استمع إلى المقال

مزودو الخدمات السحابية الثلاثة الكبار “خدمات ويب أمازون” و”مايكروسوفت أزور” و”سحابة جوجل”، يمثّلون ما يقرب من ثلاثة أرباع السوق السحابية الأوروبية، و 66 بالمئة من السوق العالمي الذي تجاوز الإنفاق عليه في عام 2022 حاجز الـ 217 مليار دولار.

على الرغم من أن الشركات الثلاث خضعت لتحقيقات مختلفة لمكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي على مر السنين، إلا أنها لم تتأثر بعد بقانون المنافسة الأوروبي.

مع ذلك، كانت المفوضية الأوروبية تحقق في ممارسات “مايكروسوفت” بشأن الممارسات المانعة للمنافسة بعد تقديم شكاوى من قبل مزودي الخدمات السحابية الأوروبيين، بما في ذلك “نيكست كلاود” الألمانية و”OVH” الفرنسية العام الماضي.

رغم تنفيذ “مايكروسوفت” بعض التغييرات على شروط الاستضافة بهدف تهدئة المخاوف الأوروبية، تقدم اتحاد مزودي خدمات البنية التحتية السحابية في أوروبا بشكوى أخرى إلى المفوضية الأوروبية في وقتٍ سابق من هذا الشهر، زاعما أن الشروط الجديدة أضافت ممارسات جديدة غير عادلة لمتطلبات الشركة التعاقدية.

إلى جانب “مايكروسوفت”، وجه الاتحاد أيضا اتهاما بتقييد الترتيبات الترخيصية ضد “أوراكل” و”SAP”. وعلى الرغم من أن “خدمات ويب أمازون” تعد من أعضاء الاتحاد إلا أن منظمة الاتصالات البريطانية “OFCOM” بدأت بالتحقيق في ممارساتها في أوروبا، إلى جانب “سحابة جوجل” و”مايكروسوفت أزور”، وستنشر تقريرا نهائيا عن حالة السوق في موعد أقصاه 5 أكتوبر 2023.

في آسيا، لا يختلف الوضع كثيرا، إذ يوجد سلسلة من المقترحات التي تسعى إلى تحفيز توطين البيانات في الهند، وتضع الحكومة اللمسات الأخيرة على قانون حماية البيانات الشامل. كما يتم التخطيط لمتطلبات تخزين البيانات المحلية للمدفوعات الرقمية والتجارة الإلكترونية.

بينما ضغط الهند من أجل الأقلمة، يأتي بعد أن قالت الشرطة الفيدرالية الهندية في تموز/يوليو، إنها بدأت التحقيق في إساءة استخدام شركة “كامبردج أنالاتيكا” بيانات مستخدمي فيسبوك الهنديين، والتي تشتبه نيودلهي في أنها تضمنت معلومات عن المستخدمين الهنود.

كما تقول لجنة السياسة السحابية الهندية، التي يرأسها المؤسس المشارك لعملاقة التكنولوجيا الهندية “إنفوسيس”، كريس جوبالاكريشنان، إن هناك حاجة إلى نظام حماية بيانات لأن إطار قوانين تكنولوجيا المعلومات في الهند “غير كاف” لحماية الحوسبة السحابية.

في آب/أغسطس المنصرم، أصدرت وزارة المعلومات والاتصالات الفيتنامية قانونا يلزم شركات التكنولوجيا الكبرى وشركات الاتصالات بتخزين بيانات المستخدمين الفييتناميين محليا. وذلك يشمل السجلات المالية والبيانات البيومترية ووجهات النظر السياسية، أو أي بيانات أنشأها المستخدمون أثناء تصفح الإنترنت داخل البلاد.

مع ذلك، فإن الشركات الأجنبية كان لديها 12 شهرا كاملة للامتثال. وسيُطلب منها بعد ذلك تخزين البيانات في فيتنام لمدة لا تقل عن 24 شهراً، قبل نقلها إلى مراكز بيانات خارجية.

قد يهمّك: كيف استغلت “مايكروسوفت أزور” تخبط منافسيها في الشرق الأوسط للتسيد على السحابة في المنطقة

فرنسا والنمسا وجنوب إفريقيا وأكثر من 50 دولة أخرى تعمل على تكثيف جهودها للسيطرة على المعلومات الرقمية التي ينتجها مواطنوها والوكالات الحكومية والشركات. بدافع من مخاوف الأمن والخصوصية، فضلا عن المصالح الاقتصادية لدى بعضها والدوافع الاستبدادية والقومية لدى الآخر.

وفقاً لمؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار، تضاعف عدد إجراءات توطين البيانات المعمول بها في جميع أنحاء العالم خلال أربع سنوات. ففي عام 2017، نفذت 35 دولة 67 من هذه القيود. بينما في عام 2021، فرضت 62 دولة 144 قيداً، وهناك عشرات أخرى قيد الدراسة. والهدف المشترك هو تحقيق “السيادة الرقمية”.

ما الذي تغير؟

الإنترنت تطور بالتوازي مع صعود الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم. وبمجرد انتهاء الحرب الباردة، أصبح الإنترنت أحد أبرز سمات هيمنة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن الإنترنت أصبح عالمياً، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تحافظ على دورها كمدير أساسي له من خلال ربط “مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة” (ICANN) مع حكومة الولايات المتحدة. إذ تلعب المؤسسة دورا رئيسيا في إدارة “نظام أسماء النطاقات” (DNS)، وهو مجموعة من قواعد البيانات التي تبقي الإنترنت قيد العمل.

وعليه، تمكنت أكبر شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة -أمازون وجوجل وميتا ومايكروسوفت- من بسط هيمنتها على معظم أنحاء العالم الرقمي غير مثقلة بالضوابط أو المنافسين المحليين القادرين على الاستمرار (بدأ الشق الأخير بالتغير خلال العقد الماضي).

هيمنة تلك الشركات تعني أنها تتحكم في ما سمّي نفط القرن الحادي والعشرين؛ البيانات، ويمكنها تدويرها لصالحها. وأصبحت بعض البلدان تعتبر تلك الهيمنة أقرب إلى الاستعمار الرقمي، كما أظهرت الوثائق التي كشف عنها المتعاقد السابق مع “وكالة الأمن القومي الأميركي” إدوارد سنودن في عام 2013، عن برنامج “بريزم” الذي يمنح أجهزة المخابرات الأميركية وتحالف “العيون الخمس” الاستخباراتي حرية أكبر من الدول الأخرى للوصول إلى البيانات لأنها تعيش على خوادم مقرها الولايات المتحدة.

هذه الحقائق المزدوجة أدت إلى إثارة رد فعل عنيف ضد نموذج الإنترنت المفتوح مع صعود مصطلح “الإنترنت المقسّم” (Splinternet). في الوقت نفسه، طوّرت الشركات والدول أدوات جديدة تجعل الأمر أقل تكلفة بالنسبة للدول الاستبدادية لتقييد وخنق حرية نقل المعلومات داخليا، بالإضافة إلى تسهيل استخدام “البوتات” على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل تدوير القصص لصالحها.

متى بدأ التغيير وكيف؟

خصوم الولايات المتحدة يتخذون خطوات متزايدة للانفصال عن الإنترنت العالمي. الأكثر شهرة هي الصين، التي سيطرت منذ عام 1990 على نقل المعلومات بين الفضاء الإلكتروني العالمي والفضاء الإلكتروني المحلي من خلال “جدار الحماية العظيم”، الذي يتحكم في الوصول المحلي إلى الويب، مثل تقييد الوصول إلى مواقع أجنبية محددة. لكن روسيا وإيران دوّنتا ملاحظاتهما من الصين وتقدمتا خطوة أخرى إلى الأمام، إذ أنشئتا شبكات داخلية محلية يمكن قطعها عن الإنترنت العالمي إذا لزم الأمر.

شبكة المعلومات الوطنية الإيرانية أصبحت الآن بكامل طاقتها، وتحاول الدولة إجبار مستخدمي الإنترنت على إنشاء مواقع ويب ومنافسين إيرانيين للتطبيقات الغربية على الإنترنت المحلي الإيراني بدلاً من شبكة الويب العالمية. فعلت روسيا الشيء نفسه من خلال “قانون الإنترنت السيادي” الذي وقّعه بوتين عام 2019 وشبكة الإنترنت الخاصة بها “رونيت”.

إن إنشاء روسيا وإيران والصين لشبكاتها الخاصة بدافع القلق من تدخل الدول الغربية قد يكون مجرد غطاء تستخدمه الحكومات الاستبدادية التي تطور شبكات داخلية قوية للسيطرة على المعلومات. مع انخفاض أسعار أدوات التحكم في الإنترنت، سيكون الوصول إليها متاحا بشكل متزايد للبلدان الأصغر والأقل نموا. حتى أن روسيا اقترحت إنترنتا أصغر حجما حصريا لبلدان البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).

قد يهمّك: عندما تنفصل الأقاليم عن دولها المركزية على الإنترنت

قومية البيانات

ليست الدول الاستبدادية فقط هي التي تحاول عزل بياناتها عن سيطرة الشركات الكبرى، فأوروبا مثلا، على الرغم من كونها غنية مثل الولايات المتحدة، فقد كافحت لإنشاء شركات إنترنت يمكنها منافسة نظيراتها في الولايات المتحدة.

كما كانت خصوصية البيانات عاملا حاسما في ردود الفعل الأوروبية على التحكم في الإنترنت في الولايات المتحدة، ولا سيما تقديم الاتحاد الأوروبي اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) المؤثرة للغاية في مايو 2018.

ذلك فرض قيودا جديدة على خصوصية البيانات، بما في ذلك كيفية استخدام البيانات ومكان تخزينها وكيف يمكن للأشخاص إعطاء الموافقة على قضايا البيانات. كانت اللائحة العامة لحماية البيانات مدفوعة جزئيا بما كشف عنه سنودن.

على الرغم من أن هذا لا يعني وجود إنترنت منفصل تماما ومنقسم ماديا كما في إيران أو روسيا، إلا أنه له تأثير مماثل يتمثل في زيادة اللوائح وتقليل الوصول الشامل للإنترنت.

حتى في الولايات المتحدة نفسها، تظهر حركات لزيادة تجزئة الإنترنت. يهدف المؤيدون لهذا التوجه إلى الحد من هيمنة الشركات الكبيرة وسيطرتها التي لا مثيل لها على البيانات، كما يريدون زيادة حماية البيانات الشخصية، ربما عن طريق إدخال تغييرات شبيهة باللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية في بعض الولايات.

ماذا يعني كل ذلك؟

مايكل نورينغ، الرئيس التنفيذي لشركة “GCSIT” الأميركية التي تساعد الشركات إلى الانتقال إلى السحابة، في حديث خاص بموقع “إكسڤار”، إن تأثير ذلك يطال الأفراد والشركات الكبرى المزودة للخدمات السحابية وكذلك الشركات الأصغر المحلية.

بحسب نورينغ، عندما يكون لدى الأشخاص وصول محدود إلى المعلومات، قد تضطر الشركات إلى تكييف استراتيجياتها المعتمدة على البيانات لتبقى قابلة للتطبيق في مناطق مختلفة.

لكن مع اللوائح والقوانين المعقدة، يمكن أن تكون تكاليف إدارة الأعمال التجارية في بعض هذه المجالات مرتفعة للغاية. إذ تعتمد الشركات على البيانات العالمية، والتي قد يكون من الصعب جمعها في ظل تقسيم الإنترنت، بحسب حديث نورينغ.

إن مراقبة المحتوى على الويب تؤدي بطبيعة الحال إلى انتشار المعلومات المضللة. عندما يفقد الأشخاص القدرة على الوصول إلى معلومات دقيقة وكاملة، يمكن دفعهم نحو الاعتقاد بصحة شيء قد لا يكون صحيحا على الإطلاق.

مايكل نورينغ

كما يمكن، بحسب نورينغ، أن يصبح الأشخاص في البلدان التي لديها شبكات إنترنت خاصة منفصلة ضحايا للأوضاع الجيوسياسية حيث تحدد حكوماتهم ما يجب أن يكون متاحاً وما لا يجب أن يكون متاحا. عندها يمكن للحكومات أن تقود الناس لاتباع أجندة معينة. ويمكن أن تؤدي إزالة المحتوى أيضًا إلى عدم الثقة في الحكومة.

إذا أنشأت حكومات العالم شبكات الإنترنت المجزأة الخاصة بها، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة مخاطر الهجمات السيبرانية، بحسب نورينغ. فإذا كان لدى دولة ما شبكة الإنترنت الخاصة بها، لن تقلق من التهديد بشأن اختراق الإنترنت الخاص بها أثناء شنّها هجوما سيبرانيا على الإنترنت الخاص بدولة أخرى.

خلاصة ذلك، العقدين القادمين من تنظيم الإنترنت وتغيير الإرشادات حول كيفية تدفق المعلومات عبر الحدود سيكونان أكثر تعقيدا من العقدين السابقين. لكن يبقى من غير المرجح أن تُنشئ كل دولة الإنترنت الخاص بها مع اتصالات محدودة إلى الإنترنت العالمي؛ إن متطلبات الاقتصاد الحديث ببساطة لن تسمح بهذا الاحتمال.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى إكسڤار واشترك بنشرتنا البريدية.