استمع إلى المقال

“ميتا” أعلنت، منتصف هذا الأسبوع، أنها ستسمح للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بالعودة إلى صفحته على “فيسبوك” في وقت ما خلال الأسابيع القليلة المقبلة بعد تعليقه الأولي منذ عامين، فماذا تعني عودة ترامب إلى المنصة الزرقاء مجددا.

ترامب قال في رد له: “فيسبوك الذي فقد مليارات الدولارات من حيث القيمة منذ إزالة رئيسكم المفضل، أنا، أعلن للتو أنه سيعيد حسابي. شكرا لكم على الحقيقة الاجتماعية للقيام بهذه المهمة التي لا تصدق”.

إعادة حساب “فيسبوك”، يأتي بالتزامن مع استعداد ترامب إلى ترشيح نفسه رسميا لإعادة انتخابه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وهي ثالث جولة انتخابية يخوضها، بعد أن فاز بالأولى عام 2016، وخسر الثانية لصالح الرئيس الحالي جو بايدن عام 2020.

عن سبب إعادة حساب ترامب بمنصة “فيسبوك”، أوضحت “ميتا”: “لا نريد أن نعيق طريق النقاش المفتوح والديمقراطي على منصات ميتا، خاصة في سياق الانتخابات في المجتمعات الديمقراطية مثل الولايات المتحدة، إذ يجب أن يكون الجمهور قادرا على سماع ما يقوله السياسيون -الجيد والسيئ والقبيح- حتى يتمكنوا من اتخاذ خيارات مستنيرة في صندوق الاقتراع”.

قد يهمك: هل تتجه الولايات المتحدة نحو حظر “تيك توك“؟ 

مع أم ضد عودة ترامب؟

إعلان “ميتا” بإعادة حساب ترامب إلى “فيسبوك” قريبا، جاء بعد أن قال سكوت غاست، محامي ترامب، في رسالة إلى شركة “ميتا” نقلتها وكالة “فرانس برس”، إن حظر الحساب “شوه بشكل دراماتيكي الخطاب العام وكبّته”.

غاست طلب في الوقت ذاته، عقد اجتماع لمناقشة “إعادة ترامب الفورية للمنصة” التي يبلغ عدد متابعيه عليها 34 مليونا، باعتبار أن وضعه كمنافس رئيسي على ترشيح “الحزب الجمهوري” للرئاسة عام 2024 يبرر إنهاء الحظر، مردفا أن “الحظر المستمر يُعَد جهدا متعمدا من قبل شركة خاصة لإسكات الصوت السياسي لترامب”.

عامان مرا على حظر شركة “ميتا” دونالد ترامب من منصتَي “فيسبوك” و”إنستجرام”، إثر اتهامه بالتحريض على اقتحام الكابيتول في 6 كانون الثاني/يناير 2021، ومع إعلان “ميتا” بإعادة حساب ترامب على “فيسبوك”، حثّ مشرعون وناشطون وباحثون الشركة على مواصلة إقصائه عن المنصات. 

أولئك يرون، أن ميل الرئيس الأميركي السابق للتضليل والتفكير المتطرف قد تضاعف منذ مغادرته “البيت الأبيض” في نهاية كانون الثاني/يناير 2021، وهو ما قد ينعكس على المحتوى الذي سينشره عبر حساباته في حال عودته إلى مواقع التواصل التابعة لـ “ميتا”، بحسبهم.

صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، نقلت عن المؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة “الأمان عبر الإنترنت” جيمس ستاير، قوله إن “سلوك ترامب ولغته أصبحا أسوأ وأكثر تطرفا بشكل ملحوظ مذ أن أقصي من فيسبوك (…) والسماح له بالعودة الآن سيكون إهانة خطيرة لديمقراطيتنا ولمعايير ميتا المعلنة. يجب أن يكون الحظر دائما”.

قبل ذلك، وبالتحديد في كانون الأول/ديسمبر المنصرم، حثت رسالة من المشرعين الديمقراطيين “ميتا” على إكمال الحظر، مشيرين إلى أن ترامب واصل نشر معلومات مضللة عن الانتخابات والتحريض على العنف على منصة “تروث سوشل” التي يملكها.

قد يهمك: ما الدور الذي لعبته منصات التواصل الاجتماعي في الأحداث الأخيرة بالبرازيل؟ 

لماذا سمحت الشركات ببقاء ترامب؟

السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو ما مدى السيطرة التي يجب أن تتمتع بها المنصات الخاصة على النقاش العام. بحسب حديث خبيرة علم النفس الاجتماعي، شوشانا زوبوف مع صحيفة “ذا غارديان”، فإن “الجزء الأكثر أهمية من هذا النقاش، أن المجتمعات الديمقراطية أصبحت رهينة لعدد قليل من الأفراد الذين يسيطرون على البنية التحتية الرقمية، ويتحكمون في مساحات الاتصال”.

لحظة 6 كانون الثاني/يناير 2021، التي تمثل اقتحام “الكابيتول”، وما سبقها وما تلاها من تحريض من قبل ترامب، عائلته، وأنصاره، رفضا لنتيجة الانتخابات الرئاسية، وضعت سيليكون فالي وشركاتها للمرة الأولى أمام تحدّ حقيقي حول دورها الفعلي في معالجة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة حين تصدر تحديدا عن رئيس سابق لأقوى دولة في العالم، وقدرتها على حجب ما لا يعجبها، ما دامت تملك صلاحية وقدرة تقنية على ذلك.

شركات عدة سمحت لترامب بالبقاء على منصاتها طوال فترة وجوده في منصبه، رغم انتهاكه لسياساتها، مبرّرة إبقاءه بالمصلحة العامة، لكن في الأيام التي أعقبت أعمال الشغب، التي نشر خلالها مديحا لمؤيديه، حظرته منصات “تويتر” و”سناب شات” و”يوتيوب” و”فيسبوك” و”إنستجرام”.

الخطوة فتحت حينها باب الشكوى عند الجمهوريين من الرقابة العشوائية أو الاستنسابية، بينما رأى آخرون أن الحظر جاء متأخرا للغاية، بحسب تقرير لصحيفة “العربي الجديد”، في وقت قالت شركة “تويتر” حينذاك، إن تعليق حساب ترامب سيكون دائما، على الرغم من أن المنصة عكست مسارها وأعادت حسابه بعدما تولى إيلون ماسك إدارة الموقع.

قد يهمك: أسباب حظر الولايات المتحدة وبريطانيا لكاميرات المراقبة الصينية 

فشل منصات التواصل الاجتماعي؟

الرئيس التنفيذي لـ “ميتا”، مارك زوكربيرغ، قال في تدوينة عام 2021، إن ترامب مُنع من المنصات لتشجيعه على العنف، وأن حسابه سيبقى معلقا إلى حين الانتهاء من الانتقال السلمي للسلطة، وأردف بأن قراره استخدام منصته للتغاضي عن أفعال مؤيديه في مبنى “الكابيتول” بدلا من إدانتها قد أزعج الناس في الولايات المتحدة وحول العالم.

بعد فترة وجيزة من الحظر، أحالت “ميتا” قرارها بشأن حظر ترامب نهائيا على مجلس الرقابة المؤلف من مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السابقين المعينين، التي تهدف إلى العمل بشكل مستقل عن قيادة الشركة، وفي أيار/مايو 2021، قرر مجلس الرقابة أن العقوبات يجب ألّا تكون “غير محددة المدة”، لكنه أوكل الحكم النهائي على حسابات ترامب إلى إدارة “ميتا”.

ما يجدر ذكره، أن “لجنة 6 يناير” أمضت أشهرا في جمع تفاصيل صادمة عن فشل منصات التواصل الاجتماعي بالتصدي للتطرف والتحريض على العنف، وذلك قبل اقتحام مبنى “الكابيتول” عام 2021، والذي أدى إلى مقتل 5 أشخاص.

الأدلة التي توصلت إليها جمعتها في مذكرة من 121 صفحة، ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” تفاصيلها الثلاثاء الماضي، في وقت رفض رؤساء اللجنة الخوض فيها في تقريرهم النهائي، إذ ترددوا في النبش عن جذور التطرف داخل “الحزب الجمهوري”، بما يتعدى الرئيس السابق دونالد ترامب، وأبدوا قلقا إزاء الدخول في معركة ضد شركات التكنولوجيا.

المحققون وجدوا أدلة على أن منصات التواصل الاجتماعي، فشلت في الاستجابة لتحذيرات أطلقها موظفوها بشأن الخطاب الذي يحرّض على العنف، وقررت الالتفاف على قواعدها لتجنب التصدي للمحافظين، ولا سيما ترامب، خوفا من الانتقام، وفصّلت المذكرة تخلف المنصات عن اتخاذ خطوات “دراماتيكية” لوقف المحتوى المتطرف إلا بعد الهجوم على “الكابيتول”.

الموظفون كتبوا في مذكرتهم، كما نقلت “واشنطن بوست”: “الخلاصة أن منصات التواصل استغلت من قبل الناشطين اليمينيين لدفع الديمقراطية الأميركية إلى حافة الانهيار”.

قد يهمك: هل يمكن اعتبار الهجمات السيبرانية الروسية جرائم حرب؟ 

ما المتوقع من العودة؟

العامان الماضيان، شهدا ظهور منصات عدة تسوق نفسها على أنها “خالية من الرقابة على المحتوى” بهدف جذب المغردين والمدونين المحافظين، ولعل أبرزها منصة “تروث سوشل” التي أطلقها ترامب نفسه. هناك يتمتع بـ5  ملايين متابع، وهنا رقم صغير للغاية مقارنة بـ88  مليون مستخدم كانوا يتابعونه على “تويتر” و34 مليونا على “فيسبوك”.

اليوم، وبعد شهرين على إعادة ماسك حساب ترامب، لم يغرد الأخير فيه بعد، ما يطرح علامات استفهام حول رغبته أساسا في العودة إلى أيّ من المنصات الأساسية، حتى لو سُمح له بذلك، ناهيك عن أن قاعدة مستخدمي “فيسبوك” تراجعت مرارا خلال العامين الماضيين، وبالتالي تأثير المنصة بدأ يضيق.

النقطة الأهم حول عودة ترامب إلى “فيسبوك”، هي استعداده لالتزام قواعد وسياسة استخدام منصات “ميتا”، إذ بحسب “ذا غارديان”، فإن خطاب ترامب أصبح أكثر تطرفا منذ تعليقه على “فيسبوك”، إذ عند رصد منشوراته على “تروث سوشل”، يتبين أن 350 منها على الأقل تنتهك سياسة “فيسبوك” وتستوجب الإزالة، وشملت تلك المنشورات آراء مؤيدة لحركة “QAnon” التي تُتهم بالعنف في العالم الحقيقي، و239 منشورا تشكك في صدقية الانتخابات الأميركية.

في النهاية، فإن عودة حساب ترامب بمنصة “فيسبوك”، لا يضمن تراجع الرئيس الأميركي السابق عن خطابه التحريضي، لا سيما بعد تصاعد حدته على منصته “تروث سوشل”، وحينها ستكون “ميتا” بموقف حرج ثانية، إذ ليس من السهولة أن تتخذ خطوة حظر حسابه مرة أخرى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.