استمع إلى المقال

في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، تتّخذ روسيا خطوات متسارعة نحو تعزيز قبضتها على المجال الرقمي، حيث تستهدف تقنيات الشبكة الخاصة الافتراضية “في بي إن” (VPN) بتشريعات جديدة تهدف إلى حظرها بشكل كامل داخل أراضيها. هذه الإجراءات، تأتي في سياق محاولة الدولة للسيطرة على المعلومات وتقييد حرية الإنترنت، وتثير قلق المدافعينَ عن حرية التعبير والخصوصية على الإنترنت.

من المعلوم أن استخدام تقنية الـ”VPN” يمكّن الأفراد من الوصول إلى المحتوى المحظور وتجاوز إجراءات المراقبة الحكومية، مما يسمح بتدفّقٍ حر للمعلومات وحماية الخصوصية عبر الإنترنت. ومع ذلك، ترى “الهيئة الروسية لتنظيم وسائل الإعلام” المعروفة باسم “روس كومنادزور” (Roskomnadzor)، في هذه التقنيات تهديداً للسيطرة الأمنية والإعلامية، وتخطط لحظرها بشكل رسمي في روسيا وأوكرانيا، وفقاً لتقرير “في بي إن مينتور” 

هذه التطورات، تكشف عن جهودٍ مكثّفة من جانب الحكومة الروسية لتنظيم وتقييد الوصول إلى الإنترنت، في محاولةٍ لعزل مستخدميها عن المجتمع الدولي وتعزيز المراقبة الداخلية. ويُعد الحظر المرتقب على الـ”VPN”، الذي سيدخل حيّز التنفيذ في 1 آذار/ مارس 2024، خطوة إضافية في هذا الاتجاه، مما يعكس التحديات المتزايدة التي ستواجه حرية الإنترنت في روسيا والمواطنين الروس بشكل عام.

“الكرملين” يعزز قبضته الرقمية

هيئة تنظيم وسائل الإعلام الروسية، تخطط لتنفيذ هذا الحظر في روسيا وأوكرانيا. والهدف من الحظر هو الحد من قدرة الأفراد على الوصول إلى معلومات ووجهات نظر مستقلّة، وكذلك الحدّ من قدرتهم على التعبير عن الانتقادات أو المعارضة بأمان. كما أن الحظر المقترح ليس فقط يقيّد حرية الإنترنت ولكن أيضاً يؤثر سلباً على الخصوصية على الإنترنت ويزيد من مستوى الرقابة.

تأتي هذه الخطوة في وقتٍ تشهد فيه روسيا زيادة في استخدام خدمات الـ”VPN”، حيث ارتفعت نسبة السكان الذين يستخدمون هذه الخدمات من 9 بالمئة في عام 2021 إلى 23 بالمئة في عام 2022، وذلك على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا وحجب عشرات الآلاف من المواقع الإلكترونية. 

هذا الحظر لن يؤثر فقط على حرية الوصول إلى الإنترنت للمواطنين، بل سيؤثر أيضاً على النشطاء والمعارضينَ والمبلغينَ عن المخالفات الذين يعتمدون على الشبكات الافتراضية الخاصة للحفاظ على اتصالاتهم آمنة ومجهولة.

الحكومة الروسية لا تقف عند حظر الـ”VPN” فحسب، بل تسعى أيضاً لفرض رقابة مشددة على منصات التواصل الاجتماعي والشركات الرقمية، مطالبة إيّاها بتقييد المحتوى، وإنشاء بُنى تحتية محلية تتيح للأمن الوصول غير المقيّد إلى بيانات المستخدمين. الشركات التي رفضت الامتثال لهذه المطالب وجدت نفسها مضطرة لمغادرة السوق الروسية.

هذه الإجراءات تجسّد محاولة روسيا لتعزيز الرقابة والسيطرة على الإنترنت، مما يقيد حرية التعبير ويحدّ من الوصول إلى المعلومات. فضلا عن أن الحظر المرتقب على الـ”VPN” يُعد خطوة إضافية تعكس التحديات المتزايدة التي ستواجهه أخصائي التقنية في روسيا، وحتى بشكل عام المواطنين.

روسيا تعزل مستخدميها عن الإنترنت

التضييق على استخدام الإنترنت في روسيا ازداد بشكل ملحوظ، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي تبعه حجب أكثر من 138 ألف موقع إلكتروني. هذه الأحداث أسهمت في انخفاض تصنيف حرية الإنترنت في روسيا إلى 21 من أصل 100 في العام 2023، مما يعكس قلقاً متزايداً تجاه الخصوصية والتخفي على الشبكة. 

رداً على ذلك، اتجهت الحكومة الروسية إلى فرض حظر على استخدام شبكات الـ”VPN”، التي توفّر تشفيراً للاتصالات عبر الإنترنت وتمكّن المستخدمينَ من الوصول بأمان إلى المحتوى المحجوب والتصفّح دون الكشف عن هويتهم.

كما هذا القرار لا يؤثر فقط على المستخدمينَ العاديينَ للإنترنت، بل يمتد تأثيره إلى أولئك الذين يعملون على تعزيز حرية التعبير، حيث يحدّ من قدرتهم على الوصول إلى مصادر إخبارية مستقلّة ويزيد من المخاطر التي يواجهها النشطاء والمعارضون والمبلغون عن المخالفات، الذين يعتمدون على هذه الأدوات للحفاظ على اتصالاتهم آمنة.

في السنوات الأخيرة، شملت هذه الجهود طلب الحكومة من تطبيقات المراسلة مثل “تيليغرام” (Telegram) تسليم مفاتيح التشفير للسماح بالوصول إلى بيانات المستخدمين. 

كما تم توسيع هذا الحظر ليشمل تطبيقات مراسلة غربية شهيرة مثل “سناب شات” (Snapchat)، “واتساب” (WhatsApp)، “ديسكورد” (Discord)، “سكايب للأعمال” (Skype for Business)، و”مايكروسوفت تيمز” (Microsoft Teams)، وكذلك تطبيقات المراسلة المشفّرة الأوروبية مثل “فايبر” (Viber) و”ثريما” (Threema)، وحتى تطبيق الاتصالات الصيني “وي تشات” (WeChat).

شبكات مغلقة

تبرز روسيا كمثالٍ في استراتيجية أوسع لتقويض الحريات الفردية عبر الإنترنت. لكن هذا الاتجاه ليس مقتصراً على روسيا فقط، بل تشترك معها في هذا السعي دولٍ مثل إيران، كوريا الشمالية، والصين، كل منها تتخذ خطوات مماثلة لتعزيز الرقابة والتحكّم في المعلومات الرقمية. 

سجلات التاريخ القريب تحفل بأمثلة على كيفية استخدام القوانين والتشريعات للتدخل في خصوصية المستخدمين ومراقبتهم بطرق تهدد الحقوق الأساسية للإنسان. من حظر تطبيقات المراسلة والوصول إلى مواقع الإنترنت، إلى فرض قوانين تطالب بتسليم مفاتيح التشفير، تكشف هذه الأفعال عن نمط مقلق يشير إلى تراجع حرية التعبير والخصوصية.

في 24 من شباط/فبراير الفائت، أظهر التوجيه التنظيمي الجديد الصادر عن أعلى هيئة لإدارة الإنترنت في إيران كيف تأمل السلطات في توجيه الإيرانيين بعيدًا عن المنصات الأجنبية وتحويلهم نحو المنصات المحلية.

كما أصدرت أعلى هيئة لصنع سياسة الإنترنت في إيران توجيهًا في وقت سابق، ينص على قواعد جديدة ذات تداعيات محتملة واسعة النطاق على مشهد الإنترنت المقيد بالفعل في البلاد، والتي تقول الوكالة إن المرشد الأعلى علي خامنئي وافق عليها.

أكد “المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني” (SCC)، أن استخدام “أدوات كسر الإنترنت” أصبح الآن “ممنوعًا” ما لم يحصل المستخدم على تصريح قانوني. وهذه هي الكلمة الجديدة التي توصلت إليها السلطات الإيرانية للشبكات الخاصة الافتراضية (VPNs)، وأدوات الخصوصية عبر الإنترنت التي تخفي عنوان “أي بي” (IP) الخاص بالمستخدم (بروتوكول الإنترنت)، والتي يستخدمها معظم الإيرانيين بانتظام للتحايل على القيود الصارمة على الإنترنت.

جميع منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية، بما في ذلك “إنستغرام” (Instagram) و”إكس” (تويتر سابقا)  و”يوتيوب” (YouTube) “تيليغرام” (Telegram)، باتت محظورة في إيران والصين وروسيا وكوريا الشمالية إلى جانب آلاف المواقع الإلكترونية، لكنها لا تزال تحظى بشعبية كبيرة لدى عشرات الملايين من المستخدمين – مما دفع المستخدمين لسنوات إلى اللجوء إلى أدوات التحايل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات