استمع إلى المقال

لزمن طويل، اعتمدت الاتصالات اللاسلكية على تقنية “واي فاي”، لكن هناك الآن منافس جديد يتمثل في تقنية “لاي فاي”، فهل تستطيع هذه التقنية الواعدة أن تستبدل “واي فاي” مستقبلا.

من المفترض قريبا أن يصل الجيل الـ 7 من معيار الشبكات اللاسلكية “واي فاي” مع إطلاق أجهزة توجيه داعمة له في وقت لاحق من هذا العام، لكن مستقبل الاتصالات اللاسلكية قد لا يقتصر على “واي فاي” فقط، بل هناك تقنية لاسلكية قائمة على الضوء قادمة تُعرف باسم “لاي فاي”.

بداية الحكاية

لأكثر من عقد من الزمان، كان من المعروف أن الضوء قادر على نقل كميات كبيرة من البيانات اللاسلكية. الآن، قررت هيئة المعايير المسماة “معهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات” (IEEE)، وهي منظمة غير هادفة للربح مكرسة لتطوير التكنولوجيا لصالح البشرية، إضافة تقنية “لاي فاي” إلى جدول تقنيات الاتصالات اللاسلكية. 

هذه التقنية توفر سرعات نقل بيانات تتراوح بين 10 ميجابت في الثانية و9.6 جيجابت في الثانية باستخدام ضوء الأشعة تحت الحمراء غير المرئي.

اعتبارًا من شهر تموز/يونيو الحالي، أصبح معيار 802.11bb اللاسلكي يعترف رسميا باتصالات الضوء اللاسلكية كطبقة مادية لشبكات المنطقة المحلية اللاسلكية، الأمر الذي يعني أن “لاي فاي” لا تحتاج إلى التنافس مع “واي فاي”.

هذا المعيار يوفر إطارا معترفا به عالميا للمصنعين لإنتاج منتجات “لاي فاي” متوافقة مع بعضها البعض.

كان من المتوقع أن يكون لسوق “لاي فاي” معدل نمو سنوي مركب بنسبة 82 بالمئة من 2013 إلى 2018 وأن تزيد قيمته عن 6 مليارات دولار سنويا بحلول عام 2018. مع ذلك، لم يتطور السوق على هذا النحو ولا تزال التقنية بعيدة عن المستخدم.

ما هي “لاي فاي”

اختصارا، “لاي فاي” هي تقنية اتصال لاسلكي تستخدم الضوء لنقل البيانات والموقع بين الأجهزة، حيث ظهر هذا المصطلح  للمرة الأولى في عام 2011 بعد أن صاغه هارالد هاس، بروفيسور الاتصالات المتنقلة في “جامعة إدنبرة”، خلال حديثه ضمن مؤتمر “تيد جلوبال”. 

إبان المؤتمر، قدم هاس فكرة البيانات اللاسلكية من كل ضوء، موضحا أن “لاي فاي” تمثل نظاما للاتصال الضوئي قادرا على نقل البيانات بسرعات عالية عبر طيف الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء.

في حالتها الحالية، يمكن استخدام مصابيح الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED) فقط لنقل البيانات في الضوء المرئي.

هذه التكنولوجيا مشابهة لتقنية “واي فاي”، لكن الفرق التقني الرئيسي هو أن “واي فاي” تستخدم ترددات الراديو لإحداث توتر كهربائي في الهوائي لنقل البيانات، بينما تستخدم “لاي فاي” تعديل شدة الضوء لنقل البيانات.

“لاي فاي” قادرة على العمل في المناطق المعرضة للتداخل الكهرومغناطيسي (مثل كبائن الطائرات أو المستشفيات أو الجيش).

نظرة تاريخية على التقنية

هذه التكنولوجيا مشتقة من تقنية “الاتصالات اللاسلكية الضوئية” (OWC)، التي تستخدم الضوء من الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED) كوسيلة لتوفير اتصال شبكي متنقل وعالي السرعة بطريقة مماثلة لتقنية “واي فاي”.

بالانطلاق من فكرة أن الإضاءة الذكية العاملة بواسطة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED) العالية الكفاءة لها تأثير كبير بحياتنا على مدار السنوات القادمة، ظهر مشروع (D-Light)، الذي موله معهد الاتصالات الرقمية في “جامعة إدنبرة”، حيث استمر بين عامي 2010 و2012.

هذا المشروع طور جهازا يوفر اتصالات بيانات عالية السرعة عبر الضوء المرئي بسرعة تصل إلى أكثر من 130 ميجابت في الثانية باستخدام مصباح (LED) تجاري واحد جاهز للاستخدام، وساعد هاس في تأسيس شركة “PureVLC” لتسويقه.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2011، تعاونت المنظمة البحثية “معهد فراونهوفر للنظم الضوئية الدقيقة” ومجموعة من الشركات الصناعية لتشكيل اتحاد “لاي فاي”.

الهدف من هذا الاتحاد كان تعزيز الأنظمة اللاسلكية الضوئية العالية السرعة والتغلب على الكمية المحدودة من الطيف اللاسلكي القائم على الراديو المتاح من خلال استغلال جزء مختلف تماما من الطيف الكهرومغناطيسي.

في عام 2012، جرى عرض تقنية “اتصالات الضوء المرئي” (VLC) باستخدام “لاي فاي”، حيث أن (VLC)، الذي يعود تاريخه إلى ثمانينيات القرن التاسع عشر، يتضمن أي استخدام لجزء الضوء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي لنقل المعلومات.

نتيجة لذلك، تعمل (VLC) عن طريق تحويل التيار إلى الصمامات الثنائية الباعثة للضوء (LED) وإيقاف تشغيله وتشغيله بسرعة عالية جدا تتجاوز قدرة العين البشرية على الملاحظة.

بحلول عام 2013، تم عرض معدلات بيانات تبلغ نحو 1.6 جيجابت في الثانية عبر مصباح (LED) أحادي اللون.

في شهر نيسان/أبريل 2014، أعلنت شركة “Stins Coman” عن تطوير شبكة “لاي فاي” محلية لاسلكية تسمى (BeamCaster) قادرة على نقل البيانات بسرعة تصل إلى 1.25 جيجابايت في الثانية 

خلال نفس العام، تم تسجيل رقم قياسي جديد بواسطة شركة “Sisoft”، حيث تمكنت من نقل البيانات بسرعات تصل إلى 10 جيجابايت في الثانية.

في شهر حزيران/يونيو 2018، اجتازت تقنية “لاي فاي” اختبارا بواسطة مصنع “بي إم دبليو” في ميونيخ للعمل في بيئة صناعية.

ضمن العام نفسه، جربت “Kyle Academy”، وهي مدرسة ثانوية في اسكتلندا، استخدام “لاي فاي” داخل المدرسة، حيث تمكن الطلاب من تلقي البيانات من خلال اتصال بين الحواسيب المحمولة وجهاز “USB” قادر على ترجمة تيار التشغيل السريع من مصابيح (LED) الموجودة في السقف إلى بيانات.

في شهر حزيران/يونيو 2019، اختبرت شركة “Oledcomm” تقنية “لاي فاي” في معرض باريس الجوي 2019.

خلال شهر تموز/يوليو الحالي، نشرت (IEEE) معيار 802.11bb للشبكات القائمة على الضوء، الذي يهدف إلى توفير معيار محايد للبائع لسوق “لاي فاي”.

الفوائد المحتملة

هناك العديد من الفوائد المحتملة لهذه التقنية الواعدة، بما في ذلك إمكانية تثبيت أجهزة إرسال “لاي فاي” في تركيبات الإضاءة في المباني المتعددة الغرف، مثل المكاتب.

كما أن هناك فائدة أخرى، تتمثل بأن موجات الضوء لا تنفذ عبر الجدران مثل “واي فاي”، مما قد يحسن الأمان، ويقلل إمكانية الاختراق والتشويش والتنصت، وتمكين التنقل الداخلي بدقة سنتيمترات.

إلى جانب ذلك، لا يعد خط الرؤية المباشر ضروريا دائما لـ “لاي فاي” لنقل الإشارة، ويمكن للضوء المنعكس عن الجدران أن يحقق سرعة تصل إلى 70 ميجابت في الثانية.

هذه التقنية قد تكون مفيدة جدا في المناطق ذات الحساسية الكهرومغناطيسية دون التسبب في التداخل الكهرومغناطيسي.

“لاي فاي” و”واي فاي” تنقلان البيانات عبر الطيف الكهرومغناطيسي، لكن بينما تستخدم “واي فاي” موجات الراديو، فإن “لاي فاي” تستخدم الضوء المرئي والأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء.

نتيجة لذلك، من المتوقع أن تكون منتجات “لاي فاي” أرخص بعشر مرات من منتجات “واي فاي”، حيث جرى تقديم أول نظام “لاي فاي” متاح تجاريا في المؤتمر العالمي للجوال لعام 2014 في برشلونة.

لكن في الوقت الحالي، لا يوجد الكثير من المنتجات التي تدعم معيار “لاي فاي” الجديد، حيث كشفت “pureLiFi”، التي كانت تُعرف سابقا باسم “PureVLC”، عن أول جهاز يدعمها، (Light Antenna ONE)، هذا العام فقط.

هذا الجهاز يعتبر وحدة صغيرة بما يكفي بحيث يمكن من الناحية النظرية دمجه في الهواتف الذكية من أجل توفير سرعات أكثر من 1 جيجابت في الثانية اعتمادا على حالة الاستخدام. 

في عام 2015، حقق الباحثون في جامعة “أكسفورد” إنجازا جديدا في مجال الشبكات باستخدام هذه التقنية لتحقيق سرعات ثنائية الاتجاه تبلغ 224 جيجابت في الثانية، التي كانت أسرع بكثير من النطاق العريض السريع المعتاد في ذلك الوقت.

بالرغم من عدم وجود أي أدوات تجارية حتى الآن، إلا أن التقنية واعدة، حيث تتميز بسرعات تصل إلى 224 جيجابايت في الثانية، بينما من المتوقع أن يبلغ متوسط سرعة الجيل الـ 7 من “واي فاي” نحو 40 جيجابت في الثانية. 

معدلات نقل البيانات السريعة هذه تُعد مفيدة للغاية لأشياء مثل الألعاب أو الواقع الافتراضي والمعزز.

المساوئ

من أجل نقل البيانات، يجب وجود الصمامات الثنائية الباعثة للضوء القابلة للتعتيم إلى ما دون مستوى الرؤية البشرية مع استمرارها بإصدار ضوء كافٍ لحمل البيانات. 

لكن هذا الأمر يعتبر مشكلة رئيسية لهذه للتكنولوجيا، إذ عند الاعتماد على الطيف المرئي، فإن الضوء يقتصر على غرض الإضاءة، ولا يتم تعديله بشكل مثالي لغرض الاتصالات المتنقلة، وذلك بالنظر إلى أن مصادر الضوء الأخرى، على سبيل المثال الشمس، تتداخل مع الإشارة.

بالنظر إلى أن مدى الموجات القصيرة من “لاي فاي” غير قادر على النفاذ من الجدران، فإن أجهزة الإرسال بحاجة إلى أن تكون مثبتة في كل غرفة في المبنى لضمان توزيع “لاي فاي”. 

نتيجة لذلك، تعد تكاليف التركيب المرتفعة المرتبطة بهذا المطلب لتحقيق مستوى من التطبيق العملي للتكنولوجيا أحد الجوانب السلبية المحتملة.

المستقبل 

بالنظر إلى أن تقنية “لاي فاي” لم تطلق بعد أي أجهزة قابلة للاستخدام في السوق التجارية، فمن الصعب تحديد كيف يمكنها التنافس مع “واي فاي” في المنازل والمكاتب في جميع أنحاء العالم، حيث لا يزال كل شيء نظريا.

لكن مؤيدي التقنية يتجهون إلى إبراز مزايا استخدام الضوء بدلا من الترددات الراديوية، حيث أنه يوفر اتصالات لاسلكيا أسرع وأكثر موثوقية مع أمان أكبر بالمقارنة مع التقنيات التقليدية مثل “واي فاي”. 

الآن، بعد أن تم إصدار معيار 802.11bb، من المأمول أن يجري معالجة إمكانية التشغيل البيني بين أنظمة “لاي فاي” مع “واي فاي” بشكل كامل.

في المستقبل القريب، لن تكتسح “لاي فاي” بدائل “واي فاي”، حيث لا تزال موجات الراديو تتمتع بميزة واضحة فيما يتعلق بالإرسال عبر الغلاف الجوي على مسافة كبيرة، والنفاذ عبر الأجسام غير الشفافة. 

بدلا من ذلك، يجب تركيز العمل على استخدام هذه التقنيات معا لحصاد المزايا المتاحة.

بشكل عام، الجيل التالي من الشبكات اللاسلكية قد ينفصل عن إشارات الراديو التقليدية التي تعتمد على معايير مثل “واي فاي” لصالح الاستفادة من الأشعة تحت الحمراء “لاي فاي” غير المرئية للعين المجردة.

في النهاية، بالرغم من إمكانيات “لاي فاي” الواعدة، فإنها لا تزال في المراحل المبكرة، وليس من الواضح ما هي السلبيات التي يمكن أن تأتي مع التكنولوجيا، ناهيك عن المعركة الشاقة التي قد تخوضها في إقناع الناس بالانتقال إليها بدلا من “واي فاي”. لكن إصدار معيار 802.11bb الجديد يعد خطوة كبيرة إلى الأمام بشأن تقنية الشبكات الناشئة التي تدعي أنها توفر سرعات أعلى بـ 100 مرة من شبكات “واي فاي” الحديثة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
3.3 11 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات