استمع إلى المقال

في عالم الإنترنت، تعتبر “جوجل” واحدة من أكبر الشركات وأكثرها تأثيرا، تقدم خدمات متنوعة ومبتكرة، من بينها محرك البحث الأشهر على الإطلاق، لكن هل تستخدم “جوجل” قوتها في سوق محركات البحث بشكل قانوني أم تسيء إليها للحفاظ على هيمنتها، هذا هو السؤال الذي سيحاول الإجابة عنه المحكمة الفيدرالية في واشنطن ابتداء من الثلاثاء.

في قضية تاريخية، تواجه “جوجل” اتهامات من وزارة العدل الأميركية وائتلاف من المدعين العامين للولايات، بأنها انتهكت قوانين المنافسة على نحو غير قانوني.

وفقا للادعاء، تستخدم “جوجل” ممارسات غير عادلة لإجبار المستخدمين والمطورين والشركاء على استخدام خدماتها وإعلاناتها، مما يحرم المنافسين من فرصة الحصول على حصة في سوق تقدر قيمته بـ 250 مليار دولار سنويا.

القضية، التي ستستغرق 10 أسابيع، ستشهد شهادات من شهود رئيسيين من “جوجل” وشركات أخرى مثل “مايكروسوفت” و”أوراكل” و”إكسبديا”، كما سيستخدم الطرفان أدلة تقنية واقتصادية لإثبات حججهم.

هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها “جوجل” محاكمة مثيرة للاهتمام في الولايات المتحدة بشأن محرك بحثها، رغم أنها تعرضت لعقوبات في أوروبا وآسيا من قبل، إلا أن هذه القضية قد تحدد مستقبل صناعة الإنترنت وحقوق المستخدمين والمبدعين.

ما هي نظرية الحكومة القانونية؟

تدعي الولايات المتحدة، أن “جوجل” قمعت المنافسة على نحو غير قانوني بدفع مليارات الدولارات لشركة “أبل” وشركاء آخرين لضمان أن يكون محرك البحث الخاص بها هو الافتراضي على معظم الهواتف ومتصفحات الويب.

تزعم دعوى الحكومة، التي تم تقديمها في عام 2020 في المحكمة الفيدرالية، أن هذه الصفقات كانت تهدف من جانب “جوجل” إلى أن تكون مستبعدة، وتحرم المنافسين من الوصول إلى استفسارات ونقرات البحث، وتسمح لـ “جوجل” بترسيخ هيمنتها على السوق.

“جوجل” حصلت فعليا على حصة سوقية تبلغ 90 بالمئة بمجال البحث في الولايات المتحدة بالسنوات الأخيرة، وفقا لتقديرات الحكومة، وقالت الحكومة إن اتفاقات المتصفح التي توجه مليارات استفسارات الويب إلى “جوجل” كل يوم، أدت إلى انخفاض خيارات المستهلكين وابتكارات أقل.

دفاع “جوجل”

“جوجل” ترى الأمور بشكل مختلف تماما؛ حيث تؤكد الشركة بأنها لم تنتهك قانون منع الاحتكار، قائلة في مذكرة قضائية في كانون الثاني/يناير الماضي، إن اتفاقيات متصفحها كانت “منافسة شرعية” وليست “إقصاء غير مشروع”، وتدعي “جوجل” أن الاتفاقيات لم تمنع المنافسين من تطوير محركات بحث خاصة بهم أو توقف شركات مثل “أبل” و”موزيلا” عن الترويج لها.

بل إن صانعي الهواتف ومتصفحات الويب حددوا “جوجل” كمحرك بحث افتراضي؛ لأنهم أرادوا تقديم تجربة “عالية الجودة” لعملائهم، وفقا لما زعمته “جوجل” في مذكرتها القضائية في كانون الثاني/يناير المنصرم، كما وتدعي “جوجل” أن مستخدمي الهواتف المحمولة يستطيعون التبديل بسهولة إذا أرادوا استخدام محرك بحث آخر.

ماذا يقول القانون؟

هذه الصفقات الحصرية شائعة في الواقع، وليس هناك شيء مثير أو مريب عندما لا تستطيع شركة تفتقر إلى قوة السوق التأثير بشكل معنوي على المنافسة.

لكن يمكن أن تنتهك الصفقات الحصرية قانون مكافحة الاحتكار إذا كانت شركة كبيرة أو قوية لدرجة أنها تمنع المنافسين من دخول السوق، ولا تستطيع إثبات أن آثارها المقيدة على منافسة الصناعة تغلب عليها تأثير إيجابيا على المستهلكين.

لدى وزارة العدل الأميركية، عبء إثبات أن صفقات “جوجل” التجارية أضرت بالمنافسة في مجال البحث، في المقابل ستحصل “جوجل” على فرصتها في المحاكمة دون هيئة محلفين، بعد أن تقدم الحكومة حجتها، لتقديم حججها بأن صفقاتها تفيد المستهلكين.

ماذا لو خسرت “جوجل”؟

تعود بداية القضية إلى عام 2010، عندما بدأت لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) تحقيقا في ممارسات “جوجل” المنافسة، وفي عام 2013، أوصت اللجنة بإغلاق التحقيق دون اتخاذ أي إجراء ضد “جوجل”، بعد أن وافقت الشركة على تغيير بعض سياساتها؛ ومع ذلك، استمرت بعض الولايات الأميركية في التحقيق بشأن “جوجل”، وانضمت إليها وزارة العدل في عام 2019، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2020، رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد “جوجل”، متهمة إياها بانتهاك قانون مكافحة الاحتكار من خلال حماية هيمنتها على سوق البحث على الإنترنت وإغلاق السوق أمام المنافسين.

حاليا، الولايات المتحدة لا تسعى إلى غرامة مالية، ولكنها تسعى إلى أمر قضائي يمنع “جوجل” من مواصلة الممارسات المنافسة المزعومة.

قد يكون لهذا الأمر أثار تجارية كبيرة على “جوجل”، على سبيل المثال، قالت الحكومة في دعواها أن المحكمة يمكن أن تقسم الشركة كحل.

بشكل عام، قد تجادل وزارة العدل أنها تريد منع “جوجل” من استغلال احتكارها المزعوم للبحث لإبرام صفقات حصرية في الأسواق الناشئة حديثا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.

يُنظر إلى القضية على نطاق واسع على أنها واحدة من أكبر التحديات التي تواجه قوة صناعة التكنولوجيا منذ أن رفعت وزارة العدل دعوى ضد “مايكروسوفت” عام 1998؛ بسبب هيمنتها على سوق الكمبيوترات الشخصية، وقد توصلت “مايكروسوفت” فيما بعد إلى تسوية تركت الشركة سالمة.

نقطة تحول

في النهاية، تبقى معركة “جوجل” وقواعد مكافحة الاحتكار محور اهتمام العالم التقني والقانوني، حيث تتصاعد الأمور نحو النهاية المثيرة، هذه المحاكمة التاريخية تشكل نقطة تحول في تطور الصناعة التكنولوجية وتحديات القوى العملاقة.

إذا كانت “جوجل” ستخسر في هذه المعركة، فستتعرض لتحديات كبيرة وتأثيرات قوية على عملياتها، قد تتوجب عليها تغيير ممارساتها وفتح أبواب السوق للمنافسة الشرعية، وربما تقسيم الشركة نفسها لتعزيز التنافسية، وسيكون لهذا الحكم تبعات تجارية واقتصادية كبيرة على “جوجل”.

من جهة أخرى، إذا نجحت “جوجل” في الدفاع عن نفسها وبراءة نفسها من التهم الموجهة إليها، فستستمر في الحفاظ على موقعها السائد في سوق محركات البحث؛ ومع ذلك، ستبقى تلك المعركة حجر الزاوية في مناقشة حرية المنافسة وسلوك الشركات التكنولوجية العملاقة.

بغض النظر عن النتيجة النهائية لهذه المعركة، فإنها ستظل محط إلهام ودرسا للقوانين المستقبلية وسلوك الشركات العالمي،. سيشهد التاريخ هذه اللحظة كنقطة تحول في توجه العولمة التكنولوجية وسلطة الشركات العملاقة، والقضية ليست فقط حول “جوجل”، بل حول مستقبل الإنترنت وحقوق مستخدميه ومبدعيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات