استمع إلى المقال

في 10 أيلول/سبتمبر الجاري، أكد إيلون ماسك عبر تغريدة في منصته “X”، أن بعض القردة التي أجرت عليها شركة التقنيات الحيوية “نيورالينك” اختبارات، قد نفقت نتيجة أمراض عضوية كانت تعاني منها قبل بدء الاختبارات والتجارب، وذلك بعد أن وجه أحد المتابعين سؤالا حول هذا الأمر. 

هذا الرد، لم يكن كافيا لإقناع لجنة الأطباء للطب المسؤول، وهي المهتمة بالاختبارات السريرية وطرق تجربة الأدوية والابتكارات الحيوية الجديدة، لذلك أرسلت المجموعة عدة رسائل مع مستندات إلى هيئة الأدوية الفيدرالية وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية “SEC”، توضح أن شركة إيلون ماسك قد كذبت بشأن هذه القردة إلى جانب بعض الانتهاكات الأخرى التي قامت بها الشركة. 

المجموعة اتهمت إيلون ماسك كذلك بالكذب والاحتيال، لأنه كان يعرف تماما أن السبب الرئيسي وراء نفوق هذه القردة هو الاختبارات التي أجرتها “نيورالينك”، وأضافت أن مستثمري الشركة لديهم كامل الحق في معرفة ما الذي حدث في الاختبارات حقا وكيف يتم استخدام أموالهم، ولكن لماذا قرر إيلون ماسك الكذب مباشرة بخصوص هذه الاختبارات، وهل نفقت القردة حقا بسبب الاختبارات التجريبية لشرائح “نيورالينك”. 

تجارب بعيدة عن الإنسانية 

في أحد الاجتماعات مع المستثمرين، قدم إيلون ماسك عرضا تقديميا حول شركة “نيورالينك” والتقنيات التي تهتم الشركة بها، وفي العرض ذاته، أعلن عن بدء الاختبارات على القردة من أجل الاستعداد للاختبارات البشرية في النهاية، وقال إن جميع الاختبارات ستكون من أجل تأكيد فرضيّات علمية قائمة بالفعل وليس من أجل الاستكشاف ومعرفة طريقة عمل الشريحة، وهو إجراء كاف لضمان إنسانية التجارب التي تجريها الشركة على القردة، ولكن بحسب التقرير الذي قدمه موقع “Wired”، فإن الاختبارات التي أجرتها الشركة كانت أبعد ما تكون عن الإنسانية. 

موقع “Wired” قدم تقريرا مكثفا، تحدث خلاله إلى مجموعة من العلماء الذين عملوا سابقا في “نيورالينك” إلى جانب باحثين حاليين في جامعة كاليفورنيا التي تشارك في الاختبارات ومراكز حقوقية مهتمة بحقوق الحيوان والقردة تحديدا، وعبر هذه المقابلات المختلفة، ظهرت حقيقة الاختبارات التي كانت عنيفة لدرجة أن مصير بعض القردة انتهى بالموت الرحيم بسبب الألم الشديد الذي تعرضوا له. 

أقطاب كهربائية زرعت مباشرة في عقول القردة، ثم بدأت التجربة عبر تمرير تيار كهربائي مختلف الشدة عبر هذه الأقطاب لقياس ردة فعل القردة، وهو ما تسبب في عدة مضاعفات خطيرة كان أبسطها الشلل النصفي للقردة وظهور أورام دماغية بشكل سريع للغاية، وهناك الكثير من الحالات التي أظهرت مضاعفات حتى بعد نجاح عملية زرع الشريحة، وربما كانت الحالة رقم 20 كما تشير إليها المستندات أوضح مثال لهذا الأمر، إذ عانى القرد من التهاب في موضع العملية دفعه إلى خدش المكان باستمرار حتى انكسر جزء من الشريحة متسببا في عدوى بكتيرية وفطرية قضت على القرد في النهاية.

جميع المستندات التي وصل إليها موقع “wired” ونقلها كانت من المصادر العامة والمستندات التي تتيحها جامعة كاليفورنيا ومركز “Davis” لصحة القرود، وكلاهما كان حاضرا في غالبية العمليات والتجارب التي جرت على القردة في الفترة من كانون الأول/ ديسمبر 2017 حتى الآن. 

التقارير تتحدث عن الكثير من الحالات التي عانت من مضاعفات أكثر خطورة من مجرد الالتهاب موضع العملية، ومن ضمنهم حالات فقدت توازنها الجسدي بسبب تلف دماغي دائم تسببت فيه الشرائح وحالات أخرى تحركت الشرائح من مكانها متسببة في تلف متعدد النقاط في الدماغ. 

كذب صريح!

أحد الموظفين السابقين في “نيورالينك”، علق على تغريدة إيلون ماسك بكون القردة مريضة بالفعل وقريبة من الموت قائلا:

“لقد احتفظنا بهذه القردة لمدة تزيد عن العام من أجل مراقبة سلوكها الطبيعي وتحديد حالتها الصحية لتكون مرجعا لأي تغيرات تحدث بعد زراعة الشرائح، مثل هذه التجارب تستثني القردة القريبة من الموت؛ لأنها قد لا تعيش طوال فترة الملاحظة”. 

طالب دكتوراة وباحث في مركز “CNPRC” أكد إدعاءات الموظف السابق، وقال بأن جميع القرود التي قمنا بتشريحها بعد النفوق كانت صغيرة السن، ولم تكن بها أي مشاكل جسدية بعيدا عن الدماغ، وأضاف قائلا بأن أسس الاختبارات المعملية لتكون النتائج صالحة للاستخدام تشترط أن يكون موضع الاختبار سليما ومعافى. 

جميع هذه الشهادات والمستندات التي وصلت إلى هيئة “SEC” وموقع “Wired” تؤكد شيئا واحدا، وهو أن شركة “نيورالينك” كانت تعرف بأن شرائحها تسببت في موت القردة بشكل شنيع، وهذا لم يكن كافيا للشركة حتى توقف الاختبارات ولم يردع إيلون ماسك عن الإدعاء بنجاح الاختبارات والقول بأن حالات النفوق ما هي إلا حالات مريضة مسبقا. 

هل كذب إيلون ماسك حقًا؟ 

في الوقت الحالي، ورغم وجود الكثير من التقارير التي تؤكد كذب أغنى شخص في العالم ورائد التطور التقني، إلا أن الهيئات الحكومية لم تنهي تحقيقتها حتى الآن، وحتى ذلك الوقت، يظل إيلون ماسك بريئًا إلا أن تثبت إدانته. 

ولكن، تاريخ إيلون ماسك حافل بمثل هذه المواقف التي يدعي فيها شيئا مختلفا عن الواقع، وربما كان ماحدث مع أسهم “تسلا” سابقا دليلا كافيا لإثبات نوايا إيلون ماسك المختلفة، حيث قال بأن الشركة ستصبح شركة خاصة مما رفع أسهم الشركة بشكل كبير، ليتضح بعد ذلك كذبه وأن الشركة كانت في مفاوضات ولم تنتهي بشكل جيد. 

هيئة السندات والأوراق المالية الأميركية تعرف جيدا أسلوب إيلون ماسك، واعتبرت حساب “تويتر” الخاص به سابقا جزءا من الأدلة ومصدرا رسميا للأخبار، ولهذا حكمت عليه بغرامة وصلت إلى 280 مليون دولار في وقتها بعد شائعة تحول “تسلا” إلى شركة خاصة. 

في الوقت الحالي، وإذا ثبت كذب إيلون ماسك مجددا، فإن الهيئة لن تتوانى في الحكم عليه بشكل قاسي، وقد تفتح عليه بابا من القضايا المتعلقة بالإنسانية وحقوق الحيوان بشكل يؤذي مسيرة “نيورالينك” للأبد ويقضي عليها. 

ماسك يحاول تحدي العالم والممكن من العلوم التقنية، وذلك دون النظر إلى ثمن هذه التحديات ومدى قابلية تحقيقها، ورغم أنه يرى شرائح “نيورالينك” هي المستقبل، إلا أن التحديات الطبية والمخاوف الإنسانية قد تقف عائقا أمام تحقيق هذا المستقبل. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات