استمع إلى المقال

شهدت باريس سلسلةً من الأحداث التي أثارت قلقاً متزايداً على الساحة الأوروبية، حيث تعرّضت عدّة هيئات حكومية فرنسية لهجمات إلكترونية وصفت بـ”غير المسبوقة” في كثافتها، حسبما أفاد مكتب رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل أتال. 

هذه الهجمات، التي تأتي في أعقاب تحذيرات من مستشار الدفاع الفرنسي بشأن الألعاب الأولمبية المقررة في تموز/يوليو القادم وانتخابات البرلمان الأوروبي في حزيران/يونيو 2024 كأهداف محتملة للتخريب، تسلط الضوء على الطبيعة المتغيرة للتهديدات السيبرانية وتعقيدها المتزايد في عالم اليوم.

فرنسا.. الهدف

في ظل الظروف الحالية، حيث تستعد العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية، تبرز هذه الهجمات كتذكير بأن الحروب السيبرانية لم تعُد تُشكّل تهديداً مجرّداً أو غير ملموس، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الصراعات الجيوسياسية العالمية.

في يوم الأحد الفائت، بدأت سلسلة هجمات إلكترونية ذات شدّة عالية وغير مسبوقة، استهدفت العديد من المرافق الوزارية في فرنسا، مستخدمة تكتيكات مألوفة لكن بكثافة وقوة غير معتادة. 

المصادر الأمنية التي تحدثت لوكالة “فرانس برس”، أشارت إلى أن هذه الهجمات لم تُنسب رسمياً إلى أي جهة، ولكن الشبهات تدور حول روسيا، خصوصاً في ضوء الدعم المستمر الذي تقدّمه باريس لكييف في أعقاب الحرب الروسية لأوكرانيا، مما يضع الهجوم في سياق الجيوسياسية المعقّدة التي تشهدها المنطقة.

ردّاً على هذه التهديدات، تم تفعيل خلية أزمة بشكل فوري بهدف مواجهة وتخفيف تأثير الهجمات السيبرانية، وهو ما أدى إلى استعادة الوصول إلى الغالبية العظمى من الخدمات والمواقع الإلكترونية الحكومية بسرعة.

 وكالة أمن المعلومات الفرنسية (ANSSI)، بدورها، أثبتت كفاءتها من خلال تنفيذ إجراءات تصفية متقدمة، مما ساهم في التقليل من تأثير هذه الهجمات وحماية البنية التحتية الرقمية الحيوية للبلاد.

“أنونيموس السودان”.. ما القصة؟

تاليا للسيقا السابق، أعلنت مجموعة “أنونيموس السودان”(Anonymous Sudan)، عبر معرّفٍ خاص بها على منصة “تليغرام”، مسؤوليتها عن شنّ عدّة هجمات إلكترونية، لاسيما تلك التي استخدمت تقنية الحرمان من الخدمة الموزعة (DDoS). 

هذه التقنية تتضمن إغراق الأنظمة المستهدفة بحجم هائل من الطلبات بهدف تعطيل خدماتها. والهجمات التي نفذتها المجموعة طالت مجموعة واسعة من الأهداف، بما في ذلك البُنى التحتية الحكومية ومواقع الأخبار، وأهداف أخرى ذات قيمة استراتيجية.

مجموعة “أنونيموس السودان” على تلغرام

“أنونيموس السودان”، هي مجموعةٌ من القراصنة الإلكترونيين التي اكتسبت الاهتمام بسبب تنفيذها لهجماتٍ إلكترونية ضد عدّة أهداف حكومية وغير حكومية في مختلف أنحاء العالم.

وعلى الرغم من استخدامهم لاسم “أنونيموس”، الذي يشير إلى الحركة العالمية المعروفة بتنظيم حملات إلكترونية لأسباب سياسية أو اجتماعية، إلا أن تحديد الروابط الفعلية بين “أنونيموس السودان” والحركة الكبرى قد يكون صعباً نظراً للطبيعة اللامركزية لهذه الحركات. 

أيضا الدوافع وأهداف “أنونيموس السودان” قد تبدو غامضة؛ ولكن يُعتقد أن هجماتها تحمل دوافع سياسية أو تهدف إلى الاحتجاج ضد ما تراه المجموعة كسلوك مناهض للمسلمين أو ضد دول بعينها. كما أن هناك بعض الإشارات التي تشير إلى ارتباطها مع روسيا، خصوصاً في سياق الصراعات الجيوسياسية الحالية.

ورغم الغموض الذي يحيط بالدوافع والأهداف الخاصة بـ”أنونيموس السودان”، فإن التحليلات الأمنية السيبرانية تشير إلى وجود دلائل قوية على ارتباط المجموعة بروسيا، وذلك بسبب التشابه الكبير في الأساليب والتقنيات المستخدمة في الهجمات الإلكترونية، التي ينفّذها مخترقينَ معروفينَ بعلاقتهم بالدولة الروسية.

ارتباط روسي مكشوف

أظهرت بعض التحليلات أن بعض أساليب الهجوم وأدوات القرصنة التي استخدمتها “أنونيموس السودان” لها نقاط تشابه قوية مع البرمجيات الخبيثة وتكتيكات الحرمان من الخدمة التي غالباً ما يتم توظيفها في عمليات تُنسب إلى مجموعات القرصنة الروسية المدعومة من الحكومة، مثل “فانسي بير”(Fancy Bear) و”ساندورم” (Sandworm).

هذه الجماعات معروفة بارتباطها الوثيق بالمؤسسات الأمنية الروسية وتنفيذها لعمليات سيبرانية تستهدف البنية التحتية الرقمية لدول معارضة للسياسات الروسية.

إضافةً إلى ذلك، توقيت الهجمات واختيار الأهداف من قبل “أنونيموس السودان” يُظهران أنماطًا تتوافق مع الأجندة السياسية الروسية، خاصةً فيما يتعلق بالصراعات الجيوسياسية والسعي لزعزعة استقرار الدول الداعمة لأوكرانيا. 

هذا التوافق يعزز النظرية التي تشير إلى أن “أنونيموس السودان” قد يكون واجهة لعمليات سيبرانية تخدم مصالح “الكرملين”، مما يضع المجموعة ضمن إطار أوسع للحرب الهجينة التي تشنها روسيا ضد خصومها.

بوتين.. عرّاب الحروب الجيوسياسية السيبرانية

في ظل العصر الرقمي الذي نعيشه، تبرز التهديدات السيبرانية واستغلال الثغرات كتحديات يومية مستمرة، تحمل في طياتها العديد من الهجمات الإلكترونية وأساليب مختلفة يستخدمها المخترقون ليس فقط لتعطيل الخدمات، بل أيضاً للوصول إلى المعلومات الحساسة وإجراء عمليات المراقبة.

تحت قيادة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومن خلال العمليات المنسقة من “الكرملين“، أصبحت روسيا فاعلاً رئيسياً في مسرح الحروب السيبرانية الجيوسياسية، مما يعزز من خطورة هذه الجبهات في الصراعات الدولية.

ونظراً للتأثير العميق الذي يمكن أن تخلفه المعلومات المكتشفة والمراقبة التي تتم، فإن الأعمال التي توجهة من قبل بوتين وأجهزة الدولة الروسية تمثل تهديداً متزايداً للنظام العالمي.

ومع تزايد الحروب الجيوسياسية، وخاصة الهجمات السيبرانية التي يُعتقد أن روسيا، تحت إشراف بوتين و“الكرملين“، تشنها ضد دول أوروبا والمنطقة، يتعاظم الخطر على حرية الإنترنت وأمن الفضاء الرقمي العالمي.

هذه الهجمات لا تعد مجرد تهديد للأمن القومي للدول فحسب، بل تشكل أيضاً تهديداً للحريات الفردية والجماعية، مما يضع المجتمع الدولي أمام تحديات جسيمة تتطلب استجابة متكاملة ومتعددة الأبعاد.

في هذا السياق، يبرز الأثر العميق للتهديدات السيبرانية التي لا تعرف حدوداً وطنية والتي تمس كل من الأمن القومي للدول والحريات الفردية. الحروب السيبرانية، بتجلياتها المتعددة من استغلال الثغرات وتنفيذ الهجمات الإلكترونية، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تحركات مدعومة من “الكرملين” تحت قيادة بوتين، تشكل أحد أبرز التحديات في العصر الرقمي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات