استمع إلى المقال

لا شك في أن الإنترنت عبر الأقمار الصناعية يعتبر ميزة كبيرة للمستخدمين، الأفراد والدول، لكن كيف استطاع إيلون ماسك السيطرة وحده على هذا المجال التقني الحساس، وكيف يتحكم بهذه القوة التقنية الجبارة.

إيلون ماسك، الذي يقود “سبيس إكس” و”تيسلا” و”تويتر”، أصبح اللاعب الأكثر هيمنة في الفضاء من خلال “ستارلينك”، تكنولوجيا الإنترنت عبر الأقمار الصناعية التي صنعتها شركة الصواريخ “سبيس إكس”، حيث اكتسب قوة بشكل مطرد على مجال الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ذو الأهمية الاستراتيجية.

مع ذلك، فإن أسلوبه غير المنتظم والمدفوع بشخصيته يثير قلق الجيوش والقادة السياسيين بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، حيث يمارس الملياردير التكنولوجي سلطته في بعض الأحيان بطرق لا يمكن التنبؤ بها.

منذ عام 2019، أرسل ماسك صواريخ “سبيس إكس” إلى الفضاء كل أسبوع تقريبا، التي تنقل العشرات من الأقمار الصناعية إلى المدار، حيث تتواصل هذه الأقمار الصناعية مع المحطات الطرفية من أجل إرسال الإنترنت العالي السرعة إلى كوكب الأرض.

في الوقت الحالي، يوجد أكثر من 4500 قمر صناعي من “ستارلينك” في السماء، وهو ما يمثل أكثر من 50 بالمئة من جميع الأقمار الصناعية النشطة، لكن ماسك يخطط لامتلاك ما يصل إلى 42 ألف قمر صناعي في المدار في السنوات القادمة.

هذه القوة التقنية، التي ساعدت في دفع قيمة “سبيس إكس” إلى نحو 140 مليار دولار، بدأت بالظهور للتو، حيث غالبا ما تكون خدمة “ستارلينك” هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى الإنترنت في مناطق الحروب والمناطق النائية والأماكن التي ضربتها الكوارث الطبيعية.

ماسك يثير المخاوف

بينما يجري الإشادة بإيلون ماسك باعتباره مبتكرا عبقريا، لكنه في الوقت نفسه قادر وحده على أخذ قرار بإيقاف الوصول إلى خدمة “ستارلينك” لعميل أو دولة، ولديه القدرة على الاستفادة من المعلومات الحساسة التي تجمعها الخدمة.

نتيجة لذلك، فإن المخاوف بشأن سيطرة ماسك شبه الكاملة على الإنترنت عبر الأقمار الصناعية أثارت الإنذارات، حيث أنه شخصية سريعة الغضب. 

هذه المخاوف تصاعدت بسبب عدم اقتراب أي شركة أو حكومة من مطابقة ما قام ببنائه، وتحققت بعضها في أوكرانيا، حيث قيد إيلون ماسك الوصول إلى “ستارلينك” عدة مرات أثناء الحرب.

في بعض الأحيان، تباهى ماسك علانية بقدرات “ستارلينك”، حيث غرد في شهر نيسان/أبريل الماضي قائلا، “من خلال تيسلا وستارلينك وتويتر، قد يكون لدي المزيد من البيانات الاقتصادية العالمية في الوقت الحقيقي أكثر من أي شخص آخر”.

على مدار الـ 18 شهرا الماضية، ناقشت 9 دول على الأقل، بما في ذلك في أوروبا والشرق الأوسط، مسألة “ستارلينك” مع المسؤولين الأميركيين، حيث تتخوف بعض الدول بشأن سيطرة ماسك على هذه القوة التقنية، لكن بسبب عدم الرغبة بإثارة حفيظة ماسك، فإن قلة من الدول قد تتحدث علنا عن مخاوفها بشأن هذا الأمر.

مخاوف الحكومات المختلفة

وزارة الدفاع الأميركية، أكدت تعاقدها مع “ستارلينك”، لكنها رفضت الخوض في التفاصيل، مشيرة إلى الطبيعة الحرجة لهذه الأنظمة.

من أجل الموازنة بين الأولويات المحلية والجيوسياسية المتعلقة بماسك، الذي انتقد الرئيس بايدن، لم يقل المسؤولون الأميركيون الكثير علنا عن “ستارلينك”، لأن الولايات المتحدة بحاجة إلى هذه التقنية التي لا يمكن خسارتها، حيث أن الحكومة الفيدرالية هي واحدة من أكبر عملاء “سبيس إكس”، وتستخدم صواريخها في مهام “ناسا” وإطلاق أقمار صناعية للمراقبة العسكرية.

لكن بغض النظر عن الحكومة الأميركية، فإن الحكومات الأخرى حذرة بشأن التعامل مع ماسك، وظهر هذا جليا في الحالة التايوانية التي تعد مكانا مثاليا لخدمة “ستارلينك”. لكن تايوان كانت مترددة، وهو قلق تردد صداه بشكل متزايد في أماكن أخرى حيث توازن الحكومات بين قوة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية ومخاطر العمل مع ماسك.

في شهر شباط/فبراير الماضي، قطعت سفن الشحن الصينية كابلي إنترنت تحت سطح البحر يمتدان بين جزيرة تايوان الرئيسية وجزر ماتسو النائية. هذا الحادث تسبب بانقطاع جزر ماتسو عن الإنترنت، مما زاد من المخاوف من أن البنية التحتية للاتصالات في تايوان كانت ضعيفة ومعرضة للخطر في حالة حدوث غزو صيني.

المسؤولون التايوانيون تحدثوا مع “سبيس إكس” عن “ستارلينك”، لكن المحادثات تباطأت جزئيا بسبب المخاوف بشأن ماسك، الذي ترتبط مصالحه المالية بالصين. في ظل التقديرات بأن نحو 50 بالمئة من سيارات “تيسلا” الجديدة قد يجري تصنيعها في شنغهاي، فإن تايوان لم تثق بأن ماسك قد يوفر خدمة “ستارلينك” إذا مارست بكين ضغطا لإيقاف الخدمة.

نتيجة لذلك، أبرمت البلاد في شهر حزيران/يونيو الماضي صفقة مع شركة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية “ون ويب” (OneWeb)، دون استبعاد العمل مع أي مزود للأقمار الصناعية.

إلى جانب تايوان، فقد دار النقاش حول تأثير إيلون ماسك في الاتحاد الأوروبي، حيث أثرت المخاوف بشأن هيمنة “ستارلينك” بالكتلة المكونة من 27 دولة، الأمر الذي دفعها لتخصيص 2.4 مليار يورو (2.6 مليار دولار) في العام الماضي لبناء مجموعة أقمار صناعية سيادية للاستخدامات المدنية والعسكرية، ليتم إطلاقها في أقرب وقت في عام 2027. بالنسبة للحكومات المختلفة، فإن المخاوف تنبع من التبعية المفرطة لأهواء ورغبات شخص واحد يتحكم بهذه القوة التقنية الهائلة.

الوصول إلى السماء

منذ فترة بعيدة، كان ماسك ينتقد وكالة “ناسا” ويتحدث عن بناء أسطول فضاء خاص، مع إبداء اهتمامه بالمجال البحثي الناشئ الذي يضع الأقمار الصناعية الصغيرة في السماء على بعد مئات الكيلومترات فوق مستوى سطح البحر، وهي منطقة تُعرف باسم المدار الأرضي المنخفض.

هذا الاهتمام يقدم مثالا على تركيز ماسك على التكنولوجيا التي من شأنها أن تساعد في دعم “ستارلينك”، حيث عادة ما تكون الأقمار الصناعية القديمة أكبر حجما وموجودة فيما يعرف باسم المدار المتزامن مع الأرض، مما يحد من قدراتها على الاتصال. 

في حين أن الأقمار الصناعية الأصغر حجما قادرة على الدوران على ارتفاع منخفض، الأمر الذي يسمح لها بالارتباط بالمحطات الطرفية على الأرض لإرسال خدمة الإنترنت العالية السرعة إلى المواقع البعيدة.

نتيجة لذلك، فإن هناك حاجة إلى العديد من الأقمار الصناعية الصغيرة، وذلك لأنه عندما يتحرك أحد الأقمار الصناعية فوق محطة “ستارلينك” الأرضية، فإنه يسلم إشارة الإنترنت إلى قمر صناعي آخر خلفه للحفاظ على تدفق واحد غير متقطع للمستخدمين أدناه.

في عام 2019، أطلق ماسك أول أقمار صناعية من “ستارلينك” إلى المدار، حيث كان يُنظر في ذلك الوقت إلى الإنترنت عبر الأقمار الصناعية على أنه مهمة مستحيلة.

خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سعت شركات أخرى إلى استخدام أقمار صناعية للاتصالات ذات مدار منخفض دون نجاح يذكر بسبب التكاليف والصعوبات التقنية لإيصالها إلى الفضاء.

لكن ماسك كان يتمتع بميزة تتمثل في صواريخ “سبيس إكس” التي تعود إلى الأرض بعد رحلة إلى الفضاء ويمكن إعادة استخدامها جزئيا. هذه الميزة منحته القدرة على إرسال الأقمار الصناعية باستمرار إلى الفضاء، حيث كان من الممكن إرسال العشرات في المرة الواحدة.

في الوقت الحالي، ينطلق كل أسبوع تقريبا صاروخ “سبيس إكس” محملا بأقمار “ستارلينك” الصناعية، حيث صُمم كل قمر صناعي ليعمل لمدة 3 سنوات ونصف تقريبا. بالمقارنة مع العديد من الخدمات الأرضية، توفر “ستارلينك” سرعات تنزيل تبلغ نحو 100 ميجابت في الثانية.

مقابل الخدمة، تتلقى الشركة نحو 600 دولار من العملاء الأفراد لكل محطة تتلقى اتصالا من الفضاء، بالإضافة إلى رسوم خدمة شهرية تبلغ نحو 75 دولار، مع تكاليف أعلى للشركات والحكومات.

الخدمة، التي ظهرت لأول مرة رسميا في عام 2021 في عدد قليل من البلدان، أصبحت الآن متاحة في أكثر من 50 دولة ومنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان ومعظم أوروبا وأجزاء من أمريكا اللاتينية.

شريان الحياة بساحة المعركة

بالرغم من أن الجيوش وشركات الاتصالات وشركات الطيران وخطوط الرحلات البحرية وشركات الشحن البحري تستخدم “ستارلينك”، التي لديها أكثر من 1.5 مليون مشترك، لكن الحرب في أوكرانيا أظهرت بشكل واضح قوة “ستارلينك” وتأثير ماسك. 

في أوكرانيا، هناك أكثر من 42 ألف محطة “ستارلينك” طرفية تُستخدم الآن من قبل الجيش والمستشفيات والشركات ومنظمات الإغاثة.

خلال حملات القصف الروسية في العام الماضي، التي تسببت بانقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، لجأت الوكالات العامة في أوكرانيا إلى “ستارلينك” للاتصال بالإنترنت.

خدمة “ستارلينك” دخلت أوكرانيا في شهر شباط/فبراير 2022، عندما نفذت روسيا هجوما إلكترونيا أوقف نظام الأقمار الصناعية الذي تديره شركة “فياسات” (Viasat)، الذي كان يستخدمه الجيش الأوكراني.

مع توقف خدمة الإنترنت، أرسل ميخايلو فيدوروف، الوزير الرقمي، نداء إلى ماسك للمساعدة، وفي غضون ساعات، اتصل ماسك بفيدوروف ليخبره بتفعيل “ستارلينك” في أوكرانيا، وبعد أيام، وصلت محطات “ستارلينك”.

هذه التكنولوجيا أعطت الجيش الأوكراني ميزة كبيرة على القوات الروسية، حيث سمحت للفرق والقادة والطيارين بمشاهدة لقطات الطائرات المسيرة في وقت واحد أثناء الدردشة عبر الإنترنت، وقلصت أوقات الاستجابة إلى نحو دقيقة من نحو 20 دقيقة.

لكن المخاوف بين المسؤولين الأوكرانيين بشأن سيطرة ماسك على التكنولوجيا قد ازدادت، ووصلت إلى ذروتها في الخريف الماضي عندما أدلى مرارا بتعليقات حول الحرب أثارت تساؤلات حول التزامه بخدمة “ستارلينك” في أوكرانيا.

في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، اقترح ماسك خطة سلام تضمنت ضم روسيا للأراضي الأوكرانية، وبالتزامن مع ذلك، ظهرت أسئلة حول من قد يدفع مقابل خدمة “ستارلينك” في أوكرانيا. 

خلال الفترة الأولية، غطت “سبيس إكس” بعض التكاليف، مع توفير الولايات المتحدة وحلفاء آخرين التمويل أيضا. في نفس الشهر، أخبرت “سبيس إكس” وزارة الدفاع الأميركية أنها لا تستطيع مواصلة توفير الخدمة، وطلبت من البنتاغون تولي مسألة التمويل. 

على مدى 12 شهرا، قدرت الشركة التكلفة بنحو 400 مليون دولار. نتيجة لذلك، وجهت إدارة بايدن مسؤولا في البنتاغون لحل المشكلة، الذي بدوره اتصل بماسك في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

لكن ماسك أعرب خلال الاتصال عن مخاوفه من أن أوكرانيا لن تستخدم “ستارلينك” للدفاع عن نفسها فقط، بل لإجراء عمليات هجومية لاستعادة الأراضي التي استولت عليها روسيا، مما قد يتسبب في خسائر عسكرية روسية كبيرة.

المسؤول في البنتاغون أخبر ماسك بأن المزيد من الناس في أوكرانيا قد يعانون إذا تم إيقاف “ستارلينك”، ومع ذلك، أوقف ماسك الوصول إلى بعض محطات “ستارلينك” الطرفية في أوكرانيا.

في أواخر العام الماضي، توقفت نحو 1300 محطة من محطات “ستارلينك” عن العمل في البلاد بعد عدم تمكن الحكومة الأوكرانية من دفع رسوم شهرية بقيمة 2500 دولار لكل منها.

علاوة على ذلك، تذبذب الوصول إلى “ستارلينك”، حيث استخدم ماسك عملية تسمى “السياج الجغرافي” لتقييد مكان توفر “ستارلينك” على الخطوط الأمامية، وذلك بناء على بيانات الموقع التي تجمعها الخدمة.

هذا الأمر تسبب بحدوث مشاكل، حيث كانت القوات الأوكرانية بحاجة إلى الإنترنت للتواصل أثناء محاولة استعادة المدن.

نتيجة لذلك، أرسل فيدوروف وأفراد من القوات المسلحة رسائل إلى ماسك وموظفي “سبيس إكس” يطلبون استعادة الخدمة في المناطق التي كان الجيش يتقدم فيها، واستجابت الشركة بسرعة كبيرة.

لكن ماسك لديه خطوط حمراء لا يمكن تخطيها، حيث رفض في العام الماضي طلبا أوكرانيا للسماح بوصول “ستارلينك” بالقرب من شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها روسيا. 

في وقت لاحق، أوضح ماسك أنه لا يمكن استخدام “ستارلينك” في ضربات الطائرات المسيرة البعيدة المدى.

في شهر حزيران/يونيو الفائت، عقدت وزارة الدفاع الأميركية صفقة لشراء 500 محطة “ستارلينك” جديدة، الأمر الذي يمنح البنتاغون السيطرة على تحديد مكان عمل إشارة الإنترنت الخاصة بخدمة “ستارلينك” داخل أوكرانيا بالنسبة لتلك الأجهزة الجديدة.

هذه الصفقة كانت تهدف إلى تزويد أوكرانيا بمحطات وخدمات مخصصة لإجراء وظائف حساسة دون خوف من الانقطاع.

على عكس متعاقدين الدفاع التقليديين، فإن “ستارلينك” منتج تجاري، الأمر الذي يسمح لماسك بالتصرف بطرق تتعارض بشكل علني مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة في خضم الحرب.

في الختام، من غير المحتمل أن يستطيع أي منافس مواجهة هيمنة ماسك في الفضاء بوقت قريب، حيث استعدت “أمازون” خلال شهر نيسان/مايو الماضي لوضع أول قمرين صناعيين في المدار، لكن تم تعليق الإطلاق بعد اكتشاف مشكلة في اختبار الصواريخ، ومنذ ذلك الحين، أرسل ماسك ما لا يقل عن 595 قمرا صناعيا آخر من أقمار “ستارلينك” إلى الفضاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات