استمع إلى المقال

بعد أن كانت ذائعة الصيت في وقت من الأوقات، تلاشت “هواوي” من السوق بسبب العقوبات الأميركية ضدها، وتراجعت عائداتها، واضمحل اسمها، لكن هل تحاول الشركة الصينية التحايل على العقوبات من خلال بناء شبكة سرية للرقائق، وهل هذا الجهد بعيد عن أعين السلطات الأميركية.

الحكومة الأميركية أدرجت شركة “هواوي” على القائمة السوداء باعتبارها خطرا على الأمن القومي، نتيجة لذلك، اتبعت “هواوي” في وقت سابق من هذا العام نهجا مختلفا للتغلب على العقوبات الأميركية، وذلك من خلال استبدال 13 ألف قطعة وإعادة تصميم 4000 لوحة دوائر، كما أنها تطور أنظمة التشغيل “HarmonyOS”، ونظام البيانات، ولغة البرمجة “Cangjie”، والمترجم حتى تكون مكتفية ذاتيا. 

مع ذلك، فهي لا تزال بحاجة إلى المكونات، ويبدو أن الشركة الصينية وجدت طريقة للالتفاف على العقوبات وتجاوز القيود عن طريق تشغيل مصانع التصنيع تحت أسماء شركات أخرى وعدم الكشف عن مشاركتها.

تحذيرات جديدة

تحذيرات جديدة ظهرت، تفيد بأن شركة “هواوي” تبني مجموعة من منشآت تصنيع أشباه الموصلات السرية في جميع أنحاء الصين، وهي شبكة تصنيع مخفية من شأنها السماح للشركة المدرجة في القائمة السوداء بالالتفاف على العقوبات الأميركية وتأسيس نفسها كشركة متقدمة لإنتاج الرقائق داخل الصين وتعزيز الطموحات التكنولوجية للبلاد.

في حال كانت “هواوي” تبني وتشتري مصانع بأسماء شركات أخرى دون الكشف عن مشاركتها، فإنها قد تتمكن من التحايل على القيود الأميركية لشراء معدات صناعة الرقائق الأميركية وغيرها من الإمدادات بشكل غير مباشر، والتي قد تكون محظورة لولا ذلك.

وفقا لجمعية صناعة أشباه الموصلات ومقرها واشنطن، انتقلت “هواوي”، وهي شركة تصنيع معدات الاتصالات المثيرة للجدل التي تقع في قلب التوترات بين الولايات المتحدة والصين، إلى إنتاج الرقائق في العام الماضي وتتلقى ما يقدر بنحو 30 مليار دولار من التمويل الحكومي من الحكومة ومسقط رأسها شنتشن.

الجمعية قالت في عرض تقديمي لأعضائها، “هواوي استحوذت على مصنعين قائمين على الأقل، وتبني 3 مصانع أخرى على الأقل”.

جمعية صناعة أشباه الموصلات التي تتخذ من واشنطن مقرا لها تمثل أغلبية شركات تصنيع أشباه الموصلات في العالم، بما في ذلك شركة “إنتل” و”سامسونج” و”TSMC”، ويضم أعضاؤها أيضا شركات تنتج معدات صناعة الرقائق، مثل “Applied Materials” و”ASML”.

بعض أعضاء جمعية صناعة أشباه الموصلات يواجهون منافسة من المنافسين الصينيين، إذا نجحوا في بناء منشآت الإنتاج المحلية، لكن أعضاء الجمعية، مثل “ASML” و”إنفيديا” يخسرون العائدات من الصين حيث أصبحت ضوابط التصدير الأميركية أكثر صرامة.

التصريحات الجديدة للجمعية، تعتبر بمثابة تحذير للأعضاء لتوخي الحذر بشأن العمل مع الشركات التي قد تكون لها علاقات مخفية مع كيانات مدرجة في القائمة السوداء، مثل “هواوي”.

العقوبات الأميركية ضد “هواوي”

في عام 2019، وضعت وزارة التجارة الأميركية شركة “هواوي” على قائمة الكيانات، مما أدى إلى منعها من العمل مع الشركات الأميركية في جميع الظروف تقريبا.

ردا على تصريحات جمعية صناعة أشباه الموصلات، أشار مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة، إلى أنه يراقب الوضع ومستعد لاتخاذ الإجراء إذا لزم الأمر، وبخلاف “هواوي”، أدرج المكتب العشرات من الشركات الصينية في القائمة السوداء، بما في ذلك شركتان تمثلان جزءا من شبكة “هواوي”، هما “فوجيان جينهوا للدوائر المتكاملة” و”بنغشينوي لتصنيع الدوائر المتكاملة”.

من جانبه، قال بنك التسويات الدولية، “بالنظر إلى القيود الصارمة المفروضة على هواوي وفوجيان جينهوا وبنغشينوي وغيرها، فليس من المستغرب سعيهم للحصول على دعم كبير من الدولة لمحاولة تطوير التقنيات المحلية. نستمر بمراجعة وتحديث ضوابطنا للتصدير بناء على بيئة التهديد المتطورة، وكما يتضح من قواعد 7 تشرين الأول/أكتوبر 2022، لن نتردد في اتخاذ الإجراء المناسب لحماية الأمن القومي الأميركي”.

بموجب لوائح بنك التسويات الدولية، فإن الموردين الأميركيين لديهم التزامات “اعرف عميلك” التي تتطلب منهم التحقق من العملاء إذا كانت هناك أي ظروف مشبوهة، مثل عمليات الشراء التي لا تتوافق مع احتياجات العميل.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ضوابط التصدير التي منعت جميع الشركات الصينية من الحصول على بعض أشباه الموصلات المتقدمة ومعدات صناعة الرقائق، وهي خطوة تهدف إلى تقييد القدرات العسكرية للبلاد.

الضوابط تسمح للشركات الصينية بشراء معدات تصنيع الرقائق من الجيل الأقدم، وهي الآلات التي تستخدم تقنية 28 نانومتر أو أعلى، لكن الشركات المدرجة على القائمة السوداء مثل “هواوي” ممنوعة من مثل هذه المشتريات دون ترخيص، وتلك الاستثناءات نادرة.

رد الفعل الصيني

العرض التقديمي للجمعية أثار مخاوف الشركات الأعضاء وداخل إدارة بايدن منذ نشره، حيث تدرس الولايات المتحدة ضوابط تصدير أكثر صرامة ضد الصين.

لكن بكين أعربت عن معارضتها الشديدة لضوابط التصدير الأميركية، ووجهت اتهامات مضادة بأن الولايات المتحدة تدعم أيضًا شركاتها الوطنية الرائدة.

بسبب القيود التي فرضتها على صادرات التكنولوجيا إلى البلاد، انتقد الحزب الشيوعي الصيني الحكومة الأميركية، بحجة أن الولايات المتحدة تحاول احتواء تنميتها الاقتصادية. 

كما تعهدت بكين أيضا بتطوير بدائلها المحلية للرقائق وآلات الإنتاج والمكونات التقنية المهمة.

وفقا للعرض التقديمي، تضخ الصين مبالغ غير مسبوقة من الأموال في صناعة أشباه الموصلات المحلية، وتقدر جمعية صناعة أشباه الموصلات أن هناك ما لا يقل عن 23 منشأة تصنيع قيد التنفيذ في البلاد باستثمارات مخطط لها تزيد عن 100 مليار دولار بحلول عام 2030. 

علاوة على ذلك، أشارت الجمعية إلى أن الصين تسعى للحصول على أكثر من نصف القدرة العالمية للصناعة في أشباه الموصلات من الجيل الأقدم، أي المصنوعة بتقنية 28 نانومتر أو 45 نانومتر، بحلول عام 2029 أو 2030.

تزايد القلق العالمي

بحسب البيانات، تنفق الصين على إعانات الدعم ما يعادل تقريبا ما تنفقه بقية دول العالم مجتمعة، ويتزايد قلق المسؤولين الأميركيين والأوروبيين بشأن استثمارات الصين الضخمة في ما يسمى بالرقائق القديمة، بالرغم من أنها ليست محظورة بموجب قواعد بايدن في العام الماضي.

هذه الرقائق تعتبر أكثر من كافية للعديد من التطبيقات العسكرية، وتستخدم على نطاق واسع في الأسواق الرئيسية مثل السيارات الكهربائية. 

كما أن حجم الدعم المالي الصيني المتوقع لشركة “هواوي” البالغ 30 مليار دولار كبير جدا، حيث أن هذه الأموال مساوية تقريبا لحوافز التصنيع المنصوص عليها في قانون الرقائق والعلوم الأميركي، التي يتم تقسيمها بين شركات متعددة.

جمعية صناعة أشباه الموصلات وصفت الأموال بأنها تمويل حكومي دون أن تحدد ما إذا كانت منحا نقدية أو قروضا أو حوافز أخرى. 

ليس من الواضح ما إذا كانت المشاكل التي شهدها الاقتصاد الصيني في الأشهر الأخيرة قد تؤثر في استثمارات الحكومة في مجال التكنولوجيا.

العرض التقديمي لجمعية صناعة أشباه الموصلات يحدد 5 مصانع للرقائق تدعمها “هواوي” تحت أسماء شركات أخرى، وتقع بشكل أساسي حول شنتشن، حيث يقع المقر الرئيسي لشركة الاتصالات. 

إذا كانت المرافق تعمل دون علامة “هواوي”، فقد يكون من الصعب على الموردين معرفة مع من يتعاملون، ويبدو أن جميع الشركات هي كيانات تشغيلية، وليست واجهات بسيطة دون مرافق.

أحد المخاطر الطويلة المدى من وجهة نظر الولايات المتحدة هو أن “هواوي” وغيرها من الشركات الصينية قد تستخدم الاستثمارات في تقنيات الجيل الأقدم لبناء المعرفة والخبرة في تصنيع أشباه الموصلات.

مع ما يكفي من الخبرة وحجم الإنتاج، يمكن للشركات المتمتعة بالقدرات التقنية أن تتقدم إلى أشباه الموصلات الأكثر تطورا، وكان هذا هو المسار الذي اتبعته “سامسونج” و”TSMC”، اللتان تم رفضهما ذات مرة باعتبارهما ليس لديهما أمل في اللحاق بأمثال “إنتل”. 

لكن الآن، وبعد عقود من العمل، أصبحت “سامسونج” و”TSMC” تقودان الصناعة في إنتاج المزيد والمزيد من الرقائق المتطورة.

“هواوي” تحارب لأجل الرقائق

شركة الاتصالات الصينية تنتقل إلى إنتاج أشباه الموصلات، حيث استحوذت “هواوي” على مرافق تصنيع من “فوجيان جينهوا” و”تشينغداو سين”، كما أنها تساعد في بناء المصانع مع شركات مثل “شنتشن بينسون للتكنولوجيا” و”بنغشينوي لتصنيع الدوائر المتكاملة”.

في عام 2018، تم إدراج “فوجيان جينهوا” على القائمة السوداء باعتبارها تهديدا للأمن القومي الأميركي، وتم رفع دعوى قضائية عليها بتهمة سرقة أسرار تجارية، وهي اتهامات نفتها الشركة. 

خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، ظهرت معلومات عن العلاقة بين “هواوي” و”بنغشينوي لتصنيع الدوائر المتكاملة”، بما في ذلك أن الشركة غير البارزة يديرها مسؤول تنفيذي سابق في “هواوي” وأنها بنت مرافق قريبة من مكاتب “هواوي” الرئيسية.

وفقا للسجلات العامة، تسيطر صناديق الحكومة المحلية على أسهم كل من “فوجيان جينهوا” و”تشينغداو سين”، ولا تظهر هذه السجلات أي علاقة مع “هواوي”.

“تشينغداو سين” تصف نفسها في المواد العامة بأنها صانع عقود لمكونات أشباه الموصلات، من أجهزة الاستشعار إلى رقائق إدارة الطاقة، وصانع شرائح ذو خبرة مع فرق التكنولوجيا والإدارة الأساسية.

إلى جانب ذلك، تتضمن شبكة “هواوي” شركة “سوايشور” المدعومة من الدولة، التي تصنع بشكل أساسي شرائح الذاكرة للأجهزة القابلة للارتداء والمركبات الكهربائية، حيث سلطت الشركة التي يقع مقرها في شنتشن الضوء على الابتكارات في مواد صناعة الرقائق عبر موقعها الإلكتروني، وأشارت إلى أن لديها فرق بحث في الصين واليابان.

ختاما، إذا كانت الشركات الصينية تستخدم معدات أو آلات أميركية ذات مدخلات أميركية كبيرة، فإنها عادة ما تكون ملزمة بالحصول على ترخيص أميركي قبل التوريد لشركة مثل “هواوي”، لكن قد يكون من الصعب تطبيق قواعد بنك التسويات الدولية خارج الولايات المتحدة، وبالنسبة للشركات التي لا تريد الامتثال، فمن السهل نسبيا إخفاء نفسها عن أعين السلطات الأميركية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات