “جوجل” وحدها 30 مركزا مخصصا للبيانات في جميع أنحاء العالم لاحتضان خوادمها البالغ عددها 2.5 مليون خادم.

مشكلة صغيرة في مركز البيانات يمكن أن تؤدي إلى إيقاف عمليات شركة بأكملها، ولو لمدة ثوانٍ، إذ يمكن لتعطل ثوانٍ لـ “تويتر” أو “فيسبوك”، التي شهدت في السابق توقفات عديدة بسبب أعطال في مراكز بياناتها، أن يكلفها مئات آلاف الدولارات، وهناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى تعطل الخوادم.

سبنسر فاورز، الباحث المشارك في مركز بيانات “مايكروسوفت” تحت الماء، قال “أجهزة الكمبيوتر ليست مصممة للعمل في البيئة التي نعمل بها نحن البشر. أشياء مثل الأكسجين والرطوبة في الهواء، سيئة جداً لأجهزة الكمبيوتر، وتسبب في تآكل مكوناتها”.

“إن تقلبات الحرارة من الليل إلى النهار ومن الصيف إلى الشتاء يمكن أن تتسبب في فشل هذه المكونات كذلك.”

سبنسر فاورز

مشروع “ناتيك”

مركز بيانات مايكروسوفت المغمور “الجزر الشمالية” – مصدر الصورة: “مايكروسوفت”

في عام 2018، غمرت “مايكروسوفت” أول مركز بيانات لها تحت الماء قبالة جزر أوركني في اسكتلندا. تضمن المشروع، الذي أُطلق عليه اسم “ناتيك”، تشغيل مركز بيانات تحت الماء دون مراقبة لمعرفة ما إذا كانت السحابة يمكن أن تعمل تحت الماء.

لمدة عامين، ما يقرب من 40 مترا تحت سطح البحر، شغلت “مايكروسوفت” 12 رفّا تحتوي على 864 خادما قياسيا لمراكز بيانات “مايكروسوفت” لمعالجة أحمال “مايكروسوفت أزور” السحابية.

نشأة المشروع بدأت في عام 2013 عندما كتب شون جيمس، الباحث في شركة “مايكروسوفت”، والذي كان يعمل في السابق غواصا في البحرية الأميركية، ورقة بحثية يقترح فيها إقامة منشآت سحابية تحت الماء. تم اتباع اختبارات إثبات المفهوم في كاليفورنيا قبل أن تتوجه “مايكروسوفت” إلى الجزر الأسكتلندية لإجراء اختبار حقيقي.

“مايكروسوفت” عملت مع شركة فرنسية متخصصة في الهندسة البحرية والغواصات، تدعى “نافال جروب”، لبناء مركز البيانات الذي أُطلق عليه اسم “الجزر الشمالية”، وبعد تشغيل النموذج الأولي لمدة عامين، في 9 تموز/يوليو 2020 تحديدا، تم استرجاع مركز البيانات أخيرا لإزالة الطحالب وشقائق النعمان البحرية، وتحليل مكوناته والبيانات التي يحملها.

المشروع أثبت أن مفهوم مراكز البيانات تحت الماء يمكن تحقيقه من الناحية اللوجستية والبيئية والعملية. إذ قال الباحث في “مايكروسوفت” بِن كاتلر، في بيان صحفي إنه بعد عامين، فشلت ثمانية فقط من أصل 864 خادما في مركز البيانات تحت الماء، وهو معدل أعلى كفاءة بثمانية أضعاف من متوسط فشل الخوادم فوق سطح الأرض.

الفريق يدرس منذ ذلك الحين المعدات الموجودة داخل مركز البيانات لمعرفة سبب كونها أكثر موثوقية. بعد ذلك، سينصب التركيز على استكشاف طرق للتوسع في هذا النهج، ربما عن طريق ربط العديد من مراكز البيانات تحت الماء مع بعضها البعض.

“مايكروسوفت” ترجح أسباب تلك الكفاءة، إلى عدد من العوامل، أولها موقع المركز تحت سطح الماء، الذي سيسمح له بتجنب بعض التقلبات في درجات الحرارة التي يمكن أن تؤثر على موثوقية المنشآت المشابهة التقليدية، كما سيساعد الماء البارد حول المركز أيضا في منع ارتفاع درجة حرارة المنشأة.

بحسب تقرير لشركة “أبتايم إنستيتيوت” الأميركية المتخصصة بالبنى التحتية التقنية، فإن 70 بالمئة من أعطال مراكز البيانات سببها الخطأ البشري، لكن من خلال تصميم مركز البيانات تحت الماء ليعمل بشكل مستقل، يمكن لـ “مايكروسوفت” أيضا القضاء على أي فرصة لإتلاف العمال للمكونات. وبدون البشر، ليست هناك حاجة للأكسجين في مركز البيانات، لذلك يمكن لشركة “مايكروسوفت” استبداله بالنيتروجين، الأقل تسببا في تآكل المعدات.

قد يهمّك: كيف استغلت “مايكروسوفت أزور” تعثر منافسيها لتتسيّد على السحابة في الشرق الأوسط

إنترنت أسرع وأكثر صداقة للبيئة

جراب “جولس فيرن” – مصدر الصورة: “Subsea Cloud”

في آب/أغسطس المنصرم، أعلنت شركة “Subsea Cloud” أنها تخطط لتثبيت جراب بالقرب من ميناء أنجيليس بولاية واشنطن الأميركية. سيبدأ جراب “جولس فيرن” بحاوية شحن بطول 6 أمتار على عمق حوالي تسعة أمتار تحت الماء، وسيحتوي على 800 خادم، وسيعقبه جراب يسمى “Njord01” في خليج المكسيك، وخطة “مؤقتة” لوضع جراب آخر يسمى “Mannanan” في بحر الشمال. وبحسب ما ورد، سيصل الأخير إلى عمق حوالي 213 مترا.

في شباط/فبراير، قالت “Subsea Cloud” إن أول 10 كبسولات ستهدف إلى توفير أكثر من 7683 طنا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة بمركز أرضي مكافئ عن طريق تقليل الحاجة إلى التبريد الكهربائي. في ذلك الوقت، قالت الشركة إن مراكز البيانات الخاصة بها ستستهدف الرعاية الصحية والتمويل والجيش في الولايات المتحدة.

بالإضافة إلى البصمة البيئية، يمكن لمراكز البيانات تحت الماء أيضا توفير اتصال إنترنت أسرع، بحسب رينولدز. إذ تدعي شركة “Subsea Cloud” أن الكُمون – أو تأخر البيانات – يمكن تقليله بنسبة تصل إلى 98 بالمئة مع استخدام مراكز البيانات الموجودة تحت الماء.

ماكسي رينولدز، مؤسس شركة “Subsea Cloud”، قال لموقع “يورونيوز”، “الكمون هو نتيجة ثانوية للمسافة، لذلك كلما ابتعدت مراكز البيانات هذه عن المناطق الحضرية، كلما ازدادت قيمته”

حوالي 40 بالمئة من سكان العالم يعيشون على بعد 100 كيلومتر من الساحل، وفي المراكز الساحلية الحضرية الرئيسية مثل لوس أنجلوس وشنغهاي وإسطنبول والإسكندرية، يمكن أن يؤدي تركيب مراكز بيانات تحت مياه البحر إلى تحسين كيفية استخدام الأشخاص لأجهزتهم بشكل كبير.

الإشارات تنتقل بسرعة 200 كم/مللي ثانية، ويبتعد مركز البيانات في المتوسط 400 كيلومتر عن مستخدم الإنترنت، مما يعني أن الرحلة ذهابا وإيابا تستغرق 40 مللي ثانية. يمكن تقليل ذلك بما يصل إلى 20 مرة – إلى 2 مللي ثانية – بواسطة مراكز البيانات تحت الماء بسبب تقلص تلك المسافة.

رينولدز، قال إن اللاعبين في مجال مركز البيانات تحت سطح البحر هم، في الوقت الحالي على الأقل، حلفاء بعيدون وليسوا منافسين “نحن بحاجة إلى بعضنا البعض إذا أردنا إعادة تشكيل الصناعة وإعادة تصميمها للأفضل”، لكن تجد الإشارة إلى رينولدز الذي نوّه في منشور على حسابه على “لينكد إن” أن شركته هي مجرد “مالك للأراضي تحت الماء”، وليس مزوّد خدمات سحابية، رغم وجود كلمة السحابة في اسمها.

قد يهمّك: الحاجة لمراكز البيانات تتنامى في الشرق الأوسط.. ماذا تفعل الشركات؟

لماذا الشركات ليست متشجعة؟

على الرغم من نجاح “مايكروسوفت” مع مشروع “ناتيك” في إثبات أنه من الممكن وضع مراكز البيانات تحت الماء، إلا أنه، على عكس المتوقع، لم يكن هناك اهتماما كبيرا من مقدمي الخدمات السحابية الآخرين. شركة “هايلاندر” في الصين هي المزوّد الوحيد الذي يبدو أنه يسعى بنشاط وراء هذه الفرصة من خلال السعي لتشييد أول مركز بيانات تجاري تحت الماء في العالم قبالة ساحل “هاينان” التجاري.

لا يبدو مزودو الخدمات السحابية الآخرون، مثل “أمازون” و”جوجل” متحمسين للغاية للفكرة. حتى “مايكروسوفت” تبدو مترددة في قول الكثير عن المرحلة التالية من مشروع “ناتيك” أكثر من “المزيد من البحث”، لذا وجد العديد من المهتمين الأمر مثيرا لبعض الاستغراب.

ما يجدر ذكره أن بِن كاتلر، المتحدث باسم “مايكروسوفت” سبق وأن قال لـ “بي بي سي” عند الكشف عن نتائج التجربة الأولية:

نعتقد أننا تجاوزنا النقطة التي تكون فيها هذه تجربة علمية. الآن الأمر مجرد سؤال حول ما نريد هندسته، هل سيكون صغيرا أم كبيرا؟

تشارلز غولزبي، خبير مراكز البيانات في شركة “راكينج” الأميركية، أوضح في حديث خاص بموقع “إكسڤار” سبب تقاعس مزودي الخدمات السحابية الكبار هذا النوع من مراكز البيانات، إذ قال “الفرق بين العلم والهندسة هو أن العلماء يحبون العثور على مشاكل مثيرة للاهتمام ويكرّسون حياتهم كلها للعمل على كيفية حلها بطرق فريدة ومثيرة للاهتمام. بينما يتجنب المهندسون المشاكل المثيرة للاهتمام برمّتها.”

وفقا لغولزبي، فإن وضع مركز البيانات تحت الماء يحل مشكلة واحدة فقط (وليست الأكثر إلحاحا أو صعوبة أو إثارة للاهتمام بحسب رأيه) تعاني منها مراكز البيانات. وهي التبريد، مع مضاعفة المشاكل التشغيلية والمالية الأخرى في نفس الوقت، مثل الطاقة والصيانة والشبكات، والأهم من ذلك كله، النطاق.

إن وضع مركز البيانات في المحيط يضع الكثير من القيود على حجم مجموعات الحوسبة الخاصة بالمركز، بحسب غولزبي، إذ يُعد وضع 1000 خادم في غواصة أكثر تكلفة بكثير من وضع 100 ألف خادم في مستودع على أرض رخيصة في مكان ما مثل شرق ولاية أوريغون الأميركية، حيث يمكن استئجار عمالة رخيصة لصيانة مجموعات كاملة وترقيتها واستبدالها حسب الحاجة، الأمر غير الممكن في البيئة تحت السطحية.

من جانبه، يدافع ماكسي رينولدز مؤسس “Subsea Cloud” بقوله، إن تكلفة مراكز بيانات قاع البحر أقل بنسبة 90 بالمئة مقارنة بالمراكز البرية “إن وضع البنية التحتية في المناطق الحضرية وفي المناطق الريفية أيضا أمر معقّد ومكلف. هناك حقوق وتصاريح للأراضي يجب مراعاتها والعمل أبطأ ويمكن أن يكون أكثر تكلفة”.

على سبيل المثال، قال رينولدز إن تركيب كابل تحت سطح البحر يستغرق حوالي 18 دقيقة ويكلف حوالي 1700 يورو لكل ميل (1.6 كيلومتر) من الكابل. على الأرض، سيستغرق الأمر حوالي 14 يوما وسيكلف حوالي 165 ألف يورو لكل ميل.

عليه، من غير المعروف بعد إن كان هذا النوع من مراكز البيانات سيكون مجديا أم لا. لكن هذا جوهر العلم، وهذه هي الطريقة التي يتعلم البشر بها. قد تساعد المعلومات المكتسبة في تغيير الطريقة التي تتم بها الأشياء في المستقبل بالتأكيد، لكنها لن تغير الحاضر كثيرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.